تمر الدولة السورية بمرحلة انتقالية دقيقة في تاريخها السياسي، بدأت بإسقاط النظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد في 8 من ديسمبر 2024م، على خلفية عملية عسكرية خاطفة نفذتها المعارضة السورية المسلحة برئاسة هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع، والتي عُرفت بعملية "ردع العدوان".
وتشهد تلك المرحلة مجموعة من المتغيرات والتطورات التي من شأنها أن تكون نقطة تحول في مسار الأزمة السورية المستمرة منذ العام 2011م، وأهمها تولي الشرع رئاسة المرحلة الانتقالية السورية، وإطلاقه مجموعة من التعهدات والسياسات الخاصة بإعادة هيكلة الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية في البلاد، مما يتيح فرصًا عديدة لإجراء إصلاحات شاملة للدولة السورية، ولكن هذا لا يعني أن هذه المرحلة تخلو من التحديات التي قد تعرقل التغييرات المرجوة من الإدارة السورية الجديدة:
أولًا: فرص ومحفزات المرحلة الانتقالية السورية
تشهد المرحلة الانتقالية التي تمر بها الدولة السورية، مجموعة من المحفزات والفرص التي قد تكون مقدمة لعهد سوري جديد يلبي مطالب الشعب السوري الذي نادى بها منذ العام 2011م، ومن بينها:
- الدعم والقبول الإقليمي والدولي لإدارة الشرع الانتقالية؛ على نقيض حالة العزلة والقطيعة التي ميزت العلاقات السورية سواء مع دول جوارها العربي والإقليمي أو الدول الغربية في عهد النظام السابق، هناك حالة من الحراك الدبلوماسي الذي تشهده سوريا بعد سقوط الأسد؛ حيث تتوالى زيارات الوفود العربية والأجنبية إلى دمشق للقاء مسؤولي الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، وهو ما يضفي عليها نوعًا من الشرعية، إذ تُعتبر تلك الزيارات اعترافًا ضمنيًا بإدارة الشرع، مما يشكل قوة دفع لها، حيث:
- أجرت الحكومة الجديدة 330 اتصالًا دبلوماسيًا بين سقوط النظام والـ 11 من فبراير 2025، فمثلًا في 22 ديسمبر 2024م، استقبلت دمشق وفدًا تركيًا حيث تم إعادة فتح السفارة التركية في البلاد، وفي اليوم التالي جاءت زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لسوريا، وفي اليوم نفسه، وصل وفد قطري برئاسة وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد الخليفي.
- أجرى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مجموعة اتصالات هاتفية مع نظرائه العرب، مثل وزراء خارجية مصر وعُمان والبحرين والسعودية، كما أرسل عدد من قادة الدول العربية رسائل تهنئة بعد إعلان رئاسة الشرع للمرحلة الانتقالية، منهم أمير الكويت، رئيس الإمارات، ملك الأردن، وسلطان عُمان.
- قررت كلا من مصر والعراق والسعودية والإمارات والأردن والبحرين وسلطنة عُمان وقطر ولبنان، استئناف عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق.
- يُضاف إلى ذلك؛ زيارة أمير قطر إلى سوريا كأول زعيم عربي يزور دمشق منذ رحيل الأسد، وزيارة الشرع إلى السعودية في مطلع فبراير 2025م، كأول زيارة خارجية له، على رأس وفد رفيع المستوى شمل وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصيرة، ومسؤول المخابرات العامة أنس خطاب.
- كما عُقدت قمم عربية عديدة للتباحث حول مستقبل سوريا، مثل قمة العقبة التي استضافتها الأردن، وقمة الرياض بالسعودية، فضلًا عن استقبال دمشق لوفد من الجامعة العربية يوم 18 يناير الماضي، برئاسة الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي.
- وأخيرًا، تم دعوة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى حضور القمة العربية الطارئة التي استضافتها مصر في 4 مارس الماضي بشأن القضية الفلسطينية ومستقبل قطاع غزة، وتعكس هذه الدعوة الشرعية السياسية التي بات يحظى بها على المستوى العربي.
- أما دوليًا؛ فقد قام وفد أمريكي رفيع المستوى بزيارة إلى العاصمة السورية دمشق يوم 20 ديسمبر الماضي، حيث التقوا الشرع لمناقشة القضايا المتعلقة بمبادئ انتقال السلطة في سوريا، والتطورات الإقليمية، والحاجة إلى محاربة داعش.
- وكذلك أعادت فرنسا فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق يوم 17 ديسمبر، وذلك بعد إغلاقها لمدة 12 عامًا، مؤكدة أنها ستحرص على ضمان مصالح الأمن الجماعي، من خلال مواصلة محاربة تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، ومنع نشر الأسلحة الكيميائية التي امتلكها النظام السوري.
- التقى أحمد الشرع، يوم 30 ديسمبر، وفدًا أوكرانيًا برئاسة وزير الخارجية أندريه سيبيغا، فيما قام وفد روسي رفيع المستوى، بزيارة إلى العاصمة السورية دمشق يوم 28 يناير الماضي، وذلك للمرة الأولى منذ رحيل الأسد، حيث التقوا بالرئيس الانتقالي أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني.
- أجرى المستشار الألماني أولاف شولتس، يوم 7 فبراير 2025م، اتصالًا هاتفيًا مع أحمد الشرع، حيث أبدى استعداد برلين لدعم إعادة إعمار سوريا.
- استضافت العاصمة الفرنسية باريس يوم 13 فبراير الماضي، مؤتمرًا دوليًا حول سوريا، بمشاركة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ومبعوثين من الدول الصناعية السبع؛ بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة، ودول عربية رئيسية وتركيا، حيث تم التوافق على دعم عملية انتقال سياسي عادل وشامل، تلبي تطلعات الشعب السوري وتحترم حقوق جميع السوريين.
- الالتفاف الشعبي حول خطوات الشرع للتحضير إلى المرحلة الانتقالية السورية؛ أظهرت ردات فعل الشعب السوري على إسقاط بشار الأسد، وإعلان الشرع رئيسًا انتقاليًا للبلاد، امتلاك هذا الرجل حضورًا جماهيريًا كبيرًا، عزز من شعبيته التي اكتسبها عقب دخوله دمشق، وتُعد هذه الجماهيرية الواسعة، فرصة أمام الشرع لتعزيز التماسك الداخلي عقب سنوات طويلة من الانقسام والحرب، وتحقيق تعهداته حول بناء سوريا الجديدة، ومن المؤشرات الدالة على ذلك:
أ. قرارات "إعلان انتصار الثورة السورية"؛ والذي أوضح الشرع خلاله أولويات المرحلة الانتقالية؛ وهي: ملء فراغ السلطة، الحفاظ على السلم الأهلي، بناء مؤسسات الدولة، العمل على بناء بنية اقتصادية تنموية، واستعادة سوريا لمكانتها الدولية والإقليمية.
ولتنفيذ تلك الأولويات؛ اتخذت الإدارة السورية الجديدة عدة قرارات، منها: إلغاء العمل بدستور 2012م، إيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية، حل مجلس الشعب واللجان المنبثقة عنه، حل جيش النظام وجميع الأجهزة الأمنية التابعة له، وجميع الميليشيات التي أنشأها، حل حزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وما يتبعها من منظمات ومؤسسات ولجان، حل جميع الفصائل العسكرية وإعادة هيكلة جيش سوري موحد، تشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز النفاذ، تشكيل حكومة انتقالية شاملة تتولى العمل على بناء مؤسسات سوريا الجديدة حتى الوصول إلى مرحلة انتخابات حرة نزيهة، الإعلان عن اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، وإصدار الإعلان الدستوري بعد إتمام هذه الخطوات ليصبح المرجع القانوني للمرحلة الانتقالية. وقد نالت هذه القرارات رضا واستحسان معظم أطياف الشعب السوري، وأظهرت الشرع بصورة رجل الدولة المسؤول.
ب. انعقاد مؤتمر الحوار الوطني؛ وقع أحمد الشرع يوم 11 فبراير 2025م، قرارًا بتشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني من أجل بحث مستقبل البلاد، وقد تشكلت اللجنة التحضيرية من 6 أعضاء؛ وهم: حسن الدغيم، ماهر علوش، مصطفى موسى، يوسف الشحيل، محمد مستت، هدى أتاسي، والناشطة في المجتمع المدني السوري هند قبوات.
افتتحت اللجنة أول لقاءاتها الجماهيرية يوم 16 فبراير 2025م، وتركزت المناقشات على العدالة الانتقالية، والإصلاح الدستوري، وإعادة هيكلة المؤسسات، وإطلاق الحريات السياسية والمجتمعية، وبناءً على نتائج اللقاءات التي عُقدت على مستوى المحافظات السورية، تم عقد مؤتمر الحوار الوطني على مدار يومي 24 و25 فبراير 2025م، بمشاركة أكثر من 600 شخصية سورية بعيدًا عن الأحزاب والكتل السياسية.
وقد تضمن البيان الختامي لقمة الحوار الوطني 18 بندًا؛ من بينها: إدانة التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية واعتباره انتهاكًا صارخًا لسيادة الدولة السورية والمطالبة بالانسحاب الفوري وغير المشروط، التأكيد على أن التشكيلات المسلحة هي جماعات خارجة عن القانون وأنه يجب حصر السلاح بيد الدولة وبناء جيش وطني احترافي، إصدار إعلان دستوري وتشكيل مجلس تشريعي مؤقت، الحفاظ على وحدة الجمهورية العربية السورية وسيادتها على كامل أراضيها، رفض أي شكل من أشكال التجزئة والتقسيم.
ج. الشعبية الجماهيرية التي اتضحت خلال جولته الداخلية؛ بدأ الشرع يوم 15 فبراير 2025م، أولى جولاته الداخلية منذ توليه الُحكم وسط استقبال جماهيري حاشد، حيث قام بزيارة محافظتي حلب وإدلب، ثم زار مدينتي اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري في اليوم التالي.
وقد أراد الشرع إرسال عدة رسائل عبر هذه الجولة؛ منها: إظهار شعبيته الجماهيرية وقبوله لدى الشعب السوري، التأكيد على أنه لم ينس أهل إدلب وذلك من خلال زيارته لمقر حكمه السابق في المحافظة، تطمين الأكراد بأنهم جزء من الشعب السوري، وذلك من خلال زيارته إلى عفرين ولقائه مع وجهائها ورئيس مجلس محلية عفرين للمجلس الوطني الكردي، والتأكيد على أن إدارته ستكون شاملة للجميع دون استبعاد أي انتماء، وذلك من خلال زيارته محافظة اللاذقية؛ معقل الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، وابنه بشار الأسد.
د. انفتاح القيادة الكردية على التواصل مع الشرع؛ حيث قام القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، بتهنئة أحمد الشرع عقب إعلانه رئيسًا انتقاليًا للبلاد، مؤكدًا أنه يأمل في أن يتمكن الشرع من قيادة سوريا خلال هذه الفترة الحساسة.
- سياسة تصفير المشكلات التي يتبعها الشرع حتى الآن؛ حاول الشرع منذ توليه السلطة، اتباع سياسة متوازنة تقوم على نهج تصفير المشكلات وتصفية الخلافات التي تسبب فيها النظام السوري السابق، وذلك بغرض إخراج سوريا من العزلة التي كانت مفروضة عليها في عهد بشار الأسد.
وانطلاقًا من ذلك؛ عمل الشرع على تعزيز العلاقات مع القوى الإقليمية الرئيسية وتحديدًا تركيا، ومواصلة الانفتاح على الدول العربية وخاصةً الخليجية، فضلًا عن إعادة هيكلة العلاقات السورية مع روسيا وإيران والولايات المتحدة، ولا شك أن هذه السياسة تجعل الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع شريكًا مقبولًا في محيطه الإقليمي والدولي، وتكسبه صورة مغايرة لخلفيته المتشددة، وتعزز ثقة قادة الدول الأخرى في النموذج الوسطي المعتدل الذي يقدمه الشرع من خلال هذه السياسة، والأهم من ذلك كله؛ أن نهج تصفير المشكلات ينأى بسوريا عن أي معارك جديدة، من شأنها أن تضع البلاد في مواجهات لا تُحمد عواقبها.
- الانفتاح الدولي على رفع العقوبات ودعم إعادة الإعمار؛ من أكثر المحفزات الواضحة في المرحلة الانتقالية الحالية بسوريا، أن هناك حالة من التوافق الإقليمي والدولي على ضرورة دعم دمشق اقتصاديًا، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والمساعدة في إعادة إعمار البلاد، مما يحسن من الأوضاع المعيشية الكارثية التي يعاني منها الشعب السوري، ويوفر ظروفًا إنسانية ملائمة لعودة اللاجئين السوريين إلى دولتهم، ومن المؤشرات الدالة على ذلك:
- أعلنت العديد من الدول استعدادها لمساعدة سوريا على تجاوز المرحلة الحالية، من خلال المشاركة في عملية إعادة الإعمار والدعوة إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، وهو ما عبرت عنه دول الخليج العربي وتركيا والأردن وبريطانيا وفرنسا وأوكرانيا وإيطاليا وباكستان وماليزيا.
- استضافت العاصمة الفرنسية باريس في 12 فبراير 2025م، مؤتمرًا دوليًا لبحث التحديات التي تواجهها سوريا على صعيد المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار، حيث أعرب المشاركون عن رغبتهم في العمل معًا لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى كافة أنحاء سوريا دون أي عوائق، كما أكدوا حرصهم على المساعدة في إعادة إعمار سوريا، من خلال ضمان رفع العقوبات عنها في القطاعات ذات الأولوية مثل الطاقة والنقل والتعليم، يُضاف إلى ذلك؛ إعلان وزير الخارجية الفرنسي خلال المؤتمر أن فرنسا ستقدم 50 مليون يورو لجهود الاستقرار في البلاد.
- أعلنت الحكومة البريطانية يوم 13 فبراير 2025م، خطة لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، والتي تشمل تخفيف القيود المطبقة على قطاعات الطاقة والنقل والمال، على أن يناقشها النواب أولًا.
- قدمت السعودية دعمًا إنسانيًا لامحدود؛ حيث أطلقت عبر مركز "الملك سلمان للإغاثة"، جسرًا بريًا وجويًا إغاثيًا لمساعدة الشعب السوري، وقد وصل إجمالي الشاحنات الإغاثية التي عبرت منفذ نصيب الحدودي السوري حتى 16 فبراير 2025، 199 شاحنة، بينما وصلت إلى مطار دمشق الدولي حتى الآن 16 طائرة إغاثية ضمن الجسر الجوي الإغاثي السعودي، تحمل على متنها مواد غذائية وطبية وإيوائية.
- أعلنت وزارة التجارة التركية رفع القيود المفروضة على تصدير البضائع والمنتجات السورية إلى داخل الأسواق التركية، إلى جانب فتح أراضيها لإعادة تفعيل حركة تصدير البضائع ترانزيت إلى الدول الأجنبية، وقد دخلت اللائحة الجديدة حيز النفاذ اعتبارًا من 12 فبراير 2025م.
- وانطلاقًا من ذلك؛ تحسن سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، حيث انخفض إلى نحو تسعة آلاف ليرة مقابل الدولار بعد أن بلغ ذروته عند نحو خمسة عشر ألف ليرة.
ثانيًا؛ تحديات ومعوقات المرحلة الانتقالية السورية:
رغم الخطوات والفرص المتاحة والتي تبدو أنها تمهد لتغير حقيقي في الوضع السوري سواء سياسيًا أو أمنيًا أو اقتصاديًا، إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تقف عائقًا أمام نجاح العملية الانتقالية في البلاد، بل وقد تؤدي إلى إطالة أمد الحرب، ومن أهمها:
. تحديات عملية الانتقال السياسي في سوريا؛ يواجه تنفيذ التعهدات الخاصة بإحداث تغييرات نوعية في الحياة السياسية بسوريا وعلى رأسها صياغة دستور جديد، العديد من التحديات التي قد تعرقل عملية الانتقال السياسي في البلاد، ومن بينها:
- الانقسامات السياسية؛ أدت الثورة إلى ظهور تيارات سياسية عديدة، مختلفة في أفكارها ومرجعياتها، وبينما اتفقت تلك التيارات على إسقاط النظام، إلا أنها تختلف في آرائها وتصوراتها حول مستقبل الدولة السورية في مرحلة ما بعد الأسد، وهو ما يجعل توحيد الرؤية حول شكل سوريا الجديدة، أمرًا صعبًا للغاية.
- أزمة الأقليات السورية؛ يتمتع المجتمع السوري بتنوع عرقي وديني كبير، مثل أقليات الدروز والأكراد والمسيحيين والعلويين، وإدارة هذا التنوع تمثل أحد أهم التحديات التي تواجه سوريا في المرحلة الحالية، ويجعل الدولة السورية في مواجهة مع شبح الانقسام، وهذا يتضح من رفض بعض هذه الأقليات تسليم سلاحهم، واشتراطهم أن يكون ذلك بعد تشكيل الدولة المدنية الحديثة، وصياغة دستور يضمن حقوق جميع أطياف المجتمع السوري وانتماءاته العرقية والدينية.
- طول فترة المرحلة الانتقالية؛ كشف الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أن مدة الوصول إلى انتخابات رئاسية تحتاج ما بين 4 و5 سنوات وقد تمتد إلى سنوات طويلة، فيما رجح أن يستغرق إعداد الدستور ثلاث سنوات، ولا شك أن هذا الأمر يؤثر سلبًا على عملية الانتقال السياسي، ويفقدها مصداقيتها أمام التيارات السياسية المختلفة، والتي قد ترى طول هذا الفترة على أنه رغبة من الشرع في البقاء كرئيس للبلاد.
- الانتقادات التي طالت مؤتمر الحوار الوطني؛ مع انطلاق مؤتمر الحوار الوطني وما سبقه من جلسات تحضيرية، توالت الانتقادات التي شككت في جدواه وأهميته، حيث رأى الكثير من التيارات السياسية السورية أن سرعة انعقاد المؤتمر وقصر مدته التي تتمثل في يومين فقط، تشير إلى أن المؤتمر قد يكون شكلي وأن خطوات العملية السياسية الانتقالية قد تم تحديدها مسبقًا بالفعل، هذا إلى جانب استبعاد بعض المكونات من المشاركة في الحوار الوطني، وعلى رأسها الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، والتي أصدرت بيانًا اعتبرت فيه أن اللجنة التحضيرية للمؤتمر "لا تمثل كافة مكونات البلاد"، وأنه "لا يمكن إجراء أي حوار وطني في ظل الإقصاء والتهميش"، وجاء هذا البيان في أعقاب استبعاد قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، من المشاركة في المؤتمر.
وإقصاء "قسد" من العملية السياسية، دفع قيادات كردية إلى اتهام اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني باتخاذ قرارات لإرضاء أطراف خارجية، مثل المجلس الوطني الكردي في سوريا، والذي رأى أن "عقد الحوار الوطني من دون مشاركة المكونات السياسية والقومية يعد انتهاكًا لمبدأ وحق الشراكة الوطنية للشعب الكردي"، مشيرًا إلى أن "توجيه الدعوات بشكل انتقائي يثير تساؤلات جوهرية حول جدوى المؤتمر".
ولذلك ردت اللجنة التحضيرية موضحة أن "لم تتم دعوة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى المؤتمر، كونها لا تمثل جميع سكان المنطقة الشرقية، كما أن إرسال الدعوات لحضور المؤتمر لن يكون على أساس ديني أو عرقي أو لكيانات محددة".
- عدم شرعية الرئيس الانتقالي بالنسبة لعدد من الأطراف الدولية؛ حيث لا يزال الشرع وهيئة تحرير الشام على قوائم الإرهاب، وهذا يؤثر سلبًا على تفاعل هذه الأطراف مع الإدارة السورية الجديدة، ويؤخر أي إجراءات قد تصب في إنجاح العملية الانتقالية بالبلاد.
- المخاطر الأمنية التي تهدد الدولة السورية؛ الاستقرار السياسي التي تعهدت به الإدارة السياسية الجديدة يواجه مجموعة من التحديات والعوائق الأمنية التي قد تضع سوريا على حافة الفوضى الأمنية، ومنها:
- التخوف من عودة تنظيم داعش؛ عاد التنظيم إلى الواجهة مجددًا على خلفية الفراغ الأمني الذي تشهده سوريا حاليًا، حيث لم يعد نشاط الخلايا التابعة لداعش يقتصر على البادية السورية، بل بدأت تنشط في مناطق سيطرة قواته السابقة، ويزداد الأمر خطورة مع إعلان الولايات المتحدة عن عزمها سحب قواتها المتواجدة في سوريا ضمن قوات التحالف الدولي المعنية بمكافحة التنظيم، واستمرار أزمة مخيمات الهول والروج والتخوف من سيناريو الفرار في ظل انشغال قوات قسد بالحرب ضد القوات الموالية لتركيا.
وبالفعل؛ أفادت مصادر أمنية يوم 21 فبراير 2025م، أن 5 أشخاص من داعش تمكنوا من الهروب من مخيم الهول، جنوب شرقي مدينة الحسكة بأقصى شمال شرقي سوريا، بينهم عراقيون وسوريون، في حين أحبطت قوى الأمن الداخلي بالمخيم محاولة مماثلة لفرار عائلات من المخيم، وألقوا القبض عليهم قبل وصولهم إلى السور الخارجي.
- حرب العصابات الحدودية ضد تجارة الأسلحة والمخدرات؛ والتي تُعد من أبرز التحديات الأمنية التي تواجه سوريا الآن؛ حيث شهدت الحدود السورية اللبنانية خلال الأيام القليلة الماضية اشتباكات عنيفة بين إدارة العمليات وعشائر لبنانية تابعة لحزب الله في منطقة ريف حمص الغربي، وذلك في إطار حملة أمنية قادتها إدارة العمليات ضد عصابات تنشط في تهريب السلاح والمخدرات بتلك المناطق.
وقد تمكنت إدارة العمليات من اعتقال عدد من المطلوبين المتورطين في عمليات تهريب غير مشروعة، وضبط كميات من الأسلحة والممنوعات التي كانت بحوزتهم، كما تم القبض على عناصر من المجموعات المسلحة التي هاجمت قوات وزارة الدفاع في هذه المناطق.
- التمدد الإسرائيلي في الجنوب السوري؛ والذي جاء في أعقاب إعلان إسقاط نظام الأسد، حيث قامت تل أبيب باحتلال المنطقة العازلة بينها وبين سوريا للمرة الأولى، كما أعلنت تجميد اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، زاعمة أن تلك التحركات جاءت بغرض حماية الأمن القومي الإسرائيلي وخاصةً مستوطنات الجولان، هذا إلى جانب ضرباتها التي لا تزال تستهدف المواقع العسكرية سواء التابعة لقوات النظام السوري السابق، أو المعابر السورية اللبنانية الحدودية بتهمة مواجهة تسليح حزب الله، أو التابعة للمليشيات الإيرانية التي كانت تتواجد في البلاد.
ويبدو أن هذا التمدد لن يكون مؤقتًا، وذلك وفقًا لوزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، والذي صرح خلال زيارته لموقع تمركز القوات الإسرائيلية في جبل الشيخ، بأن "إسرائيل ستبقى في المنطقة الأمنية لفترة غير محدودة"، وتأكيدًا لذلك؛ كشف تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن إقامة الجيش الإسرائيلي 7 مواقع عسكرية جديدة في المنطقة الحدودية بين إسرائيل وسوريا.
- أزمة حل الفصائل المسلحة وإعادة تشكيل الجيش الوطني السوري؛ بعد سقوط نظام بشار الأسد، أعلنت الإدارة العسكرية الجديدة في سوريا عزمها حل جميع الفصائل ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع، غير أن هذه الخطوة تعترضها عقبات عدة بسبب خريطة انتشار الجماعات المسلحة وولاءاتها وأجنداتها، حيث هناك بعض الجماعات ترفض تسليم سلاحها مثل قوات قسد وحزب العمال الكردستاني، والأقلية الأذرية المتمركزة في السويداء بجنوب البلاد، والتي لا تزال ترفض حتى الآن دخول القوات الأمنية والعسكرية، واشترطت تعيين الطواقم الإدارية والأمنية من أبناء المحافظة.
- أزمة فلول النظام السابق؛ حيث تشهد منطقة الساحل السوري عدة اشتباكات واستهدافات متبادلة بين الإدارة العسكرية السورية الجديدة وفلول النظام السوري؛ وهم مجموعات كانت تعمل تحت مظلة الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية في عهد الأسد ويرفضون تسليم سلاحهم ويقومون بعمليات قتل ضد عناصر وزارة الدفاع السورية، وعلى خلفية ذلك؛ أطلقت إدارة الأمن العام في سوريا، عمليات تمشيط في منطقة الساحل السوري، بغرض إلقاء القبض على هذه العناصر.
- القواعد العسكرية الأجنبية المنتشرة في البلاد؛ سوريا مليئة بالقواعد العسكرية الأجنبية؛ سواء الأمريكية أو التركية أو الروسية، وتدعم هذه القوات الأجنبية قوى ذات توجهات مختلفة، ولذلك يُعتبر حصر وجود السلاح بيد الدولة وحل أزمة القواعد الأجنبية، أحد أهم التحديات الأمنية التي تواجه سوريا في المرحلة الراهنة.
- الوضع الاقتصادي الكارثي للدولة السورية؛ رغم المبادرات والخطوات الإيجابية التي اُتخذت فيما يخص دعم سوريا اقتصاديًا خلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، إلا أن التحدي الاقتصادي الذي تواجهه دمشق أكبر بكثير مما تحقق على أرض الواقع، وفيما يلي أبرز مؤشرات التدهور الاقتصادي بالبلاد:
- تداعيات الحرب الاقتصادية؛ أدت الحرب السورية إلى تبعات اقتصادية كارثية؛ حيث أدى ارتفاع معدلات التضخم إلى دفع 90% من السكان إلى خط الفقر، وتفيد إحصاءات برنامج الغذاء العالمي، بأن نحو 12 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما يعاني أكثر من 600 ألف طفل من سوء التغذية، ويحتاج 15 مليون شخص على الأقل، إلى أحد أشكال المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
يُضاف إلى ذلك؛ تعرض حوالي ثلث المساكن ونصف المنشآت الصحية والتعليمية للتدمير الكامل أو الجزئي، وانخفضت قيمة الليرة السورية من حوالي 45 ليرة مقابل الدولار عام 2010، إلى ما يقرب من الـ 15000 ليرة لكل دولار في ديسمبر 2024، بالإضافة إلى ذلك؛ تعرض قطاع النفط والغاز، والذي كان يمثل حوالي ربع إيرادات الحكومة، لضربات موجعة، وانخفض إنتاج حقول النفط التي تسيطر "قسد" على معظمها من 383 ألف برميل يوميًا في 2011 إلى نحو 40 ألف برميل يوميًا في 2023.
- أزمة اللجوء الإنساني السورية؛ والتي تُعد الأكثر حدة في التاريخ الحديث، إذ يوجد نحو 14 مليون سوري مبعد عن بلاده ما بين لاجئ ونازح، وقد بدأ بعض هؤلاء في العودة إلى سوريا في أعقاب إسقاط النظام السوري السابق، حيث بحلول نهاية 2024، عاد ما يقرب من 500 ألف لاجئ، بما في ذلك 350 ألف لاجئ هربوا من الغزو الإسرائيلي للبنان، كما عاد 125 ألفًا آخرين في أوائل عام 2025، وهناك تقديرات تفيد بعودة مليون لاجئ سوري إلى بلدهم خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي؛ إما طواعية أو بسبب الترحيل من الدول المضيفة التي تواجه ضغوطًا اقتصادية وسياسية.
وتكمن المشكلة في أن معظم العائدين داخل سوريا لن يجدوا مكانًا يعودون إليه؛ فقد دُمرت أحياء بأكملها في مدن مثل حلب والرقة بسبب قصف النظام السابق، كما هناك نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والكهرباء والمياه النظيفة، فضلًا عن الأوضاع المعيشية القاسية، من بطالة وتضخم وفقر.
- التكلفة الباهظة لإعادة الإعمار؛ تشير التقديرات الاقتصادية إلى أن إعادة إعمار سوريا، قد يتكلف أكثر من 400 مليار دولار، وما يزيد الأمر صعوبة؛ أن معظم الدول تربط مساعدتها في إعمار سوريا بشروط ومصالح سياسية، إلى جانب فقدان بعض مصادر التمويل، مثل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حفض المساعدات الأمريكية للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
- العقوبات الدولية المفروضة على سوريا؛ وخاصةً قانون قيصر الأمريكي، حيث تشكل تلك العقوبات عائقًا كبيرًا أمام دعم الاقتصاد السوري، وجذب الاستثمارات الخارجية، وهذا يجعل عملية التعافي الاقتصادي أكثر صعوبة، ويضع مزيدًا من الأعباء على الشعب السوري الذي يعاني من أوضاع معيشية متدهورة للغاية.
- ملف الأكراد والدور التركي في شمال سوريا؛ تُعد المسألة الكردية من أبرز التحديات التي تواجه إدارة الشرع في الوقت الراهن، خاصةً مع تزايد التهديدات التركية ضد الأكراد في الشمال السوري، وهو الأمر الذي يؤثر سلبًا على محاولات الإدارة السورية الجديدة لاحتواء الفصيل الكردي وضمان وحدة أراضي البلاد. ويمكن تلخيص أبعاد هذه الأزمة في عدة مؤشرات على النحو التالي:
- التهديد التركي بعملية عسكرية في شمال البلاد؛ منذ سقوط النظام السوري، والقوات الموالية لتركيا تخوض معارك واشتباكات مكثفة ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال سوريا، فضلًا عن قيام أنقرة بعملية حشد عسكري ضخمة على الحدود مع دمشق تمهيدًا لعملية عسكرية موسعة في الشمال السوري.
وتتضح جدية أنقرة في موقفها من "قسد" في تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يوم 10 فبراير 2025، والتي أكد خلالها على: ضرورة أن تلقي التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني وذراعه وحدات حماية الشعب الكردية، أسلحتها، أو أن تُجبر على إلقائها، ووضع حد لأنشطتها على الأراضي السورية، وأن تفهم أنه لا مكان لها في الأراضي السورية، لأن وجود هذه التنظيمات الإرهابية في الجوار، يشكل تهديدًا لأنقرة، لذا التخلص منها أمر لا بد منه، ولا تسامح فيه على الإطلاق.
- أزمة تسليم "قسد" سلاحها؛ ففي حين تتجه المساعي نحو تشكيل جيش موحد يضم مختلف التشكيلات العسكرية تحت مظلة وزارة الدفاع، تصر "قسد" على الاحتفاظ بكيانها العسكري المستقل وترفض تفكيك تشكيلاتها، مطالبة بأن تبقى كتلة موحدة داخل الجيش الجديد، وهو الأمر الذي يتعارض مع توجه الإدارة السورية، التي أكدت رفضها الاعتراف بأي كيان عسكري خارج إطار الجيش السوري الجديد، متمسكة بالخيار السلمي التفاوضي لحل الأزمة.
ورغم الدعوة الهامة التي أطلقها زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، والتي طالبت الحزب بحل نفسه وتسليم سلاحه، إلا أن قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي أكد أن هذه الدعوة تخص الحزب وأكراد تركيا ولا علاقة لها بسوريا وقوات "قسد"، مؤكدًا رفضه حل قواته، واستعداده إلى الانضمام إلى الجيش السوري الجديد ولكن ككتلة قائمة بذاتها.
- حيثيات التفاهم التركي / الأمريكي في سوريا؛ يُعد ملف قوات "قسد" هو نقطة الخلاف الأبرز بين الولايات المتحدة وتركيا؛ فبينما تعتبرها واشنطن حليفًا رئيسيًا في محاربة تنظيم داعش في سوريا، تصنفها أنقرة تنظيمًا إرهابيًا، لذلك؛ تواجه القيادة الجديدة في سوريا بقيادة الشرع ضغطًا متزايدًا من كلتا الدولتين فيما يخص كيفية التعامل مع الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية.
- أزمة توحيد الأراضي السورية؛ تسيطر قوات "قسد" على مساحة كبيرة من الأراضي السورية في شمال وشمال شرق سوريا وتُعرف بمناطق الإدارة الذاتية الكردية، وتتمتع تلك المناطق بسيطرتها على الغالبية العظمى من موارد النفط والغاز السورية، وكذلك الإمكانات الزراعية للبلاد، مما يجعلها تتمسك بنظام حكم فيدرالي وليس مركزي، يضمن لها استمرار سيطرتها على تلك المكاسب الاقتصادية.
ولا شك أن هذا الأمر يمثل عقبة كبيرة أمام رغبة إدارة الشرع في تحقيق وحدة الأراضي السورية وفرض السيادة تحت سلطة واحدة وهي سلطة الدولة المركزية.
- التنافس الدولي والإقليمي على النفوذ في سوريا؛ باتت الأراضي السورية مقسمة بين عدد من الفاعلين الإقليميين والدوليين، تتعارض وتتداخل مصالحهم في دمشق، وهو ما يؤثر سلبًا على الاستقرار السياسي والأمني في البلاد؛ نظرًا لارتباط مجموعة من الأطراف السورية بقوى خارجية، وكل ذلك يعقد عملية الانتقال السياسي وإعادة الإعمار.
وهذا الوضع يترك هامشًا ضيقًا للإدارة السورية الجديدة للاحتفاظ بعلاقات متوازنة دون انحياز يغضب أطرافًا أخرى؛ فمثلًا تقف إدارة الشرع حاليًا بين إرضاء الولايات المتحدة من أجل رفع العقوبات الاقتصادية وتجميد قانون قيصر، وبين روسيا التي تحاول التنسيق مع دمشق من أجل الحفاظ على بقاء قواعدها العسكرية في البلاد، وكذلك الأمر يضع المشهد السوري الراهن، الإدارة الجديدة بين محاولات إيران للبقاء على ما تبقى من نفوذها وتواجدها في سوريا، وبين النفوذ التركي المتصاعد، والذي يغضب قوى إقليمية أخرى مثل إسرائيل.
وإجمالًا؛ يحمل الوضع السوري الجديد الذي تشكل في أعقاب إسقاط النظام السوري برئاسة بشار الأسد، عدة فرص واعدة لخلق سوريا جديدة، موحدة، وجاذبة للاستثمارات، وذلك يتضح من الخطوات السياسية التي اتخذتها الإدارة الانتقالية في سوريا بقيادة أحمد الشرع، مثل عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي يعمل على صياغة دستور جديد يراعي حقوق وحريات كل أطياف الشعب السوري، ويحدد الرؤية المستقبلية المشتركة للدولة السورية في العهد الجديد، هذا إلى جانب العمل على توحيد القوى المسلحة المختلفة وحصر السلاح في يد الدولة السورية دون غيرها، ويأتي ذلك وسط دعم إقليمي ودولي للتغيرات السورية.
ولكن تزامنًا مع تلك الفرص الواعدة التي تلوح في الأفق، هناك العديد من التحديات والمعوقات التي قد تعرقل عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي المأمولة من جانب الشعب السوري، ومنها: الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجه البلاد، والعزلة الدولية الجزئية المفروضة على الشرع وإدارته، غياب الرؤية الواضحة لإعادة الإعمار، التدخلات الخارجية وعدم قدرة الدولة على بسط نفوذها على جميع الأراضي السورية.
وهذه الصورة تضع سوريا على مفترق طرق؛ إما تجاوز الانقسامات وإعادة هيكلة الحياة السياسية والأمنية من خلال إصلاحات شاملة تضمن انخراط مختلف الأطراف والفصائل في العملية الانتقالية، وإما أن تجد نفسها عالقة في دوامة جديدة من الصراع والفوضى بسبب الصراعات الداخلية وعدم وجود رؤية سياسية واضحة.