array(1) { [0]=> object(stdClass)#13906 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

الصين تعيد تقييم سياستها الاستراتيجية في سوريا وتبحث فرص التعاون حتى في ظل حالة عدم اليقين

الأحد، 30 آذار/مارس 2025

سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024م، لا يعني إنهاء 54 عامًا من حكم عائلة الأسد فقط بل له تأثير كبير في منطقة الشرق الأوسط وحتى العالم. منذ إنشاء الحكومة الانتقالية السورية، ظل الوضع في سوريا معقدًا وصعبًا، وتواجه الحكومة الانتقالية ضغوطًا متعددة تتعلق بالتكامل السياسي وإعادة البناء الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والعلاقات الخارجية. ولم يتم بعد تعزيز نظام الحكم في الحكومة الانتقالية السورية، ولا تزال القوات المسلحة المحلية نشطة، ولا تزال بقايا الإرهاب تشكل تهديدًا في بعض المناطق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الصراعات العرقية والطائفية بسبب الحرب، وانخفاض الثقة الاجتماعية، أمراء الحرب المحليين، والقوى القبلية والوكلاء الأجانب لا تزال تتنافس على النفوذ. في عملية إعادة بناء الدولة، فإن الحكومة الانتقالية تواجه العديد من المشاكل، مثل كيفية التعامل مع المسؤولين السابقين في حكومة الأسد، كيفية تهدئة المعارضة وكيفية الحصول على الاعتراف الدولي. ومن الناحية الاقتصادية، أدت الأضرار الجسيمة التي لحقت بالهياكل الأساسية في فترة ما بعد الحرب والجزاءات الدولية والحصار الاقتصادي إلى إبطاء عملية الانتعاش. وفي الوقت نفسه، والسيطرة على الموارد النفطية لا تزال محور الصراع بين جميع الأطراف، مثل القوات المسلحة الكردية، تركيا، إيران، وغيرها من القوى الخارجية لا تزال تؤثر على استراتيجية الطاقة في سوريا.

أولا: سقوط نظام الأسد كان له تأثير بعيد المدى على مستقبل سوريا وعلاقاتها الدولية.

1 - التأثير على مستقبل سوريا

الأول هو الاضطراب السياسي وإعادة هيكلة السلطة. سقوط الأسد مثّل مرحلة سياسية جديدة في سوريا، ولكن على المدى القصير لم يزل الوضع السياسي غير مستقر. في الوقت الحاضر، لم يتحقق تعميم الحكم السياسي على الأرض السورية بالكامل، وما زالت التنافسات بين الأطراف المختلفة على السلطة، وهو ما أدى إلى وجود نوع من الانقسام السياسي الحقيقي. وهو ما يطرح سؤالًا مفصليًا كيف يمكن للحكومة الجديدة تحقيق الاستقرار وإجراء الإصلاحات السياسية والدستورية؟ فهو تحديدًا ما سيحدد مستقبل سوريا.

أعقب سقوط الأسد حالة من الفوضى والتدهور الأمني وتدخلات من عدة أطراف منها: إسرائيل وتركيا وغيرها من البلدان. وهو ما أدى في الوقت ذاته إلى انكفاء إيران وتراجع للدور الروسي الذي لم تتضح معالمه بعد. فقد بدأت إسرائيل وبشكل يومي تدخل سوريا برًا عبر الجنوب، إضافة إلى ضربات استهدفت مقدرات الدفاع الجوي السورية، في حين أن تركيا قد توسّع نفوذها في المنطقة الكردية في شمال سوريا. ويمكن للمنظمات الإرهابية أن تغتنم هذه الفرصة للانتعاش وتزيد من مخاطر الأمن الإقليمي.

ومن جانب آخر، هناك تحد آخر يتمثل في كيفية إعادة البناء الاقتصادي. إذ أن الاقتصاد السوري قد تضرّر بشدة جرّاء الحرب وانهيار نظام الأسد أدى إلى انهيار النظام الاقتصادي بأكمله. هذا فضلًا عن أن الحكومة الجديدة تحتاج إلى الاعتماد على المساعدات الدولية والاستثمارات الأجنبية من أجل استعادة الاقتصاد، ولكن التقدم الحقيقي في إعادة الإعمار قد يكون بطيئًا بسبب الحذر الغربي في سوريا.

2 - الوجود العسكري الأمريكي الداعم للأكراد

بحلول مارس 2025م، حافظت الولايات المتحدة على نشرها حوالي 900 جندي في شرق سوريا، مهمتهم الرئيسية المزعومة هي التعاون مع القوات الكردية المحلية لمنع "داعش" من العودة. ومع تغير الوضع في سوريا، فإن المناقشات في الولايات المتحدة لا تزال مكثفة وحامية على نحو متزايد. فيدعو بعض صناع القرار إلى تعديل الاستراتيجية العسكرية على التكيّف مع الواقع السياسي الجديد.

تاريخيًا، تغير دعم الولايات المتحدة للأكراد عدة مرات بسبب المصالح الجيوسياسية. على سبيل المثال، في السبعينات، كانت أمريكا تمول سرًا الأكراد في العراق ضد حكومة بغداد من خلال وكالة المخابرات المركزية والمخابرات الإسرائيلية الموساد. ومع ذلك، في عام 1975م، وقعت إيران على اتفاق الجزائر مع العراق، وقطعت الولايات المتحدة وإيران في نفس الوقت المساعدات إلى الأكراد، مما أدى إلى فشل الأكراد. وحدث نفس الشيء في عام 2019م، عندما قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من شمال سوريا، يعتبر خيانة الحلفاء الأكراد.

وهنا لا بد من الإشارة أنه وعلى الرغم من توقيع الأكراد اتفاقية مع حكومة دمشق إلا أنها لم تزل اتفاقية هشة، لا سيما بعد صدور الإعلان الدستوري الحكومي الذي لم يرض جميع الأطراف بما فيهم الأكراد، ولكن مع ذلك فإن أمريكا لم تزل تدعم الأكراد فيما تنظر تركيا بعين الريبة إلى هذه العلاقة.

الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في سوريا تشمل أساسًا الحد من نفوذ إيران في الشرق الأوسط، ودعم المسلحين الأكراد، والسيطرة على جزء من موارد النفط في سوريا، ومواصلة مكافحة التوسع الروسي. على الرغم من أن الولايات المتحدة قد خفضت حجم قواتها، ولكن في شمال شرق سوريا لا تزال تحافظ على القواعد العسكرية، ومواصلة تقديم الدعم إلى القوات المسلحة الكردية. (الآن تراجع أمريكا سياستها في سوريا، وهناك احتمال إلى تكثيف التواصل الدبلوماسي مقابل تخفيف الوجود العسكري وفقًا لمعظم التحليلات السياسية)

3 -دعم تركيا للسلطة الجديدة في دمشق.

لقد تغير موقف تركيا بشأن سوريا من المواجهة إلى التعاون الجزئي. في البداية، دعمت تركيا المعارضة السورية أملا في إسقاط نظام الأسد. وتطور الحرب، فإن تركيا قد عدلت سياستها في إجراء اتصالات محدودة مع الحكومة السورية لضمان مصالحها في المنطقة. وتركز تركيا حاليًا على منع الأكراد من إنشاء كيانات مستقلة في شمال سوريا، وتعزيز عودة اللاجئين السوريين للتخفيف من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المحلية. ومن المرجح أن تتعاون تركيا في المستقبل مع الحكومة السورية في مجالات البنية التحتية والطاقة والتجارة لضمان مصالحها الاقتصادية.

لقد لعبت تركيا دوراً رئيسياً في تغيير النظام السوري، وهي تدعم بنشاط إنشاء وتشغيل الحكومة السورية الجديدة. قد قال وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان" إن: "أنقرة سوف تساعد الزعيم الجديد في دمشق لإعادة بناء الهيكل السياسي والاقتصادي في سوريا، ودعا المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا للمساعدة في استعادة الاستقرار في البلاد".

4 - العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد سوريا

العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في سوريا أثارت قلقًا واسع النطاق وخلافًا شديدًا. بعد سقوط نظام بشار الأسد، كان الوضع في سوريا في حالة اضطراب. وبحجة الحفاظ على أمنها، اتخذت إسرائيل بسرعة عددًا من التدابير العسكرية، بما في ذلك احتلال المواقع الاستراتيجية في جنوب سوريا والضربات الجوية على ضواحي دمشق. كما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أن القوات الإسرائيلية سوف تتمركز في جنوب سوريا إلى أجل غير مسمى، لضمان أمن الجولان والمستوطنات في شمال إسرائيل. وقد أثارت هذه الإجراءات العسكرية إدانة دولية، وحذّرت الأمم المتحدة إسرائيل من أن هذه الخطوة قد تقوض فرص الانتقال السلمي في سوريا. وعموما، فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا تزيد من حدة التوترات الإقليمية ويمكن أن يكون لها أثر بعيد المدى على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. بما في ذلك تخفيف حدة العلاقات العدائية بين إسرائيل وسوريا من خلال الوسائل الدبلوماسية للحد من تأثير الصراع العسكري على الاستقرار الإقليمي.

5 - انسحاب النفوذ الإيراني

انسحاب إيران من سوريا كان قد جسّد نكسة كبيرة في استراتيجيتها الإقليمية. منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011م، قدّمت إيران قدرًا كبيرًا من الدعم الاقتصادي، وأرسلت العسكريين لدعم نظام بشار الأسد، مع اتخاذ سوريا كمحور استراتيجي لـ "جبهة المقاومة". ومع سقوط نظام الأسد، اضطرت إيران إلى سحب وجودها العسكري في سوريا.

6 - غموض الوجود العسكري الروسي ومستقبل العلاقات السورية الروسية

ولا يزال الوجود العسكري الروسي في سوريا يشكل المتغير الرئيسي في المنطقة. على الرغم من أن روسيا يمكنها مساعدة الحكومة السورية الانتقالية في الحفاظ على استقرارها. في المستقبل قد تسعى السلطة السورية الجديدة إلى الحد من اعتمادها على روسيا للحصول على مزيد من الاستقلال الدبلوماسي. وهو ما قد علّله الكثير من المحللين بفكرة سوريا مقابل أوكرانيا، أي تتنازل روسيا عن سوريا مقابل حصولها على أوكرانيا وإنهاء الحرب، الأمر الذي لم يزل غير واضح.

ثانياً - موقف الصين من الأحداث في سوريا

تمتد العلاقات الودية بين الصين وسوريا إلى أعماق التاريخ، ويتبادل الشعبان تبادلًا في مختلف المجالات. كانت ولم تزل الصين تحترم حقوق الدول في تقرير مصيرها، كما تحترم حقوق الشعوب في ذلك وهو ما يستند إلى احترام القانون الدولي والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية، وهو بالفعل ليس تعبيرًا شفويًا، بل ينعكس في الممارسة الدبلوماسية الصينية، "لا تدخّل في النزاع الداخلي في سوريا، لا انحياز إلى أي طرف، بل إعطاء الشعب السوري مساحة كافية لاستكشاف مسار التنمية الخاصة بهم، مما يعكس النزاهة والموضوعية الدبلوماسية الصينية. بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024م، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن الصين تتابع عن كثب تطور الوضع في سوريا، وشدد على أن مستقبل ومصير سوريا يجب أن يقرّره الشعب السوري، وأعرب عن أمله في أن تجد جميع الأطراف حلًا سياسيًا لاستعادة النظام المستقر في أقرب وقت ممكن.

1- في الوقت الذي يتغير فيه الوضع في سوريا، يجسّد استقرار الوضع الأمني في سوريا أولوية قصوى بالنسبة للجميع وتحديدًا للصين. وينبغي لجميع الأطراف المعنية في سوريا أن تمارس الهدوء وضبط النفس وأن تمتنع عن اتخاذ إجراءات لحفز تصعيد الوضع ومنع نشوب صراعات جديدة بينها. ومن واجب جميع الأطراف اتخاذ تدابير لوضع حد لجميع الهجمات على المدنيين وحماية أمن المؤسسات الدبلوماسية والمواطنين الأجانب. وظلت مؤسسات الدولة السورية تعمل بشكل طبيعي وتهيئ الظروف اللازمة لاستعادة النظام الاجتماعي. ينبغي على الدول الكبيرة ولا سيما البلدان ذات النفوذ في المنطقة أن تلعب دورًا بنّاء في استقرار الوضع في سوريا، بدلًا من استغلال الوضع لخدمة مصلحتها الخاصة أو شن الغارات على سوريا لاحتلال أراضيها.

2- الصين بوصفها قوة عالمية تتحمّل المسؤولية تجاه الدول الأخرى وتملك مفهوم السلام العميق والمتعدد الجوانب، أوضحت أنها تدعم العملية السلمية وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، وفقا لمبدأ "قيادة الشعب السوري وملكية الشعب السوري" لدفع العملية السياسية الداخلية، من خلال الحوار الشامل لإيجاد برنامج إعادة بناء الوطن يتفق مع إرادة الشعب السوري. يجب على المجتمع الدولي أن يحافظ على سيادة سوريا وسلامة أراضيها، واحترام تقاليدها الوطنية والدينية، والسماح للشعب السوري اتخاذ قرارات مستقلة. وينبغي لمختلف الدول أن تعمل معا من أجل مساعدة سوريا على رفع العقوبات الأحادية غير المشروعة والتي لم تزل مستمرة لسنوات، والتخفيف من حدة الحالة الإنسانية الخطيرة في سوريا

وقد أظهرت الصين التزامها بالإنصاف والعدالة في هذا الصدد. إذ تعتبر أن حرمة سيادة سورية وسلامة أراضيها هي حجر الزاوية في العلاقات الدولية. كما أن دعم الصين لسوريا في تحقيق السلام وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 يدل على أن الصين تعمل بنشاط في صون السلم والأمن الدوليين. والأهم لقضية سورية هو تنفيذ مبدأ "قيادة الشعب السوري وملكية الشعب السوري"، هذا المبدأ أساسي قد كرّره الجانب الصيني لأكثر من مرة في المحافل الدولية. وذلك لأن الصين تدرك تمامًا أنه إذا لم يكن الشعب السوري هو من يقود العملية السياسية في البلاد، فلاحقا تحقيق الاستقرار على المدى الطويل، كما أنه من غير الممكن العثور على طريق البناء والتنمية بما يتماشى مع الظروف الوطنية وإرادة الشعب، وحل المشكلة من خلال الحوار الشامل، وتجنب الصراعات الجديدة وعدم الاستقرار التي قد تنجم عن فرض حلول خارجية لا تناسب الواقع الداخلي، وتوفير نهج مستدام من أجل إعادة الإعمار السلمي في سوريا.

3- أكدت الصين مرارًا وتكرارًا أنه ينبغي لسوريا في المستقبل أن تعارض بحزم أي شكل من أشكال الإرهاب والقوى المتطرّفة. ولا يجوز الاستفادة من الوضع الحالي في سوريا أو استخدام الأراضي السورية لدعم الإرهاب الذي يهدّد أمن الدول الأخرى. وفيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، فإن دول العالم ملزمة بمكافحة جميع المنظمات الإرهابية المدرجة في قائمة مجلس الأمن، دون استثناء. وينبغي للمجتمع الدولي أن يستفيد استفادة كاملة من الدروس وألا يطبق معايير مزدوجة أو انتقائية. وموقف الصين الواضح بشأن مسألة مكافحة الإرهاب في سوريا يعكس درجة عالية من المسؤولية تجاه الأمن الدولي. فالإرهاب والقوى المتطرفة أعداء للبشرية جمعاء، ويمكن أن يشكلا تهديدًا خطيرًا للأمن الإقليمي والعالمي أينما وُجدت. وتؤيد الصين بقوة سوريا في مكافحة الإرهاب والمساهمة في الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين، وفي الوقت نفسه، تدعو المجتمع الدولي إلى بذل جهود متضافرة لمواجهة هذا التحدي العالمي، وتجنب تسييس أو تجزؤ أعمال مكافحة الإرهاب، وضمان أن أعمال مكافحة الإرهاب تعود بالفائدة الحقيقية على الشعب السوري والسلام الإقليمي.

4-تناشد الصين المجتمع الدولي باستمرار من أجل الوفاء بالتزاماته بموجب القانون الإنساني الدولي وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا دون عوائق. الوضع في سوريا قد تغير بشكل كبير، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الخطيرة أصلا. وتقدر الصين جهود وكالات الأمم المتحدة من أجل استئناف العمليات الإنسانية في سوريا. وينبغي للمجتمع الدولي أن يعمل معا لمساعدة سوريا على تحسين الحالة الإنسانية. إن العقوبات الأحادية الجانب غير القانونية التي فرضتها عليها الدول المعنية على مر السنين، قد أعاقت بشكل خطير التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سوريا، مما تسبب في ضرر كبير على الشعب السوري، وزادت من حدة الأزمة الإنسانية، وتسببت في معاناة هائلة للسكان الأبرياء. وعليه، تدعو الصين المجتمع الدولي إلى العمل معا من أجل رفع هذه العقوبات غير المعقولة، ليس فقط من أجل الحق الأساسي في البقاء والتنمية للشعب السوري، ولكن أيضا في دفع المجتمع الدولي إلى العودة إلى العقلانية والتعاون في معالجة القضايا العالمية معا، بدلا من فرض العقوبات وغيرها من الوسائل لخلق المزيد من الفوضى والكوارث.

باختصار، فإن الصين تأمل في استعادة الاستقرار والنظام في سوريا من خلال الوسائل السياسية في أقرب وقت ممكن، وتوفير الأفكار البنّاءة والطرق الإيجابية أيضا من أجل التخفيف من حدة الوضع في سوريا وحله نهائيًا. وفي المجتمع الدولي، اتخذت الصين موقفًا مسؤولًا وتدابير بناءة، لتقديم مشاركة لا غنى عنها في دفع سوريا نحو السلام والاستقرار والتنمية المستقلة، كما أن الصين تعتبر قدوة للسلام والتنمية العالميين، مما يؤدي إلى بناء نظام عالمي أكثر عدلاً وعدالة وانسجامًا.

ثالثاً - دور الصين في بناء مستقبل سوريا

من الواضح أن الصين تؤيد خيارات الشعب السوري لإنهاء الصراعات والفوضى وبدء بناء الوطن في المستقبل القريب، وفي الوقت نفسه تراقب بحذر الحالة الأمنية في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بالإرهاب. ولذلك، فإنها قد تحافظ على قنوات اتصال مع حكومة سورية تلتزم بالمعايير الدولية في مجال الاستخبارات والتعاون الدولي من أجل مكافحة الإرهاب، ومنع المنظمات المتطرّفة من تشكيل تهديدًا أمنيًا للدول المجاورة، والصين.

كما هو معلوم أن الصين تدعو إلى "دبلوماسية وساطة" بشأن المسألة السورية، وتؤيد تعزيز إطار المفاوضات السياسية بين الأطراف السورية وتعزيز الحوار بينها، وربما أيضًا تدعم سوريا في الأمم المتحدة وغيرها من المناسبات الدولية كي تلعب دورًا أكثر نشاطًا في الدبلوماسية.

في المستقبل، في ظل توفّر الظروف المواتية من أجل التعاون، لا تزال الصين قادرة على تعزيز التنمية الاقتصادية في سوريا في مجالات مثل الاستثمار وبناء البنية التحتية، وتوفير الدعم الطبي والتعليمي في مجال المساعدة الإنسانية، ومساعدة المجتمع السوري على استعادة النظام الطبيعي.

ركّزت الصين استثماراتها في الماضي على الطاقة والبنية التحتية والاتصالات وغيرها من المجالات في سوريا. وعلى الرغم من أن الوضع الراهن غير مستقر بعد سقوط نظام الأسد، إلا أن سوريا لم تزل بحاجة إلى إعادة بناء واسعة النطاق، والصين يمكن أن تلعب دورًا في مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ والسكك الحديدية والكهرباء من خلال المؤسسات المملوكة للدولة والشركات المتوسطة الحجم في إطار البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق".

كانت الصين واحدة من الشركاء التجاريين الرئيسيين لسوريا منذ العقود المنصرمة، ومن المرجح أن تحافظ على هذا التعاون الاقتصادي مع حكومات غير متطرفة تحفظ الأمن السوري كما تحفظ أمن باقي الدول بما يتفق تمامًا مع المعايير التي أقرتها المؤسسات الدولية وهو ما يعني ضرورة توفر الأمن بالدرجة الأولى، فعندما تتوفر الشروط الأمنية المناسبة يمكن القيام بعدة أنشطة اقتصادية، مثل تصدير السلع الاستهلاكية والمنتجات الصناعية، والمشاركة في مشاريع إصلاح البنية التحتية في سوريا.

على الرغم من أن الصين قد اتخذت إجراءات بشأن المساعدات الإنسانية والاقتصادية والوساطة الدبلوماسية خلال هذه السنوات، ولكنها تلتزم بسياسة "عدم التدخل في الشؤون الداخلية" دوما. تأمل الصين في الحفاظ على الصداقة التقليدية بين الشعبين ومواصلة التعاون الودي بين الدولتين، ولكنها أيضًا تحمي مصالحها الوطنية بحزم.

أخيرًا، سقوط نظام الأسد أدى إلى دخول سوريا في مرحلة حاسمة لإعادة الهيكلة السياسية، والانتعاش الاقتصادي والتكيف الدبلوماسي. وبالنسبة للصين، هذا يعني إعادة تقييم سياستها الاستراتيجية في سوريا والبحث عن فرص جديدة للتعاون الدبلوماسي والاقتصادي والأمني، حتى في ظل حالة عدم اليقين.

مقالات لنفس الكاتب