"لا حرب في الشرق الأوسط بدون مصر ولا سلام بدون سوريا". تسلط هذه المقولة التي جاءت على لسان هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الضوء على أهمية الدور الذي تلعبه دمشق في منظومة الأمن الإقليمي والهيكل الاستراتيجي للمنطقة. وفي الواقع، لطالما وُصفت سوريا بأنها "قلب العروبة النابض". في أعقاب الحرب العالمية الأولى، مُنحت فرنسا انتدابًا على الجزء الشمالي من الأراضي السورية التابعة للإمبراطورية العثمانية سابقًا. واستمرت البلاد تحت هذا الانتداب الفرنسي حتى استقلالها في عام 1946م، افتقرت الدولة الناشئة حديثًا في سوريا إلى الاستقرار السياسي وشهدت سلسلة من الانقلابات العسكرية. وفي أوائل سبعينيات القرن العشرين، استولى حافظ الأسد، عضو حزب البعث الاشتراكي والطائفة العلوية الأقلية، على السلطة في انقلاب غير دموي وجلب الاستقرار السياسي إلى البلاد، حتى أن وافته المنية في عام 2000م، ليخلفه نجله بشار الأسد.
شهد عام 2011م، اندلاع موجة من التظاهرات والاضطرابات العنيفة بمختلف أنحاء البلاد، وردت الحكومة السورية باستخدام القوة العسكرية والاعتقالات مما أدى إلى استمرار الاشتباكات التي تحولت لحرب أهلية بنهاية المطاف. وبفضل الدعم الإيراني والروسي الراسخين، تمكن نظام الأسد من البقاء في سدة الحكم على مدار الثلاثة عشر عامًا التالية، لكنه فقد سيطرته على جزء كبير من الشمال السوري، الواقع تحت سيطرة الأكراد، ومنطقة صغيرة تهيمن عليها تركيا. وفي 8 ديسمبر 2024م، نجحت الجماعات الإسلامية بقيادة “هيئة تحرير الشام " في إحكام قبضتهم على العاصمة دمشق والإطاحة بنظام الأسد، الذي فر وأسرته إلى موسكو، حيث مُنحوا حق اللجوء السياسي.
رد فعل القوى الإقليمية
نظرًا للدور التاريخي والاستراتيجي الذي تلعبه سوريا داخل مُحيطها الإقليمي الأوسع، سارعت القوى الإقليمية للاستجابة لهذه التغيرات الجارفة التي تشهدها دمشق. أبدت دول مجلس التعاون الخليجي مخاوفها حيال كيفية دعم الاستقرار في سوريا، والحفاظ على مؤسسات الدولة وسيادتها، ودعم المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار، خشية انهيار الدولة السورية وامتداد تبعات ذلك على دول الجوار: الأردن، ولبنان، والعراق. فضلًا عن مخاوف من أن تستغل الجماعات المتطرفة الفراغ في السلطة لبسط هيمنتها على الأراضي وتعميق الانقسام بين المجتمعات العرقية والدينية المُستقطبة خلال الحرب الأهلية، إذا ما فشل حكام سوريا الجدد في تعزيز سيطرتهم وإعادة النظام للبلاد. وبعد وقت وجيز من سقوط نظام الأسد، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي خططًا لعقد محادثات مع الحكومة الانتقالية في سوريا وإرسال مساعدات إنسانية. وفي ضوء هذه الخلفية، كانت المملكة العربية السعودية أولى المحطات الخارجية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع أوائل فبراير، حيث التقى خلالها مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ظل نظام بشار الأسد خصمًا عَتيدًا لتركيا التي قد تجد في انهياره فرصًا سانحة بقدر ما قد تواجه تحديات. على مدى عقود، حافظت أنقرة على علاقات براغماتية مع هيئة تحرير الشام. وقد مهد سقوط الأسد الطريق لعودة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين الذي يقيمون داخل تركيا إلى ديارهم. فقد شكل تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين تحديًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا لأنقرة منذ الأيام الأولى لحرب سوريا الأهلية. وعلى نفس القدر من الأهمية، يرى قادة تركيا فرصة للعمل مع الحكومة الجديدة داخل دمشق لتفكيك قوات سوريا الديمقراطية الخاضعة لسيطرة الأكراد، وهي جماعة ساعدت الولايات المتحدة في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية"داعش". ومنذ أوائل عام 2010م، أقامت قوات سوريا الديمقراطية منطقة شبه مستقلة في الشمال السوري ذات صلة بالأقلية الكردية داخل تركيا.
وكحال دول أخرى، فوجئت أنقرة بالتقدم السريع الذي أحرزته هيئة تحرير الشام على طول الطريق إلى دمشق، ولكنها تحركت سريعًا لإبداء دعمها للحكومة الجديدة. وكان كبار المسؤولين الأتراك، بما في ذلك وزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين، من بين أوائل الزعماء الأجانب الذين زاروا دمشق واجتمعوا مع الرئيس الانتقالي وزعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع. كذلك أعادت أنقرة فتح سفارتها في دمشق، التي كانت قد أغلقتها في عام 2012م. فيما قام الرئيس الشرع بزيارة إلى أنقرة في أوائل فبراير حيث التقى بالرئيس أردوغان. وتُبرهن هذه الزيارات رفيعة المستوى على الآفاق الاقتصادية والأمنية التي يتقاسمها الجانبان. برزت تركيا كمنتصر في الحرب الأهلية السورية، حيث أصبح لها نفوذ أكبر من أي وقت مضى على فصائل المعارضة السورية التي باتت تسيطر على معظم أنحاء البلاد. كما تستعد الشركات التركية للعب دور رئيسي في جهود الإعمار داخل سوريا. كذلك بإمكان أنقرة المساعدة في تيسير إقامة روابط عمل بين هيئة تحرير الشام والقوى السياسية السورية الأخرى.
مشاركة إيران الموسعة داخل الحرب الأهلية السورية تعد عاملًا أساسيًا في استمرار نظام الأسد. ومع تحقيق المعارضة السورية مكاسب سريعة على الأرض، توقفت طهران عن تقديم المساعدات العسكرية التي اشتدت حاجة نظام الأسد إليها. فقد أصبحت إيران مُكبلة نتيجة ضعف اقتصادها بجانب الضربات الموجعة التي تلقاها حلفاؤها داخل ما يعرف بـ “محور المقاومة" خلال عامي 2023 و2024م. كذلك لم ير قادة إيران جدوى من محاولة إنقاذ حليف يبدو أن قواته العسكرية نفسها انسحبت من ساحة المعركة ولم تعد لديها الرغبة في صد قوات المعارضة. سقوط الأسد لم يحرم طهران حليفًا عتيدًا فحسب، بل أضفى تعقيدات على خطط إعادة بناء القدرات العسكرية المتضائلة لجماعة "حزب الله" اللبناني عبر الأراضي السورية.
رسميا، تُحَمِل إيران كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولية سقوط الأسد، ولكن استياءها من الدور التركي لا يخفى على أحد . في خطابه، تعقيبًا على انهيار نظام بشار الأسد، قال قائد الثورة الإسلامية الإيرانية آية الله خامنئي "لقد لعبت دولة جارة لسوريا دورًا واضحًا في تشكيل الأحداث وتواصل القيام بهذا الدور". ثمة اعتقاد أيضًا لدى المسؤولين الإيرانيين أن تركيا تزج بنفسها في مستنقع سيُكبدها خسائر بشرية واقتصادية باهظة. ورغم التحديات الجمة التي تواجهها إيران، إلا أنها تعمل على مواءمة استراتيجيتها من أجل الحفاظ على نفوذها داخل سوريا وبلاد الشام من خلال إجراء تعديلات تكتيكية. كما أبدت طهران اهتمامًا بالانخراط مع الجماعات الكردية السورية التي تحتفظ بالسيطرة على أجزاء كبيرة من شمال شرق سوريا. وربما تستكشف أيضًا إمكانية الانخراط مع هيئة تحرير الشام، والاستفادة من العداء الكائن لإسرائيل ومشاعر التضامن مع الفلسطينيين داخل صفوف المعارضة السورية. ورغم أن قيادة هيئة تحرير الشام أعربت عن عدم استعدادها لبدء صراع مع إسرائيل، فإن الهجمات الإسرائيلية المتواصلة والمكاسب المحققة على الأرض داخل سوريا، قد تشجع على تغيير موقفها.
بالنسبة لإسرائيل، يشكل سقوط نظام الأسد آفاقًا إيجابية ومخاطر سلبية في الوقت ذاته. فمن ناحية، يعد رحيل الأسد ضربة قاصمة لإيران ومحور المقاومة الذي تتزعمه، بحيث لم يعد في إمكانها استخدام سوريا في تزويد حزب الله بالأسلحة والعتاد العسكرية الأخرى. من ناحية أخرى، كان بشار الأسد يمنع إيران وحزب الله في السابق من شن هجوم على إسرائيل من داخل الأراضي السورية. وفي الوقت الذي كانت الميليشيات الحوثية والعراقية تتبادل إطلاق النيران أمام الجانب الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023م، ظلت الجبهة السورية هادئة نسبيًا تحت حكم الأسد. لم يسمح بشار الأسد أيضًا لحلفائه بالرد على الهجمات التي كانت إسرائيل تشنها على إيران وحلفائها داخل سوريا. كذلك لا يتوافق صعود هيئة تحرير الشام إلى السلطة في دمشق وتنامي النفوذ التركي مع أهداف إسرائيل الاستراتيجية، ويضفي ضبابية على المسار المستقبلي للحكومة السورية الجديدة. في ضوء هذا السياق، قامت إسرائيل بتدمير العديد من الأسلحة الثقيلة للجيش السوري وقضت على جزء كبير من قدراته الجوية، وأنظمة الدفاع الجوي البحرية، ومخزونات الأسلحة الكيميائية ومواقع إنتاجها، والصواريخ، والدبابات وغيرها من الأصول. وعلاوة على ذلك، عبرت القوات الإسرائيلية إلى المنطقة منزوعة السلاح، زاعمة أن اتفاق 1974 بين البلدين قد انهار. احتلت القوات الإسرائيلية الجانب السوري من جبل الشيخ، وهي قمة استراتيجية تطل على دمشق، فضلًا عن عدة قرى خارج المنطقة العازلة. وأخيرًا، وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة بقيمة 11 مليون دولار لمضاعفة عدد السكان الإسرائيليين في مرتفعات الجولان. كل هذه الأفعال تشكل انتهاكًا واضحًا لسيادة سوريا وللقانون الدولي. وردًا على ذلك، أصدر أحمد الشرع بيانًا أكد فيه أن هيئة تحرير الشام لا تسعى إلى مواجهة مع إسرائيل، وذكر أن إسرائيل ليس لديها سبب لمهاجمة سوريا.
مع سقوط نظام الأسد، يرى أنصار "إسرائيل العظمى" فرصة لإعادة رسم حدود المنطقة مرة أخرى. حيث يبدو وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لتخليد ذكراه باعتباره الزعيم الذي قاد توسيع حدود إسرائيل بعد 50 عامًا من التراجع. لم تحدد إسرائيل أي جدول زمني لرحيل قواتها، باستثناء القول إن بقاءها مستمر حتى يتم تلبية مطالبها الأمنية. ورغم حرص قادة هيئة تحرير الشام على إظهار نهج معتدل، لايزال هناك حذرًا إسرائيليًا تجاه نوايا الجماعة على المدى الطويل.
رد الفعل الروسي
شهد عام 2015م، تدخل روسيا عسكريًا داخل سوريا بدعوة من الرئيس بشار الأسد. حيث أرادت موسكو بعث رسالة للدول الأخرى بأن روسيا تقف إلى جانب حلفائها. كما أرادت تأمين مدخلها لمنشأتها البحرية في ميناء طرطوس، التي تعد منفذها الوحيد على البحر الأبيض المتوسط، وحماية قاعدتها الجوية في "حميميم". حافظت موسكو على حضور شبه مستمر داخل طرطوس منذ عام 1971م، لصالح الاتحاد السوفيتي سابقًا وروسيا فيما بعد. خسارة روسيا قواعدها داخل سوريا قد تحبط آمال وطموحات الرئيس فلاديمير بوتين لإعادة ترسيخ مكانة روسيا كقوة عالمية، نظرًا لأهميتها الحاسمة في تمكين الكرملين من استعراض عضلاته العسكرية في أماكن تبعد عن حدوده مثل غرب إفريقيا. بالتالي، فإن خسارة قاعدة “حميميم" ومنشأة "طرطوس" تجبر روسيا على البحث عن قواعد بديلة محتملة في أماكن أخرى، بما في ذلك الجزائر، أو السودان، أو ليبيا.
من المثير للاهتمام، أن التدخل الروسي في سوريا ساهم في تحسين علاقات موسكو مع كل من إيران وإسرائيل. فقد كان لموسكو وطهران مصلحة مشتركة في بقاء نظام الأسد. في الوقت ذاته، نسقت موسكو مع تل أبيب وجودهما العسكري داخل سوريا لتفادي التضارب بين عمليات كل منهما. وبعد غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022م، تحول الاهتمام الروسي بشكل ملحوظ بعيدًا عن سوريا. وتم إخراج القوات الروسية، والمعدات العسكرية، والموارد من سوريا لدعم الحرب الدائرة في أوكرانيا. وفي ظل التقدم السريع لهيئة تحرير الشام، لم يعد لدى روسيا الموارد أو الرغبة في إنقاذ نظام الأسد. يعتبر سقوط بشار الأسد ضربة موجعة لمصداقية الكيان الروسي، وسمعته، ونفوذه داخل المنطقة وبقاع أخرى من العالم. كما أصبح مستقبل الوجود العسكري الروسي داخل سوريا غير مؤكد. ونظرًا إلى دعمها القوي لنظام الأسد، ومواردها الاقتصادية المحدودة، من المستبعد أن تلعب موسكو دورًا كبيرًا في تشكيل الحكومة الجديدة بدمشق.
رد الفعل الأمريكي
سوريا هي واحدة من الدول القليلة داخل المنطقة التي لم تحظ بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة. فقد انحازت دمشق إلى جانب الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة، فيما أصبحت حليفا وثيقا لإيران على مدى عقود تحت حكم بشار الأسد. يعود تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا إلى عام 1944م، بعد نيل سوريا استقلالها عن الانتداب الفرنسي. قطعت سوريا علاقاتها الثنائية مع واشنطن في أعقاب العدوان الإسرائيلي عام 1967م، ثم أعيد استئناف العلاقات عام 1974م. ظلت سوريا مدرجة على القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب منذ إطلاق المسمى في عام 1979م، وخضعت البلاد إلى عقوبات مقررة تشريعيًا، بما في ذلك عقوبات التصدير، وعدم الأهلية لتلقي معظم أشكال المساعدات الأمريكية أو شراء المعدات العسكرية الأمريكية. باختصار، ظلت واشنطن على مدى عقود طويلة تتهم الحكومة السورية برعاية الإرهاب، وانتهاك حقوق الإنسان، وتطوير أسلحة كيميائية واستخدامها. ورغم هذا العداء المترسخ عبر عقود، لم تتورط الولايات المتحدة في إسقاط نظام بشار الأسد، لكنها ظلت منخرطة في الشأن السوري من خلال وجودها العسكري لدعم القوات الديمقراطية السورية والعقوبات الاقتصادية. إن المصلحة الرئيسية للولايات المتحدة داخل سوريا تكمن في هزيمة تنظيم داعش، الذي لا زال يحتفظ بوجود له داخل شمال شرق البلاد والأجزاء المركزية. وكان التنظيم قد استولى على مساحات شاسعة من الأراضي داخل سوريا والعراق في عام 2014م، قبل أن يلقى هزيمته على يد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، توارى أعضاؤه عن الأنظار. ومنذ عام 2015م، قامت واشنطن بنشر ما يقرب من 2000 من قواتها العسكرية داخل شرق وجنوب سوريا ضمن إطار التحالف الدولي الذي تقوده حتى الآن لمحاربة تنظيم داعش. تركزت مهمة التحالف، التي لا تزال جارية في كل من سوريا والعراق، على الشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما أدى إلى نشوب توتر مع تركيا، التي تعد دولة حليفة للناتو. ولا تزال القوات الأمريكية تساعد قوات سوريا الديمقراطية في احتجاز آلاف السجناء من داعش وإدارة المعسكرات التي تضم عشرات الآلاف من العائلات المرتبطة بداعش وغيرهم من الأشخاص داخل المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة داعش سابقًا.
عقب سقوط نظام الأسد مباشرة، نفذت الولايات المتحدة عشرات الغارات الجوية التي استهدفت تنظيم داعش. الهدف كان التأكد من عدم استغلال التنظيم لحالة الفوضى وعدم الاستقرار في إعادة بناء وتنظيم صفوفه مرة أخرى. وخلال زيارته الأخيرة إلى تركيا في ديسمبر 2024م، صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن التأكد من احتواء تنظيم داعش لا يزال أولوية ملحة للولايات المتحدة داخل سوريا. من جانبه، حذر السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا ليندسي غراهام من أن قيام تركيا بأي تحرك عسكري ضد القوات الكردية داخل سوريا، سيعرض المصالح الأمريكية لخطر داهم. في الوقت ذاته، بدأت واشنطن تواصلها مع هيئة تحرير الشام، التي كان قد تم تصنيفها ضمن المنظمات الإرهابية. وفي بادرة لإبداء حسن النوايا، قررت واشنطن إلغاء المكافأة المخصصة وقدرها 10 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن أحمد الشرع. وقد كانت الولايات المتحدة قد قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا في عام 2012م، ولكن بعد بضعة أسابيع فقط من رحيل الأسد، قام فريق من كبار الدبلوماسيين الأمريكيين بزيارة دمشق والتقى بالرئيس أحمد الشرع. ومنذ ذلك الحين، دعا المسؤولون الأمريكيون هيئة تحرير الشام إلى بناء عملية شاملة للحكم ومعاملة الأقليات العرقية والدينية بشكل عادل.
الآفاق المستقبلية
الإطاحة بنظام الأسد تفتح مسارات جديدة للنفوذ الإقليمي. وفي ظل إيران منهكة وعاجزة عن توفير الموارد والقوى البشرية بسبب الضربات الإسرائيلية ضد حزب الله والشبكات الإيرانية داخل لبنان وسوريا، أصبح انهيار نظام الأسد ليس ممكنا فحسب، بل أمرًا لا مفر منه. في أثناء ذلك، لم تقدم روسيا، المنشغلة في حربها داخل أوكرانيا، سوى دعم محدود للأسد. خسارة إيران تعني مكسب لتركيا؛ فبعد أن ظلت دمشق حليفًا لإيران لما يقرب من نصف قرن، أضحت الآن حليفًا لأنقرة. بشكل عام، تعتبر تركيا وإسرائيل أبرز المستفيدين استراتيجيا من انهيار نظام الأسد، الذي جاء ليتوج التراجع الدراماتيكي للنفوذ الإيراني داخل المنطقة. مع ذلك، فإن الدولتين الحليفتَين للولايات المتحدة تسيران في مسار تصادمي سواء فيما يتعلق بسوريا أو غيرها في ظل التوتر الذي شاب علاقاتهما الثنائية إلى حد الانهيار، منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر 2023م. لا تزال تركيا، التي تعد أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في عام 1949م، مبقية على سفارتها داخل تل أبيب رغم وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ “جزار غزة"، وفرضه عقوبات اقتصادية على إسرائيل. وعلى الرغم من أوجه الاختلاف الرئيسية بين البلدين، يعتقد قادة إسرائيل أن سوريا تحت الهيمنة التركية قد تكون أفضل كثيرًا من سوريا الحليفة لإيران. وقد طالبت تركيا إسرائيل مرارًا وتكرارًا بسحب قواتها من منطقة الاحتلال حول مرتفعات الجولان السورية واتهمت إسرائيل بمحاولة تخريب عملية الانتقال بعد سقوط نظام الأسد.
في التحليل الختامي، سوريا دولة عربية ذات سيادة، وقد شهدت أراضيها على مر الزمن صراعات وحروب بالوكالة، مما يستدعي وضع حد فوري لهذا الوضع. وَحده الشعب السوري هو صاحب القرار الأخير فيما يتعلق بسياسات بلاده الداخلية والخارجية وتقرير مستقبله. لقد أعربت البلدان العربية عن رغبتها الشديدة للعمل مع الشعب السوري والحكومة الجديدة في دمشق لإعادة سوريا إلى المسار الصحيح نحو الرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي. سوريا ليست بحاجة لأن تخضع لنفوذ أي من القوى الأجنبية. ويجب على الولايات المتحدة، وأوروبا، والقوى العالمية الأخرى دعم الحكومة الانتقالية في سوريا وإشراك كافة المجتمعات الدينية والعرقية. فإن الحفاظ على سوريا مستقرة ومزدهرة من شأنه أن يعزز آفاق السلام داخل المنطقة برمتها