array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

تضخيم قضية الأقليات مخطط إسرائيلي لتقويض الدولة السورية وجعلها أكبر تحدٍ للنظام الجديد

الأحد، 30 آذار/مارس 2025

يواجه النظام الجديد في سوريا العديد من التحديات، أهمها إعادة الإعمار بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية التي خلّفت دمارًا هائلاً في البنية التحتية، سواء المنازل أو المستشفيات أو المدارس أو الطرق، وهو ما يتطلب موارد مالية ضخمة وتعاونًا دوليًا يصعب تحقيقه في ظل العقوبات الدولية التي لم تُرفع بشكل كامل. فضلًا عن انهيار معظم مؤسسات الدولة بعد تولي التنظيمات العسكرية التي كانت تتمركز في مناطق خارج العاصمة، في إدلب شمالًا أو في المناطق المجاورة للحدود التركية، وهي تنظيمات تفتقر إلى القدرة على إدارة الدولة السورية على اتساعها، خاصة بعد القرارات التي اتخذت عقب تولي تلك التنظيمات للسلطة، والتي ارتبطت بحل القوات المسلحة أو الجيش السوري وأجهزة الأمن على اختلافها، وكذلك حزب البعث وكافة الأحزاب التي كانت موجودة في سوريا وتسانده، بالإضافة إلى أجهزة الشرطة المتعددة، وكذلك كافة المؤسسات الشعبية الأخرى. الأمر الذي أحدث نوعًا من الفراغ السياسي والإداري يمثل تحديًا كبيرًا، وهو ما تسعى السلطة الجديدة أو الرئيس الشرع إلى ملئه ومحاولة صياغة كيان جديد يعيد إلى الدولة السورية مؤسساتها، بعد أن تبنى، وفقًا لوجهة نظر من يتولى السلطة في الوقت الحالي، وهو أمر صعب.

إذكاء الانقسامات

أدى قرار إلغاء كافة المؤسسات الشعبية والحزبية والعسكرية والأمنية التابعة للنظام السابق إلى حدوث نوع من الانقسامات السياسية، أضاف إلى ما كانت تعانيه سوريا سنوات طويلة من انقسامات تحتاج إلى مصالحة وطنية وتعميقها. وقد أثارت التطورات التي جاءت مع الحكومة الجديدة، خاصة محاولة دمج الفصائل العسكرية التي كانت تمارس ما يسمى بالجهاد في مؤسسات الدولة وملء الفراغ السياسي والعسكري والأمني داخل سوريا، معضلة كبيرة يسعى النظام إلى استيعابها، خاصة أن مجموعات كبيرة من الفصائل التي كانت تساند هيئة تحرير الشام، الفصيل الرئيسي الذي يتزعمه الرئيس الشرع، لا تزال تتصور أنها شريكة في الحكم. ورغم أنه تم تعيين قياداتها في مناصب مدنية وعسكرية، إلا أن قضية الدمج داخل مؤسسات الدولة لا تزال تحتاج إلى فرص أوسع ومساحة أوسع، وتمثل تحديًا لا يزال يحتاج إلى الكثير من الجهد.

ومن الضروري هنا أن نشير إلى أن الكثير من الفصائل التي كانت مساندة لهيئة تحرير الشام والتي كانت توصف بالمهاجرين لها أيديولوجيات تختلف عما تتبناه الهيئة في بعض الرؤى الدينية المتشددة؛ فبعضها لا يزال يتصور أنه يمارس الجهاد العالمي وليس الجهاد المحلي، وبالتالي لا تزال أطروحاتها فيما يتعلق بالأقليات مثار قلق وتوتر داخلي، وهو ما أدى إلى نوع من التحفز لدى الكثير من الأقليات الموجودة في سوريا والتي عانت سنوات طويلة من التهميش، وكذلك الطائفة العلوية بالتحديد التي هيمنت على الأوضاع السياسية خلال سنوات حزب البعث، واعتبرتها تلك الفصائل جزءًا من النظام السابق يتعين عليها أن تنتقم من النظام من خلال تلك الطائفة.

لماذا تمثل الأقليات تحديًا للنظام السوري الجديد؟

كانت سوريا ولا تزال على مر التاريخ دولة متعددة الطوائف والأعراق، وتضم العديد من الأقليات الدينية والإثنية إلى جانب الأغلبية العربية السنية التي سيطرت على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية لعقود طويلة. إلا أن متغيرات متعددة شهدها الإقليم، وشهدتها سوريا بالتحديد، طرحت قضية الأقليات وحقوقها، وما ينبغي أن يتاح لها من فرص ومشاركة سياسية ضمن أهم القضايا المطروحة في المشهد السياسي السوري الجديد.

  • عوامل داخلية

أدت سيطرة حزب البعث على الحياة السياسية في سوريا منذ عام ١٩٦٣م، وهيمنة القيادات العلوية السياسية والعسكرية على مؤسسات الدولة السورية، إلى منح الطائفة العلوية كيانًا ونفوذًا يتجاوز ثقل المكون العلوي داخل المجتمع السوري. وقد أدى ذلك إلى نوع من المخاوف لدى الأقليات الأخرى، وبالتالي فإن التميز الذي حصلت عليه الطائفة العلوية كان دافعًا إلى مواقف معارضة ومتحفزة تجاهها من جانب الأقليات الأخرى، وكذلك من جانب الأغلبية السنية بالتحديد.

حرص حزب البعث طوال سنواته على تسكين قضية الأقليات من خلال تصور أن إطار حزب البعث يمكن أن يكون جامعًا وشاملًا لها. ولم تنجح الممارسات الأمنية الكبيرة والعنيفة طوال سنوات حكم الحزب في حل هذه القضية أو إلغاء التعصب لدى تلك الأقليات، أو طموحاتها لتحقيق مكاسب وتثبيت حضور ونفوذ سياسي داخل المجتمع يتناسب مع تعدادها ودورها على مر التاريخ.

ولا شك أن التهميش الذي عانت منه الطائفة السنية السورية، والمواجهات التي شاركت فيها قوى سياسية سنية تجاه النظام، سواء في المواجهات التي حدثت في الثمانينيات، وعنف المواجهة بين النظام والقوى السياسية التي كانت من الطائفة السنية، أدى إلى مزيد من الكراهية بين جموع كبيرة من الطائفة السنية السورية والطائفة العلوية.

  • الدور الإقليمي

كانت إيران إحدى القوى الإقليمية التي أثارت بشدة قضية الأقليات في المنطقة العربية، وفي سوريا بالتحديد. ولا شك أن المشروع السياسي الإيراني، الذي بدأ مع تولي الخميني السلطة في إيران، وطرح ما يسمى بمبدأ تصدير الثورة، أي الانتقال أو دعم التجمعات والقوى الشيعية في المنطقة العربية وعلى مستوى العالم، طرح قضية الشيعة كقضية مذهبية تدافع عنها إيران وتحاول تقديم العون للطائفة الشيعية ومن يرتبط بها داخل المجتمعات العربية. حتى أصبحت تلك الممارسة وهذا المشروع، على هذا النحو، أذرعاً تابعة لإيران دعمتها سياسياً وعسكرياً. ولكن الأهم أنها دعمت وبلورت قضية الأقلية الشيعية، ومحاولاتها الارتباط بالأقليات ذات الصلة بهذا المذهب لتكون أداة للنفوذ داخل هذه المجتمعات.

وجاءت الحرب السورية بعد عام 2011م، والمواجهات الحادة بين النظام السوري السابق والتنظيمات العسكرية على اختلافها، بما فيها تنظيم جبهة النصرة الذي تحول إلى هيئة تحرير الشام التي تتولى السلطة حاليًا في دمشق، وكذلك داعش وجيش الإسلام والعديد من التنظيمات، والتي وفد إليها مجاهدون من مختلف بلاد العالم، لتتركز المواجهة الحادة مع النظام.

وقد أدى ذلك إلى الاستعانة الكبيرة بإيران التي تمركزت داخل سوريا على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية والأمنية، وبدأت تُكوّن مجموعات تابعة لها. فقد دعمت الأقلية الشيعية و وفرت لها نوعًا من الحماية، ونسجت علاقات قوية مع الطائفة العلوية، إلا أنها لم تتمكن من إقامة علاقات ذات معنى مع القوى الكردية، على اعتبار أن المكون الكردي له خلافات حادة مع إيران، سواء أكراد العراق أو سوريا أو إيران. فضلًا عن أن للأكراد علاقات مع الولايات المتحدة، وبالتالي هناك حاجز بين التأثير الإيراني والأكراد. إلا أن الحضور الإيراني قد أسهم في بلورة ودفع قضية الأقليات إلى السطح في سوريا بشكل كبير.

وقد سعت إسرائيل من ناحية أخرى إلى اختراق الأقليات السورية في إطار سعيها لتقويض النظام السوري، وقد حرصت طوال سنوات طويلة على تنمية علاقاتها مع طائفة الدروز بالتحديد، خاصة وأن منطقة الجولان التي تحتل جزءًا كبيرًا منها ينتشر فيها الدروز على جانبي الحدود السورية والفلسطينية، وبالتالي فإن هناك علاقات تاريخية قديمة ساعدت إسرائيل في الفترة الحالية، بعد استكمال استيلائها على الجولان وجبل الشيخ، وامتدت إلى مناطق حتى وصلت إلى جنوب السويداء، على تقديم نفسها كراعٍ لطائفة الدروز بالتحديد. وتحدثت كذلك عن رعايتها للأكراد في شمال شرق سوريا، ولم تغفل الحديث عن العلويين أيضًا. وبالتالي، فإن قضية الأقليات تعتبر أحد مخططات إسرائيل لتقويض الدولة الوطنية في سوريا، وهو ما ساعد على بروز قضية الأقليات في الفترة الأخيرة كتحدّ أكبر يواجهه النظام السوري.

  • الدور الدولي

ساعدت بعض المواقف الدولية على تبلور قضية الأقليات كتحدٍّ للحكومة الجديدة. فقد كان واضحًا منذ سقوط النظام وتولي الرئيس أحمد الشرع للسلطة في سوريا أن الدول الأوروبية على اختلافها، وكذلك روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ربطت وأعلنت أن أي تحسن للعلاقات مع الجمهورية الجديدة في سوريا لابد أن يقترن ويُقنّن بحماية الأقليات وتوسيع مساحة مشاركتها في السلطة ووقف التهديدات التي تتعرض لها. الأمر الذي وضح بصورة كبيرة خلال المواجهة التي تمت بين عناصر من التنظيمات العسكرية التي لم تُدمج بشكل كامل في الجيش السوري وقوى الأمن مع مجموعات عسكرية تابعة للنظام السابق في قرى ومدن الساحل السوري، والتي انتهت بنوع من التجاوزات لا تزال التحقيقات جارية لمعاقبة من قاموا بها، لكنها أثارت بصورة كبيرة مخاوف لدى الأطراف الدولية، بل أكدت هذه المخاوف بخصوص الأقليات. فرَبطت القوى الدولية المساعدات التي أعلنتها لدعم القدرات الاقتصادية وعملية إعادة الإعمار في سوريا بمدى ما يتاح لتلك الأقليات من مشاركة ودور وحماية. وطالبت الأمم المتحدة كذلك بأن يكون هناك حماية للأقليات وعدم تجاوز في حقوقها، وبالتالي طرحت تلك التطورات تدويلًا لقضية الأقليات في سوريا لم تكن مطروحة من قبل، وأصبحت تمثل تحديًا كبيرًا للنظام السوري الجديد.

طبيعة الأقليات في سوريا

توجد في سوريا أطياف متنوعة من الأقليات ذات أهمية، والتي تمثل تحديًا كبيرًا يحتاج إلى نقاش وحوار مجتمعي وسياسي يستوعب كل الضغوط الداخلية والإقليمية لجعلها قضية تحدد استقرار وتماسك المجتمع السوري. يأتي الأكراد في شمال شرق سوريا في مقدمة هذه الأقليات، والذين يسيطرون على أكثر من 20% من مساحة الأراضي السورية، وأقاموا حكمًا ذاتيًا مدعومًا من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أساسي، ويهيمنون على آبار البترول والغاز ومنطقة الجزيرة التي تمثل مصدر الغذاء والحبوب بالنسبة لسوريا.

ويواجه الأكراد منذ سنوات طويلة تحديات من جانب تركيا، استثمرت فيها تركيا ما يسمى بالجيش الوطني السوري، الموجود في منطقة الشمال السوري الشرقي، ولم يندمج بعد ضمن الفصائل العسكرية التي دخلت في الدولة السورية لأنه تحت الحماية التركية. وتستهدف تركيا من ذلك ألا يكون هناك كيان كردي متميز، ولا حكماً ذاتياً، ولا قدرات عسكرية لتلك العرقية تحديداً، وتعتبر ذلك هدفاً استراتيجياً، وتستثمر الحكومة الجديدة واحتياجها إلى تركيا لتنفيذ هذا الهدف.

ورغم أن الإدارة الجديدة قد نجحت في نسج علاقات ووضعت إطاراً عاماً للتعامل مع الأكراد، وتم تشكيل لجان تفصيلية للوصول إلى صياغة تكفل امتداد سلطة الدولة المركزية على كافة الأراضي، بما فيها منطقة الحكم الذاتي الكردي، وكذلك دمج قواتها العسكرية ومؤسساتها داخل المؤسسات المركزية للدولة، إلا أن استمرار الموقف التركي على ما هو عليه يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التأخير لكل الجهود المبذولة على هذا النحو.

وتمثل الطائفة العلوية التي تتمركز في الساحل السوري ومناطق من حمص ومناطق داخل دمشق ذاتها، أكثر الطوائف أو الأقليات التي تواجه مخاطر كثيرة. حيث يربط النظام الجديد كل اتهاماته للنظام السابق بكون أهم قياداته من الطائفة العلوية، كما أن القيادات الأمنية والعسكرية المطلوبة للمساءلة قد تحصنت في تلك المناطق، وهو ما يبقي حجم التوتر قائماً لهذه الأقلية.

ولا شك أن ما يجري من مواجهات عسكرية بين سوريا وعلى الحدود السورية اللبنانية دليل على ذلك، على اعتبار أن الناحية الأخرى من الجبال اللبنانية السورية يقطنها علويون، بما يؤكد أن هذه القضية ستبقى مثارة خلال الفترة القادمة.

وقد جاء الإعلان الدستوري الذي أعلنه الرئيس الشرع ليضيف إلى توترات الأقليات والأعراق في سوريا الكثير، حيث إن العديد من الأقليات، خاصة الدروز والأكراد، اعتبروه لا ينصف الأقليات ولا يوسع المشاركة، ويحتكر السلطة، ويلغي العملية السياسية ويجمدها لمدة خمس سنوات ينفرد فيها الرئيس بالصلاحيات المطلقة. وقد أدى ذلك إلى تراجع في مواقف القيادات الدرزية التي أعلنت أنها لن تُدمج فصائلها العسكرية ضمن الدولة السورية، وأصرت في الحوارات التي جرت على أن تكون الفصائل العسكرية وقوات الأمن من أبناء الدروز أنفسهم، وساندتهم إسرائيل في ذلك. بل إن إسرائيل قد قامت بضرب كل الأجهزة الأمنية السورية المركزية التي ذهبت إلى السويداء لتبقي المنطقة الدرزية خالية من الوجود المركزي السوري، كما تُعلن منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا. وما يدفع الأفكار المتطرفة لدى القيادات الدرزية إلى المزيد من المطالبة وإعلان أنها تشعر بالقلق من وجود تنظيمات عسكرية غير منضبطة في الدولة السورية.

وقد أدى الإعلان الدستوري أيضًا إلى قلق لدى الأكراد، وهو ما بدا في تأخير اجتماعات اللجان المشتركة لبحث كيفية الوصول إلى ما تم الاتفاق عليه في الإطار العام. كما أن الحضور التركي في منطقة شمال شرق سوريا لا يزال يمثل عائقًا كبيرًا أمام إمكانية دمج تلك القوات في الدولة السورية، حيث تخشى أن يتم الضغط عليها على هذا النحو، وبعد تسليم قوتها العسكرية، تتعرض لضغوط تركية. وتطالب تلك الأكراد بالوصول إلى نوع من التفاهم للدمج وإلغاء الجيش الوطني السوري الذي يمثل أداة في يد تركيا.

الخلاصة إن قضية الأقليات، والتي ادّعت سوريا سنوات طويلة الضغط عليها ومحاولة عدم جعلها عاملاً يهدد الاستقرار، لم يلغِ طموحات الأقليات والأعراق الموجودة في سوريا.  إنما أتى سقوط النظام وغياب الهياكل الإدارية والسياسية والعسكرية والأمنية في الفترة الأولى لتولي النظام، سمح ببروز هذه القضية مجدداً.  وإن الأطراف الخارجية والإقليمية لا تزال تغذيها، والحديث عن مساندة إيرانية لمجموعات عسكرية من العلويين يعتبر دليلاً واضحاً على ذلك.  ومحاولة تشكيل مجموعات عسكرية على أسس مذهبية ترعاها إيران في سوريا وتعلن عنها، يمثل تهديداً كذلك. كما أن الحضور الإسرائيلي المتزايد داخل سوريا، والهيمنة على منطقة الجولان بأكملها، ومناطق اقتربت حوالي 30 كيلومتراً من العاصمة السورية دمشق، يعني أن قضية الدروز وقضية الأكراد والعلويين ستبقى قضية صراع وتهديداً واضحاً لتحقيق الاستقرار والأمن في سوريا في المرحلة القادمة.

مقالات لنفس الكاتب