array(1) { [0]=> object(stdClass)#13906 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 207

الرياض قادرة على إقناع الاتحاد الأوروبي باستعادة مصداقيته عبر بوابة حل أزمة السودان

الخميس، 27 شباط/فبراير 2025

هناك مجموعة اعتبارات ملحة تدفع بدول منظومة مجلس التعاون الخليجي إلى التدخل الآن  لحل الأزمة السودانية بصورة جماعية أو على الأقل بتوافق خليجي " نوعي " مع شركاء لم يتورطوا في القتال لصالح طرف دون الآخر ، فانتصارات قوات الجيش السوداني على قوات الدعم السريع قد يدفع بها إلى التراجع إلى  دارفور حاضنتها الاجتماعية، مما يبرز احتمالية تقسيم السودان مجددًا، كما قد نشهد مخاطر غير مسبوقة على الأمن في شرق إفريقيا والبحر الأحمر، وتغيير موازين التحالفات السودانية الإقليمية والدولية مما قد تضر بمصالح الخليج الإقليمية، وهناك تحولات تتم بموافقة وفي حالات بمبادرة من عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الحاكم الذي سعى إلى التقارب مع روسيا وإيران في ظل جمود المواقف الخليجية وتباينها من الأزمة السودانية، وكذلك مجيء الرئيس ترامب إلى الحكم مجددًا في أمريكا ومن بين أهدافه إنهاء الحروب في العالم ، فليس من مصلحة الخليج التقارب السوداني الروسي الإيراني، أو ترك ترامب يستفرد بالسودان لأجنداته الراديكالية التي يطغى عليها الصفقات الاقتصادية والانحياز الأعمى للصهاينة .

وستشهد الأزمة السودانية تفاعلات سياسية إقليمية ودولية قد ترسخ التشطير الجغرافي السوداني المقلق، إذ لا يمكن الاعتقاد أن انتصارات الجيش السوداني ستحسم لصالحه أو أنه يمكن لقوات الدعم السريع أن تقلب الموازين لصالحها، فحل الأزمة السودانية ليس عسكريًا بسبب تعقيدات الملف السوداني والشهير بتعدد الأزمات وتواليها، فكل أزمة تنتج أخرى ليس بسبب الأطماع الإقليمية والعالمية فحسب وإنما للوضع الداخلي المعقد، وهذا يعني الرهانات على الخيار السلمي للأزمة السودانية فقط، وهو ممكن الآن، فقد بلغت مآسيها البشرية مستوى الجرائم الإنسانية، فإلى متى تستمر ؟ وهل ينبغي أن يظل زعماء المآسي في مواقعهم العسكرية القيادية، أو على الأقل على المسرح السياسي؟

تظل دول مجلس التعاون الخليجي والسودان الأقرب من كل النواحي من هنا يستوجب على الدول الخليجية أن تعيد النظر في مواقفها من الأزمة السودانية حتى تنجح في التأثير الإيجابي في  الحل،  لكننا لا نعتقد أن يكون التوافق الخليجي / الخليجي سهلًا وسريعًا رغم أن مستجدات  كبرى قد طرأت تحتم هذا التوافق، وفي حالة عدم حدوثه ، فإن أمام الرياض خيار تطوير موقفها وتقديم مساعدات إنسانية طارئة ومحاولة مساعدتهم على الحلول السلمية من خلال شراكات إقليمية ودولية لم تنجح في وقف القتال أو على الأقل التهدئة، لأسباب كثيرة مثل أطماع الشركاء في  ثروات السودان وموقعه الجيواستراتيجي .

 وترجيحنا للرياض له عدة اعتبارات سيأتي ذكرها ضمن السياقات التحليلية للمقال، الأهم هنا أن حالات التباين في بعض مواقف الدول الست الراهنة من الأزمة السودانية لم تعد تخدم الأبعاد الاستراتيجية المستقبلية للسودان والخليج معًا، ولابد من إعادة النظر فيها من منظور الفهم السياسي لأسباب نشأة الصراع وآخر مآلاته، وانكشاف مخاطره الجديدة، وطبيعة القوى التي تسعى للاستفراد بالسودان الخ.

وسنتناول هذا الملف من الزوايا التالية:

  • الأزمة السودانية وصراع الجنرالين.
  • الأزمة السودانية وآفاقها السياسية والأيديولوجية القديمة / الجديدة.
  • الوساطات الإقليمية والدولية .. وطغيان المصالح.
  • السودان وأهميته الجيوستراتيجية لدول الخليج.
  • السعودية مطالبة بموقف برغماتي واستباقي للازمة السودانية.

أولًا: الأزمة السودانية وصراع الجنرالين

بحثنا في عدة مصادر عن أسباب اندلاع الأزمة السودانية في منتصف أبريل 2023م، ووجدناها متعددة، ورغم ذلك ،فإن العامل الشخصي بين جنرالين متصارعين على السلطة قد بدا واضحًا في نشوء الصراع، الجنرال الأول عبدالفتاح البرهان الذي تسلم رئاسة المجلس العسكري ثم مجلس السيادة السوداني بعد الإطاحة بالرئيس عمر حسن البشير عام 2019م، وبذلك يصبح البرهان الرئيس الفعلي للسودان في مرحلته الانتقالية، والجنرال الآخر هو محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي رئيس قوات الدعم السريع الذي عين نائبًا للبرهان بسبب مشاركته البرهان بالإطاحة بالبشير ، ويوصف حميدتي بأنه يعتبر منذ عام 2019م، أحد أغنى الأشخاص في السودان من خلال شركته الجنيد التي لديها مجموعة واسعة من المصالح التجارية بما في ذلك الاستثمار والتعدين والذهب والنقل وتأجير السيارات.

وقد انفجر الخلاف بين الجنرالين بسبب عدم اتفاقهما على الاتفاق الإطاري لنقل السلطة إلى المدنيين، واشتمل على ضم قوات الدعم السريع إلى القوات المسلحة السودانية، وكانت نقطة الخلاف حول مسألتين هما، المدة الزمنية للضم، فالبرهان يراها سنتين، وحميدتي في عشر سنوات، والأخرى حول من يتولى قيادة القوات المدمجة، ولمدة طويلة كان القتال في السودان يفسر على أنه قتال بين جنرالين على مصالح شخصية قبل أن يتطور وتتداخل فيها قوى إقليمية ودولية، ويتحول السودان إلى أكبر أزمة إنسانية بتداعياتها المأساوية.

ومما ساعد في تفاقم القتال واكسابه الصفة الشخصية بين الجنرالين اتخاذ البرهان مجموعة خطوات عقابية ضد حميدتي أبرزها تجميد ارصدته وشركاته ثم إقالته كنائب له ، وإفراج البرهان عن موسى طلال عم حميدتي المنافس الأول له على قيادة القبائل العربية في دارفور الذي كان مسجونًا منذ حقبة الرئيس عمر البشير وكذلك إصدار البرهان أمرًا بعدم سفر أي شخص من أعضاء المجلس الانتقالي دون إذن منه ، ولم يستجيب حميدتي للأمر ، إذ تجاوزه بالسفر إلى تركيا والتوقيع معها شراكات اقتصادية ، ثم سفره إلى روسيا 2022م، أبدى من خلالها انفتاحه على بناء الروس قاعدة بحرية على البحر الأحمر .

ثانيًا: الآفاق السياسية والأيديولوجية للازمة السودانية

لن تمحو من ذاكرة السودانيين الاغتصابات والجوع المستمر والجثث تملأ الشوارع. فقد انزلق السودان إلى حرب مدمرة لن نتوسع في تبيان مآسييها، وسنكتفي بالإشارة إلى أنها تركت نحو 15 ألف قتيل و8 ملايين نازح و25 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة وفق إحصائية للأمم المتحدة، فيما تقدر دراسة جديدة لمجموعة أبحاث السودان التابعة لمدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي نحو 60 ألف قتيل الأشهر الأربعة عشر الأولى من الحرب، منهم 26ألفًا لقوا حتفهم نتيجة مباشرة للعنف وهو رقم أعلى بكثير من التقديرات الأخرى للحرب في السودان، وأشارت الدراسة إلى أن الجوع والمرض أصبحا يشكلان مزيدًا من الأسباب الرئيسية للوفاة المبلغ عنها في جميع أنحاء السودان .. الخ وسط اتهامات بارتكابها من قبل قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهذه الأخيرة الأكثر، حيث تتهم باستخدام طائرات مسيرة في استهداف المدنيين.

ومما يخشى منه الآن في ظل انتصارات الجيش السوداني المتواصلة وانحسار مناطق نفوذ قوات الدعم السريع دخول السودان في دوامة عنف انتقامية طويلة الأجل، حيث برزت ظاهرة الانتقام والتشفي من الخصوم الأيديولوجيين والسياسيين والنخب المدنية، وهذه الظاهرة مرشحة أن تسود في كل منطقة تطرد منها قوات الردع السريع، مع محاولة البعض إكساب الصراع الآن طابعًا أيديولوجيًا، كالرغبة في عودة المؤتمر الوطني إلى السلطة في ظل وجود قاعدة شعبية للإخوان المسلمين، ويشكل انتصار حركة طالبان في أفغانستان وهيئة تحرير الشام في سوريا، ووصول زعيمها أحمد الشرع إلى منصب رئيس الإدارة المؤقتة الحاكمة .. حالة إلهام لكل الجماعات الأيديولوجية في المنطقة، وترى أن الفرص مواتية لغير تلكم الحالات، والخشية نفسها من انفصال دارفور عن السودان على غرار جنوب السودان حسب الخريطة المنشورة التي تقسم السودان إلى عدة دويلات من منطلق خبيث يرى أن إثنيات السودان لا يمكن أن تتعايش في دولة واحدة.

ثالثًا: الوساطات الإقليمية والدولية  .. ولعبة المصالح.

تعتبر تعدد الوساطات من كبرى الأسباب التي تعقد الأزمة السودانية، ولن تكون من أسباب حلها، فكل واحدة منها ولها اطماعها في السودان، وقد بحثنا في حجم المصالح لكل وساطة، فوجدنا أنها تشكل مسوغًا قويًا لتدخلها واستمرار القتال،  فموسكو مثلا تلعب على الحبلين بين طرفي الصراع في السودان، فهي تدعم قوات الدعم السريع رغم أنها تنفي أي علاقة لها بمجموعة فاغنر العسكرية في إفريقيا والمتهمة بالوقوف مع قوات الدعم السريع، وفي الوقت نفسه تزود الجيش السوداني بسلاح لترجيح كفته، وهى بذلك تمارس نفاقًا واضحًا طمعًا في ثرواته وموقعه الجيواستراتيجي، حيث تسعى إلى  تعزيز نفوذها في البحر الأحمر ، وقد طلبت إقامة محطة للوقود في البحر الأحمر مقابل تزويد الخرطوم بأسلحة وذخيرة، ووقعت معها خلال الثلاث السنوات الأخيرة مجموعة اتفاقيات اقتصادية واستثمارية ضخمة، وكذلك  تحاول موسكو أن يكون السودان نقطة انطلاق لتعزيز النفوذ الروسي وسط وجنوب وغرب إفريقيا والقرن الإفريقي، وقد وجدت الخرطوم نفسها مضطرة للجوء إلى موسكو بمبادرة منها كذلك للحصول على السلاح وتحييد ميليشيات فاغنر.

وهناك تقارب عميق بين الخرطوم وموسكو، ومن أبرز آخر تطوراته مثلًا، زيارة وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم موسكو في أغسطس 2024م، كما أجرى وفد من البنك المركزي الروسي مباحثات مع مسؤولين في بورتسودان، وكان الرئيس السوداني السابق عمر البشير وقع 2017م، اتفاقًا مع روسيا لإنشاء قاعدة على البحر الأحمر لتستضيف سفنًا روسية بما في ذلك سفن تعمل بالوقود النووي على أن يتمركز فيها 300 جندي، وفق مصادر.

كما تقدمت تركيا بوساطة لوقف الحرب وافق عليها البرهان بحكم توافقه مع أنقرة ودورها في دعمه بالسلاح النوعي كالطائرات المسيرة،  رغم ما يقال أنها من أجل تذويب الخلافات السودانية الإماراتية، ولتركيا مصالح استراتيجية في السودان  لن تفرط بها بسهولة، حيث لها مشاريع كبرى في الطاقة والتجارة والنقل البحري والزراعة، وتعمقت في مشاريعها نحو " 4000" آلاف كيلو مترًا ، كما تعتبر السودان بوابتها تجاه أوروبا وإفريقيا، وهى تعتبر البرهان الشخصية القوية التي يمكن من خلاله تنفيذ الاتفاقيات المهمة بين البلدين، وبالذات جزيرة سواكن التاريخية، حيث تسعى تركيا إلى ترميم الآثار العثمانية الموجودة بها، وتأهيلها لإعادتها مجددًا كميناء ملاحي تاريخي عسكري وتجاري، ومن ثم تحويلها إلى منطقة سياحية حيوية، إلى جانب طرح فكرة إقامة قاعدة عسكرية تركية في سواكن لتعزيز الوجود التركي في البحر الأحمر في ظل اهتمام أنقرة بتطوير أسطولها البحري وصناعاتها الدفاعية البحرية.

أما طهران، فتفيد تقارير بوصول شحنات أسلحة إيرانية إلى الجيش السوداني بما فيها الطائرات المسيرة في ظل تقارب بعد قطيعة استمرت ثمان سنوات، وتتواصل الزيارات الإيرانية للخرطوم على مختلف المستويات، وتعتبر طهران استعادة العلاقات الدبلوماسية مع السودان أساسًا لتعويض الفرص الضائعة وصناعة مصالح  فرص عمل جديدة، وقد أصبحت الخرطوم عنصرًا مهمًا في محور السياسة الخارجية الإيرانية حيث تطمح في التأثير على إفريقيا من البوابة السودانية بسبب إطلالته على البحر الأحمر ، وبذلك ستعزز نفوذها على البحر الأحمر بوجود حلفاء لها على البحر نفسه كالحوثيين في اليمن، وهنا ينبغي على الخليج أن يتخوف من هذه التحولات السياسية، وحتى الكيان الإسرائيلي لم يخف تخوفه خاصة من التقارب الإيراني السوداني خشية من أن يسمح لطهران الوصول إلى البحر الأحمر وإنشاء ميناء بمدينة بورتسودان من شأنه أن يسمح لإيران بمراقبة حركة المرور البحرية في المنطقة، ومراقبة البضائع القادمة من الكيان.

ويسير مسار الصراع في السودان الآن لصالح الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع بعد انتصارات على عدة جبهات قتالية أساسية بسبب ذلك الدعم الخارجي، ومساندة شرائح واسعة من المواطنين والعديد من الفصائل المسلحة في القتال إلى جانب الجيش السوداني بعد أن كانت في موقف الحياد، وكذلك تغيير الصورة عن الحرب، من قتال بين جنرالين على السلطة والمصالح الاقتصادية إلى حرب بين جيش وقوات متمردة مدعومة من الخارج لتحقيق أجندات غير سودانية، وهذه  الانتصارات قد دفعت بعبدالفتاح البرهان إلى القيام بجولة إفريقية شملت خمس دول هي مالي وغينيا بيساو وسيراليون والسنغال وموريتانيا، ووقع معها اتفاقيات مستقبلية.

ما تقدم، يشير إلى أن موسكو وطهران وأنقرة  تستغل القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع لترسيخ وجودها بصورة مستدامة من منظور الأهمية الاستراتيجية للخرطوم المتعددة، وتميل الآن ميلاً كاملًا نحو البرهان بمسوغ أنه يمثل الشرعية السياسية في السودان، وفي الواقع لأن مصالحها الكبرى معه، في الوقت الذي لم يرتق الموقف الخليجي إلى مستوى تدخل البعد الإقليمي والروسي الاستراتيجي ودوره في تغيير موازين القتال في السودان حتى الآن لصالح البرهان، وربما على الدول الخليجية إعادة قراءة المشهد السوداني ليس مما سبق لوحده، وإنما كذلك في مواصلة القارة الإفريقية تخلصها من نفوذ الاستعمار الفرنسي، فبعد مالي والنيجر وبوركينا فاسو، انضمت السنغال وتشاد إليهم مؤخرًا في ضربة جديدة للرئيس ماكرون مع تصاعد حدة الفتور في العلاقات الأمريكية السودانية في عهد بايدين ،وفي عهد ترامب أول ما أقدم عليه وقف المساعدات الأمريكية الإنسانية مما يعرض الآلاف من السودانيين الجدد للجوع، وواشنطن تعد أكبر جهة مانحة للمساعدات عام 2024م .

رابعًا: السودان وأهميته الجيوستراتيجية للخليج العربي

تنبع أهمية السودان من موقعه الجيوسياسي، فهو يقع في الزاوية الشمالية الشرقية من إفريقيا، ويعد بوابة للصحراء الكبرى ومنطقة الساحل وقرن إفريقيا. كما أنه جزء من نطاق نفوذ دول الخليج، وهي منطقة تشمل البحر الأحمر، الذي في أضيق نقاطه يفصل بين شبه الجزيرة العربية وإفريقيا بمسافة 30 كيلومترًا فقط، والمدينة الساحلية التي تتمركز فيها القوات المسلحة السودانية (SAF)، أقرب إلى أبو ظبي وطهران منه إلى نجامينا، عاصمة تشاد، جارة السودان الغربية، وموقعه للوصول إلى مناطق إفريقية أخرى ذات أهمية جيوستراتيجية قد جعله جسرًا تاريخيًا بين شمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، وبوابة مهمة للوصول إلى مناطق إفريقية أخرى ذات أهمية جيواستراتيجية.

وبهذا الموقع مكن السودان من أن يكون لاعبًا إقليميًا رئيسيًا وواحدة من طرق التجارة العالمية وسلاسل التوريد عبر مضيق باب المندب الذي تمر به 10 % من التجارة العالمية مع التوقعات بأن يبلغ إجمالي الناتج الإجمالي لمنطقة البحر الأحمر 6.1 تريليون دولار بحلول 2050م، وأن يبلغ حجم تجارتها نحو 4.7 تريليون دولار، هذا بخلاف الثروات الطبيعية الهائلة التي يمتلكها مثل النفط والغاز الطبيعي والذهب والحديد والفضة والنحاس والرخام والصمغ العربي.

خامسًا: السعودية مطالبة بموقف استثنائي واستباقي من الأزمة السودانية

رغم أن الرياض قد بادرت منفردة وبصورة مبكرة في تقديم مساعدات إنسانية طارئة، وإجلاء المدنيين ليس السودانيين بل ورعايا دول أخرى إبان اندلاع القتال، وانخرطت بفعالية مع شركاء إقليميين ودوليين في وساطات مثل وساطة مع واشنطن، وأخرى مع القاهرة، وأخرى مع الإمارات، كاجتماع جدة 1 وجدة 2 واجتماع سويسرا الذي ضم إضافة للرياض أمريكا وسويسرا والإمارات ومصر والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.. إلا أنه لم يتوقف القتال، كما أن مخاطر ترك السودان لمنافسين إقليميين ودوليين يدفع بالرياض إلى تطوير موقفها من السودان وفق السياقات التي أوضحناها سابقًا، فهي بين خيارين هما:

- حمل شقيقاتها الخليجيات في توحيد المواقف من الأزمة السودانية عاجلًا، والسعي مع شركاء دوليين مؤثرين على حل الأزمة.

- أو تعمل الرياض على تأسيس شراكة إقليمية ودولية جديدة مع إدخال فاعلين جدد لم ينحازوا لأي طرف في القتال.

ومهما كانت انتصارات قوات الجيش السوداني، فلا يمكن أن ينتهي القتال بانتصار أحد الطرفين، ومن ثم يعود السودان إلى حالته السلمية، وهناك احتمالات مخيفة متوقعة حتى لو انتصر الجيش السوداني، كتقسيم جديد للسودان دارفور مثلًا ، ودخول السودان في حرب داخلية دموية انتقامية وعرقية ودينية في ظل تجدد طموحات بعض الأيديولوجيين في العودة للحكم مجددًا، إذ لا يمكن تجاهل شعبيتهم في السودان، ومن حيث المبدأ هناك حاجة خليجية جماعية لأن تتماهى مواقف الدول الست وخاصة الرياض وأبوظبي والدوحة لحل الأزمة السودانية برؤى مجمع عليها فيما بينهم أولًا ، وإذا لم يحدث هذا التماهي الخليجي/  الخليجي من رحم القناعة السياسية التي تحتمها التطورات والمستجدات سالفة الذكر ، فإن أمام الرياض خيار الدوحة والاتحادين الإفريقي والأوروبي، وهذا الخيار أكثر احتمالية الآن، فالدوحة قد أصبحت الآن قريبة جدًا من الرياض، واكتسبت مكانة مؤثرة ووزنًا إقليميًا ودوليًا من خلال نجاحها في وساطتها للازمات المختلفة، بما فيها الأزمات التي تندلع بين الفرقاء السودانيين بما فيها أزمة دارفور، أما بروكسل فقد غرقت في الحرب الأوكرانية الروسية وتداعياتها السياسية والعسكرية رغم أنها لا تمتلك أي أوراق ضغط على طرفي القتال، وبالتالي تركت ملف السودان لأمريكا والدول الإقليمية الفاعلة، واقتصر دورها على المساعدات الإنسانية.

وعلى الرياض التي لها شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي إقناعه بأنه آن الأوان لأن يكون لهم موقف مؤثر في حل الأزمة السودانية، وأن يتخذ زمام المبادرة سريعًا في التحرر من الاعتماد على واشنطن، والرياض قادرة أن تقنع بروكسل بأهمية استعادة ثقتها ومصداقيتها العالمية عامة والإفريقية خاصة فمثلًا هناك حوالي 40% من ممرات الشحن العالمية، و25 % من الإمدادات البحرية للاتحاد الأوروبي تمر عبر خليج عدن، والسودان يقع بين مصر وإريتريا في شمال شرق إفريقيا، ويحده البحر الأحمر من هذه الجهة ، وتشاد من الغرب وليبيا من الشمال الغربي، وجمهورية إفريقيا الوسطى في الجنوب الغربي وجنوب السودان وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، سبع دول إفريقية مع البحر الأحمر  تشكل القيمة الجيوستراتيجية للسودان،  لن يفوتها الاتحاد الأوروبي إذا ما نفذ إلى برغماتية المعاصرة بأهمية السودان لمستقبل الاتحاد الأوروبي في العالم الجديد .

 تلكم مداخل جوهرية لإقناع الاتحاد الأوروبي، وهو الآن في حالة انفتاح لمثل هذه الأفكار الجديدة بعد مجيء ترامب للحكم ومواقفه الاستفزازية وسياساته الجمركية وضغوطاته على أوروبا زيادة نفقاتها العسكرية، وكذلك موقفه من إنهاء الحرب على أوكرانيا المستفز لأوروبا، وهى – أي أوروبا – مستنفرة لمواجهة تحديات ترامب، وهم الآن في حالة قلق من ثلاثية التهديدات التالية: ترامب وموسكو وبكين، ومآلات العلاقات الأمريكية الأوروبية في عهد ترامب ستتمحور بين منافس وخصم، وهناك مؤشرات على استقلالية الاتحاد الأوروبي عن التبعية الأمريكية في عهد ترامب الذي عودته للحكم ستعجل بالمسار الراديكالي في تشكل العالم الجديد من قوى قوية قائمة على نهج التكتلات كبريكس.

والرياض والدوحة  قادرتان على العمل مع ترامب والاتحاد الأوروبي وإشراك الاتحاد الإفريقي في  تهدئة القتال في السودان تمهيدًا لوقفه واستأنف الحوار ليس من الصفر، وإنما من خلال الاتفاق الإطاري عبر حل الإشكاليتين اللتين سببتا اندلاع القتال وهما : المدة الزمنية لدمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني – البرهان يراها سنتين ، وحميدتي عشر سنوات – وقيادة الجيش، تجعل الأولى ثلاث سنوات، والثانية إقصاء القيادات العسكرية العليا التي ساهمت في ارتكاب الجرائم الإنسانية، إذ ليس لها مكان في السودان الجديد، وعودة الحياة المدنية وجعل المؤسسة العسكرية بعيدًا عن السياسة والاقتصاد، ورهاناتنا على هذه الثلاثية لدواعي عدم ترك ترامب الاستفراد بالحل، فلن يكون مستدامًا، وسيطغى عليه جنون التطبيع مع الكيان الإسرائيلي في إطار الاتفاقيات الإبراهيمية، وهاجس ترامب إنهاء الحروب في العالم لكي يظهر نفسه بأنه رجل السلام، ومنذ تسلم  ماركو روبيو منصب وزير الخارجية الأمريكي في الإدارة الأمريكية الجديدة وهو يبدي اهتمامه بالملف السوداني، فقد اعتبر ما يحدث هناك إبادة جماعية واستهداف عرقي بتمويل من شركاء وحلفاء أمريكا حدد اسمًا بذاته ( ... ) ويمكن للرياض أن تراهن كذلك على  فعالية المجتمع المدني السوداني ولجان المقاومة التي تساهم بمنع تدهور الأوضاع السودانية في ظل القتال، ويمكن الرهان عليها الآن، فقد كان تأييدها مشروع الدستور الانتقالي مؤثرًا في إقراره مع الجيش السوداني .

مقالات لنفس الكاتب