array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

فرصة دمشق تسريع العودة للحضن العربي بتوافق داخلي لسحب ذرائع التدخل الإسرائيلي

الأحد، 30 آذار/مارس 2025

يهدف الحراك السياسي والعسكري الأخير في سوريا الذي بدأ في أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، وبعد إزاحة نظام بشار الأسد عن الحكم وهروب الأخير إلى روسيا، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024م، إلى وضع خطط الانتقال بالبلاد إلى مرحلة سياسية وأمنية ودستورية جديدة. وحدد رئيس الدولة المعين أحمد الشرع أولويّات المرحلة الانتقالية بالنسبة للسلطة السياسية المؤقّتة التي يقودها، بإصلاحات تشمل العديد من الجوانب بينها السياسي والدستوري والاجتماعي، ويتقدّمها توحيد الأراضي السورية تحت سلطة الدولة، وتشكيل حكومة يتمثّل فيها الجميع، وإنشاء هيئة تشريعية مصغّرة ولجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني.

أرضت هذه الرسائل الكثيرين في الداخل والخارج خصوصًا بعدما أعقبها إنطلاق أعمال مؤتمر الحوار الوطني السوري، مصحوبًا بحراك وطني جديد يعلن معه الرئيس الشرع أن سوريا استعادت مكانتها بعد سنوات من المعاناة، مشددًا على أن الثورة السورية كانت منعطفاً تاريخياً، لكنها لا تزال تواجه تحديات كبرى على مختلف الأصعدة.

أولويات القيادة السورية الجديدة

كان التركيز بالنسبة للقيادات في دمشق على دمج وإشراك كافة شرائح المجتمع السوري في تحمل المسؤوليات لإدارة شؤون البلاد، لأنها صمام الأمان الوحيد القادر على إخراج سوريا من معاناتها وأزماتها وقطع الطريق على التدخلات الخارجية في شؤونها. وكان بين الأولويات أيضًا معالجة أسباب التباعد والخلاف مع بقية المناطق في شرق سوريا وجنوبها، وكان هناك دعم عربي ودولي كبير لجهود بناء سوريا الجديدة من خلال فتح الأبواب أمام تسريع إخراج البلاد من أزماتها.

لكن القيادة السورية الجديدة التي فاجأت العالم في أواخر نوفمبر المنصرم وجدت نفسها في الأسبوع الأول من شهر مارس المنصرم أمام مفاجأة تفجير الوضع في محافظتي طرطوس واللاذقية على الساحل السوري فيما كانت تستعد لشق طريقها السياسي بحماس وثبات.

إجماع سوري وإقليمي جديد باتجاه وجود أصابع داخلية وخارجية يهمها بقاء سوريا في مستنقع الصراعات والأزمات أو ما أسماه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بالحرب الخفية والمعلنة، لكسر إرادة الشعب السوري وهزيمته في ميدان الأمن والسياسة والحوكمة، من خلال بث الفوضى من جهة، ومحاولات الإغلاق السياسي في الخارج من جهة أخرى.

كان اختبارًا صعبًا على سوريا والسوريين الذين نجحوا في الوقوف خلف قيادتهم والتكاتف في مواجهة مخطط استهداف الوحدة الوطنية بعد الجهود التي بذلتها قيادة الرئيس أحمد الشرع على طريق إخراج سوريا من أزماتها والانتقال بها إلى مكانتها العربية والإسلامية في الإقليم. خصوصًا وأن هجوم الساحل الذي نفّذته مجموعات من فلول النظام المخلوع سبقه بيان بثته وكالة “مهر” الإيرانية، ثمّ تناقلته وسائل إعلام إيرانية أخرى ومواقع عراقية موالية لطهران، أعلِن فيه تأسيس “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا”، وأُطلق عليها اسم “أُولي البأس”.

رغم تمسك بعض القوى وفي مقدمتهم إيران وإسرائيل بتحويل سوريا إلى دولة مفككة عاجزة عن الخروج من أزماتها، واصلت السلطة السياسية في دمشق جهود تفعيل رؤيتها السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية باتجاه المرحلة الانتقالية في الداخل، مستفيدة من الدعم العربي والإقليمي في الخارج. فوسط الحديث عن سبل الخروج بأسرع ما يكون من محنة الساحل وإرتداداتها أعلنت الرئاسة السورية عن مفاجأة بطابع استراتيجي يحققه الشرع خلال 3 أشهر على طريق بناء سوريا الجديدة. وهو الكشف عن تفاهمات جرت بينه وبين مظلوم عبدي قائد " قوات سوريا الديمقراطية "، وبعد أسابيع من المفاوضات تنتهي بتوقيع بيان مشترك بمثابة خارطة طريق تتضمن الاعتراف بالمجتمع الكردي كمكوّن أصيل في الدولة السورية، وضمان حقوقه. ودمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية. وضمان عودة جميع المهجرين السوريين إلى مناطقهم مع توفير الحماية اللازمة لهم. ودعم الدولة السورية في مواجهة التهديدات التي تمسّ أمنها ووحدتها. ورفض دعوات التقسيم.

امتحان الداخل والخارج السوري

ما الذي تنبىء به القراءة السريعة والموجزة للتطورات التي حدثت في سوريا منذ انتهاء حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد ومدى انعكاس ذلك على مستقبل سوريا؟ وكيف ستكون ارتدادات تأثير القوى الإقليمية والدولية الفاعلة والمتنافسة في المشهد السوري على صناعة مستقبل سوريا؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تضطلع به تركيا في المرحلة القادمة في مساعدة سوريا خاصة في ظل التنافس وتضارب المصالح الحاصل بينها وبين العديد من العواصم الإقليمية الفاعلة هناك وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل وإيران؟ وهل ستساعد علاقات القيادة السياسية الجديدة الانفتاحية على العواصم العربية المؤثرة في الملف السوري على إخراج البلاد من أزماتها؟ وما هي الأولويات المطلوبة للمرحلة الانتقالية وكيف سيكون شكل خارطة الطريق وترتيب تجاوز التحديات المنتظرة في معركة إعادة بناء أسس وأركان الدولة الجديدة؟

هناك أكثر من طرح وتصور ورؤية محلية وإقليمية تلتقي غالبية قواسمها المشتركة عند ضرورة أن تستند المرحلة القادمة في إعادة بناء الدولة انطلاقًا من خصوصية سوريا الاجتماعية والتعددية على أسس المشاركة، مع ضمان احترام حقوق جميع مكونات المجتمع. وإنه من أجل نجاح ذلك لا بد من إنشاء مؤسسات قوية، ووضع إطار دستوري واضح يسهل العملية الانتقالية، إلى جانب تحقيق توافق وطني يضمن الاستقرار ويحول دون نشوب صراعات طائفية ومذهبية وعرقية. أما أبرز التحديات التي تنتظر السوريين لتحقيق هذه الأهداف فبينها ضعف مؤسسات الدولة والتفكك الإداري وتزعزع الثقة بين مكونات المجتمع والأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة وملفات النزوح واللجوء والهجرة.

 لكن مسألة التدخلات الخارجية والتأثيرات الإقليمية والدولية على المشهد تستحق أن تطرح وتناقش بشكل مفصل خصوصًا لناحية تحديد مواقف وسياسات اللاعبين المؤثرين في الملف.

تركيا وما الذي تراهن عليه في سوريا بعد إزاحة الأسد؟

تقوم سياسة تركيا السورية على مجموعة من المواقف والخطوات المرتبطة بالدفاع عن مصالحها وتعزيز حضورها الاستراتيجي في سوريا، ومواجهة مجموعة من التهديدات التي يشكل بعضها خطراً على أمنها القومي ويهدّد بعضها الآخر مصالحها في الإقليم.

تعززت التفاعلات الاستراتيجية بين تركيا وحلفائها في المعارضة السورية عبر استقبال مئات آلاف اللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم في بعض السنوات حاجز الأربعة ملايين وحصل بعضهم على الجنسية التركية. واحتضان تركيا للعديد من تيارات ورموز المعارضة السورية. وتجاهل واقع " هيئة تحرير الشام "التي قادها أحمد الشرع في إدلب وجوارها لسنوات ورغم كل الضغوطات الغربية على تركيا. وكذلك تنفيذها 3 عمليات عسكرية واسعة في شمال سوريا.

دعمت أنقرة منذ بداية حراك عام 2011م، مطالب الشعب السوري وهي جاهزة لجني ثمار سياستها السورية، خصوصًا في خطط ومشاريع إعادة الإعمار نتيجة علاقتها بالسلطة السياسية الجديدة، وامتلاكها فرص الجهوزية والتنافسية في إنجاز المشاريع الكبرى والقرب الجغرافي. تعزيز التعاون المشترك بين الدولتين في ملف غاز شرق المتوسط، عبر ترسيم الحدود البحرية والتنقيب المشترك في المياه الإقليمية والاقتصادية سيتصدر أولويات البلدين في علاقاتهما الاستراتيجية الجديدة.

هناك شبه إجماع إقليمي ودولي على أن تركيا هي بين أكبر المستفيدين من التحولات السياسية والأمنية الحاصلة في سوريا بعد أن رفض الرئيس بشار الأسد كل المحاولات التركية الداعية للتفاوض والحوار حول المرحلة الانتقالية في سوريا ومتطلباتها نتيجة ضغوطات إيرانية.

رئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين ووزير الخارجية هاقان فيدان كانا بين أول الواصلين إلى دمشق في محاولة لتمرير رسالة علنية للعديد من اللاعبين المؤثرين في الملف. ثم جاءت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى أنقرة في فبراير / شباط المنصرم لتحمل معها أبعادًا استراتيجية تتجاوز اللقاءات البروتوكولية، ولتندرج في إطار تقارب المصالح والتقاء الأهداف. لكن شكل التعاون سيظل مرتبطًا بشكل خارطة الطريق السياسية والأمنية خلال المرحلة الانتقالية، وتوازنات الملفات الإقليمية والدولية في سوريا. الاختبار الذي ينتظر العلاقات التركية السورية الجديدة سيكون أمام التفاهمات الأخيرة التي جرت بين القيادة السورية وقيادة " قوات سوريا الديمقراطية " وخارطة طريق ترجمة هذه الاتفاقية ومعرفة نتائجها خصوصًا وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ترك الباب مشرعًا أمام هذا التطور المهم في الحوار السوري – السوري بقوله " إن تنفيذ بنود الاتفاقية بحذافيرها سيخدم أمن سوريا واستقرارها ومن سيكون الفائز هناك هو إخوتنا في سوريا بأكملهم ".  

روسيا: القواعد العسكرية وشرق المتوسط

لعل مسألة إبقاء قواعدها العسكرية في سوريا والحفاظ على مصالحها في التواجد أمام سواحل شرق المتوسط هو ما يتصدر أولويات روسيا في سوريا اليوم. لكن مشكلة موسكو هي الشروط الغربية الأخيرة التي تتمسك بها حول ضرورة إخراجها من هناك مقابل رفع العقوبات والاعتراف بالقيادة السورية الجديدة والانفتاح عليها. احتمال وصول دمشق وموسكو إلى تفاهمات واقعية تتجاوز مسألة لجوء بشار الأسد إلى روسيا كبير جدًا خصوصَََََا مع دخول أنقرة على خط التهدئة. لكن تجاوز العقبة الغربية لن يتم دون حوار أمريكي / روسي بطابع إقليمي شامل يتضمن الملف السوري. التطورات السياسية في ملف الحرب في القرم ودخول المملكة العربية السعودية بنجاح على خط الوساطة واللقاءت التي تمت على خط الرياض – جدة لناحية ترتيب طاولة الحل في الحرب الأوكرانية سيكون له حتمًا إرتداداته الإيجابية الكبيرة على تسريع الحلحلة في المشهد السوري. 

إيران وعقدة العزلة

 تعتبر مشكلة إيران الأساسية في سوريا هي دعمها لنظام الأسد المخلوع من منظور سياسي عقائدي مصلحي، يهدف لتغيير البنية الديموغرافية في المدن السورية. رغم وصول مخططها إلى طريق مسدود إلا أن طهران تتمسك في رهانها على تغيير الواقع السوري الجديد عبر فلول النظام المتخفية والتي ما زالت تعول على دعم المجموعات الإيرانية القتالية في لبنان والعراق. ورطة إيران السوريّة اليوم سببها ارتدادات الملف اللبناني والسوري والعراقي على مصالحها ونفوذها، وانهيار كلّ الاستثمارات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي بنتها في تلك الدول.

قد يكون بين أهداف التحرك الإقليمي الأخير لدول الجوار السوري باتجاه تفعيل منصة رباعية تضم إلى جانب تركيا سوريا والعراق والأردن، تعزيز التعاون الأمني ومحاربة فلول تنظيم الدولة وحماية الحدود. لكن للتحولات الإقليمية المرتبطة بالمشهد السوري والرد على سياسة طهران السورية حصته الكبيرة خصوصًا وسط بروز سيناريو تقاطع المصالح الإسرائيلية -الإيرانية في سوريا والمنطقة.

إسرائيل وورقة الأقليات

اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ الإطاحة بنظام الأسد لم تكن في مصلحة إسرائيل.  لذلك تنظر إسرائيل كما يردد وزير خارجيتها جدعون ساعر بسلبية إلى كل من النظام والمعارضة في سوريا، معتبرًا أن حليفهم الطبيعي الوحيد في سوريا هو الأقليات.

تحاول تل أبيب حماية مصالحها في سوريا عبر واشنطن مرة، وعبر التلويح بالتدخل العسكري المباشر في سوريا مرة أخرى. مع التلويح بلعب الورقة الإيرانية الهادفة لجر البلاد نحو الفوضى. وهي تشترط على تركيا إعادة تطبيع العلاقات معها للتخلي عن معارضة الانسحاب الأمريكي من سوريا.

من هنا يطلق بنيامين نتنياهو تهديداته ملوحًا بأهداف حماية الأقليات الدرزية والكردية في سوريا، متجاهلا حركة الوفود الأوروبية والغربية باتجاه دمشق، وقرار الاتحاد الأوروبي برفع جزئي للعقوبات الأوروبية عن سوريا.

استغلت إسرائيل مرحلة الانتقال السياسي وسقوط بشار واستهدفت البنية التحتية والقدرات العسكرية للجيش السوري. كما تحاول التمدد في الأراضي الجنوبية لسوريا تحت ذريعة تبدل الظروف السياسية التي تمنحها حق التخلي عن اتفاق فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل برعاية أممية عام 1974م، والدخول إلى المناطق المنزوعة السلاح مستغلة ضبابية الموقف الأمريكي.

فرصة دمشق هي في تسريع تأمين عودة سوريا إلى الحضن العربي ضمن توافق وطني سوري يقطع الطريق عن أي محاولة لاستهداف الوحدة الوطنية، وسحب ذرائع التدخل الإسرائيلي.

الحضن العربي فرصة دمشق الاستراتيجية

تحث الدول العربية المجتمع الدولي على دعم سوريا في هذه المرحلة الحساسة، باعتبار أن استقرارها يشكل ضرورة استراتيجية للمنطقة بأكملها. لكن القيادة السورية تعرف تمامًا أهمية عودتها إلى الحضن العربي، لأنه فرصتها الحقيقية في إعادة إعمار البلاد وتسهيل استعادة سوريا لمكانتها وموقعها العربي والإقليمي ودعم دمشق في الخروج من معضلة الفوضى الإقليمية المحيطة بها.

هناك أكثر من حراك واجتماع وقمة عربية عقدت في الأسابيع الأخيرة من أجل دعم سوريا، وكل ذلك يمنح دمشق المزيد من الفرص لإعادة بناء البلاد من جديد، وتسهيل تواصل سوريا مع المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية للاستفادة من دعمها السياسي والاقتصادي والإنمائي.

مفتاح التعاون والتنسيق السوري مع العواصم العربية يمر عبر اتخاذ القيادة السورية الجديدة خطوات فاعلة لبناء الثقة، واستعادة الروابط الدبلوماسية والاقتصادية، والتعاون في حل القضايا الإقليمية المشتركة.

المتوقع من سوريا الجديدة

من هنا فإن أي تصور سوري لإعادة بناء البلاد ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار مسائل تضمن تحقيق العدالة، وترسيخ مبادئ التشارك. والطريق إلى ذلك يمر عبر تشكيل هيئات حكم انتقالي مقبولة ومدعومة من قبل السوريين في إطار التمثيل العادل للقوى والكفاءات المجتمعية ويكون في مقدمة مهامها : تأمين أولويات المواطن السوري الحياتية والاجتماعية والأمنية، واتخاذ التدابير الكفيلة برسم خارطة المرحلة الانتقالية وتحديد الصلاحيات وتسريع عملية المصالحة الوطنية لتشكيل حكومة جامعة وشاملة تواصل مسيرة بناء الدولة ومؤسساتها، وتفتح الطريق أمام صياغة دستورسوري عصري جديد متفق عليه سوريًا ويعبر عن تطلعات الشعب، ويضمن الحقوق والحريات ويسهل إجراء انتخابات حرة ونزيهة تكفل مبدأ التداول السلمي للسلطة والانتقال بالبلاد من حالة الشرعية الثورية إلى هيكلية الدولة المدنية الحديثة، والتحضير لإجراء انتخابات عامة نزيهة ووضع خطط وبرامج سياسات اقتصادية ومالية وإنمائية فعالة .

المنتظر الآن هو ترجمة التوصيات والقرارات الصادرة عن المؤتمر الوطني المنعقد في فبراير/ شباط المنصرم بمشاركة النخب السورية بهدف استيعاب المكونات السياسية والاجتماعية السورية على طريق دعم الاستقرار وتفعيل خطط البناء السياسي والدستوري والإنمائي.

التحدّيات التي تعترض طريق القيادة السياسية الجديدة كثيرة، في الداخل والخارج. بينها إعادة بناء وتشغيل عجلة الاقتصاد وتوفير الأمن وتوحيد سوريا، الأمر الذي يستدعي تفعيل التواصل مع الخارج وتأمين الدعم العربي والإسلامي على طريق تعزيز الحضور الإقليمي والدولي لتسهيل وصوله إلى العواصم الإقليمية والدولية، والحصول على الدعم المطلوب لمواجهة العربدة الإسرائيلية في سوريا.

أوّل ارتدادات الانفتاح السعودي – التركي -القطري على دمشق بعد الزيارات السياسية والاقتصادية والأمنيّة المكثّفة داخل هذا المربّع الجغرافي الإقليمي، جاء من أوروبا، حيث دعا الاتّحاد الأوروبي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى زيارة بروكسل. ثم اتسعت رقعة التواصل والزيارات المتبادلة بين القيادات السورية والأوروبية.

المؤشرات تقول إن المرحلة التي تلت سقوط نظام الأسد تحمل في طياتها آمالاً جديدة تتعلق بإمكانية بناء دولة حديثة تتجاوز الخلافات القديمة وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

لذلك فإن المرحلة الانتقالية ليست مجرد إختبار، بل هي الأساس الذي سيحدد ملامح سوريا الجديدة. وهنا تكمن أهمية نجاح سوريا في رسم معالم هذه المرحلة بشقها السياسي والدستوري والاجتماعي، إلى جانب الاندفاع باتجاه بناء جيش وطني محترف، يضم كافة مكونات الشعب السوري، وتجاوز الحسابات الضيقة، والانخراط في مشروع وطني جامع يؤسس لدولة حديثة تحترم حقوق مواطنيها وتحقق تطلعاتهم.

يمنح إنحسار المشروع الإيراني في المنطقة وتبدل السياسة الروسية في سوريا، وانكشاف الأهداف الإسرائيلية فرصة للعديد من العواصم لمساعدة سوريا على الخروج من مأزقها باتجاه صناعة سياسة إقليمية أكثر تأثيرًا، لكن البداية هي من الداخل السوري أولاً.

بين التحديات والفرص

 نشهد اليوم عملية ولادة دولة سورية جديدة وسط تشابك المصالح وتداخل التحدّيات والفرص. فقد ساهمت التطورات السريعة التي حدثت في غزة ولبنان، والحديث عن متغيرات وتوازنات إقليمية جديدة في تحريك المشهد السوري. لكن سوريا اليوم ما زالت تواجه العديد من التحدّيات الداخلية والخارجية بطابع سياسي وأمني واجتماعي، والتي تتطلب الكثير من الحكمة والتروي في التعامل معها.

المطلوب من سوريا اليوم هو الشروع الفوري في عملية المصالحة الوطنية الشاملة، وتأمين دمج كافة شرائح المجتمع السوري في عملية إعادة بناء الدولة، وإنشاء آلياتٍ تحمي التنوّع الثقافي وتعزز فرص الحوار والمصالحة بين مختلف شرائح المجتمع السوري. هذا إلى جانب إطلاق خطط وبرامج عاجلة للاستفادة من الثروات الطبيعية السورية وموارد الطاقة المدفونة في قعر شرق المتوسط وشرق الفرات، وإطلاق حزمة إصلاحات اقتصادية صناعية زراعية طارئة بدعم إقليمي تحمل معها توفير فرص العمل للملايين.

في الشق الإقليمي الرهان يبقى على منع توريط سورية في حروب جديدة بالوكالة أو إقحامها في منافسات سلبية لا تخدم مصالحها. والحؤول دون منح إيران فرص بناء شبكة ميليشياتها وخلاياها الناشطة داخل سوريا. ودفع الدول المتواجدة عسكريًا في سوريا للانسحاب التدريجي دعمًا للسلطة السياسية الجديدة. وتسريع جهود تحسين العلاقات مع العواصم العربية.

الخطأ الكبير الذي سيرتكبه الغرب وتحديدًا إدارة الرئيس ترامب سيكون النظر إلى سوريا من منظور أمن إسرائيل، وعدم تأمين انسحابها من الأراضي السورية التي تحتلها.

بالمحصلة، عقارب الساعة في سوريا لن تعود إلى الوراء، خصوصًا إذا نجح التنسيق الثنائي العربي التركي، بدعم غربي، في دعم الجهود السورية لفتح الباب أمام مرحلة مختلفة في المشهد السوري. الطريق إلى سورية الجديدة مليء بالتحدّيات، لكنه يستحق المحاولة.

مقالات لنفس الكاتب