array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

5 مخاوف عراقية حيال سوريا الجديدة وقلق من المحور التركي الأمريكي الإسرائيلي

السبت، 29 آذار/مارس 2025

مواقف سياسية عراقية متباينة حيال سقوط الأسد: ربما شكل سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في ديسمبر 2024م، وظهور نظام سياسي جديد في سوريا بحلة إسلامية سنية، أبرز حدث تداولته الأوساط العراقية منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، ولاحقًا سقوط المحافظات السنية بيد تنظيم داعش الإرهابي في عام 2014م، فقد أذهل السقوط السريع لنظام الأسد الوسط السياسي العراقي، وأصاب بالرعب الكثير من السياسيين من انتقال عدوى التغيير إلى العراق، الذي لازال يعاني من ويلات الانقسام السياسي والاجتماعي، وتحديات الواقع الأمني المتدهور. وانقسمت مواقف السياسيين العراقيين بين صامت ومرحب ومنتقد، فقد رحب مجمل السياسيين السنة بسقوط نظام بشار الأسد، واعتبروه انتصارًا لنضال الشعب السوري وثورته ضد الظلم والدكتاتورية، وبادر خميس الخنجر رئيس حزب السيادة والذي يضم قوى سنّية، بتهنئة الشعب السوري بسقوط النظام، معربًا عن أمله في أن يؤدي ذلك لتأسيس دولة جديدة تؤمن بالمواطنة والحريات، واصفًا ما حدث بأنه نهاية حقبة الحكم الديكتاتوري المجرم في سوريا وبداية عهد جديد. في حين أعرب رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي في تغريدة له على منصة اكس عن إحباطه من عملية التغيير في سوريا وأكد : " بعد النصر اللبناني" حقق الهجوم المضاد في سوريا أولى نجاحاته وسيحقق نجاحات موجعة أخرى، مضيفًا : "ابتهج الإسرائيليون وسارعوا لدخول القنيطرة وستحصل تداعيات خطيرة، لكن للهجوم نهاية وعلى الباغي تدور الدوائر" ، في ذات الوقت أطلق أربعة رؤساء برلمان سنة سابقين، نداءً تحذيريًا للاطار الشيعي الحاكم، بضرورة الحوار والتفاهم لمعالجة المظالم الاجتماعية والتمييز والإقصاء الذي وقع على الشعب العراقي، قبل أن تأتي عاصفة التغيير إلى العراق.

موقف حكومي رسمي متردد وحذر:

 إزاء التصريحات المتضاربة للسياسيين، بقي الموقف الحكومي الرسمي يلفه التردد والصمت، وفي الوقت الذي هرعت دول المحيط الإقليمي والدولي، بمختلف توجهاتها ومصالحها للاعتراف بالنظام السوري الجديد، انكفأت الحكومة العراقية على نفسها، وترددت في المضي بأي خطوة جديدة تتوافق مع مصالح العراق السياسية والاقتصادية، ونظرت لموضوع التغيير السوري من زاوية أمنية بحتة، أي بقدر احتمالية تأثيره على الواقع الأمني والسياسي العراقي، وعليه كثفت الحكومة العراقية من حشودها العسكرية وجهودها الاستخبارية على الحدود مع سوريا، خشية استثمار داعش للتداعيات، وشنها هجومًا مباغتًا ضد المدن العراقية المحاذية لسوريا. ولم تعر للبعد السياسي والاقتصادي وللروابط التي تجمع الشعبين العراقي والسوري ما تستحقه من أهمية. وفي الواقع فإن موقف الحكومة العراقية المراقب للأحداث في سوريا، قد فسره البعض في حينه على أنه موقف مرحلي وآني نتيجة الأسباب الآتية:

  • استشعار الحكومة العراقية أن سقوط نظام الأسد بات وشيكًا، لاسيما وأن المعلومات الاستخبارية أخذت تؤكد أن معنويات الجيش السوري كانت منهارة وأن تجهيزاته الدفاعية لا تعينه في صد الاندفاع الكبير لقوات المعارضة نحو العاصمة دمشق.
  • إعلان إيران رسميًا أنها لن تتدخل لنصرة نظام الأسد، مما عزز قناعة الحكومة العراقية بأن النظام السوري ساقط لامحالة، وأن قواته غير قادرة على مواجهة قوات المعارضة.
  • اعتقاد الحكومة العراقية بأن قوات المعارضة السورية تحظى بتأييد دولي، خاصة من تركيا والولايات المتحدة، مما سيمنع أي تحرك عسكري عراقي محتمل.
  • اعتقاد الحكومة ان اي تدخل عسكري عراقي سيقسم الشارع العراقي المنهك بالأزمات الاقتصادية، والمنقسم على ذاته طائفيًا وقوميًا.

 وبعيدًا عن آراء السياسيين، فقد انقسمت شعبيًا آراء العراقيين، حول سقوط نظام البعث في سوريا، بين مؤيد ومعارض، وكان البعد الطائفي حاضرًا وبقوة في تقييم مسيرة حكم الأسد في سوريا. فقد وجد غالبية السنة في سقوط حكم عائلة الأسد، فرصة لقطع أذرع إيران في العراق، وبداية لتغيير جذري سيطال العملية السياسية، عبر ضرب الفصائل الشيعية المسلحة وإنهاء هيمنتها في المناطق السنية، كما وجدوا في التغيير فرصة مهمة لولادة حكم سني في سوريا، داعمًا ومساندًا لهم في المستقبل. وعليه فبسرعة مبهرة، تناسوا تاريخ قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في انضمامه للتنظيمات المتطرفة، وأخذوا يقدمون الأعذار، معتبرين أنه قاتل الأمريكيين ولم يقاتل العراقيين، وأنه تبرأ من تاريخه ليعمل اليوم على النهوض بسوريا، التي مزقتها سياسات الأسد ويستعيد دورها العربي والدولي. أما الشيعة، فقد انقسموا بين صامت مترقب، وآخرين طالبوا الحكومة بإرسال قوات نظامية إلى سوريا لإنقاذ نظام الأسد، لأن سقوطه سيؤدي إلى تداعيات خطيرة على أمن العراق، فيما أبدت الغالبية الشيعية ندمها على سقوط أحد أضلاع محور المقاومة الذي تقوده إيران، وتشاؤمها من مرحلة مظلمة سيعيشها شيعة سوريا ومقدساتهم في ظل الحكم الإسلامي الجديد المدعوم دوليًا. أما الأكراد، فظلوا حذرين، يترقبون ما ستؤول إليه الأحداث، وعيونهم متجهة إلى شرق الفرات، حيث لم ينته صراع أشقائهم في قسد للحصول على حقوقهم السياسية والثقافية.

ثالثًا: العراق وسوريا: تاريخ متضارب من العلاقات

من يراجع ذاكرة العراقيين، يجد أن سوريا متجذرة في مخيلهم الجمعي، إذ تختزل ذكريات التاريخ والحاضر معًا. فهم أقرب الشعوب العربية للشعب العراقي من الناحية الاجتماعية والثقافية، ومن ناحية العادات والتقاليد. وبالمعنى التاريخي، فإن سوريا تعني الحضارة والمجد الأموي، وفتوحات المسلمين، وبطولات الكفاح المسلح ضد الاستعمار والصهيونية، وهي جزء من حلم العراقيين بالهلال الخصيب وطموحات الساسة العراقيين بتسيده. أما في الحاضر، فهي شكلت الملاذ الآمن الذي استقبل العراقيين، في أحلك ظروفهم الطائفية بعد العام 2007م، حين أوصدت الأبواب العربية بوجههم، ولم يجدوا سوى أبواب الشعب السوري مشرعة لهم، فهرعوا يحتمون بضيافته من هول المفخخات والقتل الجماعي الذي تعرضوا له.

تاريخيًا، لم تكن سوريا غائبة عن فكر قادة العراق في العهد الملكي، فقد يمم رئيس وزراء العراق المخضرم نوري باشا السعيد (1888 -1958م)، وجهه نحو بلاد الشام وحلم بضمها إلى العراق، في إطار مشروعه الخاص بوحدة دول الهلال الخصيب، ليس فقط بسبب الروابط التاريخية والاجتماعية بين الشعبين العراقي والسوري، وإنما أيضًا لحل عقدة الجغرافيا وعزلة البحر التي فرضها الاستعمار البريطاني على العراق منذ اتفاقية سايكس-بيكو 1916م.

ولعل أفضل وصف يمكن أن توصف به علاقات العراق وسوريا منذ قيام الدولة الوطنية الحديثة في البلدين، بأنها علاقات متأرجحة ومتذبذبة، وقد مالت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين إلى العداء، ولاسيما مع وصول جناحي (حزب البعث العربي الاشتراكي)، للسلطة في كل من سوريا والعراق، وقد استحكم العداء وتأصل بعد استلام السلطة من قبل الرئيسين حافظ الأسد وصدام حسين. ورغم شعارات البعثيين القوميين في كلا البلدين بالوحدة العربية، الا أن تنافس وصراع جناحي حزب البعث، قد عطل أي تقارب واندماج بين الشعبين، بل أحدث نكوصًا وارتدادًا وقطيعة سياسية واجتماعية، دفع ثمنها الشعبان العربيان في سوريا والعراق، ولاسيما بعد تعثر محاولات الوحدة بين الدولتين في نهايات عهد الرئيس العراقي أحمد حسن البكر 1978م، بسبب الخلافات السياسية والصراعات بين القيادتين، والتي ازدادت خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988م، واصطفاف الرئيس حافظ الأسد إلى جانب النظام الإيراني، حيث ظلت الذاكرة العراقية مشحونة بذكريات الألم الذي ترسمه صواريخ سكود الروسية التي زودت بها دمشق طهران، وهي تدك المواقع العسكرية والمدنية في العاصمة بغداد، ولم تفلح القمم العربية ومصالحات القادة العرب وفي مقدمتهم الملك فهد رحمه الله، في رأب الصدع في علاقات حافظ بصدام، واللذان بيّنا أنهما كانا العقبة الكؤود أمام عودة العلاقات بين الشعبين الشقيقين.

لقد كان احتلال العراق للكويت في 1990م، بمثابة الشهادة الأخيرة لثبوت انتهاء صلاحية الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الحكم، وسقوط شعاراته حول الوحدة العربية والتضامن العربي، فقد اصطف غالبية العرب ضد طموحاته التوسعية بضم الكويت. وشكل وقوف سوريا إلى جانب الموقف العربي والخليجي في قمة القاهرة 1990م، لمناصرة عودة حكومة الكويت الشرعية وانسحاب العراق من الكويت، بوابة مهمة استثمرها الرئيس حافظ الأسد بذكاء، لإعادة علاقاته العربية وتحديدا الخليجية بعد عزلة الحرب العراقية الإيرانية، وليطرح نفسه بديلًا سياسيًا واقتصاديًا عن العراق، لاسيما وأن الاقتصاد السوري كان بحاجة ماسة لضح الأموال والاستثمارات الخليجية.

رابعًا-النظام السوري الجديد والمخاوف العراقية

مع استقرار الحكم الجديد في سوريا في ديسمبر 2024م، وهروب الرئيس بشار الأسد إلى روسيا، بدأت الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع بإرسال إشارات إيجابية إلى حكومة محمد شياع السوداني، لفتح تعاون سياسي واقتصادي، وأن الحكومة السورية بحاجة إلى دعم أشقائها في العراق، لتجاوز التحديات الأمنية والاقتصادية التي يواجهها النظام الجديد، إلا أنه وكما ذكرنا، فإن الحكومة العراقية ظلت أسيرة في توجهاتها حيال الوضع السوري الجديد لتوجهات الفصائل والأحزاب التي شكلتها، فبقي الهاجس الأمني واحتمالات انتقال التغيير السياسي إلى العراق، يشكل الشاغل الأبرز الذي يهم الحكومة العراقية.  من هنا كانت زيارة مدير جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري إلى دمشق في ديسمبر2024م، بمثابة جس نبض للإدارة السورية الجديدة ورؤيتها لمستقبل العلاقات مع العراق، لاسيما وأن الحكومة في العراق متخوفة من ماض الشرع وانتمائه، ومن توجهات هيئة تحرير الشام، ولهذا ركزت الزيارة على شرح مخاوف العراق من عودة تنظيم الدولة الإسلامية، وضرورة قيام الجانب السوري بضبط الحدود لعدم تسلل عناصر التنظيم إلى العراق، فالعراق ووفقًا لتصريح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقابلته مع تلفزيون فرانس برس في 14 شباط فبراير 2025م، لديه مخاوف فعلية من استثمار تنظيم داعش للفجوات الحدودية بين العراق وسوريا، ولهذا يحتاج العراق إلى تعاون وعمل مشترك مع الإدارة السورية الجديدة للتصدي للتنظيم ومنع إعادة تمكينه مجددًا. ورغم تقدم الحكومة السورية في علاقاتها العربية والدولية وتسابق الوفود الأمريكية والأوروبية، للاعتراف بالنظام الجديد في سوريا، ورفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا والمساهمة في إعادة إعمارها، إلا أن التردد والترقب لازال يسود موقف الحكومة العراقية حيال الوضع السوري الجديد، بالرغم من أن المنطق السياسي يؤكد أن العراق كان يجب أن يكون أول الداعمين لسقوط نظام بشار الأسد، نتيجة الدور الذي مارسه في تخريب السلم الأهلي في العراق. خلال سنوات الاحتلال الأمريكي للعراق 2003-2011م، حيث شهدت تلك الفترة مشاركة فاعلة للنظام السوري في دعم العنف الطائفي، وتفجير المفخخات وإدخال المسلحين إلى العراق، لتأجيج التوترات الإثنية والقومية، فضلاً عن إيوائه لمراكز تدريب الإرهابيين من القاعدة ولاحقًا تنظيم داعش الإرهابي وميليشيات عراقية أخرى، اعتقادًا منه أن مشاغلة القوات الأمريكية ومقاومتها داخل العراق، كفيل بمنع تمددها إلى سوريا، التي كانت تصنفها إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بأنها ضمن محور الشر، والذي تتمثل أضلاعه بسوريا وإيران والعراق. ولكن الواضح من القراءة العامة للموقف العراقي الرسمي، أن التردد بل والانقسام لازال سيد الموقف السياسي العراقي، وهذا الانقسام أخذ يظهر بين الفينة والأخرى، بتصريحات متشنجة تهاجم القيادة السورية وتصفها بأوصاف غير مقبولة دبلوماسيًا، مثل تصريح رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، والذي هاجم فيه الإدارة السورية الجديدة ووصفها بـ"الإرهابية". ورغم أن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني حاول أن يمسك العصا من الوسط، بتصريحات تؤكد على أن العراق يرحب بالواقع السوري الجديد، وأنه على استعداد للتعاون مع الإدارة الجديدة، وأن العراق يحترم إرادة الشعب السوري في اختيار قيادته. إلا أن تلك التصريحات لا تعدو أن تكون تصريحات مجاملة، وهي تؤكد حجم المأزق والضعف الذي يعانيه السوداني وحكومته في تبني مواقف حاسمة اتجاه القضايا الإقليمية والدولية المحيطة بالعراق. وحسب الباحث العراقي مجاهد الطائي فإن عملية صنع قرار خارجي عراقي مستقل ومتوافق مع توجهات الحكومات العراقية المتعاقبة بات معضلة، نظرًا لهيمنة قوى وأحزاب سياسية وميليشيات عدة داخل العراق على قرارات الحكومة، فهي التي تساهم في عملية صنع القرار. ويشير الطائي إلى أن الحكومة العراقية ضعيفة مقارنة بالقوى التي شكلتها، والتي أصبحت تمثلها محليًا ودوليًا، وهي تخضع في بعض الأحيان لأمزجة سياسية خارج سياقات الدولة، أي لتوجيهات جماعات ما دون الدولة، وهذا الأمر يتكرر ليس في علاقة العراق مع سوريا، وإنما مع دول الجوار الأخرى، مثل تركيا وإيران والسعودية، وفق تعبيره. وعمومًا، فالمتفحص للخطاب السياسي للحكومة العراقية، يدرك المخاوف أو الهواجس، التي تبديها حيال الواقع السوري الجديد، والتي يمكن إجمالها بالآتي:

  • تعتقد الحكومة العراقية أن الإدارة الجديدة في سوريا غير قادرة على ضبط تداعيات سقوط نظام بشار الأسد على وحدة سوريا، والتي بدأت تتفكك على يد إسرائيل التي احتلت قواتها مناطق مهمة في جنوب سوريا في القنيطرة وجبل الشيخ، وبدأت تطالب بالحماية لسكان الجنوب من الدروز، وعليه فقد يؤول الوضع السوري نحو مزيد من الفوضى والتغيير.
  • أظهرت الانتهاكات التي قامت بها جماعات مسلحة متطرفة، منضوية في هيئة تحرير الشام وتسريب مقاطع فيديو مصورة، لعمليات قتل وتعذيب لمعارضين، سوء النية للإدارة الجديدة حيال الأقليات، وفي مقدمتهم الشيعة والعلويين، واحتمالات تعرضهم لمظالم في حقوقهم ومعتقداتهم.
  • إن الوضع الأمني والعسكري المنفلت في سوريا، يوحي بإمكانية تمدد تنظيمات إرهابية وانتقال نشاطاتها إلى العراق، مثل داعش، حيث تنشط في المناطق الحدودية المحاذية للعراق، ولاسيما في شرق الفرات وفي وادي حوران، وليس مستبعدًا أن تقوم الإدارة السورية الجديدة بدعم تلك التنظيمات استنادًا لتاريخها في استخدام العنف وتبريره.
  • تتخوف الحكومة العراقية من انفلات الأوضاع في سجن الهول، والذي يقع تحت سيطرة قوات قسد الكردية والقوات الأمريكية في شرق الفرات، وكذلك في سجون غويران والحسكة، حيث يقبع آلاف الدواعش وبضمنهم قيادات مهمة في التنظيم، وخطر هؤلاء يكمن في حال قيام تحالف دولي وإقليمي بالتنسيق مع الإدارة السورية الجديدة، عبر توظيفهم لأحداث تغيير سياسي في العراق على شاكلة ما حصل في سوريا.
  • إن استمرار الواقع السياسي الهش في سوريا، وعدم السيطرة على الحدود، يتيح لمافيات السلاح والمخدرات والمواد الممنوعة، الاستمرار في نشاطاتهم لتخريب الأمن الوطني العراقي. ويتخوف النظام السياسي في العراق، أن يضغط الواقع الاقتصادي على الإدارة الجديدة في سورية لمعاودة أنشطة التهريب للمخدرات والأسلحة والممنوعات، كونها تدر ملايين الدولارات التي تعينها في فك ضائقتها المالية المستفحلة.

والحقيقة أن طرح تلك الهواجس غير مبرر في منطق العلاقات الدولية، كونها هواجس يمكن تفاديها بمزيد من التفاهمات والإسراع بالانفتاح على الجانب السوري، لضبط الحدود ومكافحة جماعات التهريب ومافيات المخدرات والأسلحة. ويظهر طرح تلك الهواجس حجم التكبيل الذي تعانيه حكومة محمد شياع السوداني من قبل قوى الإطار الشيعي وبعض فصائل الحشد الشعبي، التي مني مشروعها بهزيمة كبيرة، وفقدت خيرة مقاتليها في سوريا قتلًا وأسرًا، فهي التي تمنع بتوجيهات إيرانية مكشوفة أي تقارب، بين الحكومتين العراقية والسورية، حيث تتعمد تلك الفصائل وضع العصي في دولاب العلاقات بين الحكومتين، لاعتقادها أن الإدارة الجديدة في سوريا برئاسة أحمد الشرع، باتت جزءًا من المحور التركي الأمريكي الإسرائيلي، والذي تمكن من إنهاء وجود حزب الله في لبنان وإسقاط نظام الأسد، وأن تحركات الشرع العربية وبضمنها زيارته المهمة للمملكة العربية السعودية والدعم الذي تقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين على المستوى السياسي والاقتصادي للشعب السوري، يمكن أن ينتج تحالف عربي ضاغط لتصحيح الأوضاع في العراق، وتعتقد تلك الفصائل أن تصاعد السخط الشعبي وارتفاع مؤشرات الفساد والإقصاء والتهميش الاجتماعي، سيجعل موقفها في خطر وإن التغيير سيجرفها في المستقبل، ولهذا ستبقى ممانعة لأي تحول في علاقات العراق مع سوريا. ولا شك أن بقاء الموقف المتردد للحكومة العراقية، يسبب خسارة سياسية واقتصادية كبيرة للعراق، في ظل تسابق الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي للفوز بفرص استثمارية وبعلاقات سياسية متميزة مع سوريا.

خامسًا-ما الذي يحمله المستقبل للعراق وسوريا

من الراجح أن المستقبل يحمل الكثير من التحسن لعلاقات الاشقاء في سوريا والعراق، بعد ان تزول مسببات القطيعة المفتعلة، فالمؤشرات تؤكد أن التغيير السياسي قادم لامحالة في العراق، نظرًا لوصول الأوضاع السياسية والاقتصادية إلى أزمتها من السوء والتدهور، وفي حال حصول أي تغيير سياسي عبر صناديق الاقتراع أو ثورة شعبية مثلما حصل في ثورة الشباب في أكتوبر 2019م، فإن تغيّرات جوهرية ستطرأ على السياستين الداخلية والخارجية في العراق، وهو ما يرجح انفراجة مستقبلية في علاقات العراق بسوريا، ومما يساعد في تلك الانفراجة مجموعة معطيات سياسية وأمنية تلوح في الواقع الإقليمي المحيط بالعراق، لعل أبرزها:  

  • الضغوط الأمريكية والأوروبية على إيران والتي تمثلت مؤخرًا بمجموعة قرارات أصدرتها إدارة الرئيس ترامب في فبراير 2025م، ضد الاقتصاد الإيراني، مما قد يساهم في تقليل نفوذها في العراق، مما يفتح المجال لتغيير السياسات العراقية اتجاه جيرانها، بما في ذلك سوريا. ورغم أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية قد تشمل العراق أيضًا، عبر قطع إمدادات الغاز الإيراني عن محطات الكهرباء في العراق، إلا أن دخول المملكة العربية السعودية وقطر كبدلاء في توفير احتياجات العراق من الغاز، قد يساهم في تسريع انفكاك العراق من النفوذ الإيراني.
  • تزايد المخاوف الأمنية المشتركة: فقد تستفيد بعض التنظيمات الإرهابية مثل داعش، من حالة عدم الاستقرار في سوريا، لشن سلسلة هجمات ضد القطعات العسكرية والمواقع الأمنية في العراق، مما يحتم على العراق وسوريا تعزيز التعاون الأمني المشترك. وقد يسهم إعلان حزب العمال الكردستاني التركي، ووقف عملياته العسكرية في تركيا وسوريا وانخراطه في العمل السياسي، فرصة لتوحيد الجهد الأمني والاستخباري العراقي والسوري، ضد فلول داعش والتي تنشط في المناطق الحدودية الرخوة بين البلدين.
  • التحولات السياسية في سوريا: مع تراجع النفوذ الإيراني في سوريا عقب سقوط نظام الأسد، ومع الإشارات الإيجابية التي أطلقتها القيادة السورية الجديدة برئاسة الشرع، حيال العراق واستعداده لزيارة العراق أو إرسال وزير خارجيته أسعد الشيباني إلى بغداد، والتفاهم حول القضايا الأمنية والسياسية والحدودية المشتركة، فإن فرص تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين قد تكون أقرب في المستقبل.
  • التحولات الإقليمية: المنطقة العربية بدأت تشهد تطورات سياسية واقليمية كبيرة، بعد أحداث غزة وهزيمة حزب الله وسقوط نظام بشار الأسد. لعل أهمها بروز الدور التركي في أحداث سوريا، وكذلك بروز الدور السعودي، على المستوى الإقليمي والدولي، ولاسيما بعد استضافة المباحثات الأمريكية / الروسية في الرياض في فبراير الماضي، وقد بدأت تلعب المملكة العربية السعودية دورًا محوريًا في استنهاض الواقع السوري، والوقوف إلى جانب الأشقاء السوريين في محنتهم السياسية والاقتصادية، ومثل هذه التحولات في العلاقات بين الدول العربية وسوريا والتي تقودها المملكة، قد تسهم في خلق بيئة مواتية لتقارب عراقي سوري، ومن الممكن أن تلعب المملكة العربية السعودية، دورًا في ردم الفجوات بين الجانبين العراقي والسوري، عبر استضافة اجتماع أو قمة ثنائية تنهي الخلافات بين الجانبين العراقي والسوري وبما يفضي إلى استعادة العلاقات الكاملة بين الجانبين.
  • المصالح الاقتصادية والثقافية المشتركة: لا شك أن الموروث الثقافي بين العراق وسوريا كبير، فهناك تقارب روحي بين الشعبين عبر الروابط القبلية والاجتماعية وحالات التصاهر المشترك، كما أن الشعبين يمتلكان مصالح اقتصادية مشتركة، عبر التجارة والمياه والنقل البري وإعادة تشغيل أنبوب النفط بين كركوك وميناء بانياس على البحر المتوسط، فضلًا عن مشاريع اقتصادية مشتركة في مجال الزراعة والصناعة، ما قد يحتم التعاون بين البلدين في المستقبل.
  • التغيّرات في السياسات الداخلية العراقية: إن العراق مقبل على استحقاق انتخابي مهم ومفصلي في تاريخه الحديث، عبر الانتخابات التي ستجري في أكتوبر 2025م، والتي من المتوقع في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على إيران وأذرعها المسلحة في العراق، أن تفرز حكومة تمثيل شعبي تأخذ بنظر الاعتبار المصالح العليا للشعب العراقي، بعيدًا عن الأجندات الحزبية والهيمنة الأجنبية، مما يساعد على تطوير العلاقات العراقية السورية.

وأخيرًا يمكن القول إن الإسراع بإعادة العلاقات العراقية / السورية، بات ضرورة استراتيجية لكلا البلدين لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، وفي مقدمتها حاليًا تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية في مناطق جنوب سوريا. حيث سيساهم ذلك، في تعزيز التعاون الأمني وتطوير التنسيق الاستخباراتي بين البلدين لمراقبة التحركات الإسرائيلية مما يؤمن الحدود المشتركة. كما يمكن أن يؤدي تعزيز الروابط السياسية بين دمشق وبغداد إلى زيادة الضغط الإقليمي والدولي على إسرائيل للحد من الهجمات على الأراضي السورية. فضلًا عن أن دعم العراق لسوريا في المحافل الدولية قد يساهم في تسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية ومناقشة القضية في المحافل الدولية.

مجلة آراء حول الخليج