array(1) { [0]=> object(stdClass)#13667 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 205

العالم الإسلامي في الأولوية الخامسة ضمن عقيدة الروسية التي تضم 10 دوائر

الأحد، 29 كانون1/ديسمبر 2024

ارتبطت منظمة التعاون الإسلامي عضوياً بالدفاع عن المقدسات الإسلامية، فقد دُشنت بهدف التأثير الدولي، وأن تكون صوتًا للعالم الإسلامي وقائدًا لحركته في مواجهة التحديات التي عصفت بالعديد من الدول الإسلامية على مدى ما يزيد عن نصف قرن. وقد اتسعت أهدافها اتساقاً مع التطورات الدولية وبروز التكتلات الاقتصادية والأمنية والتوجه نحو تعزيز التعاون بين دول الجنوب ليشمل دعم الشراكة بين الدول الإسلامية وجعل المنظمة منصة لإطلاق المشروعات التنموية المشتركة على أساس المنفعة المتبادلة و"الكل رابح" وعلى النحو الذي يعزز من مكانة وتأثير المنظمة بين أعضائها وعلى الصعيد الدولي.

وتمتلك المنظمة المقومات التي تمكنها من حضور دولي مؤثر، فهي أكبر المنظمات الدولية من حيث عدد الأعضاء بعد الأمم المتحدة حيث تضم 57 دولة منتشرة في القارات الأربعة الرئيسية على مساحة حوالي 32 مليون ك م2 أي ما يقارب ربع مساحة اليابسة، بموقع استراتيجي متميز وإطلالة على أهم البحار والمحيطات والمضايق البحرية، بحدود بحرية تقدر بـ 102,347 كم. كما تحتضن أراضيها مدخلي المحيط الهندي، مضيقي ملقا وباب المندب، ومدخلي البحر المتوسط، قناة السويس ومضيق جبل طارق.

وتضم هذه المساحة ثروات وموارد طبيعية عدة في مقدمتها النفط في حوالي 35 دولة إسلامية تستحوذ على 43% من الإنتاج العالمي، والغاز الطبيعي في حوالي 25 دولة إسلامية بإجمالي 8% من الإنتاج العالمي، و69% من الاحتياطي العالمي من النفط و57% من الغاز، إلى جانب ثروات هائلة من المعادن المختلفة ومنها القصدير التي تنتج الدول الإسلامية 47% من الإنتاج العالمي منه، وتمتلك 56% من الاحتياطي العالمي، و24% من المنجنيز و40% من الكروم و23% من الحديد والألمنيوم و25% من كل من النحاس والفوسفات والبوكسايت، إضافة إلى المياه والأراضي الخصبة والإنتاج الضخم من المحاصيل الزراعية، من أبرزها التمور 76% من الإنتاج العالمي، و43% من القطن، و15% من القمح، و80% من المطاط. كما تمتلك دول المنظمة طاقة بشرية هائلة حيث يتجاوز عدد مسلمي العالم 2 مليار نسمة، يمثلون حوالي ربع سكان العالم معظمهم من الشباب.

يضاف إلى ذلك الثقل السياسي حيث يشكل أعضاء منظمة التعاون الإسلامي كتلة تصويتية مؤثرة داخل الأمم المتحدة، تستأثر بحوالي 30% من أعضاء الجمعية العامة، كما تقود منظمات وأطر دولية هامة من أبرزها منظمة أوبك ومجموعة أوبك+ التي تتحكم في أسعار النفط العالمية، ولها تمثيل بارز في العديد من المنظمات والتجمعات الدولية الاقتصادية والأمنية مثل مجموعة العشرين ومجموعة بريكس والاتحاد الإفريقي ومجموعة الآسيان وحلف شمال الأطلسي ومجموعة شنغهاي وغيرها.

 

أولاً: أبعاد الدور والتأثير الدولي لمنظمة التعاون الإسلامي:

في ضوء القدرات والمقومات المادية والبشرية والمكانة الدولية التي تتمتع بها منظمة التعاون الإسلامي، وبروز عدد من دولها كقوى إقليمية فاعلة، استطاعت المنظمة فرض حضور دولي هام في قضايا العالم الإسلامي وأن تكون رقم مؤثر في معادلة التوازن والقوى الدولية.

  • دور المنظمة في دعم قضايا العالم الإسلامي:

تأتى القضية الفلسطينية في مقدمة هذه القضايا، فقد تأسست المنظمة في أعقاب اعتداء يهودي أسترالي متطرف على المسجد الأقصى في القدس في 21 أغسطس 1969م، استجابة لردود الفعل التي أثارتها الدول الإسلامية والمطالبة بموقف إسلامي موحد وقوي من الحادث، فكان أول مؤتمر إسلامي لوزراء الخارجية في مدينة جدة، في مارس 1970م، الذي قرر بموجبه إنشاء أمانة عامة يكون مقرها بالمدينة ويرأسها أمين عام للمنظمة. ومنذ ذلك الحين انعقدت 14 قمة إسلامية فضلاً عن العديد من الاجتماعات الاستثنائية لمتابعة التطورات في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك الأزمة في غزة وتقديم الدعم اللازم للفلسطينيين سياسياً وإنسانياً. فقد أدانت منظمة التعاون الإسلامي بشدة الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، ودعت إلى وقف فوري للعدوان ورفع الحصار المفروض على القطاع، وأعادت التأكيد على ثوابت موقفها والدعم الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. مؤكدة الدعوة إلى الحل السلمي العادل والشامل للنزاع العربي الإسرائيلي، استنادًا إلى مبادرة السلام العربية التي طالما كانت خيارًا استراتيجيًا للمنظمة.

وتشدد المنظمة على أهمية التضامن الإسلامي في مواجهة التحديات الراهنة، معتبرة أن استمرار العدوان الإسرائيلي يشكل تهديدًا ليس فقط للحقوق الفلسطينية ولكن للأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها. وترفض كافة الإجراءات الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير الوضع القانوني والتاريخي لمدينة القدس، وتطالب بضرورة توفير الحماية الدولية للفلسطينيين، وتندد بأية محاولات تهجير قسري للسكان الفلسطينيين، وتصاعد الانتهاكات ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس.

وفى 26 فبراير 2024م، قدم الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، السيد حسين إبراهيم طه، مرافعة شفوية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، باسم المنظمة استعرض فيها جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، ومضيها قدماً في تطبيق سياسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين. مؤكداً إدانة المنظمة، التي تمثل الصوت الجامع للعالم الإسلامي، لهذا العدوان، معبراً عن أسفه لعجز مجلس الأمن عن تنفيذ القانون الدولي لوقف دوامة العنف وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. وناشد محكمة العدل الدولية بأن تدين الاستيطان المتسارع للقدس الشرقية والهجمات الإسرائيلية التي يتم تنفيذها ضد الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس.

وفى 27 سبتمبر 2024م، أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إطلاق تحالف دولي يهدف لإقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وفى هذا السياق استضافت الرياض قمة المتابعة العربية الإسلامية المشتركة في 11 نوفمبر 2024م، التي أعادت التأكيد على مخرجات القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية الأولى التي عُقدت في الرياض، في 11 نوفمبر 2023م، وأكدت القمة على دعم جهود التوصل لوقف إطلاق النار بغزة ولبنان، ومنع انجراف المنطقة لصراع إقليمي واسع النطاق، وتأكيد الدعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على خطوط عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية. وطالب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي خلالها بدعم تنفيذ فتوى محكمة العدل الدولية حول عدم شرعية الاحتلال وتسريع تحقيق حل الدولتين.

وفى 17 ديسمبر 2024م، انطلقت آلية التنسيق المشتركة بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي لدعم القضية الفلسطينية. وركز الاجتماع الأول لها على خطة العمل التنفيذية لأنشطة الآلية الثلاثية لعام 2025م، في المجالات السياسية والاقتصادية والإنسانية والثقافية والإعلامية، والتأكيد على حشد الجهود وتنسيق المواقف العربية والإسلامية والإفريقية على الساحة الدولية بشأن القضية الفلسطينية، إضافة إلى تنفيذ عدد من الأنشطة والفعاليات المشتركة لتعزيز الدعم والتضامن مع فلسطين ونضال شعبها العادل بكل المحافل والميادين على المستويين الرسمي والشعبي في الدول الأعضاء بالمنظمات الثلاث.

كذلك استحوذت قضية مسلمي الروهينجا في ميانمار " بورما " باهتمام المنظمة، وذلك منذ بدء الأزمة حيث توجهت بعثة لتقصي الحقائق تابعة لمنظمة التعاون الإسلامي إلى ميانمار في سبتمبر 2012م، للتحقيق في أحداث العنف ضد جماعات الروهينجا المسلمين في ولاية راخين وانتهاكات حقوق الإنسان وعمليات القمع ضدهم. وأكدت المنظمة التزامها بالسعي لتحقيق العدالة والمساءلة عن الفظائع التي ارتكبها جيش ميانمار، وخاصة في محكمة العدل الدولية.
ودعمت جهود بنجلاديش والعديد من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي لتوفير المأوى والإغاثة الإنسانية للاجئي الروهينجا. ودعت المجتمع الدولي إلى تجديد التزامه بالجهود الرامية إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الطوعية والآمنة والكريمة والمستدامة للاجئي الروهينجا إلى وطنهم في ميانمار، ومضاعفة الجهود لتوفير المساعدة الإنسانية للنازحين في مخيمات اللاجئين في ضوء الانخفاض الكبير في التمويل الذي أدى إلى خفض المساعدات الغذائية لهم.

 

  • منظمة التعاون الإسلامي رمانة الميزان للتوازن والاستقرار الدولي:

إن انتهاج منظمة التعاون الإسلامي واعضائها من دول الجنوب الإسلامية سياسة الحياد إزاء الاستقطابات الدولية خلال فترة الحرب الباردة، وتلك التي برزت على خلفية الحرب في أوكرانيا، مثلت رمانة الميزان الداعمة للاستقرار الدولي وتلجيم الاندفاع في آتون الحروب والصراعات بين القوى الكبرى ذات الانعكاسات السلبية على الأمن والاستقرار الدولي والإقليمي. فقد أكدت المنظمة دعمها لجميع الجهود الدولية الرامية إلى تشجيع الحوار والانخراط الدبلوماسي وتخفيف حدة التوتر والشروع في إجراءات التهدئة للأزمة الأوكرانية، ومواصلة المفاوضات سعياً للتوصل لحل سياسي يضمن إقامة سلام واستقرار دائمين ويحفظ أمن وسلامة الشعوب.

في هذا الإطار استضافت الرياض واحداً من الاجتماعات التحضيرية لقمة السلام المقترحة للأزمة الأوكرانية بجدة في أغسطس 2023م، ونجحت الوساطة السعودية في تبادل مئات الأسرى بين روسيا وأوكرانيا ومنها تلك التي تمت في سبتمبر 2022 وأسفرت عن إطلاق سراح 200 أسير أوكراني و10 أسرى من مواطني المغرب، والولايات المتحدة، وبريطانيا، والسويد، وكرواتيا. على صعيد آخر، ساهم موقف دول منظمة التعاون الإسلامي والتزام الحياد في التخفيف من حدة الأزمات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا خاصة أزمتي الغذاء والطاقة التي اعتصرت العديد من الدول النامية والمتقدمة على السواء.

ثانياً: روسيا ومنظمة التعاون الإسلامي:

اكتسبت المنظمة على مدى العقود الماضية ثقة العديد من الدول من خارج العالم الإسلامي وأصبحت جاذبة لتطوير التعاون معها، ومن أبرز هذه الدول روسيا الاتحادية.

(1) عضوية روسيا في منظمة التعاون الإسلامي:

تقدمت روسيا بطلب عضوية منظمة التعاون الإسلامي في أكتوبر 2003م، مستندة في ذلك إلى عدة عوامل أهمها أن الإسلام يعتبر ثاني أكبر ديانة في روسيا حيث يبلغ عدد المسلمين بها حوالي 20 مليون مسلم يمثلون 14% من إجمالي عدد السكان، ويتركزون في عدد من الأقاليم الروسية خاصة جمهوريات شمال القوقاز، وأهمها: الشيشان، داغستان، تتار ستان، إنجوشيتيا، كابردينا، بلكاريا، كاراتشايفا، تشيركيسا، باشكورتستان. ويمارس مسلمو روسيا كل الشعائر الدينية بحرية تامة داخل روسيا، كما أزداد عدد الحجاج الروس على نحو ملحوظ حيث يتوجه حوالي 25 ألف مسلم سنوياً من روسيا لتأدية فريضة الحج.

 وتعتبر الروابط الدينية بين روسيا والعالم الإسلامي عميقة الجذور وضاربة في التاريخ لقرون ممتدة، وخلال افتتاحه مسجد موسكو الكبير في 23 سبتمبر 2015م، أكد الرئيس بوتين أن الإسلام جزء لا يتجزأ من الحياة الروحية الروسية، وذكّر بأن الإسلام في روسيا يعتبر وفقًا للقانون أحد الأديان التقليدية. كما أكد على أهمية تربية الشباب المسلم على أساس القيم الإسلامية التقليدية، ووضع حد لمحاولات فرض رؤى غريبة لا علاقة لها بالإسلام الحقيقي. وأشار إلى أن الحكومة الروسية ستواصل دعمها لإنعاش المدرسة الوطنية لعلوم الدين الإسلامي، مضيفًا أنه أيد اقتراح قيادة جمهورية تتار ستان بشأن تأسيس أكاديمية إسلامية في هذه الجمهورية. وقد اُفتتحت بالفعل أكاديمية بلجار الإسلامية في سبتمبر 2017م، في مدينة "بلجار"، العاصمة القديمة لجمهورية تتارستان الروسية.

وشهد العقدان الماضيان صحوة لإعادة ترميم المساجد التي يرجع تاريخ البعض منها إلى مئات السنين، وإنشاء مساجد جديدة كان من أبرزها مسجد موسكو الكبير الذي يعد أكبر مسجد في أوروبا، ومسجد قلب الشيشان في العاصمة الشيشانية جروزني والذي افتتحه الرئيس بوتين بنفسه عام 2007م، ليتجاوز عدد المساجد في روسيا الخمسة آلاف مسجداً، من أبرزها أيضاً مسجد "كول شريف" في قازان، ومسجد "نورد كمال" بمدينة نوريلسك في القطب الشمالي، ومسجد "لالا-توليب" في جمهورية بشكورستان، ومسجد سان بطرسبورج "الأزرق". هذا إلى جانب افتتاح العديد من المؤسسات التعليمية الإسلامية، ومن أبرزها جامعة قازان الإسلامية في عاصمة جمهورية تتارستان الروسية، والتي تم تأسيسها عام 1998م، من ناحية أخرى، اعترف بطريرك الكنيسة الروسية الراحل ألكسي الثاني للسلطة الفلسطينية بدورها في حماية الأماكن المسيحية المقدسة التابعة للكنيسة الروسية في الأراضي المحتلة تأكيداً لروح الود والثقة المتبادلة بين روسيا والعالم الإسلامي عامة.

 وهذه السياسة ليست بجديدة على روسيا، فقد قامت الإمبراطورة كاترينا الثانية عقب تربعها على عرش روسيا عام 1762م، بإرساء دعائم التسامح الديني في البلاد، وقامت بزيارة كانت الأولى من نوعها لمدينة قازان للاطلاع على أحوال المسلمين هناك، وسمحت ببناء المساجد في قازان وغيرها من المناطق الروسية مثل جزيرة القرم والأورال وريزان وسيبيريا. كما قامت لأول مرة عام 1787م، بطبع القرآن الكريم باللغة العربية وتوزيعه على المسلمين، إيماناً منها بأنه إذا حسُن إيمان المسلمين سيخلصون لها الطاعة والعمل.

في هذا السياق، ومع حرص روسيا على إبراز هذا التقارب الديني والحضاري والتأكيد عليه، حصلت موسكو بالفعل على صفة مراقب في منظمة التعاون الإسلامي عام 2005م، كما مُنحت روسيا عام 2007م، صفة مراقب في المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم "الإيسيسكو".

(2) أبعاد التعاون بين روسيا ومنظمة التعاون الإسلامي:

عكست عقيدة السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية الصادرة في 31 مارس 2023م، أولوية التعاون مع العالم الإسلامي حيث تقدم الأخير واحتل المرتبة الخامسة، ضمن عشر دوائر للسياسة الروسية، بعد الجوار القريب في الفضاء السوفيتي السابق والقطب الشمالي والقارة الأوراسية وآسيا الباسفيك. وأكدت الوثيقة أن الدول ذات الحضارة الإسلامية الصديقة، والتي تتمتع بآفاق كبيرة لترسيخ نفسها كمركز مستقل للتنمية العالمية في عالم متعدد، شركاء موثوقين لروسيا في ضمان الأمن والاستقرار وكذلك في حل المشاكل الاقتصادية على المستويين العالمي والإقليمي. وأن روسيا تسعى إلى تعزيز التعاون الشامل على أساس المنفعة المتبادلة مع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، مع احترام أنظمتها الاجتماعية والسياسية وقيمها وتقاليدها.

وأشارت إلى أربع مجالات للتعاون مع منظمة التعاون الإسلامي، تتضمن تعزيز الحوار والتفاهم بين الأديان والثقافات وتوحيد الجهود لحماية القيم الروحية والأخلاقية التقليدية ومكافحة الإسلاموفوبيا، والتوفيق بين الخلافات وتطبيع العلاقات بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وكذلك بين هذه الدول وجيرانها بما في ذلك التوصل إلى حل شامل ودائم للقضية الفلسطينية، والمساعدة في حل وتجاوز تداعيات الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوبها ،وجنوب شرق آسيا وغيرها من المناطق التي توجد فيها الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وإطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بهدف إقامة الشراكة الأوراسية الكبرى.

وكانت روسيا قد بادرت بتأسيس "مجموعة الرؤية الاستراتيجية روسيا – العالم الإسلامي" عام 2006م، بقيادة رئيس الوزراء الروسي ووزير الخارجية الأسبق يفجيني بريماكوف ومينتيمير شايميف، رئيس جمهورية تتارستان آنذاك، ويرأسها حالياً رئيس جمهورية تتارستان روستام مينيخانوف، بهدف تعزيز الحوار بين روسيا والعالم الإسلامي وكجسر ثقافي وديني يربط الجانبين. وتضم المجموعة 33 شخصية حكومية وعامة من 27 دولة إسلامية، بما في ذلك، رؤساء وزراء سابقين، ووزراء خارجية سابقين، والعديد من رجال الدين البارزين في الشرق الإسلامي من إندونيسيا، والمغرب، والسعودية، وإيران، والكويت، وغيرها. وتعقد المجموعة اجتماعات دورية في موسكو، وقازان، كما عقدت عدد منها خارج روسيا في إسطنبول وجدة والكويت.

وتنظم المجموعة العديد من الأنشطة والمنتديات أي تجمع رجال الدين وقادة الرأي والصحافة من البلدان الإسلامية المختلفة، من أبرزها المنتدى الدولي للصحفيين "الصحفيون من البلدان الإسلامية ضد التطرف"، والمنتدى الدولي للكتاب والمثقفين "مؤلفات أيتماتوف: حوار الثقافات"، وذلك بهدف تعزيز التفاعل الثقافي والتعاون طويل الأجل بين روسيا والدول الإسلامية، وتنسيق التدابير المشتركة لمكافحة الإرهاب الدولي، والتنفيذ العملي للشراكة الاستراتيجية بين روسيا والعالم الإسلامي.

على صعيد آخر، تعمل روسيا على تطوير التعاون الاقتصادي مع العالم الإسلامي، وأطلقت المنتدى الاقتصادي الدولي "روسيا -العالم الإسلامي: منتدى قازان" عام 2010م، ويعد منصة لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والاجتماعية والثقافية بين روسيا ودول منظمة التعاون الإسلامي، ونال هذا المنتدى الصفة الفيدرالية في روسيا منذ العام 2023م، ويركز على مناقشة الاتجاهات في التقنيات المالية الإسلامية والاستثمار الأجنبي المباشر، وتطوير التعاون الصناعي بين الأقاليم والدول، ويتضمن منتديات للدبلوماسيين الشباب من دول منظمة التعاون الإسلامي ورواد الأعمال الشباب من دول المنظمة، واجتماع لسفراء دولها، ومعرض "روسيا حلال إكسبو".

وخلال عام 2024م، شارك في المنتدى 11 ألف مشارك من 79 دولة وتضمن عقد 125 جلسة بمشاركة خبراء من روسيا ودول منظمة التعاون الإسلامي ودول أخرى، تناولت آفاق التعاون بين الجانبين في مختلف المجالات. ومن أبرزها تطوير ممرات نقل (شحن) متعدد الوسائط، والسياحة، وتصدير منتجات الحلال الروسية، والمشاريع الصناعية والتكنولوجية والتعليمية والثقافية، ومعرض روسيا الدولي لمنتجات الحلال، حيث عرضت شركات روسية منتجاتها التي تتوافق مع تعاليم وقواعد الشريعة الإسلامية، كما عقد اجتماع للخبراء في مجال التمويل الإسلامي، وغيرها من الفعاليات.

وتعتبر تتارستان والشيشان، شرايين تربط روسيا والعالم الإسلامي، وتقوم بدور محوري في تعزيز التعاون بين الجانبين. وإلى جانب منتدى قازان الاقتصادي، كانت تتارستان من أوائل الأقاليم الروسية التي تبنت نظام التمويل الإسلامي، مما جذب الاستثمارات من الدول الخليجية وغيرها من الدول الإسلامية. وتعمل شركاتها على تطوير منتجات وخدمات تتوافق مع الشريعة الإسلامية، ومنها الخدمات المصرفية. كما وقعت العديد من اتفاقيات التعاون مع دول إسلامية في مجالات الطاقة، والتكنولوجيا، والتعليم. وتستقبل جامعة قازان العديد من الطلاب من الدول الإسلامية، مما يسهم في تعزيز التبادل الثقافي والفكري، وتنظم فعاليات ثقافية ودينية تجمع بين المسلمين من مختلف أنحاء العالم.

كذلك تعد الشيشان واحدة من أهم المناطق في روسيا التي تضطلع بدور محوري في تعزيز العلاقات مع العالم الإسلامي. ونجح زعيمها رمضان قديروف في بناء روابط قوية مع كثير من الدول الإسلامية من أبرزها المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا، وإيران، ومصر. وتعد الرياض من أبرز شركاء الشيشان، وقد زار قديروف السعودية عدة مرات، قام خلالها بتوقيع اتفاقيات تعاون في مجالات التعليم والثقافة والسياحة الدينية. وتستقبل الشيشان كثيرًا من الطلاب من الدول الإسلامية للدراسة في جامعاتها ومعاهدها الدينية. كما يدرس الطلاب الشيشانيون في الدول الإسلامية، مما يعزز التفاهم الثقافي والإنساني. كما تم توقيع كثير من اتفاقيات التعاون الاقتصادي، بين الشيشان وعدد من الدول الإسلامية تشمل الاستثمارات المشتركة في البنية التحتية، والطاقة، والتجارة. هذا إلى جانب التعاون الأمني وتبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف.

إن خبرة التعاون بين روسيا والعالم الإسلامي على مدى عقود ممتدة، واللحمة الدينية والإنسانية بين الجانبين، المتمثلة في مسلمي روسيا، تفتح آفاق لا نهائية للشراكة المستقبلية بينهما في مختلف المجالات خاصة وأن موسكو تضع العالم الإسلامي كأحد الدوائر الرئيسية لسياستها الخارجية.

مقالات لنفس الكاتب