array(1) { [0]=> object(stdClass)#13906 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

القرار الأهم رفع العقوبات فمن الصعب أن تستعيد سوريا عافيتها ومكانتها مع استمرار العقوبات والعزلة

الأحد، 30 آذار/مارس 2025

عندما ننظر إلى سوريا، لا يسعنا إلا أن نرى الفجوة بين المكانة التاريخية، والحرب الأهلية الدموية، والضبابية الغالبة على المشهد حاليًا. الصورة الذهنية عن سوريا إنها بلاد الشام صاحبة الإرث الثقافي، والتاريخي، والحضاري الغني، التي كثيرًا ما كان يتم استحضارها في الأدب الأوروبي. كانت هذه البقعة من العالم، التي أُطلق عليها في السابق مقاطعة رومانية، تنعم بمجتمع متقدم نسبيًا ومنفتح على العالم الخارجي. بعبارة أخرى، كانت سوريا عُرضة للتبادلات والتأثيرات مع دول ما وراء البحر الأبيض المتوسط، الذي ظل تاريخيًا مساحة مفتوحة. وزاد بريقها في أعين الأوروبيين، بفضل إرثها التاريخي المتنوع، وطبيعتها الخلابة، وسهولة الوصول إليها.

ولكن هل تتماشى هذه النظرة القديمة مع الحقائق على الأرض؟  ما زلت أذكر ولعي بقراءة كتاب "أعمدة الحكمة السبعة" لـتومَاس إدوارد المُلقب بـ “لورانس العرب"، الذي أقنع الأمير فيصل والعرب حينذاك بالانضمام إلى إنجلترا في محاربة الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى. وبعد غزو دمشق، في أكتوبر 1918م، جال بذهن لورنس تساؤل حول المغزى وراء اختيار اسم سوريا. وفي تأملاته حول هذا الشأن، أدلى الكاتب بملاحظات واقعية تعكس الحقائق المتباينة التي رصدها:

 تحدث لورنس في كتابه عن مدن حلب، ودمشق، وحماة، وحمص على أنها مدن ذات طبيعة خاصة وهوية مميزة حتى في عالم السياسة وهو ما قاده إلى التشكيك في إمكانية قيام دولة موحدة في المستقبل. تاريخيًا، قُسمت سوريا تحت الحكم العثماني إلى أربع ولايات. وبعد الحرب حصلت فرنسا على الانتداب على كل من سوريا ولبنان، والذي استمر إلى عام 1946م، وإبان حكم الانتداب الفرنسي، شكلت فرنسا قوات دفاعية مسلحة شبه مستقلة، وانضمت لها أعداد متزايدة من أبناء الطائفة العلوية التي كانت مُتخلفة اقتصاديا وتشكل أقلية ليس لديها القدرة للوصول إلى السلطة. بالتالي، كان الانضمام للجيش السبيل الأفضل لتعزيز وجودها. وهو ما يفسر لماذا استطاع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الاستيلاء على السلطة خلال ستينيات القرن الماضي، كونه قائدًا للسلاح الجوي السوري، وخلال حكم نجله بشار الأسد وحتى سقوطه، كان يتم اختيار ضباط السلاح الجوي من أبناء الطائفة العلوية.

تشكل سوريا حالة فريدة ونادرة حيث استطاعت أقلية اجتماعية ودينية الاستئثار بالسلطة لفترة زمنية طويلة في دولة بهذا الحجم والثقل. حدث ذلك بقيادة حزب البعث العربي الذي ظل مُحتفظًا بالسلطة في العراق حتى سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وقد شهد المد القومي العربي تقهقرًا في الكثير من النواحي مثلما حدث مع انهيار اتحاد سوريا ومصر، وهو ما يضرب مثالاً آخر على المشقة التي ستواجه سوريا في إيجاد توازنها الوطني.

لقد أحدث طوفان ما يعرف بــ “الربيع العربي" هزة غير متوقعة بشتى الأقطار العربية. ورغم أن بدايته في سوريا اتسمت بالسلمية وحظيت بدعم شعبي واسع، إلا أنها قوبلت بقمع وحشي من قبل نظام الأسد الذي سعى لإسكات هذه الانتفاضة الشعبية بموجة غير مسبوقة من سفك الدماء. وما تلى ذلك بات معروفًا جيدًا حيث أجبر العنف المستشري في أنحاء البلاد ما يقارب عشرة ملايين شخص على الفرار، سعيًا للنجاة من براثن المجاعة والقتل والمعاناة التي بلغت حدًا غير مسبوق. استفادت روسيا وإيران من ذلك الوضع من خلال دعمها لنظام الأسد وتزويده بقوات عسكرية أفضل أداءً وتنظيمًا، أعانته على إلحاق هزيمة قاسية بالمعارضة.

خلفت مأساة سوريا تبعات امتدت خارج حدود البلاد، حيث فتحت تركيا حدودها لاستقبال الملايين من اللاجئين السوريين، فيما استضافت ألمانيا نحو مليون لاجئًا سوريًا، بموجب قرار من المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل الذي أثار جدلًا واسعًا حينها ولا يزال تأثيره ممتدًا عبر الدوائر السياسية في البلاد. من الجدير بالذكر أيضًا الدعم الأوروبي الذي حظيت به تركيا، والذي تمثل في منحها بضع مليارات من الدولارات لرعاية اللاجئين السوريين على أراضيها.

ينبغي لنا استحضار هذه الخلفية التاريخية المعقدة إذا ما أردنا تقييم الوضع الراهن تقييماً "شاملاً" ومستبصراً" لكي نستطيع استشراف المسارات الممكنة نحو مستقبل أفضل.

بمعنى آخر، في اعتقادي أن المأساة السورية تحمل بُعدًا دوليًا فريدًا وتبعات جيوسياسية واستراتيجية تتجاوز نطاق المنطقة العربية. وربما كان لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، والاتحاد الأوروبي، ومختلف الحكومات الأوروبية دور في ذلك أو لا يزالون. للمرة الأولى، أصبح هناك دورًا مهيمنًا لكل من إيران وروسيا، داخل دولة عربية. وفي ظل الوضع الراهن، يظل البُعد الدولي الخارجي أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ يواصل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي تقييمهما للأوضاع المستجدة في سوريا. بعد صدمة الانهيار المفاجئ لنظام الأسد التي صاحبها مباشرة حالة من الابتهاج، لكن الوقت حان لاتخاذ القرارات الحاسمة وإن كانت النتائج النهائية غير محسومة بعد.

نظرة حلف الناتو إلى دمشق تركز بشكل أساسي على التأثير المحتمل للنظام السوري الجديد على منطقة الشرق الأوسط. فقد عانت المنطقة تشرذما خلال العقد الماضي، وكان قد بدأت تظهر في الأعوام القليلة الماضية علامات لإعادة تشكُلها، بعد خطوة القبول بعودة الأسد إلى الجامعة العربية التي تعد معاكسة لمسار الأحداث حاليًا. مع ذلك، شعر الناتو بارتياح لخسارة روسيا الواضحة لنفوذها داخل سوريا. دعونا نتذكر أن مصالح الناتو داخل المنطقة تعود إلى بدايات القرن الحالي. كما أن أهميتها تفوق كثيرًا ما تبدو عليه للوهلة الأولى. وعندما تم اتخاذ مبادرات سياسية، لاسيما خلال "قمة إسطنبول" عام 2004م، من أجل تعزيز الشراكات الجادة في المنطقة العربية، تم استبعاد سوريا منذ البداية لأنها اُعتبرت دولة غير صديقة وغير مؤهلة للشراكة. وحتى علاقاتها الثنائية مع الدول الغربية اقتصرت على الحد الأدنى، وتم اعتماد نفس الخط من السياسات بشكل أو بآخر تجاه ليبيا.

يتبنى حلف شمال الأطلسي (الناتو) نهجًا جديدًا في إطار "الحوار المتوسطي" و"مبادرة إسطنبول للتعاون"، الموجهة إلى 13 دولة، ويرتكز هذا النهج على التعاون العملي، والملكية المشتركة، و"المسار ذي الاتجاهين". وتعتبر هذه المبادرة السياسية الجادة والمركزة هي المبادرة الوحيدة التي يتبناها "الغرب" وتتميز بتركيز ملموس. وقد شهدت هذه المبادرة تنفيذ أكثر من 1000 مشروع عملي سنويًا، بالإضافة إلى إجراء حوارات وتبادل المعلومات على المستوى الاستراتيجي. وفيما يلي بعض الحقائق الموضحة أدناه:

لم ينخرط حلف الناتو بشكل مباشر في المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي، لكنه تابع عن كثب تطور المشروع. فيما حظيت العملية العسكرية التي قادها الحلف داخل ليبيا للإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي بدعم الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي. وقد شهدت مشاركة بعض البلدان العربية بشكل مباشر (مثل دولة قطر) من خلال القواعد العسكرية الموجودة على الأراضي الإيطالية. كانت مصر حاضرة أيضًا في عملية الناتو داخل البوسنة والتي انتهت بالتوقيع على اتفاقية دايتون، وبعدها انضمت دول الخليج إلى عملية الناتو في أفغانستان، فيما تحتفظ بعض دول الخليج بخلية دائمة في مقر الناتو ببروكسل.

تشير هذه النماذج إلى إمكانية تحقيق تنسيق مستقبلي بشأن الملف السوري. وفي هذا السياق، يتواجد حاليًا بعثة لحلف شمال الأطلسي في العراق ومركز تدريب في الكويت، بالإضافة إلى افتتاح مكتب في العاصمة الأردنية عمّان خلال عام 2024م، ويُعد هذا المكتب الأول من نوعه في دولة عربية.

تتجه أنظار الحلف صوب الشرق نتيجة العدوان الروسي العسكري على أوكرانيا، مع ذلك، فقد تطرقت قمة واشنطن في يوليو 2024م، إلى التحديات الأمنية الدولية الأوسع نطاقًا الآتية من الجنوب. وتم إقرار وجود تهديدات متزايدة مثل الإرهاب الدولي، وانعدام الاستقرار، والتشرذم، وانتشار انعدام الأمن بسبب ضعف الحوكمة والمجتمع المدني.

خلاصة القول، لا تندرج سوريا في الوقت الراهن ضمن نطاق مهام حلف شمال الأطلسي إلا أن مجريات الأحداث تظل عصية على التكهن، وقد تستدعي في المستقبل مبادرات من الحلف بالتعاون مع الشركاء العرب.

الاتحاد الأوروبي من جانبه، لديه تقليد طويل الأمد متمثل في تقديم الدعم المالي، والمساعدات الإنمائية، والتقنية. وربما يساهم في مساندة البلاد بشتى الطرق العملية بجانب الانضمام إلى الجهود التي تقودها المؤسسات الأخرى. غالبًا ما يُبخس هذا النوع من الدعم حقه نظرًا لأنه قلما ما يتصدر الصفحات الأولى. مع ذلك، يعتبر الاتحاد الأوروبي أهم الجهات الدولية المانحة وشريكًا معتدًا به.

ما شكل الدور المستقبلي للاعبين الدوليين الرئيسيين؟

لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ بوجود عسكري محدود، قوامه بضعة آلاف من الجنود، في شمال الأراضي السورية. ومهمته تركز على محاربة أنشطة الجهاديين، والحفاظ على تواصل جيد مع الميليشيات الكردية والإبقاء على عين يقظة على جارتي سوريا العراق والأردن. دعونا نتذكر أن الشمال السوري ظل خلال الأعوام القليلة الماضية مزيجًا من التشكيلات المختلفة دون وجود نظام واضح. ولا يزال أمامنا أن نرقب إذا ما ستواصل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتهاج هذه السياسات أم لا، وهو قرار سيترتب عليه تبعات مهمة على الصعيدين العسكري والسياسي.

إن القرار الأهم الذي يتعين اتخاذه في واشنطن يتعلق بالعقوبات المفروضة على سوريا، فمن المتعذّر على سوريا أن تستعيد عافيتها الاقتصادية ومكانتها الطبيعية في ظل استمرار العقوبات الشاملة والعزلة المفروضة عليها نتيجة الإجراءات السابقة ضد نظام الأسد. ولقد كان لهذه العقوبات أعظم الأثر إذ دفعت بسوريا إلى حالة من الفقر والدمار وتنامي كافة أشكال المعاناة والبؤس بمختلف أرجاء البلاد. ويُعد تغيير هذه الأوضاع عنصراً جوهرياً لتعافي سوريا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ولكنه مرتبط أيضًا بمدى تطور النظام الجديد. ويتعين على الحكام الجدد في سوريا إظهار نوايا صادقة بأن يكونوا شركاء دوليين فاعلين، وأن تتحلى الحكومة الجديدة بروح المسؤولية. ويبدو في الوقت الحالي أن دمشق تسلك هذا المسار.

مع ذلك، لا تزال الصورة غير مكتملة المعالم، ومن المرجح أن تشهد الأحداث تحولات جمة، مما يستوجب مراقبة دقيقة ومستمرة. إن المجتمع الدولي يبدي استعداده لمنح الثقة لسوريا في مرحلتها الجديدة، غير أن ذلك يتطلب تتبع الحقائق على أرض الواقع. وفيما يتعلق بالأطراف الخارجية المؤثرة، فقد تجلى بوضوح أن ضعف الحماية التي قدمتها إيران وروسيا كان له دور حاسم في سقوط نظام الأسد، حيث أضعفت القدرات العسكرية الإسرائيلية القوة الإيرانية بشكل ملحوظ. وينطبق الأمر كذلك على وكلاء طهران داخل لبنان وقطاع غزة وأماكن أخرى حيث ألحقت بهم خسائر فادحة شلت قدراتهم. وتبدو إيران نفسها في حالة ضعف واضحة وهي الآن تخشى أن تتعرض لهجوم إسرائيلي واسع النطاق يستهدف تدمير منشآتها النووية تحت الأرض تدميراً كاملاً. لذلك، تتفهم طهران الوضع جيدًا وتحافظ على مستوى منخفض من التصعيد.

ما حدث في سوريا تبعه عواقب استراتيجية، حيث خسرت إيران ممرًا حيويًا إلى البحر الأبيض المتوسط. ومن المؤكد أن هذا الأمر أثلج صدر حلف الناتو وكافة العواصم الغربية بشكل عام. كما أدى اعتقال إيران لصحفية إيطالية مؤخرًا إلى زيادة نفور الرأي العام داخل أوروبا.

إن روسيا، التي دأبت تاريخيًا على التوسع نحو البحر الأبيض المتوسط، هي الطرف الذي مُنيَ بأفدح الخسائر. فقد جذبت المياه الدافئة موسكو والإمبراطورية الروسية حتى قبل اندلاع الثورة الشيوعية. ونظرًا لضعف قدرات الجيش السوري، لعبت روسيا دورًا مهمًا في الانتصارات داخل مدينة حلب ومناطق أخرى من البلاد. وهكذا، أضحت موسكو الدرع الحامي للأسد حتى النهاية، إلى حد إخفائه عن الأنظار ومنح أسرته حق اللجوء السياسي. علينا أن نتذكر أن الفيدرالية الروسية تعتبر أكثر ضعفًا ووهنًا مقارنة بالاتحاد السوفيتي. كما أن الحرب في أوكرانيا تستنزف موارد البلاد، لذلك كان قرارًا صائبًا من موسكو أن تدرك أن دفاعها عن النظام في دمشق سيكلفها الكثير. مجددًا، يُنظر إلى هذا الضعف باعتباره نصرا لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي.

وإذا ما نظرنا إلى قائمة المنتصرين، نجد تركيا في صدارتها، والتي يتجلى نفوذها المباشر عبر الشمال السوري بما في ذلك استخدام العملة التركية. هذا النفوذ مستحق جيدًا ومعترف به من قبل النظام الجديد في دمشق. فقد استضافت أنقرة ملايين من اللاجئين السوريين وتكبدت تكلفة باهظة. في الوقت ذاته، ظلت على حمايتها لأبو محمد الجولاني، أو أحمد الشرع، في معقله بإدلب، ولولا التدخل التركي لكان انتصار فصائل المعارضة السورية ضد الأسد مستحيلًا. دعونا أيضًا نقر بأن تركيا عضو بحلف الناتو، وتنعم بمجتمع متطور، وإرث تاريخي غني، ونفوذ اقتصادي وعسكري. بعبارة أخرى، تتمتع تركيا بكافة المعطيات التي تخول لها ممارسة الوصاية على سوريا الجديدة وأن تنعم بنفوذ طويل الأمد.

يمكن لعضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي أن تقدم إسهامات قيمة وجديرة بالاعتبار. فالحلف يمتلك القدرة على دعم بناء المؤسسات، وتقديم المساعدة التقنية والتدريب، والمساهمة في إعادة بناء جيش وطني قوي. ويبقى التحدي الأكبر في تجاوز الأزمة القائمة بين تركيا والأكراد، والتي نأمل أن تحلها أنقرة من خلال التوصل إلى اتفاق شامل يضم حزب العمال الكردستاني. ويبدو أن الفرصة سانحة الآن لعقد اتفاق بين الطرفين، خاصة مع التصريحات الأخيرة التي صدرت عن زعيمهم عبد الله أوجلان، والتي تشير إلى توجه إيجابي.

وهكذا، يمكن لتركيا أن تلعب دورًا فريدًا في الملف السوري، معززةً بذلك شراكتها مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

أما الدول الغربية والمؤسسات متعددة الأطراف، فلديها مصلحة دقيقة في مساعدة سوريا لكي تصبح دولة مستقرة طبيعية. وقد تكون هذه المهمة شاقة نظرًا لتنوع النسيج الاجتماعي السوري، الذي يضم فصائل تقليدية وطيفًا واسعًا من المعتقدات الدينية. في 25 من فبراير الماضي، استضافت العاصمة السورية دمشق مؤتمر الحوار الوطني السوري تحت رعاية الرئيس أحمد الشرع من أجل المصالحة الشاملة وإبداء حسن النوايا. ولكن من أجل تحقيق النتائج المرجوة يتعين على الجهات الفاعلة الغربية أن تُنحي جانبًا المصالح الوطنية الضيقة وتنظر إلى الهدف النهائي الأسمى. كذلك لابد من إلغاء العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا تدريجيًا، وتوفير المنح والمساعدات الاقتصادية من جانب المؤسسات الدولية، وأن يتم على الأرجح تنسيقها وربطها بمدى التقدم الذي يحرزه النظام السياسي داخل سوريا. الذي لابد أن يكون شاملًا، وليس خاضعًا لسيطرة فصيل واحد، وخاليًا من وجود عناصر متطرفة ذات صلة بجماعات مثل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية" داعش". يتعين أيضًا على منظمة الأمم المتحدة ألا تتردد في تقديم دعم فني شامل.

إسرائيل، من جانبها، ربما خلصت إلى أن التطورات داخل سوريا قد تؤول إلى تنصيب حكومة إسلامية بنهاية المطاف، ولذا فقد عمدت إلى تدمير البنية التحتية العسكرية الأساسية في سوريا. حيث تعد تل أبيب القوة العسكرية العظمى داخل المنطقة وبإمكانها القيام بهذه المهمة ضد أي طرف بسهولة نسبية. على الجانب الآخر، تبرز المملكة العربية السعودية بوصفها قوة سياسية عربية صاعدة.

بشكل عام، يعتقد المحللون الغربيون، بأنه ربما تكون ثورات الربيع العربي قد شهدت انتفاضات شعبية وحظيت بدعم المجتمع المدني، لكنها سقطت في النهاية في قبضة الجماعات المتطرفة التي أثبتت فشلها في إدارة الدولة أو احترام الأقليات، مما أدى إلى انقسام حقيقي في السلطة. أخيرًا، يتمثل التحدي الأكبر أمام قادة سوريا الجدد في العودة الكريمة للاجئين السوريين المشتتين في بقاع مختلفة بأعداد كبيرة داخل غرب أوروبا تحديدًا. بعد أن اُضطر نصف تعداد سكان البلاد لمغادرتها هربًا من البؤس والدمار إن لم يكن الموت. لذلك، فإن عودتهم تقتضي إظهار النوايا الطيبة، والدعم المالي، وتنسيق الجهود.

وخلاصة القول إن المسؤولية الأساسية لإدارة هذه القضية تقع على عاتق الغرب والاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية، حيث أن كيفية تعاملهم معها سيكون لها أثر مباشر في تحديد مستقبل سوريا الجديدة. وسيكون للفشل في تنسيق الجهود عواقب وخيمة على البلاد ودول الجوار واللاجئين أنفسهم. لقد استقبل العالم سقوط الأسد بحفاوة، ولكن إعادة بناء البلاد بعد الحرب الأهلية المدمرة مهمة شاقة، ولا يزال الطريق طويلاً. لطالما كانت سوريا منفتحة على الثقافات الأجنبية، وكانت على مر التاريخ محط اهتمام الغرب وأوروبا. لذا، فإن هذه اللحظة تستدعي مد يد العون والصداقة إلى العرب في المنطقة، وإظهار الحكمة السياسية. كذلك يمكن للمنظمات الدولية وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات أن تقدم قيمة مضافة كبيرة في خدمة هذه القضية النبيلة.

مجلة آراء حول الخليج