array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي يستهدف فرص نفاذ سوريا للأسواق العالمية واستعادة الإنتاجية

السبت، 29 آذار/مارس 2025

شهد الاقتصاد السوري خلال الخمس عشرة سنة المنصرمة تداعيات خطيره أثرت بصورة سلبية على أداء مؤشرات الاقتصاد الكلي السوري لاسيما معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي الذي حقق عام 2023 انكماشًا غير مسبوق في التاريخ الاقتصادي، حيث بلغ (-7.0)، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي السوري إلى أقل من نصف حجمه في عام 2011م، وقدرت الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 800 مليار دولار خلال 14 عامًا. كما ارتفع معدل الفقر من (33%) قبل الحرب إلى 90% اليوم، بينما تضاعف الفقر المدقع ست مرات من 11% إلى 66%. وبات (12) مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وانخفض مؤشر التنمية البشرية في سوريا من (0.661) عام 2010 م، إلى (0.557)، وهو أقل من المستوى الذي سجلته سوريا عند بدء قياس هذا المؤشر عام 1990.

   كما سجل معدل التضخم أرقاماً فلكية وصلت إلى (116.3%) عام 2023م، مقارنة بنحو أقل من (5%) عام 2010م، وأصبح التضخم في سوريا يوسم بالتضخم الجامح الذي له تداعيات خطيرة على معيشة السكان السوريين، حيث يعيش تسعة من كل عشرة سوريين تحت خط الفقر، فيما بلغت نسبة البطالة ربع السكان. علاوة على تدهور الليرة السورية حيث وصل سعر صرفها إلى أكثر من (15) ألف ليرة للدولار الواحد في السوق الموازي أواخر حكم النظام السوري البائد، الأمر الذي قاد إلى تآكل الدخل المتحقق من الوظيفة العامة، حيث بات الراتب لا يكفي كأجور نقل للوصول إلى مقر العمل.

    سنتناول في مقالنا تداعيات النزاعات المسلحة في سوريا خلال السنوات الأربعة عشر المنصرمة على المشهد الاقتصادي والتنموي السوري وبيان العقبات التي تواجه النظام الجديد في سوريا للنهوض بالاقتصاد السوري ومواجهة تحديات إعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي بعد التغير السياسي الذي ينشد بناء اقتصاد سوري حر منفتح على الخارج والتخلص من عبء اقتصاد عام أفقره النظام السابق الذي كان يدير الاقتصاد السوري بمنطق اقتصاد الغنيمة.

 

أولًا-نظرة عامة على مؤشرات الاقتصاد الكلي السوري في فترة النزاع:

1-معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي:

     شهد معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي السوري تدهوراً كبيراً خلال الفترة (2011-2023م) فبعد أن حقق معدل نمو اقتصادي بنسبة (3.4%) عام 2010م، شهد الاقتصاد السوري انكماشاً اقتصادياً طيلة الفترة (2011-2020م) وبلغ أعلى مستوى لهذا الانكماش عامي 2012 و2013م، حيث بلغ معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي السوري بالأسعار الثابتة أكثر من (-25%)، ويمكن تفسير الانكماش في الاقتصاد السوري إلى تراجع قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية وقطاع السياحة. وفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن الصراع في سوريا أدى إلى تراجع اقتصادي هائل، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من نصف حجمه في عام 2011م.

    وتجدر الإشارة إلى أن متوسط النمو الاقتصادي السنوي في سوريا خلال السنوات السبع الماضية بلغ 1.3% فقط، مما يعني أن استعادة الاقتصاد لمستوى ما قبل الحرب ستحتاج إلى قفزة كبيرة تصل إلى عشرة أضعاف على مدى 15 عامًا ويقترح التقرير تحقيق معدل نمو سنوي بنسبة 5% كهدف أكثر واقعية لاستعادة حجم الاقتصاد إلى ما كان عليه في عام 2010م.

شكل (1) معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة خلال الفترة (2010-2024) %

S

 

2-نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي:

  انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سوريا نتيجة للصراع المسلح خلال السنوات الأربعة عشر المنصرمة من (2912) دولار عام 2010 م، إلى (939) دولار عام 2023م، أي انخفض بأكثر من ثلاث مرات وهذا يرجع إلى تراجع وانكماش الناتج المحلي الإجمالي، حيث كان الفاقد من الناتج المحلي الإجمالي نحو (800) مليار دولار خلال الفترة (2011-2024م).

شكل (2) متوسط نصيب الفرد السوري من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بالدولار

 

3-معدل التضخم

    شهد معدل التضخم في الاقتصاد السوري معبراً عنه بالتغير السنوي في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين بعد الحرب التي شنها النظام السابق على الشعب السوري تصاعداً بشكل سريع جداً، حيث ارتفع من (4.9%) عام 2010م، قبل بدء الاحتجاجات الشعبية إلى (116.2%) عام 2023 م، أي انخفض بنحو (111.3) نقطة مئوية، والشكل التالي يوضح ذلك.

 

 

شكل (3) معدل التغير السنوي في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين (2010-2023) %

 

    وتجدر الإشارة أن الصراع المسلح الذي دام أكثر من 13 عاماً تسبب في تضخم جامح بلغ في بعض الفترات أكثر من 100% سنوياً؛ ما أدى إلى زيادة هائلة في تكاليف المعيشة، التي ارتفعت بأكثر من 800% مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب. وشهدت أسعار المواد الأساسية، كالطعام والوقود، زيادات سنوية تتراوح بين 50% و100% بين 2021 و2024م، وهو ما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة على الشعب السوري في ظل تراجع وغياب الدعم الحكومي.

4-معدل البطالة

 لقد أدى الصراع في سوريا إلى فقدان أكثر من ثلاثة ملايين وظيفة خلال السنوات الخمس الأولى من الصراع. وقد نتج هذا عن تدمير المؤسسات والبنية الأساسية، والتدهور الاقتصادي السريع، وأزمة المالية العامة، وتدهور الوضع الأمني.

منذ السنوات الأولى للصراع، تسببت هذه الخسائر الهائلة في الوظائف في موجة من الهجرة الخارجية حيث سعى العديد من السوريين إلى البحث عن فرص في الخارج. وارتفع معدل البطالة من 8% في عام 2010م، إلى 24% في عام 2023م، مع تجاوز المستويات 50% في عامي 2015 و2016م، خلال ذروة الصراع.

     ارتفع المعدل العام للبطالة في سوريا من (8.6%) عام 2010م، إلى (48.3%) عام 2015م، نتيجة لتوقف الأنشطة الاقتصادية في مناطق مختلفة من سوريا نتيجة للنزاعات المسلحة، وكان الارتفاع أكثر في بطالة الإناث التي زادت بنسبة (45.2%) ما بين عامي 2010 و2015م، بينما كان الارتفاع في بطالة الذكور بنسبة (36.2%)، ثم المعدل العام للبطالة تراجعاً في عام 2024 نتيجة للاستقرار النسبي بعد عودة العلاقات مع الدول العربية، حيث وصل معدل البطالة إلى قرابة (13%)، والشكل التالي يبين ذلك.

شكل (4) معدل البطالة في سوريا (2010-2024) %

 

     وقد تأثر الشباب والنساء بشكل غير متناسب. وبحلول عام 2022م، وصلت البطالة بين الشباب إلى 60%، أي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في عام 2010م، وفي الوقت نفسه، تضاعفت البطالة بين الإناث بأكثر من الضعف بحلول عام 2023، مما أدى إلى تفاقم مشاركة الإناث في القوى العاملة المنخفضة بالفعل، والتي كانت في عام 2010م، ثلث مشاركة الرجال فقط.

5-معدل الفقر:

   ارتفع معدل الفقر العام في سوريا من (33%) من حجم السكان قبل الحرب إلى 90% من إجمالي السكان لعام 2024م، وهذا يعني بأنه يعيش تسعة من كل عشرة سوريين تحت خط الفقر. بينما تضاعفت نسبة السكان السوريين الذين يعيشون في فقر مدقع ست مرات من 11% من حجم السكان عام 2010م. إلى 66% في عام 2023م.

شكل (5) نسبة الفقر العام والفقر المدقع في سوريا (2010-2024م) % من السكان

 

ثانياً-تداعيات الحرب على الاقتصاد السوري:

كان للحرب التي فرضها النظام السابق على الشعب السوري طيلة الفترة (2011-2024م) آثار اقتصادية مدمرة على قطاعات الاقتصاد الوطني السوري الإنتاجية والخدمية والتي كان لها انعكاسات سلبية على أسواق العمل وعلى الخدمات العامة، وعلى مستوى معيشة السكان وفيما يلي بيان بذلك:

1-القطاع الزراعي:

    كانت سوريا تعتمد بشكل كبير على الزراعة لتوفير الغذاء والصادرات، لكن الأراضي الزراعية تضررت بسبب الصراعات لاسيما مناطق شرق سوريا التي تُعد سلة الغذاء للدولة، وزاد شُح المياه والأسمدة. تراجع الإنتاج الزراعي بنسبة 62% مقارنة بمستوياته قبل الحرب، حيث انخفضت قيمة الناتج الزراعي من حوالي (16.1) مليار ريال قطري عام 2010م، إلى (6.1) مليار دولار عام 2023م، والشكل التالي يُبين ذلك.

 

 

شكل (6) الناتج الزراعي بالأسعار الثابتة (2010-2023) مليون دولار

  

 وسجل الاقتصاد الزراعي السوري خسائر بحدود الـ 16 مليار دولار وكان يوفر فرص عمل لنحو خمسة ملايين عامل سوري. كما زادت قيمة صافي الواردات الزراعية من (1,123) مليون دولار عام 2010م، إلى حوالي (1,947) مليون دولار، أي بنسبة ارتفاع تقدر بنحو (92.5%)، وذلك نتيجة لتراجع الإنتاج المحلي بسبب الصراع والحرب لاسيما في مناطق دير الزور والرقة التي تشكل سلة الغذاء السوري.

2-القطاع الصناعي:

    قاد الصراع المسلح في سوريا خلال الفترة (2011-2024م) إلى تضرر مصانع كبرى أو توقفت تماماً، لاسيما في مدينتي حلب وحمص، وكانت تضم حلب أكثر من (4) آلاف منشأة صناعية وحرفي، وتنتج (60%) من حاجات سوريا من الأدوية، و(35%) من النسيج. وتوقف أكثر من (75%) من معاملها الصناعية عن العمل وتم نقل الجزء الأكبر منها إلى تركيا

   وبلغت خسائر القطاع الصناعي السوري حوالي (80) مليار دولار. وتراجعت الصادرات من (9) مليارات دولار إلى أقل من مليار دولار في 2023م. وسجل قطاع النفط والغاز خسائر بقيمة 115 مليار دولار، وتراجع الإنتاج من 400 ألف برميل إلى (15) ألف برميل يومياً. كما انخفضت قيمة الصادرات من السلع الصناعية التحويلية من (1000) مليون دولار عام 2012م، إلى (310) مليون دولار عام 2023م، أي بنسبة انخفاض قدرت بنحو (92.5%).

     وغني عن البيان، فإن الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة أحدث ضرراً كبيراً بمختلف قطاعات الصناعة السورية لاسيما صناعة الغزل والنسيج والصناعات الكيميائية والغذائية والهندسية، حيث يلاحظ وجود ارتفاع كبير في أسعار الكهرباء بين سوريا ودول الجوار، إذ يبلغ سعر الكيلو وات في سوريا اليوم (18) سنتاً، قياساً بنحو (9.5) و(12) سنتاً في كل من الأردن وتركيا على التوالي. وكان لارتفاع أسعار الكهرباء انعكاس كبير على تكاليف المنتج النهائي، الأمر الذي انعكس سلباً على تنافسية المنتجات السورية في الأسواق الخارجية وكذلك في الأسواق المحلية حيث باتت غير قادرة على منافسة السلع المستوردة لاسيما التركية بعد فتح الأبواب أمامها، حيث تتسم الأخيرة بانخفاض أسعارها. وبالتالي بات الصناعي السوري الخاسر الأكبر من ارتفاع فاتورة الطاقة، حيث تعطل العديد من المنشآت الصناعية أو توقفت عن الإنتاج، أو إلغاء عقود تصنيعية نتيجة لارتفاع التكاليف. 

3-قطاع الكهرباء

   تضرر قطاع الكهرباء بصورة كارثية، فطبقاً لبيانات وزارة الكهرباء السورية فإن 59 محطة تحويل كهرباء قد دُمرت بالكامل، بينما خرج 129 خط توتر عالٍ عن الخدمة، وهو الحال نفسه مع 80% من حوامل الطاقة في المدن المدمرة.وأوضح تقرير لوزارة الكهرباء السورية، ، أن التوزيع الجغرافي للأضرار جاء كالتالي: الشمال ) حلب وإدلب) 36 محطة مدمرة، تمثل 59% من محطات الشمال.وفي الشرق (دير الزور والرقة) 7 محطات مدمرة، تمثل 12% من محطات الشرق، أما في الوسط (حمص وحماة) فهناك 5 محطات مدمرة، تشكل 9% من محطات الوسط، بينما في الجنوب (دمشق وريفها ودرعا) هناك 11 محطة مدمرة، تشكل 20% من المحطات في الجنوب.

شكل (7) محطات تحويل الكهرباء المدمرة

 

   ويشير تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة عام 2025م، إلى انخفاض إنتاج الطاقة الكهربائية بنسبة 80% بسبب الأضرار التي لحقت بمحطات الكهرباء وخطوط النقل نتيجة للحرب، مما أدى إلى تقليص قدرة الشبكة الوطنية بأكثر من ثلاثة أرباع.

4-التداعيات على قطاع السكن والبنية التحتية

   أدى الصراع في سوريا إلى تدمير أو تضرر ثلث الوحدات السكنية، مما جعل (5.7) مليون شخص بحاجة إلى مأوى. كما تعطلت أكثر من نصف محطات معالجة المياه والصرف الصحي، ما أدى إلى نقص المياه النظيفة لنحو (14) مليون شخص. لم تترك الحرب أي قطاع في سوريا إلا ودمرته وفي مقدمة هذه القطاعات القطاع السكني، حيث دمرت الحرب الذي استخدم فيها النظام البائد البراميل المتفجرة واستخدمت فيها روسيا الطيران الحربي والصواريخ البعيدة نحو مليون وحدة سكنية في 16 مدينة رئيسة. وكانت نسبة الدمار على النحو التالي:

  • دمار كلي بنسبة (20-25%).
  • دمار بالغ لا يمكن إصلاحه بنسبة (30-35%).
  • دمار يمكن إصلاحه بنسبة (45-50%).

    وشهد ناتج قطاع التشييد تراجعاً كبيراً نتيجة للصراع والحرب، حيث انخفض ناتج قطاع التشييد من (2,138) مليون دولار عام 2010م، إلى (174) مليون دولار عام 2023م، أي بنسبة انخفاض بأكثر من (12) مرة، وهذا يمكن تفسير بتراجع أنشطة البناء والتشييد في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السابق وتوقف عمليات البناء في المناطق الساخنة التي شهدت حروباً كثيرة. أما بالنسبة لقطاع البنية التحتية في سوريا، فقد تضررت بنسبة (70%)، وشملت هذه الأضرار (50%) من الطرق والجسور، و(40%) من المستشفيات والمرافق الصحية، و(80%) من المدارس، و(82%) من حوامل الطاقة والمياه والشكل التالي يوضح ذلك.

شكل (8) نسبة الأضرار في البنية التحتية %

 

   تعرضت الطرق السريعة وشبكات الكهرباء والمياه لتدمير واسع النطاق، ما أدى إلى تكاليف إعادة إعمار ضخمة. وبلغت تكاليف إعادة بناء البنية التحتية وحدها حوالي 120 مليار دولار وفق تقديرات البنك الدولي.

    وفقاً لتقارير دولية ومحلية، بلغت الخسائر الاقتصادية الإجمالية في سوريا حتى عام 2023م، أكثر من 600 مليار دولار، بمعنى آخر بلغت خسائر كل مواطن سوري من هذا الصراع 26 ألف دولار في 13 عاماً. ويشمل هذا الرقم التدمير الكلي أو الجزئي للبنية التحتية، مثل الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات.

وأدى الصراع إلى تدمير أو تضرر ثلث الوحدات السكنية، مما جعل (5.7) مليون شخص بحاجة إلى مأوى. كما تعطلت أكثر من نصف محطات معالجة المياه والصرف الصحي، ما أدى إلى نقص المياه النظيفة لنحو 14 مليون شخص.

ثالثاً-التحديات التي تواجه إعادة إعمار سوريا

   تواجه عملية إعادة بناء الاقتصاد السوري جملة من التحديات تتمثل بالتحدي الأمني وتحدي توفير التمويل، والتوافق الوطني حول الأولويات. وما يميز هذه التحديات ليس فقط كبر حجمها، بل أيضاً في تعقيد الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد في ظل التحولات والتغيرات التي تمر بها المنطقة.  

1-تحدي توفير الأمن والاستقرار:

    ترتبط عملية تعافي الاقتصاد وإعادة إعمار سوريا بتوفير البيئة الأمنة المستدامة التي تدفع المستثمرين ومؤسسات التمويل وصناديق التنمية للشروع في تنفيذ المشاريع في مختلف القطاعات، فسوريا  جاءت بالمرتبة 161 عالميًا من بين (163) وفق تقرير مؤشر السلام العالمي لعام 2024م،  متقدمة على السودان واليمن وصنفت في خانة الدول التي تتمتع بأمن وسلم منخفض جداً، لذلك يقع على عاتق الحكومة السورية في الفترة الانتقالية تثبيت الأمن والاستقرار في المناطق السورية بالتعاون مع كافة الأطراف الداخلية، والتنسيق مع دول الجوار لضبط الحدود للحد من انتقال التنظيمات الإرهابية التي لا يروق لها أن ترى سوريا آمنة ومستقرة وقوية، حيث يشكل الأمن المستدام والسلم الأهلي المدخل لبناء اقتصاد قوي وتحقيق الغايات المستهدفة في إطار أهداف التنمية المستدامة 2030م.    

2-تحدي توفير التمويل:

  وفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة فإن استعادة الاقتصاد لمستوى ما قبل الحرب في ظل متوسط النمو الاقتصادي السنوي في سوريا خلال السنوات السبع الماضية البالغ 1.3%، ستحتاج إلى قفزة كبيرة تصل إلى عشرة أضعاف على مدى 15 عامًا ويقترح التقرير تحقيق معدل نمو سنوي بنسبة 5% كهدف أكثر واقعية لاستعادة حجم الاقتصاد إلى ما كان عليه في عام 2010م، وهذا يتطلب توفير موارد مالية ضخمة.

   وأمام نقص مصادر التمويل المحلية لمشاريع إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد، تأتي أهمية المساعدات الإنسانية والاستثمارات طويلة الأجل لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. وفي هذا الإطار يمكن طرح مبادرة عربية على غرار مشروع مارشال الذي ساهم في إعادة إعمار دول أوروبا التي دمرت أثناء الحرب العالمية الثانية، وتشارك في هذه المبادرة الدول العربية التي تمتلك صناديق للتنمية وهي الإمارات والكويت وقطر والسعودية، بالإضافة إلى البنك الإسلامي للتنمية الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، علاوة على بعض المؤسسات المالية والإنمائية الدولية كمؤسسة التنمية الدولية وصندوق أوبك للتنمية الدولية، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ويمكن أيضاً أن تسهم الدول الغربية المانحة للعون الإنمائي مع  دول مجلس التعاون في إنشاء صندوق لإعادة إعمار سوريا يقع على عاتقه تحقيق التعافي الاقتصادي وإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة  لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الذي يشكل المدخل لبناء سوريا الجديدة بعيداً عن حكم الطائفة الذي تحكمت بموارد البلاد الاقتصادية طيلة أكثر من ثلاثة عقود. ويمكن أن يُشكل الاستثمار الأجنبي المباشر سواء من دول الخليج العربية أم تركيا أم دول الاتحاد الأوروبي، فرصة لإعادة بناء وتطوير الاقتصاد السوري، حيث يسهم هذا الاستثمار في تطوير نظم الإدارة والتنظيم والارتقاء بمستوى المهارات، ونقل التكنولوجيا وسوريا بأمس الحاجة له بعد أكثر من خمسة عقود من اقتصاد شمولي مهيمن على الحياة الاقتصادية. 

3-تحدي التوافق الوطني حول الأولويات:

   تضم سوريا تركيبة سكانية متنوعة من حيث الخلفية العرقية أو الدينية، ويمكن أن يشكل هذا التنوع مصدر إثراء يسهم في بناء الاقتصاد السوري، أو يكون مصدر قلق في حل غياب التوافق الوطني. إن سوريا اليوم بأمس الحاجة للتوافق على تبني نموذج التنمية المتوازنة التي تستفيد منها كافة المناطق، وتكون أهم الأولويات فيه توفير الخدمات الأساسية لاسيما الكهرباء التي تشكل عصب الاقتصاد، تشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة لاسيما الطاقة الشمسية لتخفيف الضغط على الشبكة الوطنية للكهرباء، وتحسين كفاءة الاستخدام في المصانع من خلال تقنيات حديثة موفرة للطاقة مما يقود إلى تخفيض التكاليف، كما ينبغي الإسراع في الربط الشبكي للكهرباء من الأردن وتركيا، وتوفير السكن اللائق لملايين السوريين الذين فقدوا مساكنهم نتيجة للتدمير المُمنهج الذي قام به النظام السابق في المناطق التي شهدت حراكاً ضده.

    ومن الأولويات أيضاً تطوير القوانين والتشريعات الخاصة بممارسة النشاط الاقتصادي بالشكل الصحيح، ووجود إدارة حكومية رشيدة تستثمر الموارد بكفاءة، وتعمل على إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وتبني نهج الخصخصة المتدرجة لتحقيق انتقال سلس من الاقتصاد المركزي إلى اقتصاد السوق، ومن اقتصاد الحرب إلى اقتصاد الإعمار الذي يُنمي الحياة بشكل مباشر، ويؤثر على كافة القطاعات الزراعية والصناعية والقوى البشرية.

    وفي الختام فإن مستقبل إعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي وبناء اقتصاد سوري يستهدف توسيع فرص نفاذ سوريا إلى الأسواق العالمية واستعادة الإنتاجية، وخلق فرص العمل، وتنشيط الزراعة، وإعادة بناء البنية التحتية للخدمات الأساسية يعتمد بشكل كبير على الوضع السياسي والتوافق الوطني، والدعم الدولي، والقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية وتبني استراتيجية أوسع تشمل الإصلاح المؤسسي والتشريعي، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتعزيز الشراكات بين القطاعات الثلاثة الحكومي والخاص والمجتمع المدني لتحقيق التنمية المستدامة.

مقالات لنفس الكاتب