array(1) { [0]=> object(stdClass)#13906 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

سقوط الأسد يعيد تشكيل ميزان القوى في الهلال الخصيب ويصيغ تحالفات جديدة

الأحد، 30 آذار/مارس 2025

كان سقوط بشار الأسد متوقعًا، فنظامه كان هشًا بسبب انعدام ثقة الشعب السوري به ولطبيعة المجازر التي ارتكبها الأسد منذ انطلاق الاحتجاجات ضد حكمه في العام 2011 م، وسماحه بانتهاك سيادة بلده من خلال الاستعانة بإيران والأذرع المسلحة التابعة لها لأجل استمراره بالسلطة لسنوات طوال، ورغم المبادرات والمحاولات العربية لتصحيح الأوضاع في سوريا وإنهاء حالة العنف الدموي وضرورة الذهاب لحل سياسي يمكن من خلاله أن يعاد لسوريا الاستقرار ، وهذا ما ركزت عليه قمة جدة في العام 2023 م، في محاولة من المملكة العربية السعودية لمنح الأسد فرصة البدء بصفحة جديدة للمصالحة مع شعبه وإنهاء القطيعة العربية مع سوريا، إلا أنه لم يغتنم تلك النوايا العربية ، ليصل إلى لحظة الهروب في نهاية العام 2024 م، من أمام تحرك قوى المعارضة التي أيقنت أن إسقاط النظام هو الحل الأمثل للبدء بعملية بناء حقيقية لكل مستويات الحياة في سوريا.

سوريا بعد الأسد قراءة للتطورات والتحديات الداخلية:

 دخلت سوريا مرحلة جديدة من التحديات منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024م، تتسم بعدم الاستقرار السياسي والأمني والمكونات، وسط صراع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية. ومع محاولة الحكومة الجديدة في دمشق تثبيت أركانها واستعادة الاستقرار، برزت العديد من الملفات الداخلية التي تهدد مستقبل البلاد، خاصة فيما يتعلق بشكل النظام السياسي القادم وطبيعة التمثيل في الإدارة الانتقالية بالنسبة للأطراف السياسية والمكونات المجتمعية وقيادة المرحلة المؤقتة، فضلًا عن التحدي المتمثل بوجود رغبة بحصول أكراد سوريا على منطقة إدارة ذاتية كما يرغب الدروز في ذلك، وقد يكون التحدي الأمني بمواجهة بقايا نظام الأسد من أهم المعوقات للمرحلة الانتقالية التي قد تكون مستندة إلى دفع خارجي من قبل إيران التي توعدت باستعادة سوريا من خلال المقاومة ،وفق مفهوم المرشد الإيراني ، الأمر الذي يضع الحكومة السورية المؤقتة أمام اختبار للقدرة على التعاطي مع هذه التحديات وتجاوزها بالشكل الذي يحقق الوصول إلى استقرار سياسي وأمني واقتصادي .

  واجه تشكيل الحكومة السورية الجديدة اعتراضات من بقية الطيف السياسي بسبب أن الكابينة الوزارية تمثل هيئة تحرير الشام (HTS) ، الأمر الذي أدركه إيران الشرع قائد المرحلة الانتقالية مما دفعه للإعلان عن أن هذا التشكيل هو لتصريف الأعمال إلى مارس 2025 م، لحين تشكيل حكومة تضم القوى والأحزاب السورية الأخرى، ومثل هذا الفهم مستوى القدرة على مواجهة تحد كبير قد يؤدي إلى عدم الحصول على التأييد السياسي الداخلي للتغيير ، وهذا التعاطي امتد أيضًا حين تم اختيار إيران الشرع رئيسًا للجمهورية في المرحلة الانتقالية وتمثيلها بالمحافل الدولية وتفويضه تشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقائية، يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ، الأمر الذي أعطى نوعًا معينًا من الاطمئنان الداخلي من أن سوريا لن تقاد أو تكون لجهة على حساب أخرى، فضلًا عن أن قرار حل جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية ودمجها في مؤسسات الدولة، مؤشر على رغبة بتمكين الدولة وإنهاء المظاهر المسلحة والاستقواء بها، وبالرغم من اعتراض قوات سوريا الديمقراطية على نزع السلاح إلا أن عدم الاحتكاك المسلح مع قسد مثل خطوة متقدمة لانتظار أفضى إلى طاولة مفاوضات تم من خلالها صياغة اتفاق يهدف للحفاظ على وحدة الجغرافية السورية وبما يمنع التدخلات الخارجية من جهة ويعمل في ذات الوقت على تحييد مسببات تعطيل المرحلة الانتقالية وهذا ينسحب أيضًا على ملف الدروز والذي يتطلب فهمًا أعمق من الشرع لحساسية الملف والتي قد تضطره للذهاب نحو الحلول المؤجلة لمرحلة ما بعد تثبيت اركان الدولة .

 قد تكون التحديات السياسية والاقتصادية وإعادة هيكلة الدولة في سوريا طبيعية قياسًا بحالات تغيير النظم الذي يحدث في دول العالم ويعتمد بتجاوزه على درجة الاستجابة والفهم للأوضاع، إلا أن التحدي الأصعب للحكم الانتقالي في سوريا يتمثل بأزمة مركبة أضلاعها بقايا النظام السابق وجزء من الطائفة العلوية، فهؤلاء فقدوا السلطة والنفوذ وأصبحوا ملاحقين قضائيًا، مما ولد لديهم رد فعل بعدم القبول بهذا التحول في سوريا ؛ تطور إلى التمظهر المسلح، وقد تكون الاشتباكات في الساحل السوري في مارس 2025م، أوضح مثال لما ينتظر الشرع أو سوريا بشكل عام مما يتطلب التعامل برؤية تستند إلى المصالحة الداخلية ووضع برنامج للعدالة الانتقالية، خصوصًا وأن الطائفة العلوية أظهرت أو حتى إنها أعلنت أن ليس لها مصلحة في إدخال سوريا في دوامة الصراع، أو إظهار قوة الدولة وبما يقطع الطريق أمام الأجندات الإقليمية التي تستغل الارتباك لتشعل الصراعات الداخلية وبما يفشل عملية التحول السياسي في سوريا.

العراق والمرحلة الانتقالية في سوريا:

   شكل سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024م، صدمة للحكومة العراقية والمجموعة الشيعية منها بالتحديد، وبحكم العلاقة الوثيقة بين بغداد والرئيس السابق بشار الأسد والتحالف الوثيق بين الأخير والفصائل المسلحة العراقية التي تمثل الركيزة الأساسية للحكومة العراقية، سعت بغداد دبلوماسيًا لوقف الانهيار لنظام الأسد بعد تقدم قوات المعارضة ووصولها لمشارف دمشق، من خلال عقد اجتماعًا ثلاثيًا مع وزراء خارجية إيران وسوريا بهدف طرح مبادرة على طاولة المفاوضات الدولية والإقليمية في قطر ، تلك الطاولة التي كانت تناقش التطورات في سوريا واليوم التالي لما بعد سقوط النظام، إلا أن بغداد كانت متمسكة بمبادرة يمكن من خلالها إنقاذ الأسد ونظامه ، وقبل ذلك أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مستندًا إلى بيئته السياسية الإطار التنسيقي الحاكم، بأن بلاده تقف مع دمشق ولن تبق متفرجة حيال ما يجري من تطورات في سوريا وأنهم لن يتعاملوا مع " الإرهابيين " ، وأجرى عدة اتصالات مع رؤساء عدد من الدول لأجل إنقاذ ما تبقى للأسد من سلطة، تزامن ذلك مع تلويح المتحدث العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية بتدخّل عسكري في سورية، هذه المواقف يمكن أن تصنف على أنها "خروج عن مبدأ الحياد" ، وتؤشر بأن العراق الرسمي ( وشبه الرسمي (الذي يمثله حلفاء إيران حسم أمره بدعم الأسد دون النظر لتطورات تقدم القوى المعارضة التي كانت راغبة بإسقاط الأسد وإنهاء حكمه الدموي، مما يعكس الارتباك وعدم القدرة لصناع القرار في بغداد على القراءة الدقيقة للمتغيرات على مستوى الداخل السوري أو على المستوى الإقليمي والدولي.

  إن التباين بالموقف العراقي كان واضحًا تجاه الإدارة الانتقالية بقيادة إيران الشرع، فالعراق الرسمي كان حذرًا إلى حد كبير رغم أن التغيير في سوريا كان يحظى بما يسمى بـ (الشرعية الثورية) في حين أظهرت الفصائل المسلحة الموالية لإيران، التي تمثل الموقف شبه الرسمي، موقفا يتسم بالرفض الكامل لسقوط النظام، وهو حليف استراتيجي لهم، وأيضًا الرفض لتولي هيئة تحرير الشام وإيران الشرع الحكم للمرحلة الانتقالية، وقد يعود الحذر والتخوف العراقي بشقيه الرسمي وشبه الرسمي إلى الخشية من انتقال عدوى التجربة السورية إلى الداخل العراقي في ظل بيئة إحباط عام من الطبقة السياسية في العراق وتراجع الديمقراطية وحرية التعبير وتصاعد الإقصاء للكفاءات الوطنية على حساب الموالين للأحزاب والدول الإقليمية واستشراء الفساد وسوء الخدمات، كذلك فإن المعادلة الجديدة في سوريا ليست حليفة للجماعات القريبة من إيران بالقياس إلى تلك التي كان يمثلها بشار الأسد، وفي ضوء التفسير للموقف العراقي لا يمكن القفز على أن العقدة والنفوذ الإيراني في العراق كان وما زال عامل حسم في تحديد الموقف من سوريا لدرجة أن مبدأ الانتظار الذي يعتمده العراق كان بمؤثرات لحلفاء إيران الممسكين بالسلطة وأدت إلى تأخير عودة العلاقات الطبيعية بين بغداد ودمشق، خصوصًا وإن الحكومة العراقية تعمل على مواقف محسوبة بالشكل الذي لا يجعلها تخسر علاقاتها مع إيران، سيما وأن الأخيرة على عداء تام مع المرحلة الانتقالية السورية ؛ وقد يكون لما تردد من حكومة السوداني  ما يبرره خلال الأسابيع الأولى من التحول السوري، إلا أن تقدم المسار السياسي وتشكيل حكومة مؤقتة و اختيار رئيسًا للجمهورية، يظهر أن هناك ثمة نظرة من الممسكين بالسلطة إزاء التغيير في سوريا تتمازج  فيها هواجس سياسية وأمنية، وحتى دينية وطائفية، ومؤشر هذه الهواجس تمثلت بأن رئيسا الجمهورية ومجلس الوزراء لم يهنئا إيران الشرع بعد تنصيبه رئيسًا للجمهورية، بل حتى التواصل الأمني العراقي المحدود المتمثل بزيارة رئيس جهاز المخابرات العراقي ولقاءه الشرع يمثل تواصل متأخر إذا ما نظرنا إلى الزيارات التي أجرتها عدد من الدول العربية والغربية  إلى دمشق ، فهذه الزيارة الامنية هي محاولة من بغداد للحصول على تطمينات متعلقة بالأمن القومي وأن لا تكون سوريا في طرف بالضد من العراق، رغم أن العراق امتلك فرصة الدعم وبناء الثقة مع السوريين الجدد في الحكم .

  رغم حالة التردد المتبادلة بين العراق وسوريا في إقامة العلاقات بينهما على أسس جديدة، إلا أن التحديات المشتركة للبلدين قد تكون قوة دفع باتجاه مزيد من التقارب، فوجود الجماعات المتطرفة كتنظيم داعش وغيرها من الجماعات في الجغرافيتين يمثل تحديًا ماثلًا للحكومتين في بغداد ودمشق، مما يتطلب مزيدًا من التنسيق الأمني من خلال تشكيل غرفة أمنية تعمل على وضع الخطط اللازمة وبما يضمن عدم استعادة هذه الجماعات القدرة على الظهور من جديد ويشمل ذلك أيضًا ضبط الحدود المشتركة بين الدولتين والتي تمتد لما يقارب 600 كيلو مترًا ؛ كذلك فإن ملف حصر السلاح بيد الدولة يمثل التحدي الأصعب لبغداد ودمشق، رغم أن الفصائل المسلحة السورية قد أعلنت تخليها عن السلاح إلا أن ذلك يبدو صعبًا بالنسبة للحكومة العراقية وما يمكن أن يمثله هذا السلاح من تهديد للعلاقة بين الدولتين مما يتطلب تفهمًا أكبر لحساسية هذا الملف وأثره في تطوير المسار بينهما؛ ولا يمكن الابتعاد عن أهمية النظر المشترك للملف الكردي كتحد أمام البلدين، فالصلات ما بين قوات سوريا الديمقراطية في الشمال السوري وبين عدد من الجهات الداخلية العراقية كانت تمثل مصدر قلق للطرفين لحين عقد الاتفاق بين الشرع ومظلوم عبدي زعيم قسد في 10 مارس 2025 م، الأمر الذي يحتم على الحكومتين التعاون من خلال مفاوضات تمنع من استغلاله من أطراف إقليمية وأيضًا لإعادة ترتيب العلاقة بعد سيطرة الدولة السورية على المعابر الحدودية مع العراق التي كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية؛ ومع كل هذه التحديات لكن إيران اعقد التحديات المشتركة للبلدين، فالتمدد والنفوذ الإيراني في العراق ومحاولات طهران إعادة هيمنتها على سوريا بعد سقوط الأسد حليفها الاستراتيجي، يفرض مزيدًا من الانسجام لوقف التدخلات الإيرانية باعتماد موقف عربي موحد لبغداد ودمشق رافضًا لهذه التدخلات من جهة ومانعًا استخدامهما كمنصات لتهديد أمنهما القومي من خلال إثارة الخلافات أو النزاعات الطائفية مما يفاقم مشاكل البلدين بشكل أكبر ، مما يتطلب الإعلان عن تحالف وثيق بين دمشق وبغداد يكون نواة لتحالف عربي أكبر يضم المملكة العربية السعودية والأردن، وهو ما يطمح إليه الشعبان العراقي والسوري.

 في ظل هذه المعادلة، يظل مستقبل العراق مرتبطًا إلى حد كبير بالتطورات في سوريا، ومدى قدرة النظام الجديد هناك على فرض الاستقرار، كما ستعتمد السياسات العراقية المقبلة على نجاح الحكومة في تحقيق توازن دقيق بين المصالح الإقليمية والدولية، وبين الضغوط الداخلية والتحديات الأمنية.

تأثير دول الجوار والقوى الإقليمية والدولية على مستقبل سوريا:

      كانت سوريا في عهد الرئيس السابق بشار الأسد جغرافية اشتباك لمصالح دول جوارها الحدودي والدول الإقليمية، إيران وتركيا، والدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، مما جعل سوريا الأسد رهينة هذا الاشتباك والذي تزامن مع ضعف داخلي بعدم القدرة على التعامل مع هذا الاشتباك ووقفه أو أن الرئيس السوري كان يستغل هذا الاشتباك واللعب على التناقضات لأجل الاستمرار في حكمه، ومع سقوط النظام السياسي وهروب الأسد اختلف مستوى التأثير لهذه الدول فيما يرتبط بالمستقبل السوري، فبعد أن كانت سوريا محكومة بالقرار الإيراني والدفاع والحصانة الروسية تغيرت موازين القوى بشكل جذري، فسقوط الأسد كان نهاية للدور والتأثير والنفوذ الإيراني فلم يعد لها القدرة على إخضاع دمشق لأي تصورات رغم أن نفوذها استمر لما يقارب 14 عامًا، وهذا يعود بأن معادلة الحكم الجديدة في سوريا هي بالضد أو نشأت على سردية طرد النفوذ الإيراني، إلا أن ذلك لم يمنع إيران من أن تؤثر على المستقبل السوري خصوصًا وهي توعدت بأنها سوف تستعيد سوريا وبدعم ثورة ضد المرحلة الانتقالية أو ما بعدها، مما قد يعيق إلى حد ما مرحلة التقدم السياسي الجديد.

 رغم أن تركيا كانت بخصومة مع نظام الأسد، إلا أنها أعادت ترتيب أوراقها مع الوضع الجديد في سوريا، فبالإضافة إلى الدعم الذي قدمته إلى هيئة تحرير الشام فهي سعت إلى ملء الفراغ الناتج من انهيار المشروع الإيراني في سوريا، فمشروع تركيا يرمي إلى قيام نظام سياسي جديد موال لها على جميع الأرض السورية من دون فيدراليات أو محاصصة للطوائف والاثنيات وكذلك تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في شمال سوريا، خصوصا وأنها تواجه مشاكل أمنية على الحدود مع سوريا وتعمل على تحقيق التوازن بين التنسيق مع القوى الكبرى والحفاظ على نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، مما قد يؤدي إلى توترات مع القوى الكردية المحلية السورية مما يؤثر على الحوار الذي تريده الحكومة المؤقتة بهدف صياغة عقد وطني جديد .

أما بالنسبة للأردن و "لبنان الرسمي" وباعتبارهما جزءًا من الهلال الخصيب، سيكون لهما حضورًا إيجابيًا مع عملية التحول السياسي في سوريا، فالأردن عانت من محاولات الأسد استهداف أمنها القومي بتحريك مجموعات متطرفة أو من خلال تجارة المخدرات التي كانت أحد أذرع الفوضى التي اعتمدها النظام السابق تجاه الدول العربية، لذا كانت الحكومة الأردنية من أوائل الدول التي تواصلت مع المرحلة الانتقالية في سوريا لغرض رسم مسار جديد للعلاقات يعتمد البعد العربي  والمصالح المشتركة ، والأمر لا يختلف في لبنان التي عانت منذ عقود من سياسات التدخل والتدمير التي اعتمدها نظام الأسد "الأب والابن " ، لذا سيعيد لبنان الرسمي رسم العلاقة وفق مبادئ جديدة هدفها التعاون العربي والمصالح المشتركة وعدم السماح بالتدخلات الإيرانية لصياغة مستقبل البلدين .

 مما تقدم يتضح أن سقوط الأسد سيعيد تشكيل ميزان القوى في الهلال الخصيب، وقد يؤدي ذلك إلى صياغة تحالفات جديدة وتوترات بين الدول المجاورة لسوريا، مع سعي كل منها لحماية مصالحها وضمان استقرارها الداخلي في مواجهة التغيرات الإقليمية.

 أما بالنسبة للدول الكبرى الفاعلة في الشأن السوري كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ستضطر لاعتماد منهج مغاير في التعاطي مع التحول، فواشنطن أبدت سياسة حذره تجاه ما جرى وتتجنب التورط المباشر في السياسة الداخلية السورية وتركز على الأهداف الأمنية مثل ضمان أمن إسرائيل ومكافحة الإرهاب ومحاربة داعش والجماعات المتطرفة والحد من النفوذ الإيراني والروسي، مع إظهار دعم محدود للفصائل الكردية والمعارضة في شمال وشرق سوريا لضمان تحقيق أهدافها الاستراتيجية؛ أما بالنسبة للدور الروسي في مستقبل سوريا ، فبالرغم من الانتكاسة الكبيرة التي حدثت لنفوذها بعد هروب الأسد، إلا أنها أعادت ترتيب أولوياتها ووجودها في سوريا والمنطقة بشكل كامل وبما يؤمن الحد المتوسط من مصالحها في سوريا، فهي لا تزال تحتفظ بوجود عسكري استراتيجي عبر قواعدها في طرطوس وحميم يم، إذ تعد هذا البقاء و الوجود الروسي عامل توازن يمنع تركيا من فرض سيطرة كاملة على البلاد، ومع ذلك فإن العلاقة بين حكام سوريا الجدد وبين الكرملين تبدو معقدة خصوصًا في ظل وجود عدد من الملفات الشائكة، مثل إلغاء الديون السورية المستحقة لروسيا وإعادة الأموال السورية المودعة في موسكو من قبل نظام الأسد وتسليم بشار الأسد لمحاكمته، وهذه من الركائز في إعادة بناء العلاقات على أسس جديدة ، في ظل هذه التحولات، تبقى العلاقة بين دمشق وموسكو مزيجًا معقدًا من المصالح الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، حيث تسعى سوريا للاستفادة من الدعم الروسي، بينما تحاول موسكو الحفاظ على موطئ قدم في منطقة تتنافس عليها قوى إقليمية ودولية.

 تعد إسرائيل الأكثر تأثيرًا في مستقبل سوريا، فهي الرابح الأكبر من تقليص النفوذ الإيراني، كذلك ستتحكم إلى حد كبير بأمنها القومي خصوصًا بعد تدمير الترسانة العسكرية للجيش السوري السابق، مما يدفعها إلى التدخل المباشر مع احتمالات تقسيم سوريا لغرض حماية حدودها وأيضًا الحصول على مناطق جديدة وفرض سياسة الأمر الواقع بترسيم جديد للمنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، لذا ستكون مع خيار إضعاف الدولة السورية الجديدة.

العرب وملء الفراغ في سوريا:

  إن الصراع الإقليمي والدولي الذي يدور حول سوريا في جوهره الأساس هو لملء الفراغ الذي أحدثه الانهيار الإيراني فيها، وإحلال نفوذ جديد على حساب رغبة الشعب السوري، لذا فإن توجه الرئيس السوري إلى المملكة العربية السعودية في أول زيارة له تعد رسالة واضحة من المرحلة الانتقالية باعتماد الرياض بلدًا عربيًا ساندًا للتحول السياسي وأيضًا رسالة لرفض المحاولات الحثيثة التي يقوم بها عدد من الدول الإقليمية لملء فراغ السلطة والنفوذ ، وإن القيادة السورية الجديدة حسمت أمرها باتجاه العرب، خصوصًا وأن السعودية تدعم القيادة السورية الجديدة وتسعى إلى تحقيق استقرار طويل الأمد في سوريا لتحقيق توازن إقليمي مستدام، وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي، لضمان عدم تحول سوريا إلى ساحة صراع جديدة؛ فضلاً عن ذلك فالسعودية تعمل مع دول عربية وإقليمية ودولية، وكمثال على ذلك اجتماعات الرياض بشأن سوريا يناير 2025 م، على دعم اقتصادي ومالي لسوريا ومعالجة أزمات الكهرباء، في إطار جهود إعادة الإعمار واحتواء الأزمات المعيشية، هذا النهج السعودي البراغماتي يعد نهجًا عمليًا إذ تعطي فرصة للقيادة الجديدة، رغم تحفظات بعض الدول العربية كمصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، استنادًا إلى خبرة المملكة الدبلوماسية العريقة بالتعامل مع المتغيرات في الدول العربية، وهي من خلال هذا الانخراط الإيجابي وهذه الخطوات تؤكد دورها كلاعب رئيسي في صياغة مستقبل سوريا وبالشكل الذي يحفظ لدمشق سيادتها واستقلال قرارها .

مجلة آراء حول الخليج