array(1) { [0]=> object(stdClass)#13906 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

حتلال إسرائيل لحوض اليرموك خطر على الأمن المائي وتوغلها لا يبعد إلا كيلو مترًا عن الأردن

الأحد، 30 آذار/مارس 2025

شكل انهيار النظام السوري في 8 ديسمبر2024م، زلزالاً مفاجئاً ضرب المنطقة، وأثار قلقاً بالغاً وخصوصًا في الأردن الذي باشر حراكاً دبلوماسياً مكثفاً تحسباً لتحديات كبيرة ستواجه المملكة التي تترقب ما سيكون عليه النظام السياسي المستقبلي في سوريا، والنظام الإقليمي الجديد الذي يمكن أن يتشكل، ويبنى على ذلك الاستراتيجية التي يجب أن تتبعها المملكة للمحافظة على مصالحها الأمنية والسياسية والتقليل من التداعيات السلبية على المشهد الأردني.

وعند تتبع مسارات العلاقة الأردنية السورية نجد أنها لم تكن جيدة على أكمل وجه قبل انطلاق الثورة السورية، ويرجع ذلك لطبيعة الاصطفاف الإقليمي الناشئ بعد تعاظم الدور الإيراني في العراق عام 2004م، حيث كانت عمان ضمن محور الاعتدال(مصر، الأردن، السعودية) مقابل ما أُطلق عليه محور المقاومة(سوريا، إيران، العراق)، والذي حذر على أثره العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من هلال شيعي يمتد من طهران إلى سواحل المتوسط، لتستمر العلاقة بين النظامين في السير على قدمي التبادل التجاري والمصالح الاقتصادية المشتركة وسط فتور سياسي بين البلدين. ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011م، مرت السياسة الأردنية تجاه الملف السوري بمحطات وتحولات مختلفة، ساهمت في صياغتها عدة متغيرات محلية وإقليمية ودولية.

وأمام المشهد السوري المتغير بعد سقوط نظام بشار الأسد يواجه الأردن العديد من التحديات الرئيسية أبرزها:

أولاً: استقرار الجنوب السوري

بعد اندلاع الثورة السورية وتدخل الروس في سبتمبر2015م، لصالح النظام السوري، وحسم المعركة لصالح عائلة الأسد، ونتيجة للتمدد الإيراني في سوريا وتغلغله في معظم المناطق السورية، نشأت هناك أوضاع مقلقة للدولة الأردنية فيما يخص أوضاعها الحدودية مع سوريا؛ تمثلت في: تواجد أكثر من ثمانية آلاف من القوات الطائفية التابعة للدولة الإيرانية في الجنوب السوري على الحدود الأردنية، هذه القوات كانت مزيجاً من المرتزقة الأفغان والباكستانيين وبعض الميليشيات الطائفية الشيعية التي دخلت على سوريا من أجل دعم النظام السوري وتعزيز الوجود الإيراني في سوريا. كان الأردن يشعر بقلق كبير من تواجد هذه القوات على حدوده الشمالية الشرقية، ما أدى إلى أحداث أمنية سقط نتيجتها بعض القوات الأمنية الأردنية. فرغبة إيران في التغلغل في الساحة الأردنية وإحداث الفوضى كانت حثيثة وواضحة، لتوسيع نفوذها في الوصول إلى الحدود الأردنية الإسرائيلية من أجل تقوية أوراق تفاوضها مع المشروع الأمريكي-الإسرائيلي في تقاسم النفوذ في المنطقة.

وعن المشهد الحالي فاستقرار الجنوب السوري، كمصلحة حيوية عليا خاصة بالأردن في المقام الأول، يُعد على سُلم الأولويات التي يضغط الأردن باتجاهها مع الإدارة السورية الانتقالية، خاصة بعد ثلاثة عشر عاماً من حالة عدم الاستقرار التي أثرت بشكل مباشر على أمن واستقرار الحدود الأردنية مع سوريا البالغة 375 كم تقريباً؛ ولابد من التأكيد على استمرار حالة من عدم الاستقرار وإن كانت وتيرتها آخذة بالانخفاض بعد سقوط النظام، إلا أن الاستقرار بمفهومه الشامل لا يزال موضع تساؤل، ويفتقر للتدخل الأمني السوري المباشر لمكافحة أوجه التهديد على الأردن، والتي من  أبرزها: علاقة الإدارة الانتقالية السورية مع الفصائل المحلية المسلحة، وشبكات تهريب السلاح والمخدرات.

أ-الإدارة الانتقالية والفصائل المحلية المسلحة في الجنوب السوري:

المعضلة الأبرز في العلاقة الغامضة ما بين الفصائل المحلية المسلحة في الجنوب، وما بين الإدارة الانتقالية في دمشق، وعلى وجه الخصوص اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة، والذي لا يزال يقف على مسافة غير واضحة من الإدارة الانتقالية، الأمر الذي يطرح تساؤلات مهمة حول مسارات العلاقة بين الطرفين، والتي ستلقي بظلالها بطبيعة الحال على المشهد الحالي في الجنوب السوري.

في هذا السياق، يتجلى المطلوب أردنياً في تمكين التفاهمات بين الطرفين، وضمان عدم استنزاف الجهود بينهما بنمط صفري يهدف للإقصاء، بل على العكس، فإن إطلاق حملات أمنية مشتركة سيقلل من الهواجس الأردنية، خاصة لتجفيف منابع وأوكار وشبكات تهريب المخدرات، وإعادة ضبط التسلح العشوائي، كما لا تنحصر مخرجات الحملات الأمنية فقط في قضية استقرار الجنوب لذاته، بل تمتد لتشمل العمل على إيجاد بيئة جاذبة لعودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين المقيمين في الأردن، والذين ينتمي غالبيتهم لمحافظات الجنوب السوري. 

في المجمل، فإن الحديث عن أي من التحولات الإيجابية المباشرة للأردن في ضوء الإدارة الانتقالية الجديدة يعني أهمية ومركزية الاستقرار في الجنوب السوري، خاصة مع التأكيد على " أن الطريق إلى دمشق يمر بدرعا " وفقاً لمقولة الباحث في النزاعات الدولية حسن محمود جابر، وهو ما يعني التأكيد على ضرورة توحيد جهود الأطراف العقلانية في سوريا، لضبط وتأمين الاستقرار في الجنوب، وذلك شرط للمس التحولات السورية إيجابياً في الأردن؛ فكما أن زوال نظام الأسد أعتبر انفراجة إقليمية مهمة، فإن ضرورة إدارة مرحلة ما بعد النظام هي الأهم، وللأردن، فإن الطريق لسوريا الجديدة لن يزدهر إلا بجنوب سوري مستقر.

ب-شبكات تهريب السلاح والمخدرات من الحدود السورية إلى الداخل الأردني:

انتشر تهريب السلاح وحبوب الكبتاجون من الحدود السورية إلى الداخل الأردني، ومحاولة الوصول إلى الأسواق الخليجية والعالمية عبر الأردن، إذ تقدر السلطات البريطانية في دراسة استقصائية، أن نظام الأسد بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري المخلوع، كان ينتج 80 % من صناعة الكبتاجون في العالم، كما تُقدر أن دخل النظام السوري من هذه التجارة بلغ 6 مليارات دولار سنوياً، وأن النظام السوري كان ينشئ المصانع الضخمة من أجل صناعة الكبتاجون وتصديره إلى الخارج. شكل ذلك ضغطاً أمنياً كبيراً على أجهزة الأمن الأردنية، التي بدأت تنتشر في مدنها وقراها تجارة الكبتاجون، ما أحدث إشكاليات اجتماعية كبيرة في البيئة الأردنية.

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الجيش الأردني إلى ارتفاع وتيرة عمليات التهريب على مدى السنوات الماضية، إذ أحبط الجيش الأردني أكثر من 1700 محاولة تسلل بهدف التهريب في الفترة ما بين 2020م، وحتى منتصف 2023م، وهو ما يعني وجود 485 محاولة في السنة الواحدة، وتُعد منطقتا الحماد والشعاب، المحاذيتان للحدود الأردنية، من أبرز المناطق التي تشهد نشاطاً مكثفاً في عمليات التهريب.

ويمكن إرجاع زيادة وتلاحق عمليات التهريب غير المشروعة للمخدرات والسلاح عبر الحدود الأردنية السورية إلى عدة عوامل مشجعة، أبرزها:

- ظهور ما يُعرف باقتصاد الحرب في سوريا الذي يستثمر حالات الفوضى والاضطراب الأمني في كثير من الدول، ويعود بأرباح وفيرة على القائمين على أنشطته الغير مشروعة.

- سيولة الحدود بين سوريا وجاراتها، وخصوصاً الأردن بسبب استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا والافتقار للانضباط الأمني.

- وجود سوق رائجة للمواد غير المشروعة التي يتم تهريبها والاتجار بها؛ فعصابات التهريب تعتمد دول إقليمية سوق رائجة لها فيما يخص المواد المخدرة المهربة من جنوب سوريا عن طريق الأردن، وعلى الجانب الآخر فإن الأسلحة المهربة تستهدف الأردن ومناطق أخرى كالضفة الغربية والتي تصل أيضاً عن طريق الحدود الأردنية السورية.

- ظهور تقنيات حديثة تسهل عمليات التهريب للسلاح والمخدرات داخل الدولة الواحدة أو عبر الحدود والتي يصعب معها كشف عمليات التهريب، فمؤخراً زاد الحديث عن عمليات "التهريب الطائر" التي تضم المخدرات والسلاح التي يتم نقلها والتجارة بها عبر الحدود الدولية أو حتى داخل الدولة الواحدة من خلال عدة وسائل منها التقليدي كالحمام الزاجل، أو وسائل الطيران المتقدمة كالطائرات الشراعية، والبالونات الطائرة، وأحدثها الطائرات المسيرة أو ما يسمى " طائرات بدون طيار" أو "الدورنات" والتي أثبتت أهميتها في الحروب، والآن يتم توظيفها في تجارة المواد المخدرة.

ومع الأيام الأولى لسقوط النظام السوري تراجعت عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن بشكل ملحوظ، إلا أنها ما لبثت أن عادت بوتيرة أسرع مع بداية العام الحالي، ويعود ذلك إلى أن شبكات التهريب، التي كانت ترتبط بشكل مباشر مع النظام المخلوع، وتعمل تحت إشراف مباشر أو برعاية غير معلنة، كانت قد استغلت الفوضى الناتجة عن سقوطه لتعيد تنظيم نفسها، وليتبين أن ما حدث لم يكن اختفاء التهريب، بل تحولاً في شكله، مما يعزز الاعتقاد أن النظام المخلوع كان الأداة السياسية وحجر الزاوية في ترسيخ تجارة المخدرات كجزء من معادلة الحرب والسيطرة في المنطقة.

وقد تطورت شبكات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن عبر مراحل متعددة، فقبل عام 2011م، كانت غير مرتبطة بالسياسة، واقتصرت نشاطاتها على حالات فردية لأغراض تجارية بحتة، لكن بعد ذلك، بدأ النظام باستخدام المخدرات كأداة سياسية، حيث كان يتم توزيعها بالقرب من مواقع الاحتجاجات لإضفاء طابع تخريبي على المحتجين.

إلا أن النقلة النوعية في ملف المخدرات كانت في العام 2018م، بعد أن تبلورت ملامح شبكات تهريب المخدرات المنظمة، وأصبحت ذات طابع سياسي، بقيادة النظام السوري وأجهزته السابقة. ومع سقوط النظام السوري، فإن عنصر التسييس الممنهج والتداخل السياسي والاقتصادي والأمني مع شبكات التهريب قد سقط. وذلك، لا يعني القضاء الكامل على شبكات التهريب، حيث ستستمر بعض الممارسات التي يقوم بها أفراد من الجنوب السوري بشكل مستقل عن النظام، كونها تملك الخبرة الكافية. كما أن استمرار عمليات التهريب للمخدرات والسلاح عبر الحدود السورية الأردنية بعد سقوط النظام في سوريا بفترة قصيرة، يؤكد وجود مخابئ سرية ومصانع لم يتم الكشف عنها حتى الآن.

بالإضافة لما تقدم، تقاوم عمّان تحديات ليست سهلة في الجنوب السوري، منها: عودة نشاط خلايا نائمة لتنظيم "داعش" في مناطق قريبة من الحدود الأردنية من جهة، كما أن مسألة التفاهم ما بين الإدارة الانتقالية والقوى الاجتماعية في الجنوب السوري من جهة أخرى ما زالت مسألة مفتوحة لم تُحسم بعد، ويشوب مستقبلها حالة من الغموض الذي يستدعي التساؤل. فهناك تملل لدى بعض الدروز في الجنوب السوري مما يعدونه غياب العدالة في التعامل مع مدن الأطراف التي تسكنها أقليات في سوريا.

ثانيًا: اللاجئون السوريون في الأردن

وقف الأردن كغيره من دول الجوار السوري أمام الخيار الصعب في المواءمة بين متطلباته الأمنية والاقتصادية، وبين الالتزامات الإنسانية ومبادئ القانون الدولي التي تفرض على الدول عدم إغلاق حدودها أمام اللاجئين الفارين من مناطق النزاع. في البداية، اتبع الأردن سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين السوريين وبلغ نصيبه منهم منذ بداية الأزمة السورية عام 2011م، ما يقرب من 700 ألف لاجئ مسجلين رسمياً وفق وكالة الأمم المتحدة للاجئين؛ ومع إضافة اللاجئين غير المسجلين يصل العدد إلى ما يقرب من مليون و400 ألف لاجئ تقريباً، وهو ما كبد الخزينة الأردنية مصاريف مباشرة وغير مباشرة بلغت زهاء (6.6) مليارات دولار شكل التمويل الخارجي منها حوالي 35 % فقط. هذا بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي تكبّدها الأردن جراء إغلاق المعابر الحدودية، وانخفاض معدلات التجارة البينية، مما انعكس على تضخم نسبة البطالة والفقر في الأردن.

ومع تفاقم الوضع الإنساني جراء الحرب السورية وتزايد أعداد الفارين من مناطق النزاع بشكل كبير إلى الأردن، بدأت الحكومة الأردنية تطالب المجتمع الدولي بضرورة إنشاء مناطق عازلة من أجل تأمين ملاذات آمنة للاجئين، ولكن لم تلق دعواتها استجابة من المجتمع الدولي. ومع تفاقم أزمة اللاجئين بشكل كبير داخل الأردن-حيث شكل الفقر بين أولئك اللاجئين غير القاطنين في المخيمات ما يقرب من 93 %-أغلق الأردن حدوده في العام 2015م، وأخذت تبعاً لذلك تتشكل بحكم الأمر الواقع مناطق عازلة بين الحدود الأردنية والسورية عُرفت باسم Berm أو مخيم الركبان، والذي أصبح بحد ذاته يشكل مصدر إزعاج كبير للسلطات الأردنية لما يُعتقد أنه يضم الكثير من عناصر "تنظيم الدولة" أو من المتعاطفين معه؛ حيث احتوت هذه المناطق على ما يقرب من 70 ألف لاجئ سوري أو يزيد.

كان الدافع وراء المطالبة بتشكيل مناطق عازلة مبدئياً ينبع من الرغبة الأردنية في السيطرة على تدفق اللاجئين، ولكن مع تتابع التطورات الدراماتيكية على خريطة الاقتتال داخل الأراضي السورية، خصوصًا بعد سقوط حلب الشرقية بيد النظام والميليشيات الإيرانية الداعمة له؛ وهو ما شكل بحد ذاته تحولاً استراتيجياً في مسار الصراع، أخذت الرغبة الأردنية في تشكيل المناطق العازلة تنحو نحو الهواجس الأمنية أكثر من غيرها.

ستخفف عودة اللاجئين السوريين من الأردن إلى وطنهم العبء على الاقتصاد الأردني والضغط على الموارد والخدمات الاجتماعية في المملكة، فمنذ سقوط نظام الأسد، بدأ تدفق طوعي للاجئين السوريين من الأردن إلى سوريا، وتتطلب زيادة عودة هؤلاء اللاجئين إلى وطنهم، توضيح مستقبل سوريا السياسي، واستقرار الوضع الأمني والاقتصادي هناك ، وتوافر السكن والبنية التحتية.

ثالثًا: التحركات الإسرائيلية العسكرية في جنوب سوريا وانعكاسها على الأردن

ينعكس الوجود العسكري الإسرائيلي في الجنوب السوري على الأردن بشكل مباشر في مسألتين رئيسيتين هما: الأمن المائي، والأمن القومي، وسيتم تناول هاتين المسألتين بشكل موجز فيما يلي:

أ-احتلال إسرائيل لحوض اليرموك وتأثيره على الأمن المائي الأردني:

يُعد قيام إسرائيل باحتلال حوض اليرموك بعد سقوط نظام الأسد من بين المخاوف الأكثر إلحاحاً على صانع القرار الأردني، والذي له آثار عميقة على الأمن المائي المتوتر بالفعل في الأردن-يُعد الأردن ثاني أكثر البلدان فقراً في مصادر المياه-نتيجة الندرة المزمنة في المياه، والتي تفاقمت بسبب الصراعات الإقليمية وتدفق الملايين من اللاجئين.

فقد توغلت القوات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي باتجاه القرى القريبة من الحدود الأردنية وعلى رأسها قرية كويا في محافظة درعا، والتي لا يفصلها عن لواء بني كنانة في الأردن سوى كيلو مترًا واحدًا، كما امتد التقدم الإسرائيلي إلى قرى محاذية لحوض اليرموك، مما يعني وصول الاحتلال الإسرائيلي إلى أطراف من سدة الوحدة داخل الحوض ذاته، وهو سد يمثل مصدراً مائياً استراتيجياً لكل من الأردن وسوريا، وتخضع موارده لاتفاقية مشتركة بين البلدين.   

ومع ضبابية المشهد الراهن في الواقع السوري، وعدم وضوح أهداف إسرائيل من تواجدها في داخل الجنوب السوري، يجد الأردن نفسه في معادلة تتعدد فيها الفواعل وتتعقد ديناميتها، بما فيها من مصادر مياه يشترك بها مع سوريا، الأمر الذي يحتم على الأردن عدم إغفال أهمية ملف المياه وضرورة إبرازه في هذه الأثناء التي تستمر فيها إسرائيل في تواجدها داخل الأراضي السورية، محاولة تبرير هذا التوسع تحت مفهوم الخطر المحتمل من الشمال وفقاً لرؤيتها الاستراتيجية ومحدداتها للأمن القومي الخاص بها.

ب-التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري والأمن القومي الأردني:

يبدو أن هدف إسرائيل من تواجدها في جنوب سوريا هو ضمان أمن حدودها الشمالية، عبر إنشاء منطقة عازلة خالية من أي تهديد عسكري. وهذا يعني أن إسرائيل تريد جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح فعلياً، فلا صواريخ أو مدفعية أو تشكيلات عسكرية ثقيلة بالقرب من حدودها، وهذا الهدف مرتبط بسعي إسرائيلي لمنع تكرار تجربة حزب الله في لبنان، وأنهم لن يسمحوا بأن يتحول الجنوب السوري إلى قاعدة صاروخية أو بؤرة لميليشيات تهدد أمن إسرائيل، تمامًا كما حصل في جنوب لبنان.

إلى جانب الدافع الأمني المباشر، يبدو أن لإسرائيل أهدافاً بعيدة المدى في صياغة مستقبل الجنوب السوري وربما سوريا ككل؛ بجعلها دولة اتحادية (فدرالية) تضم مناطق حكم ذاتي تحترم التنوع، وهذا طرح يوحي بأن إسرائيل تفضل روية سوريا مقسمة إلى كيانات إقليمية. ولا يُستبعد أن يكون تثبيت الوضع الراهن على الأرض، أي استمرار سيطرة إسرائيل على أجزاء من الجنوب كورقة ضغط للمساومة مستقبلاً، سواء لمقايضة انسحابها بضمانات أمنية، أو حتى لانتزاع اعتراف بضمها للجولان المحتل بشكل نهائي.

ومع انتباه الأردن مبكراً إلى اعتداءات إسرائيل المستمرة على سوريا، منذ هروب نظام الرئيس السابق بشار الأسد إلى روسيا، وتدخلها عسكرياً في الجنوب السوري، ومحاولتها فرض واقع جديد بأجزاء من الأراضي السورية، تبرز المخاوف الأردنية من خطط إسرائيلية تهدف إلى تقسيم سوريا، خصوصاً أمام حداثة الحكم الجديد في دمشق، وسعي تل أبيب إلى دعم حالة الفوضى وعدم استقرار سوريا في الشمال والجنوب، وترك ما تبقى للحكم الجديد في دمشق. فتقسيم سوريا، أو تعزيز ديناميكيات الفوضى والحرب الداخلية فيها، وتهديد وحدة أراضيها، يضر بالأمن القومي الأردني.

ومع إعلان بنيامين نتنياهو أنه لن يسمح بتواجد قوات الحكومة السورية في الجنوب السوري، بات واضحاً أن بنيامين نتنياهو وحكومته يسعون إلى إقامة دولة درزية أو إمارة في الجنوب السوري، وربما ربطها بالسويداء، مما يعني أن هناك خطر كبير من حالة الفوضى والتمزق الداخلي السوري على المصالح الأمنية الأردنية مع سوريا، كما أن السيطرة العسكرية الإسرائيلية على المناطق الجنوبية من سوريا، تعني أن إسرائيل ستكون أيضاً على حدود الأردن الشمالية.

من هنا يبرز سؤال مطروح في أروقة القرار الأردني: ما العمل؟ هل سيقف الأردن متفرجاً على الأحداث الخطيرة على حدوده الشمالية، أم يحاول أن يقوم بخطوات وقائية، ربما بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية وتركيا والحكومة السورية، لإجهاض مشروع نتنياهو التوسعي في الجنوب السوري على أن يكون هنالك ضغطًا غربيًا وأمريكيًا عليه للانسحاب من جنوب سوريا.

هناك اتجاهان رئيسيان في دوائر صناعة القرار في الأردن تجاه معضلة التواجد الإسرائيلي في الجنوب السوري: الاتجاه السياسي المحافظ الذي يريد تجنب أي انخراط في الحالة السورية، فضلًا عن إرسال قوات أردنية، ويرى أصحاب هذا الرأي أن الأردن ليس معنيًا بالدخول في صراعات ودوامات داخلية في سوريا بخاصة بوجود حالة ضبابية في المشهد السياسي هناك. بينما يرى اتجاه آخر أن وقوف عمّان مكتوفة اليدين متفرجة على ما يحدث في سوريا سيكون موقفاً سلبياً أمام مصادر تهديد خطيرة وحقيقية على الواجهة الشمالية الممتدة للمملكة. فأصحاب هذا الاتجاه يرون أن حماية الأمن القومي الأردني والدور الإقليمي للبلاد يتمثل بمقاربة منفتحة جريئة وليست مقاربة متقوقعة وخائفة، فحتى يحمي الأردن حدوده الشمالية لابد من دور أكبر في الجنوب السوري، الأمر الذي يتطلب من الأردن وجود خطط وسيناريوهات واستعداد للتفاعل بقوة مع كل ما يحدث حوله.

الخلاصة:

هنالك العديد من التحديات التي ستحكم العلاقة بين الأردن وسوريا بما في ذلك قضايا الأمن الحدودي، وتهريب المخدرات، والتحركات الإسرائيلية في جنوب سوريا، وبالرغم من هذه التحديات إلا أن هنالك فرصاً كبيرة للتعاون والاستقرار، فسوريا بحاجة إلى الأردن لإعادة الإعمار، وتطوير الخدمات الصحية، والعمل على بناء شبكات الطرق والكهرباء، فقد التزم الأردن تزويد سوريا بالكهرباء بعد إعادة تأهيل البنية التحتية للنقل، وهذه الخطوة استراتيجية واقتصادية في آن واحد. فبواسطة "دبلوماسية الكهرباء" يسعى الأردن لإعادة ترسيخ نفوذه في سوريا، وفي الوقت نفسه سيتيح هذا الاتفاق لدمشق زيادة فورية في إمدادات الطاقة ويساعد أيضاً في تسهيل إعادة اندماج سوريا فعلياً في المحيط الإقليمي وتحسين علاقاتها مع دول المنطقة.

مجلة آراء حول الخليج