ارتبط تأسيس منظمة التعاون الإسلامي بفلسطين والقدس خاصة بسبب حريق المسجد الأقصى 21 أغسطس 1969م، الذي قام به متطرف استرالي، دينيس مايكل روهان (1941-1995م)، وهو مسيحي إنجيلي، تأثر بمجلة الحقيقة الواضحة التابعة لإحدى الكنائس المسيحية الإنجيلية والتي عرفت بكنيسة الرب بكاليفورنيا،، والتي تدعي أن عودة المسيح مرتبطة بعودة اليهود إلى فلسطين وبناء الهيكل الثالث، وبعد احتلال الضفة الغربية يونيو 1967م، كتب مؤسس كنيسة الرب هيربرت أرمسترونغ مقالا بعنوان " اليهود يحتلون القدس" تناول فيه أهمية احتلال القدس بالنسبة للمسيحيين الإنجيليين قال فيه " سوف يبنى هيكل يهودي في القدس وستقدم فيه القرابين من جديد، وسيحدث هذا خلال أربعة أعوام ونصف، سيستغرق بناء هيكل كهذا بعض الوقت، ولا أدري كيف يدعون الشهور تمر، سيكون هناك هيكل في القدس قريبًا وسوف تقدم فيه القرابين كل يوم "؟ أخذ مايكل روهان يردد هذه المقولة وصرح لمعارفه أنه " مبعوث من الله" لهدم المسجد الأقصى والتمهيد لبناء الهيكل الثالث وعودة المسيح، هذا الهوس الديني ما زال منتشرًا بين أتباع المسيحية الصهيونية التي تؤيد إسرائيل ولها تأثيرها في الانتخابات الأمريكية وفي التيار المحافظ الأمريكي الذي شنت الإدارات الأمريكية المتأثرة بها نخبتها الحاكمة حروبًا في العالم الإسلامي من أفغانستان للعراق وتأييدها المطلق لإسرائيل تحت شعارات زائفة بدأ المجتمع الأمريكي والشعوب الأوروبية تستيقظ من هذا الوهم.
منبر صلاح الدين الأيوبي: البعد التاريخي
اعترف مايكل روهان بقيامه بالحريق وادعى أنه نفذ نبوءة توراتية، وتأكد أنه هاجر من أستراليا إلى فلسطين وتلقى تدريبًا لمدة عامين بإشراف من إحدى الجماعات الصهيونية وهي شهود يهود وهذا يبين التعاون بين الجماعات الصهيونية والمسيحية الإنجيلية. كان روهان يتردد على المسجد الأقصى من ضمن الوفود السياحة، وحمل وشاحاً أغرقه بالبترول وفرشه على عتبات منبر صلاح الدين ثم صب فوقه المزيد من البنزين وأشعل فيه النار بعود كبريت، واستمر الحريق خمسة ساعات التهمت النيران منبر المسجد التاريخي الذي عرف بمنبر صلاح الدين الأيوبي، الذي أحضره من مدينة حلب، وذلك عندما حرر صلاح الدين القدس عام 1183م، وكان لهذا المنبر مكانة خاصة، لأن السلطان نور الدين زنكي هو الذي أمر بإعداده ليوم تحرير المسجد الأقصى والذي تم على يد صلاح الدين، وكان الهدف من الحريق طمس البعد الحضاري الإسلامي وهدم المسجد الأقصى، كان المنبر متميزا بزخرفة الفن الإسلامي، وعندما ألقي القبض على ماكيل روهان بعد يومين من الحريق في كيبوتس "مشمار هشارون" وكما هي عادة إسرائيل ادعى طاقم الدفاع عنه أنه مريض نفسيًا وقررت المحكمة الإسرائيلية أنه غير مؤهل للمحاكمة، وقد أعد الأردن منبرًا بديلًا يماثل منبر نور الدين زنكي ووُضع في المسجد الأقصى عام 2006م.
أدان مجلس الأمن الدولي الحريق، وأصدر قراره رقم 271 لسنة 1969م، بأغلبية 11 صوتًا وامتناع أربعة دول عن التصويت هي الولايات المتحدة وبارغواي وفنلندا وكولمبيا وهي الدول التي تدور في الفلك الأمريكي، وجاء في القرار " أن "مجلس الأمن يعبر عن حزنه للضرر البالغ الذي ألحقه الحريق بالمسجد الأقصى يوم 21 أغسطس 1969م، تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، ويدرك الخسارة التي لحقت بالثقافة الإنسانية نتيجة لهذا الضرر". وكما هي عادة الولايات المتحدة بمختلف إداراتها لا يهمها حقوق الإنسان ولا الثقافة الإنسانية ولا القيم الحضارية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فقد امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي 2728 الصادر 25 مارس 2024م، الذي يدعو لوقف الحرب على غزة والذي أيده أغلب أعضاء المجلس مقابل الولايات المتحدة التي امتنعت عن التصويت؟
القمة الإسلامية بالرباط ومنظمة المؤتمر الإسلامي
أثارت جريمة إحراق المسجد الأقصى ردود أفعال واسعة في العالم الإسلامي شعوبًا وحكومات، وتمثلت ردود الفعل الرسمية في مناشدة الملك فيصل بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ المسلمين في العالم أن يهبوا لنصرة القدس وتحرير المقدسات، ودعا لمؤتمر قمة إسلامية والذي عقد بالفعل في مدينة الرباط عاصمة المغرب 22-24 سبتمبر 1969م، وحضرته 25 دولة إسلامية رغم أنه رشحت للمؤتمر 35 دولة، وتقرر تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حاليًا)، وأن يكون مقرها مدينة جدة مؤقتًا حتى تتحرر مدينة القدس لتكون مقرها الدائم كما جاء في بيان التأسيس، ولذلك ارتبط إنشاء المنظمة بالقضية الفلسطينية وتحرير القدس. وتصنف منظمة التعاون نفسها بأنها لحماية المصالح الحيوية للمسلمين والصوت الجماعي للعالم الإسلامي وقد جاء في البيان الختامي لقمة الرباط " إصرار الدول الإسلامية على تحرير القدس من الاحتلال الإسرائيلي ورفض أي حل للقضية الفلسطينية لا يتضمن عودة القدس لأوضاع ما قبل يونيو 1967م، وطالب المؤتمر بسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة، ودعا الدول الأربع الكبرى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا إلى تحمل مسؤولياتها إزاء تنفيذ قرارات مجلس الأمن ".
تضم منظمة التعاون الإسلامي الآن 57 دولة إسلامية، وهي ثاني تكتل في العالم بعد هيئة الأمم المتحدة، وتم إنشاء أمانة عامة وتبني ميثاق للمنظمة و تم توقيع الدول الأعضاء عليه عام 1972م، وحيث أن تأسيس المنظمة ارتبط أساسًا بالقدس وفلسطين فقد عقدت عدة قمم إسلامية عادية واستثنائية وطارئة من أجل القدس وفلسطين، فقد عقد مؤتمر القمة الإسلامي في لاهور بباكستان فبراير 1974م، لدعم كفاح الشعب الفلسطيني وقمة مكة المكرمة 1981م، تحت شعار "دورة فلسطين والقدس الشريف، وأكدت على دعم الشعب الفلسطيني والقمة الإسلامية الخامسة يناير 1987م، أكدت أن جوهر الصراع القضية الفلسطينية وأن السلام لن يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي القمة السادسة 1991م، التي عقدت في السنغال، كانت تحت شعار القدس الشريف والوئام والوحدة وفي القمة الثامنة في طهران 1997م، أعلن في القمة أن قضية فلسطين والقدس هي قضية المسلمين ، وفي اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية في الدوحة مايو 2001م، أكد الاجتماع تأييده للانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفي القمة الإسلامية الاستثنائية ديسمبر 2017م، في اسطنبول رفضت الدول الإسلامية بيان إدارة ترامب تغيير وضع القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها، ودعت القمة إلى تشكيل لجنة خبراء للتحقيق في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة، وفي نوفمبر 2024م، عقدت القمة الإسلامية الاستثنائية في الرياض لمناقشة الإبادة الجماعية في غزة، وقدم الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه مرافعة شفوية أمام محكمة العدل الدولية في 26 فبراير 2024م، عن جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وأكد في مرافعته التي قدمها معه فريق استشاري قانوني على إدانة المنظمة لجرائم إسرائيل والإبادة الجماعية التي تمارسها، وناشد الأمين العام محكمة العدل الدولية بأن تدين الاستيطان المتسارع للقدس الشرقية والهجمات الإسرائيلية التي يتم تنفيذها ضد الأماكن المقدسة المسلمة والمسيحية في القدس الشريف، وفي 12 نوفمبر 2024م، تم توقيع وثيقة الآلية الثلاثية بين منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي لتنسيق المواقف الدولية وتبادل وجهات النظر والعمل المشترك من أجل القضية الفلسطينية . وكما قال المفكر الروسي والمقرب من الرئيس بوتين ألكسندر دوغين " وإذا تمكن المسلمون من الاتحاد في وجه عدو شرس مشترك، هنا سيظهر قطب إسلامي مكتمل".
منظمة التعاون الإسلامي امتداد لتاريخ طويل
إن منظمة التعاون ما هي إلا امتدًا لتاريخ طويل لمقاومة الغزوات على فلسطين والمنطقة العربية فكانت معركة حطين 1187م، على أرض فلسطين قادها صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس من الصليبيين، وفي عام 1260م، كانت معركة عين جالوت على أرض فلسطين قادها السلطان قطز قادمًا من مصر وانتصر فيها الجيش الإسلامي على التتار، وكان موقف السلطان العثماني عبد الحميد الثاني من منع الهجرة اليهودية وإصداره جواز السفر الأحمر لتحديد زيارة اليهود للقدس، كما عقدت عدة مؤتمرات إسلامية في بداية القرن العشرين من أجل القدس وفلسطين، فعقد المؤتمر الأول والثاني في مكة المكرمة 1924 و1926م ، ومؤتمر القاهرة 1926م، ومؤتمر القدس 1931م، ومؤتمر جنيف 1935م، والمؤتمر البرلماني العربي الإسلامي للدفاع عن فلسطين في أكتوبر 1938م، واجتماعات متتالية بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا يؤكد أن الدول الإسلامية لها اهتمام بالقضية الفلسطينية ولذلك كانت منظمة التعاون الإسلامي، ورغم الخلافات السياسية بين الدول الإسلامية فإنها تلتقي حول أهمية القضية الفلسطينية وخطورتها على أمن الدول العربية والإسلامية، خاصة مع أوهام الهوس الديني الذي يقوده اليمين المتطرف في إسرائيل واعتباره صراعًا دينيًا، ويستشهد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزراء اليمين المتطرف بالتوراة وبدعوى كاذبة ببناء الهيكل الذي أكدت معظم الدراسات الأثرية أنه لا يوجد أثراً مطلقًا لما يسمى الهيكل وتدعم المسيحية الصهيونية هذه الدعوى الباطلة، وقد استخدمت القوى الغربية الدين كوسيلة للاستعمار فالتبشير في إفريقيا كان مقدمة للاستعمار للقارة وسيطرة الرجل الأبيض على الأراضي الإفريقية، وحدث صراع مرير من أجل الاستقرار، وإن إنشاء إسرائيل مقدمة للقوى الغربية لخدمة مصالح الدول الغربية واستغل فيها الدين، وليس غريبًا أن يقول الرئيس الأمريكي بايدن لو لم تكن إسرائيل موجودة لقمنا بإنشاء إسرائيل، وهذا يعكس الموقف الأمريكي والغربي ويظهر هذا أيضًا من تهافت الزعماء الغربيين لزيارة إسرائيل عند حدث السابع من أكتوبر، وأمد الغرب إسرائيل بالسلاح والدعم السياسي وتجاهل القوانين الدولية والإنسانية ومواثيق حقوق الإنسان الدولية، وأصبحت تنظر للصراع برؤية صدام حضاري ضد العرب والمسلمين، والجدير بالذكر في الوقت الذي يتجه المجتمع الإسرائيلي والمجتمعات الغربية اتجاه اليمين المتطرف وانتشار الإسلامو فوبيا في الغرب المؤيد لإسرائيل والمناهج الإسرائيلية التي تشوه الصورة العربية والإسلامية، نجد أن المؤسسات الغربية تطلب تغيير المناهج العربية والإسلامية وحتى ما يتعلق بفلسطين، فالعالم الإسلامي يتبنى الاعتدال وحوار الحضارات والغرب عمومًا وإسرائيل تتجه إلى اليمين المتطرف الذي وصل للسلطة، ويشن حملة ضد المسلمين وتجاهل الحقوق الفلسطينية التي يفرضها القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وهذا اليمين الإسرائيلي والغربي يهدد الأمن والسلام العالميين ورغم ما يقال عن علمانية الغرب وفصل الدين عن الدولة كما يقال، فالواقع أن الدين يلعب دورًا مهمًا في سياسة الدول الغربية وتأييدها لإسرائيل، وكانت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد كلنتون أشارت في كتابها " الجبروت والجبار: تأملات في السلطة والدين والشؤون الدولية " إلى دور الدين في السياسة الداخلية والدولية، بل لم يخف جورج بوش الابن معتقداته الدينية في حربه على أفغانستان والعراق، وفي إسرائيل سواء التيار اليميني المتطرف أو ما يدعي العلمانية، فالدولة اليهودية التي قام عليها ويتبناها الجميع، يهودية الدولة ويروجوا لها بالمعتقدات التوراتية وسياسة الفصل العنصري والعداء للسامية ودعوى الهولوكوست .
منظمة التعاون وتوظيف مؤسساتها لخدمة فلسطين
إن منظمة التعاون التي جاء تأسيسها لنصرة القدس وتحريرها، قامت بالاهتمام بالقدس خلال مسيرتها التي تجاوزت نصف قرن، فقد أنشئت لجنة القدس طبقًا للقرار رقم 6/1الصادر عن المؤتمر الإسلامي السادس لوزراء الخارجية الذي عقد في جدة خلال الفترة 12-15 يوليو 1975م، وتولى رئاستها ملك المغرب منذ إنشائها، ومن أهدافها متابعة تنفيذ القرارات التي تتخذها المنظمة ومتابعة قرارات الهيئات الدولية، والحفاظ على القدس وتراث المسلمين فيها، فقد تأسست وكالة بيت مال القدس، وجاءت بناءً على فكرة الملك الحسن الثاني في الاجتماع الخامس عشر للجنة القدس التي عقدت في مدينة أفران المغربية عام 1995م، وتم تقديم الفكرة إلى مؤتمر وزراء الخارجية للدول الإسلامية الذي عقد في كوناكري عاصمة جمهورية غينيا، وأنطلق نشاط بيت المال رسميًا في 30 يونيو 1998م، وذلك لتقديم الدعم المالي والعون للسكان الفلسطينيين في القدس والمؤسسات الفلسطينية في المدينة المقدسة والمحافظة على ممتلكات المسلمين، خاصة أن المنظمات الصهيونية تسعى بكل الوسائل للسيطرة على المساكن الفلسطينية وتقدم إغراءات خيالية لشراء المنازل ولكن الشعب الفلسطيني متمسك بكل قوة بأملاكه في القدس رغم الإغراء ويتحدى الصهيونية فالقدس وفلسطين وكما هو معروف تاريخياً هي وقف إسلامي. وتقدم مؤسسات المنظمة الأخرى مثل البنك الإسلامي للتنمية المساعدات للمؤسسات الفلسطينية والمشاريع الإنمائية والمنح الدراسية لبعض الطلبة الفلسطينيين كما تقدم المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسسكو) المساعدة للمؤسسات الثقافية الفلسطينية وكان لها دور في منظمة اليونسكو للمحافظة على التراث الإسلامي في القدس، كما تشارك المنظمة في المؤتمرات الدولية التي تتعلق بفلسطين وفي الاجتماعات التي تتعلق بالقدس وفلسطين في الأمم المتحدة، وكان لها موقف مهم من الانتفاضات الفلسطينية وإدانة الممارسات الإسرائيلية وانتهاك المسجد الأقصى من جحافل المستوطنين المتطرفين وكما أشرنا قدمت الافادة أمام محكمة العدل الدولية، ولا شك أن المنظمة بعددها ثاني تكتل بعد الأمم المتحدة وبعدد سكان دولها الذي يقارب المليارين تشكل قوة مهمة لدعم القضية الفلسطينية حيث أن دولها لها علاقات متشعبة فبعضها في مجموعة العشرين وبعضها في مجموعة آسيان وبعضها عضو في الاتحاد الإفريقي وغيرها من التكتلات التي يمكن الاستفادة منها في دعم الحقوق الفلسطينية ولا شك أن 57 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة يكون لها دور فعال في حالة التصويت للقضية الفلسطينية .
تحديات منظمة التعاون الإسلامي والقضية الفلسطينية
رغم الجهود التي تبذلها منظمة التعاون الإسلامي لدعم القضية الفلسطينية ومدينة القدس، إلا أننا نجد أحيانًا عدم فعاليتها في بعض القضايا ومثال ذلك رغم المؤتمرات التي عقدت والتنديد بأعمال إسرائيل وانتهاكها للقوانين الدولية والانسانية ورغم مؤتمر القمة الذي عقد، فإن المنظمة لم تستطيع إيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة والإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تمارسها والتي اعترف بها بعض القادة الإسرائيليين أنفسهم مثل وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، والسبب الرئيس في عدم فعاليتها في وقف الحرب يرجع للخلافات السياسية داخل دول المنظمة لاختلاف في المصالح والأهداف السياسية والرؤية للصراع، فالدولة التي جرت إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية هي جنوب إفريقيا وهي ليست عضواً في منظمة التعاون، ومنذ المؤتمر الأول 1969م، حدثت الخلافات والسياسات في المنظمة، فقد لوحظ بروز اتجاهين إثنين في كيفية تعامل الدول المشاركة في المؤتمر مع قضية إحراق المسجد الأقصى، الاتجاه الأول: رأى بحث القضية في إطار ديني، وتجنب الدخول في الصراع بين الدول الإسلامية وإسرائيل، أما الاتجاه الثاني: فرأى أن جريمة إحراق المسجد الأقصى هي ذات طابع سياسي في جوهرها ولا يمكن حلها إلا في إطار إزالة الاحتلال الإسرائيلي للأر اضي العربية المحتلة، وهذه الاتجاهات ما زالت في المنظمة حتى الوقت الحاضر خاصة بعد زيادة عددها الذي وصل إلى 57 دولة، وحضر المؤتمر الأول 25 دولة بدون جدول أعمال في قضية خطيرة وحساسة أثارت شعوب الدول الإسلامية، ولكن بعض قياداتها كان لها رؤية أخرى للحادثة الخطيرة، فقد حدثت خلافات حول مشاركة الهند في المؤتمر بسبب اعتراض باكستان على مشاركتها، كما حدث خلاف داخل المؤتمر عندما طالبت السودان واليمن الجنوبي وليبيا بضرورة مطالبة الدول المشاركة في المؤتمر والتي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل بقطع هذه العلاقات ولكن رفضت هذه الدول هذا الطلب، كما حدثت مشادة بين رئيس الوفد المصري أنور السادات ممثل الرئيس عبد الناصر وشاه إيران في الجلسة قبل الأخيرة حول صياغة البيان الختامي للمؤتمر، عندما أبدت كل من النيجر والسنغال تحفظات على البيان وطالبتا أن يكون القرار ضمن قرارات الأمم المتحدة، ثم انضمت إلى الدولتين كل من تركيا وإيران وعارضتا أي قرار فيه تأييد للمقاومة الفلسطينية، أو التزام بموقف ضد إسرائيل، وهنا توجه أنور السادات لرئيس الوفد التركي وكان وزير الخارجية التركي سليمان ديميريل آنذاك " لماذا هذا التحفظ وهذا الموقف، ونحن لسنا في محفل دولي، نحن إخوة في أمة إسلامية ثم وجه السادات حديثه إلى شاه إيران وطالبه بالصمود من أجل القضية الفلسطينية وذكره بشجاعة أبيه ومكافحته ضد الاستعمار ، وتدور الأيام ولم يجد شاه إيران بعد سقوطه 1979م، من دولة تستقبله إلا مصر رئيسها أنور السادات ، بعد تنكر الولايات المتحدة له ورفض كارتر دخوله للولايات المتحدة للعلاج إلا لفترة محدودة خرج منها إلى دولة بنما، فانقذه السادات باستقباله بمصر وعند وفاته أقام له جنازة رسمية ودفن فيها.
ويظهر أن الخلافات والتحفظات على القرارات جعلت من موقفها من الحرب على غزة لا يؤدي إلى فرض إرادة المنظمة علمًا بأن الدول الإسلامية لديها مصادر القوة المتعددة التي تجعلها مؤثرة على المستوى الدولي وذات مكانة في النظام الدولي سواء بامتدادها الجغرافي الاستراتيجي على امتداد القارة الأفروآسيوية تتحكم في المواصلات الدولية كما لديها من الموارد الاقتصادية ودورها السياسي في الأمم المتحدة والتصويت بالجمعية العامة وعلاقاتها مع دول الجنوب سواء في إفريقيا أو أمريكا اللاتينية، ولكن الخلافات بين الدول في رؤيتها السياسية بلا شك تجعل قراراتها بشأن إسرائيل أقل فعالية ـ
إن رؤية إسرائيل إلى الصراع في فلسطين ومع أطماعها التوسعية في أحلام إسرائيل الكبرى، إنما رؤية دينية في أساسها وسياسية كما يعلنها قادة إسرائيل والأحزاب الإسرائيلية وتؤيدها النخب المسيحية الصهيونية والتي تشن حملة الإسلاموفوبيا ضد العرب والمسلمين ولذلك تحتاج الدول الإسلامية إلى موقف قوي ضد الحملات التي تقودها إسرائيل بعد أن انكشفت أمام الرأي العام العالمي وأصبحت الآن تحاكم في محكمة العدل الدولية ويقدم قادتها كمجرمي حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية وأصبحت دولة مارقة، وبما أن الدول في النظام الدولي لها مصالها، فالقوة هي التي تفرض المصالح بعد فشل القانون الدولي والإنساني في تحقيق المصالح بسبب ازدواجية المعايير الدولية وسيطرة العنصرية على الدول الغربية التي ما زالت في أحلامها الاستعمارية القديمة في نظرتها للشعوب الأخرى.