array(1) { [0]=> object(stdClass)#13906 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

التزم الاتحاد الأوروبي بمنع " بلقنة" سوريا واشترط إزالة القواعد الروسية لرفع العقوبات

السبت، 29 آذار/مارس 2025

أثار السقوط السريع لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر 2024م، دهشة الأوروبيين كحال آخرين حول العالم. ومنذ ذلك الحين، يتدافع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء للاستجَابة للأحداث مُتسارعة الخطى مع محاولة تحقيق توازن بين مستوى من التفاؤل الحذر والمخاوف الاستراتيجية حيال التوجه المستقبلي لسوريا واستقرارها. شكلت زيارة وزيري خارجية فرنسا وألمانيا إلى دمشق في يناير 2025م، أولى الخطوات نحو إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع سوريا. وخلال لقائهما مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بحث الوزيران سبل تعزيز انتقال سلمي وشامل مع التشديد على أهمية إظهار القيادة الجديدة الالتزام بمبدأ الشمولية والعملية الديمقراطية. كما وافق الاتحاد الأوروبي على التخفيف المشروط للعقوبات المفروضة على سوريا، وإن كانت بعض القيود لا تزال سارية مثل تلك المتعلقة بصادرات الأسلحة والكيانات المحسوبة على النظام السابق. ومن المتوقع أن يحدد المؤتمر الدولي لدعم سوريا، في نسخته التاسعة المقرر أن تستضيفها مدينة بروكسل في مارس 2025م، الخطوات التالية التي سيتخذها الاتحاد الأوروبي بما في ذلك التعهد بتقديم مساعدات مالية لدعم اللاجئين السوريين وتسهيل جهود إعادة إعمار البلاد.

في الوقت ذاته، لا تزال هناك العديد من المخاوف السائدة التي قد تقف حائلاً دون اتخاذ تدابير سريعة. في المقدمة، تبرُز الجذور الإسلامية للقيادة الجديدة مع احتمالية نشأة حكم متطرف مع تشكيل الحكومة الجديدة. فيما تسلط موجة العنف المتجدد، كتلك التي استهدفت الأقلية العلوية في بداية مارس، الضوء على الأوضاع المتقلبة في البلاد بشكل عام والخطر المتمثل في عودة القضايا الطائفية لتصدر المشهد مجددًا. يخشى الاتحاد الأوروبي أيضًا التأثيرات الخارجية، لاسيما من قبل دول مثل روسيا وإيران نظرًا للدور المؤثر الذي لعبه البلدان داخل سوريا مؤخرًا. على صعيد الداخل الأوروبي، أشعل التحول في المشهد السياسي داخل سوريا فتيل نقاشات حول العودة المحتملة للاجئين السوريين مع بدء العديد من البلدان الأوروبية عمليات لإعَادة تقييم سياسات اللجوء لديها والنظر في إمكانية ترحيل اللاجئين. وبينما يؤكد الاتحاد الأوروبي أن أية مساعي للترحيل ينبغي أن تكون طوعية وتتم بطريقة آمنة، فإن الضغط العام الممارس من قبل الأحزاب الشعبوية بشأن التحرك الفوري على صعيد قضايا الهجرة قد يُصعِد من حدة النقاش الدائر.

نظرة الاتحاد الأوروبي لمستقبل سوريا

اتسم رد فعل الاتحاد الأوروبي على سقوط نظام الأسد بـ التفاؤل المشوب بالحذر، معربًا في بياناته الصادرة عن دعمه لانتقال سلمي وشامل للسلطة. فيما تضمنت عودة الانخراط الدبلوماسي الأوروبي مع سوريا إرسال وفود رفيعة المستوى إلى العاصمة دمشق. ينظر الاتحاد الأوروبي إلى انهيار نظام بشار الأسد وتشكيل إدارة جديدة في سوريا باعتباره فرصة تاريخية للمساهمة في انتقال سوريا إلى الاستقرار، والحكم الشامل، وإعادة الإعمار. كما كرر الزعماء الأوروبيون تأكيد دعمهم لعملية سياسية تحت قيادة سورية تتماشى مع القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم (2254) وتُلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري. يتضمن ذلك، دعم إدارة غير طائفية، وحماية حقوق الإنسان، والحفاظ على الإرث الثقافي السوري. ويرى الاتحاد الأوروبي نفسه كوسيط في محادثات السلام وصاحب دور مهم في ضمان شرعية المرحلة الانتقالية وقيام حكومة جديدة.

حتى بلوغ هذا الهدف، تعهد الاتحاد الأوروبي بالمُساعدة في استعادة الأسس السياسية، والاقتصادية، والبنية التحتية للدولة السورية المرهونة بتطبيق تسوية طويلة الأجل وقيام حكومة شاملة. كذلك أعرب الاتحاد الأوروبي عن نيته دعم العودة الطوعية والآمنة للاجئين مع معالجة الاحتياجات الإنسانية المُلحة من خلال جهود الإغاثة المستمرة. لقد كان النهج الأوروبي تجاه الأزمة السورية يتسم بالحذر الاستراتيجي؛ إذ تجنب التدخل العسكري المباشر، ولكنه حافظ على نظام العقوبات المفروض على مسؤولي نظام بشار الأسد، مع الإعراب عن استعداده لرفع تلك العقوبات تدريجياً، شريطة تحقيق تقدم ملموس نحو إرساء دعائم الحكم الديمقراطي. كما منح الاتحاد الأوروبي الأولوية لمحاربة بقايا تنظيم الدولة الإسلامية"داعش"، عبر مراقبة التخلص من ترسانة الأسلحة الكيميائية، وتعزيز الإصلاحات الدستورية من خلال مبادرات مثل مؤتمر الحوار الوطني.

تُسلط المشاركات الدبلوماسية الأخيرة، بما ذلك زيارات كبار المسؤولين الأوروبيين إلى دمشق الضوء على رغبة أوروبا في بناء إدارة شاملة تضم الأقليات الدينية والعرقية في البلاد، مع منع عودة الحكم الاستبدادي على غرار حكم بشار الأسد. مع ذلك، تساور الاتحاد الأوروبي شكوك في إمكانية التدخل الخارجي في الشأن السوري، داعيًا كافة الجهات الفاعلة للحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها. ومع ترسيخ دورها كوسيط قادر على الربط بين مختلف المناطق في سوريا ما بعد الحرب، تسعى أوروبا للمساهمة البناءة في تعافي البلاد مع التفاوض في الوقت ذاته على التعقيدات الخاصة بالجغرافيا السياسية الإقليمية.

وفيما يتعلق بالوجود العسكري الأجنبي في سوريا ونظرته للتغييرات التي تحدث في البلاد، ركز الاتحاد الأوروبي على تحقيق وقف دائم لإطلاق النار وتوفير دعم مستمر لمحاربة الإرهاب وبالأخص ضد تنظيم الدولة، مع التركيز على حماية كافة المدنيين وضمان تنصيب حكومة غير مذهبية. ودعما للمرحلة الانتقالية في سوريا وضمان استقرارها، يركز النهج الأوروبي على عدد من المجالات الرئيسية. أولا، تسليط الضوء على أهمية ضمان وقف دائم لإطلاق النار في الشمال السوري، لاسيما في ظل استمرار التوترات القائمة بين الفصائل المتناحرة. ينبع هذا التركيز من رغبة الاتحاد الأوروبي لرعاية بيئة مستقرة صالحة للانتقال السياسي وإعادة الإعمار. كما دعا الاتحاد كافة القوات العسكرية الأجنبية لاحترام سيادة سوريا على أراضيها ووحدتها، والانسحاب التدريجي للقوات الأجنبية غير المصرح بوجودها. وهو ما ينطوي على أهمية خاصة نظرًا للديناميَات المُعقدة المرتبطة بالوجود العسكري التركي، والروسي، والإيراني داخل سوريا.

ثانيًا، كرر الاتحاد الأوروبي التزامه بمكافحة بقايا تنظيم الدولة في سوريا. حيث أدى إطلاق سراح بعض أعضاء التنظيم من سجون النظام وسط التحولات الطارئة في السلطة إلى تنامي قوة التنظيم. وهو ما أثار مخاوف الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر هذا التهديد المستمر قضية أمنية بالغة الأهمية لسوريا ومنظومة الأمن الإقليمي والعالمي بشكل عام. لذلك، تعهدت الحكومات الأوروبية بمواصلة دعم تدابير مكافحة الإرهاب داخل سوريا، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية وتقديم دعم عسكري محتمل للقوات السورية.

ثالثًا، ركز الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على المساعدة والإشراف على تفكيك إرث بشار الأسد من الأسلحة الكيميائية، وهو ما يبرز إصراره على منع إمكانية الوصول إلى أسلحة دمار شامل وضمان عدم وقوع مثل هذه المواد في أيدي الكيانات المُعادية للدولة والجماعات المتطرفة. كما تمت دعوة الخبراء الأوروبيين لمساعدة الإدارة السورية الجديدة في تنفيذ هذه المهمة، بما يؤكد التزام الاتحاد الأوروبي بتوفير المساعدات التقنية في مجالات الأمن الحساسة.

أخيرًا، اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفًا قوياً لحماية المدنيين والحفاظ على النسيج الاجتماعي السوري الفريد. ففي أعقاب اندلاع موجة العنف والتوترات الطائفية الأخيرة، أدان الاتحاد الأوروبي الإعدامات التي تتم بإجراءات موجزة وحث على ضرورة حماية كافة المدنيين لاسيما الأقليات. وفي 11 مارس، 2025م، أصدر الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي بيانًا معربًا عن قلقه البالغ إزاء تصاعد العنف الأخير في الساحل السوري. يؤكد هذا الموقف التزام أوروبا تجاه تعزيز إطار شمولي وغير طائفي للحكم في سوريا ما بعد الأسد. فضلًا عن تشديد الاتحاد الأوروبي على أهمية الحفاظ على الإرث الثقافي السوري وإدراك مدى أهميته في الحفاظ على الهوية المميزة لسوريا.

الدعم الأوروبي لسوريا

يتمحور الدعم الأوروبي الراهن لسوريا حول المساعدات الإنسانية، والرفع التدريجي للعقوبات، ودعم العمل الدستوري السوري. في يناير 2025م، أعلنت المفوضية الأوروبية عن حزمة مساعدات إنسانية بقيمة 235 مليون يورو لسوريا، تهدف إلى مساعدة السوريين داخل البلاد واللاجئين في الدول المجاورة. ويهدف هذا التمويل إلى تلبية الاحتياجات الأساسية، كالأمن الغذائي، والسكن، والمياه النظيفة، والرعاية الصحية، والتعليم، في حالات الطوارئ.

يذهب نهج الاتحاد الأوروبي لدعم سوريا لما هو أبعد من توفير المساعدات الإنسانية. ففي أعقاب سقوط نظام الأسد، أبدى الاتحاد الأوروبي استعدادًا للانخراط بشكل أعمق مع القيادة السورية الجديدة. وقد انعكس ذلك من الدعوة الموجهة مؤخرًا لوزير خارجية سوريا الجديد، أسعد الشيباني، لحضور مؤتمر المانحين بمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل تحت عنوان" الوقوف إلى جانب سوريا: تلبية متطلبات الانتقال الناجح". وتمثل هذه الدعوة تحولًا جذريًا في العلاقات الأوروبية -السورية، عاكسة التزام الاتحاد الأوروبي بدعم انتقال سوريا الديمقراطي وجهود إعادة الإعمار.

كما أظهر الاتحاد الأوروبي مرونة في نهجه عبر تخفيف بعض التدابير التقييدية المفروضة على نظام الأسد السابق. كما اقترح البرلمان الأوروبي استغلال الأصول المجمدة للنظام في تمويل مشاريع إعادة الإعمار والتأهيل وتقديم التعويضات للضحايا. هذا التوجه، مقترنًا بالتزامات الاتحاد الأوروبي المستمرة تجاه المنطقة (والتي تجسدت في تقديم مساعدات تتجاوز 33.3 مليار يورو على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية)، يشير إلى إمكانية اضطلاع الكتلة الأوروبية بدور محوري في عملية إعادة بناء سوريا، شريطة تحقيق تقدم ملموس نحو انتقال سياسي مستقر وشامل.

نظرة الاتحاد الأوروبي لموازين القوى الجديدة

يعكس تقييم الاتحاد الأوروبي للتحول في ديناميات القوة داخل سوريا موقفًا دقيقًا وحذرًا للوضع الجيوسياسي المتغير في المنطقة. في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، تابع الاتحاد الأوروبي عن كثب الديناميات المتغيرة بين الأطراف الإقليمية والدولية. وأعرب الاتحاد عن مخاوفه العميقة إزاء دعم تركيا المتزايد للسلطات الجديدة في دمشق، مشيرًا إلى ذلك باعتباره تهديدًا محتملًا للأمن الإقليمي. ورغم قبول زعماء أوروبا لمخاوف تركيا الأمنية المشروعة، إلا أنهم أكدوا أهمية احترام كافة القوى الخارجية لسيَادة سوريا ووحدة أراضيها. وطالب الاتحاد الأوروبي بإنهاء التدخل الأجنبي من قبل الجهات المُزعزعة للاستقرار، بالأخص تركيا ووكلائها، وحثهم على الانسحاب من الأراضي السورية. وهو ما يؤكد على التزام الاتحاد الأوروبي بمنع " بلقنة" سوريا، حيث قد تقع مختلف المناطق السورية تحت سلطة مختلف المجموعات المتطرفة المنشقة. كما انتقد البرلمان الأوروبي علنًا الغزو البري والجوي الإسرائيلي غير المشروع لجنوب سوريا، بالإضافة إلى ضمها للمنطقة الحدودية منزوعة السلاح على طول مرتفعات الجولان المحتلة. وقد أدت الحملات العسكرية الإسرائيلية، التي شملت أكثر من 600 غارة جوية في ديسمبر 2024م، وتوغلَات برية في الجولان، إلى إضعاف القدرات الدفاعية السورية بشكل كبير، وتصاعد التوترات الإقليمية. هذه الانتهاكات، إلى جانب الجهود المدعومة من الولايات المتحدة لتهجير الفلسطينيين، تهدد بزعزعة استقرار المحافظات الجنوبية في سوريا وتصعيد التوترات الطائفية.

اتسم رد فعل الاتحاد الأوروبي تجاه تضاؤل النفوذ الإيراني في المنطقة، فضلاً عن عدم وضوح طبيعة التدخل العسكري الروسي في سوريا، باعتبارات ذات طابع استراتيجي مصحوبة بتفاؤل حذر. حيث يرى المسؤولون الأوروبيون أن إضعاف شوكة حلفاء الأسد، روسيا وإيران، تطورًا إيجابيًا. وأشاد الاتحاد الأوروبي بقيام السلطات السورية الانتقالية باعتراض شحنات أسلحة إيرانية موجهة لجماعة حزب الله في لبنان، في خطوة تعكس استجابة دقيقة لمخاوف الأمن الإقليمية. كما صرّح الاتحاد الأوروبي بشكل قاطع بأن إزالة القواعد العسكرية الروسية شرط ضروري لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، مضيفًا أن القضاء على أي وجود عسكري أجنبي أمر بالغ الأهمية لتطبيع العلاقات مع الاتحاد. وقد أكد قرار الإدارة السورية الجديدة إلغاء اتفاقية، مدتها 49 عامًا، مع الشركة الروسية لإدارة وتشغيل ميناء طرطوس الحيوي، على غموض مستقبل العلاقات السورية -الروسية. وتشير هذه التطورات إلى أن الاتحاد الأوروبي يرى فرصة لإعادة هيكلة ميزان القوى الإقليمي بما يخدم استقرار سوريا وسيادتها، مع توخي الحذر من المخاطر المرتبطة بالتحولات الجيوسياسية المتسارعة.

دور الاتحاد الأوروبي المستقبلي في سوريا

يقف الاتحاد الأوروبي في مفترق طرق حاسم فيما يتعلق بتحديد دوره في مستقبل سوريا ما بعد نظام الأسد. وبينما ظل الاتحاد الأوروبي تقليديًا لاعبًا ثانويًا في الحرب الأهلية السورية، فإن تحركاته الأخيرة، مثل تخصيص مساعدات إنسانية بقيمة 235 مليون يورو لعام 2025م، والشروع في مبادرات دبلوماسية مع دمشق، تشير إلى تحول تدريجي نحو مشاركة أكثر فعالية. ومع ذلك، فإن المشاركة الأوروبية لا تزال مقيدة بتضارب المصالح والانقسامات الداخلية، بما في ذلك ضرورة إدارة العلاقات مع اللاعبين الإقليميين مثل تركيا وإسرائيل، والحد من تدفق اللاجئين، ومجابهة التهديدات الإرهابية المتبقية. وقد أشار الاتحاد الأوروبي بصفة خاصة إلى أن دعمه المستدام لإعادة إعمار سوريا والانتقال السياسي يعتمد على إحراز تقدم ملموس نحو الحكم الشامل والالتزام بالقانون الدولي. وإذا ما فشل الاتحاد الأوروبي في تمديد التزاماته، سيُخاطر بخسارة نفوذه أمام القوى الأخرى مثل روسيا أو إيران، اللتين قد تسعيَان لاستغلال سوريا لتعزيز مصالحهمَا مما يزيد من زعزعة استقرار المنطقة.

من المؤكد أن استمرار مشاركة الاتحاد الأوروبي المحدودة سيؤدي إلى تفاقم الوضع الصعب في سوريا. حيث ينذر عدم توافر الدعم السياسي والاقتصادي اللازم بعرقلة جهود إعادة الإعمار، وإطالة أمد الأزمات الإنسانية، ومُفاقمة العنف بين الفصائل المتصارعة. هذا السيناريو من شأنه أن يُلحق الضرر بوحدة سوريا الهشة، ويُعرّض الأمن الأوروبي للخطر أيضًا من خلال إتاحة فرص للجماعات المتطرفة للعودة إلى الواجهة. في المقابل، فإن حضور أوروبي قوي داخل سوريا، مدعومًا بتخفيف مشروُط للعقوبات، ومسَاعدات إنمائية مستهدفة، وضغط دبلوماسي على الجهات الخارجية، قد يعزز استقلال سوريا ومنع تفككها. تعكس إدانة الاتحاد الأوروبي الأخيرة للتوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، والتزامه بالحفاظ على سلامتها، رغبته أيضًا في إعلاء الاستقرار على العلاقات الجيوسياسية قصيرة الأجل. لكن تظل قدرته على إدارة الصراعات الإقليمية موضع شك، لاسيما وأنها تقتضي التنقل عبر مصالح متضاربة ما بين مراعاة حليفته في حلف الناتو تركيا، والحفاظ على روابطه الاستراتيجية مع إسرائيل، والحاجة إلى تحجيم النفوذ الإيراني.

أخيرًا، ستؤثر القرارات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي على مستقبل سوريا، بما في ذلك تحديد ما إذا كانت ستحافظ على سيادتها واستقلالها، أم ستصبح مقسمة إلى مناطق خاضعة للهيمنة الأجنبية. بالتالي، فإن الاستمرار في اتباع نهج سلبي ينذر بتكريس واقع يفتقر إلى السيادة السورية على أراضيها، في حين أن تبني مشاركة استباقية تستند إلى مبادئ محددة قد يسهم في قيادة عملية التعافي الوطني في إطار من التعددية والتعاون الإقليمي.

إن طريق سوريا نحو الاستقلال والأمن الإقليمي يعتمد على معالجة العديد من العقبات المتداخلة، التي تمتد من التدخل العسكري الخارجي إلى إصلاحات الحكم الداخلية. في أثناء ذلك، تتنافس القوى الإقليمية المجاورة مثل تركيا ودول الخليج على بسط النفوذ في المنطقة، حيث تسعى أنقرة إلى تقويض الحكم

الذاتي للأكراد في شمال سوريا، بينما تدعو الرياض إلى بلورة رؤية عربية موحدة لمستقبل سوريا. لقد سلط الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي الضوء على أهمية عدم التدخل في سوريا مع ضغط مجلس التعاون الخليجي من أجل وحدة أراضي سوريا، وحثّه الشركاء الدوليين على رفع العقوبات لتسهيل التعافي الاقتصادي. مع ذلك، لايزال تضارب الأهداف بين القوى الإقليمية يشكل عائقًا أمام بناء توافق.

في المقابل، لاتزال الجهات الفاعلة الإقليمية مثل روسيا وإيران، رغم تراجع قوتهما، تحتفظان بنفوذ داخل سوريا: تتفاوض موسكو حاليًا على الاحتفاظ بقاعدة حميميم الجوية مقابل شحنات القمح، بينما قد تستغل طهران الاضطرابات لاستعادة نفوذها. وتُوفر المساعدات المشروطة من جانب الاتحاد الأوروبي وبرامج إعادة الإعمار التي يدعمها مجلس التعاون الخليجي سبلًا للاستقرار، لكن يُعد نجاح ذلك مشروطًا بتقليص نفوذ القوى الخارجية.

في الختام، تنطوي مهمة الحفاظ على استقلال سوريا على شقين: تعزيز الحكم الشامل من أجل توحيد النسيج الاجتماعي المفكك، وتبني اتفاقيات دولية قوية للحد من التدخل الأجنبي. وقد تساعد رغبة الإدارة الانتقالية في عقد مؤتمر حوار وطني تحت قيادة سورية، بدعم من حكومات مجلس التعاون الخليجي، في تمهيد الطريق أمام المصالحة الوطنية إذا ما كانت مصحوبة بضمانات بشأن حقوق الأقليات وضمانات أمنية إقليمية. بالمثل، فإن تطبيق نزع الأسلحة الكيميائية تحت إشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، واستخدام الأصول المجمدة من عهد الأسد لإعادة الإعمار، يُسهم في دعم استقرار الاقتصاد السوري وتلبية الاحتياجات الإنسانية. في الوقت ذاته، فإن غياب جهد دولي منسق للحد من نفوذ الدول المُتناحرة مثل إسرائيل وتركيا، وضمان التقاسم الجاد للسلطة داخل سوريا، يُنذر بتحول البلاد لمعترك دائم للصراعات بالوكالة، بما يُضعف سيادتها واستقرارها الإقليمي.


 

مقالات لنفس الكاتب