array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

الدور السعودي حيوي واستراتيجي لسوريا لمكانة المملكة وعلاقتها المتميزة مع أمريكا

الأحد، 30 آذار/مارس 2025

سقط نظام الأسد في سوريا في الثامن من ديسمبر الماضي، وهرب بشار الأسد إلى موسكو، وكان السقوط يبدو مفاجئاً بعد حرب أهلية استمرت ثلاثة عشر عامًا ، كان النظام الحاكم نظامًا طائفيًا يحكم تحت شعار حزب البعث، وكان متوقعًا عدم استقرار النظام بعد أكثر من خمسين عامًا من حكم عائلة الأسد العلوية مارست فيها أقسى درجات الاستبداد والمواجهة الدموية مع المعارضة السورية وخاصة المعارضة السنية وتبين بعد سقوط النظام مدى الاستبداد والجرائم ضد الإنسانية التي كشف عنها في السجون السورية، وسيطرت هيئة تحرير الشام على العاصمة السورية بعد سيطرتها على مدن أخرى بدأت من إدلب إلى حلب وحمص وحماه وغيرها من المدن والقرى السورية ولكن بقيت بعض المناطق في الشمال السوري أو الجنوب تحت فئات معارضة أخرى كما هو الحال في الشمال السوري وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي تدعمها الولايات المتحدة تحت شعار مقاومة تنظيم الدولة الإسلامية وتستغل الولايات المتحدة البترول في تلك المنطقة بوجود القوات الأمريكية، وقوات سوريا الديمقراطية معارضة كردية وإن ضمت بعض العرقيات لصفوفها، وتتعاون مع حزب العمال الكردي التركي وهو ما يقلق الحكومة التركية كما أن الجنوب السوري يواجه تمردًا من بعض بقايا النظام السابق وبعض القوى المنافسة لهيئة تحرير الشام كما هو حال تنظيم أحمد العودة في منطقة درعا رغم لقائه مع رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع الذي أصبح ريس الجمهورية المؤقت لسوريا.

جذور المنافسة والصراع في سوريا

شهدت العاصمة دمشق بعد سقوط النظام تعدد الوفود التي زارتها، وفود أوروبية وأمريكية ومن الدول العربية تعكس أهمية سوريا كدولة محورية ومركزية كان لها دور في ميزان القوى الإقليمي،  وكانت تشكل محورًا استراتيجيًا،  الثلاثي المصري السعودي السوري، الذي حقق توازنًا استراتيجيًا كما شاركت سوريا ومصر معًا  في حرب أكتوبر 1973م، والجدير بالذكر أن سوريا كانت محل التنافس الدولي والإقليمي،  كان التنافس بين بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة تسعى بكل قوة للهيمنة على النفوذ في سوريا، فهندست المخابرات الأمريكية( (CIAانقلاب حسني الزعيم 1949م، وكان تنافسًا بريطانيًا / أمريكيًا شرسًا، وخلال الحرب الباردة كان التنافس الإقليمي على سوريا، كانت تركيا لها أطماعها في سوريا وكان النظام الملكي في العراق له أطماعة وكان صراع الأحزاب السياسية السورية التي لها ارتباطاتها الإقليمية والدولية ولذلك شعر بعض الضباط السوريين القوميين (السنة )، أن إنقاذ سوريا يتطلب الوحدة مع مصر فكانت زيارة الضباط إلى القاهرة وقيام الوحدة المصرية / السورية، الجمهورية العربية المتحدة 1958م، التي استمرت إلى 1961م، لأن القوى الإقليمية والدولية تآمرت عليها فحدث الانفصال سبتمبر 1961م، وبعدها دخلت سوريا في حمى الانقلابات العسكرية، وهيمنت العناصر الطائفية في الجيش من الطائفة العلوية والدرزية والاسماعلية وتهميش الضباط السنة، وترجع هيمنة الأقليات على الجيش، أن فرنسا خلال انتدابها على سوريا شجعت تجنيد أبناء الطوائف في الجيش لمواجهة الأغلبية السنة، وفي مارس 1963م، نفذ مجموعة من الضباط البعثيين انقلابًا عسكريًا سيطروا فيه على الدولة وضمت المجموعة صلاح جديد وحافظ الأسد (من العلويين) وأحمد اليمر وعبدالكريم الجندي ( الطائفة الاسماعيلية ) وكان من ضمنهم أمين الحافظ ( السنة) ، وكان أبناء الأقليات الطائفية قد تغلغلوا في الحزب حتى أن منيف الرزاز الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث آنذاك حذر من تزايد الانقسام الطائفي داخل الحزب والدولة وأشار إلى أن التكتلات الطائفية بدأت تظهر بوضوح، ورغم أن أمين الحافظ تولى رئاسة البلاد (1963-1966م) ، إلا أن النفوذ العلوي في الجيش والحزب تزايد مما أدى لانقلاب فبراير 1966م،  بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد وبدعم من سليم حاطوم (درزي)، وانقلب الضباط على بعضهم فحاول حاطوم القيام بانقلاب في سبتمبر 1966م،  ولكنه فشل  فتم إعدامه  يونيو 1967م، وفي ظل التنافس بين الضباط والصراع على السلطة تغلغل الجاسوس الإسرائيلي أيلي كوهين ( تحت اسم كامل أمين ثابت ) الذي وصل دمشق 1962 وكشف 1965م، وتم إعدامه، وأصبحت السيطرة لحافظ الأسد وزيرًا للدفاع وصلاح جديد الأمين العام للقيادة القطرية للحزب وكان رئيس الدولة نور الدين الاتاسي كواجهة سنية للدولة، وبعد سيطرة العلويين على الجيش، أخذ الصراع يحتدم بين جناح صلاح جديد وجناح حافظ الأسد الذي سيطر على الجيش والأجهزة الأمنية وفي 13 نوفمبر 1970م، قاد الأسد انقلابه العسكري  وتم سجن صلاح جديد ورئيس الدولة الأتاسي وبذلك أصبح الأسد رئيسًا للدولة وهو أول رئيس علوي يتولى الرئاسة وبدعم من الولايات المتحدة وتردد حوله شبهات حول انسحاب الجيش وسقوط الجولان في حرب يونيو 1967م، خاصة أنه كان وزيرًا للدفاع آنذاك، ولذلك فإن الأحداث التي تتعرض لها سوريا لها جذورها التاريخية في الصراع على سوريا وحول الدور التركي الحالي في سقوط بشار الأسد ودعم هيئة تحرير الشام وما توافد الوفود الأجنبية إلا محاولة لإيجاد دور لكل دولة لحماية مصالحها في دولة محورية مثل سوريا  وتحاول كل دولة أن تجد لها طائفة تدعمها ما تفعل إسرائيل مع الأكراد أو ما تعلنه حول الدروز وإيران مع العلويين وتركيا مع هيئة تحرير الشام والجيش السوري الحر.

التحديات الداخلية: الأمن ووحدة البلاد وبناء المؤسسات والاقتصاد

ترك الأسد الدولة في حالة انهيار اقتصادي وتفكك اجتماعي وجيش منهك،  ودمرت إسرائيل أسلحتها ولأن النظام عاجز عن حماية البلاد من الغارات الإسرائيلية واستعان بإيران وروسيا ضد الثورة مما دمر البنية التحتية بالغارات الجوية الروسية وتدخل حزب الله في سوريا، وتدهور الاقتصاد السوري وضعف العملة السورية، إن العامل الإيجابي في الحكومة الجديدة هو المحافظة على  السلم الأهلي من خلال عمليات الانتقام الداخلي ومحافظتها على مؤسسات الدولة على عكس ما حدث في العراق إبان سقوط النظام العراقي عام 2003م ـ  ولكن التحدي الأمني وعملية جمع السلاح ودمج الجماعات المسلحة في ، جيش واحد وبسط سلطة الدولة على جميع الأراضي السورية وهو تحد ما زال قائمًا من خلال عدم انضمام قوات قسد للجيش ومطالبتها بالمحافظة على قوتها، وحسب التقارير المنشورة فقد تجاوز عدد قوات قسد على 40 ألف مقاتل ولها إدارتها الذاتية وبدعم أمريكي وحتى إسرائيلي خفي والخطورة في سيطرتها على ربع مساحة سوريا وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية ويستند الدعم الأمريكي بحجة مقاومة تنظيم داعش وضبط السجون التي تضم عائلات داعش، ويخشى النظام الجديد من حرب العصابات من طرف شبيحة النظام السابق وبدعم خارجي خاصة أن الحدود مفتوحة مع لبنان والعراق، ولقد حدثت اشتباكات بين قوات هيئة  تحرير  الشام وقوات حزب الله على الحدود السورية اللبنانية، والاشتباك بين قوات الإدارة الجديدة وبعض العناصر المسلحة من الطائفة الدرزية في السويداء وجلمانا في ريف دمشق، ولتعزيز الأمن الداخلي تسعى الإدارة الجديدة بعناصر جديدة للأمن كما تعمل وزارة الدفاع الجديدة، والتحدي الآخر للإدارة الجديدة هو الحاجة لتوفير  فرص عمل للذين فقدوا وظائفهم بعد سقوط نظام الأسد ولقد قدر عدد هؤلاء الفاقدين لوظائفهم بمليون مواطن ولا شك أن عدم توفر فرص عمل لهم يشكل مشكلة اجتماعية خطيرة مما يدفع لمشكلات سياسية ومظاهرات واضطرابات وقد تستغلهم أطراف خارجية أو داخلية لمواجهة النظام الجديد.

إن المشلكة الرئيسة التي تواجه الإدارة الجديدة الوضع الاقتصادي خاصة أن وزارة المالية تواجه صعوبة في دفع رواتب القطاع العام وتحاول توفير الاحتياط النقدي الأجنبي من العملة الأجنبية لصالح التجار ورجال الصناعة، وكانت سوريا قبل 2011م، تتمتع بنوع من الاكتفاء الذاتي، وتتبنى الإدارة الجديدة الاقتصاد الحر ولذلك سمحت بافتتاح مكاتب الصرافة ولكن تواجه الإدارة تدفق البضائع التركية بكثافة مما ينافس البضائع المحلية وانتشار استعمال الليرة التركية في الأسواق السورية خاصة في الشمال السوري فقد كانت الحكومة التركية تدفع رواتب موظفي الحكومة الانتقالية في إدلب وما حولها، إن الاقتصاد محور الاستقرار والأمن وكما قال روبرت مكنمارا مدير البنك الدولي وقبل ذلك كان وزيرًا للدفاع الأمريكي في  عهد جون كينيدي وجونسون  "إن التنمية الاقتصادية هي الأمن " في الدول النامية، وتسعى الإدارة الجديدة إلى السير نحو حكومة تمثل جميع أطياف المجتمع السوري فقد عقد مؤتمر الحوار الوطني وأعلن أحمد الشرع رئيسًا مؤقتا للجمورية السورية وتم تشكيل لجنة لإعداد دستور ينظم العلاقة بين السلطات الثلاث في المرحلة الانتقالية، ولا شك أن أغلب القوى الاجتماعية تسعى لأن تنجح الفترة الانتقالية لبناء الدولة بمؤسسات تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة ؟

التحديات الخارجية بين المعارضة والتأييد

كان هناك ترحيبًا عربيًا ودوليًا بسقوط نظام بشار الأسد حتى الدول التي دعمته مثل إيران وروسيا شعرت بضعف النظام وصعوبة استمراره، ولذلك تراجع الدعم الروسي له وحتى الإيراني، ولتركيا دور كبير في التأثير على روسيا وإيران، وأن مرحلة الأسد قد انتهت ولم يكن سقوط الأسد مفاجئًا لمؤيديه وكان من أوائل من تواصل مع النظام الجديد هي الولايات المتحدة في الفترة الانتقالية بين بايدن وترامب، فقد أرسلت إدارة بايدن وفدًا من وزارة الخارجية الأمريكية للقاء القيادة الجديدة وكان اللقاء إيجابيًا ،طالبت واشنطن بحكومة تمثل جميع أطياف المجتمع السوري وفئاته الاجتماعية من السنة التي تشكل الأغلبية والعلويين والدروز والمسيحيين وغيرهم، وفي مقالة للسفير الأمريكي السابق روبرت فورد في مجلة الشؤون الخارجية والذي زار البلاد لمدة عشرة أيام خلال يناير الماضي طالب الإدارة الأمريكية بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا ورفع العقوبات ووقف دعم قسد وأن الحكومة الجديدة كفيلة بمواجهة تنظيم داعش في سوريا.

كان سلوك هيئة تحرير الشام إيجابيًا بالانفتاح على دول الإقليم والتأكيد على الوسطية ومحاولته الابتعاد عن العناصر المتطرفة ونلاحظ أن التيار الذي يحكم في الإدارة الجديدة هو أقرب لنموذج حزب العدالة والتنمية ويمكن وصفها " بالنموذج الأردوغاني"، ولقد أشار وزير الخارجية التركي في مقابلة له مع الجزيرة عن الحوار الذي حدث بين المسؤولين الأتراك وهيئة تحرير الشام وخاصة في إدارتهم للحكومة الانتقالية في إدلب وكان وزير الخارجية هاكان فيدان ومدير المخابرات إبراهيم كالن أول من قاما بزيارة دمشق.

وتبع الزيارة الأمريكية الوفود من الاتحاد الأوروبي والذي قرر مؤخرًا رفع العقوبات عن سوريا وكان سباقًا عن الولايات المتحدة في رفع العقوبات في المجالات التجارية والطاقة ويرجع الاهتمام الأوروبي لأن دوله عانت من تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا إبان الحرب الأهلية وشكلت الهجرة قضية سياسية في دول الاتحاد استغلها اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية، ويمكن الإشارة إلى أن فرص الاستثمار والتعمير في سوريا تدفع للتنافس الأوروبي الأمريكي بين شركات هذه الدول ولأهمية موقع سوريا الاستراتيجي على البحر المتوسط وخاصة مع وجود القاعدة الروسية فيها خلال الحرب الباردة  مثل قاعدة  طرطوس، ويسعى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتقليص النفوذ الروسي في سوريا، ولكن السياسة الروسية برجماتية، فهي تتفاوض مع الحكومة السورية الجديدة مباشرة وغير مباشرة ولتركيا دور في التواصل ولقد زار نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف دمشق برفقة المبعوث الخاص للرئيس الروسي اليكساندر ليفرنتييف وكانت المفاوضات حول الوجود العسكري وخاصة الموانئ التي تتواجد فيها القوات الروسية ويظهر أن الإدارة الجديدة  تبدي مرونة في بقاء حبل الاتصال واستغلال ذلك في تحقيق بعض المكاسب من روسيا مثل التعويضات والتي تعتبر مطلبًا صعبًا لموسكو ولكن قد تساوم على أرصدة الرئيس السوري وحاشيته رغم أن روسيا تنفي وجودها أو تسليم الرئيس الأسد نفسه، ولكن الهدف المهم احتواء روسيا بعدم تأييد بعض الجماعات الانفصالية في سوريا وقد علق المفكر الروسي ألكسندر دوغين على سقوط نظام الأسد بقوله " إنها خسارة فادحة، لكنها ليست خسارة وجودية، كانت مهمة للغاية بالنسبة لعالم متعدد الأقطاب ولموقعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط "؟

 ولكن إسرائيل قلقة من خروج روسيا من سوريا فهي  تريد الوجود الروسي في سوريا لمواجهة النفوذ التركي، حيث زار مدير مكتب نتنياهو للشؤون العسكرية  موسكو مؤخرًا  لحثها على البقاء في طرطوس، وكانت إسرائيل تنسق مع القوات الروسية أثناء الغارات الجوية الإسرائيلية على المواقع السورية، فقد كان تعاونيًا عمليًا لأن الطائرات الروسية التي تقصف المدن السورية تحت ذريعة التنظيمات الإرهابية لم تتعرض يومًا للطائرات الإسرائيلية التي تهاجم الأهداف السورية وتدمر المنشآت العسكرية فالاتفاق الروسي –الإسرائيلي  ضد وجود حكومة وطنية مستقلة وإنما نظام سياسي ضعيف لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية.   

إسرائيل والتغلغل في الجولان واحتلال جبل الشيخ وإقامة قواعد عسكرية

إن الهدف الاستراتيجي لإسرائيل منذ إنشائها كان تفكيك سوريا إلى دويلات طائفية للدروز والأكراد والعلويين وحتى تمزيق الأغلبية السنة في سوريا، ولكن هذا الهدف الاستراتيجي لم يتحقق وفي ظل الحرب الأهلية قامت إسرائيل بضربات جوية متكررة على القواعد العسكرية السورية ومخازن الأسلحة والرادارات لإضعاف الجيش السوري وتواصلت مع بعض أطراف المعارضة في جنوب سوريا ، ورغم كل هذه الضربات الجوية لم يحرك نظام الأسد ساكنا لمواجهتها بل تركها تجول في السماء السورية، كانت إسرائيل ترى في نظام الأسد الضعيف أنه يوفر لها الأمن في منطقة الجولان، فمنذ اتفاقية 1974م، لم تطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل ، خمسون عامًا رغم الانتهاك الإسرائيلي للأراضي السورية،  بقي نظام الأسد الأب والابن صامتًا اتجاه هذه الانتهاكات بل تخدم إسرائيل بطريقة غير مباشرة عندما قامت القوات السورية بمواجهة القوات الوطنية اللبنانية والفلسطينية عام 1975م، في لبنان وكانت مذابح تل الزعتر شاهدة على موقف نظام الأسد في ضرب المقاومة اللبنانية والفلسطينية، حتى أن هنري كيسنجر عرض على إسرائيل دخول القوات السورية إلى الجنوب اللبناني لوقف العمليات الفدائية ضد إسرائيل ولكن إسرائيل رفضت هذا الطلب مما يؤكد موافقة سوريا على هذ العرض الذي قدمه كيسنجر لإسرائيل كما بينت بعض المصادر الغربية التي كشفت الوثائق عنها.

إن  قلق إسرائيل من الإدارة الجديدة، بسبب الخلفية العقدية الإسلامية للإدارة الجديدة في سوريا، واستغلت الوضع الحالي فتقدمت القوات الإسرائيلية في الجولان متجاوزة لخط الهدنة 1974م، رغم وجود القوات الدولية لحفظ السلام  ووصلت إلى القنيطرة وطالب نتنياهو بأن يكون الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح منطقة عازلة وأعلن حمايته للدروز مما دفع القيادات الدرزية باستنكار دعوته، كما زادت الغارات الجوية على المواقع العسكرية مستغلة إعادة تشكيل الجيش السوري، ورغم كل هذه الانتهاكات أعلنت الإدارة الجديدة عدم رغبتها بالدخول في مواجهة عسكرية بل صمتت عن تصريحات نتنياهو محاولة التركيز على بناء الدولة وتأكيد وحدة الدولة .

وفي محاولة من الإدارة الجديدة لإظهار وجه الاعتدال استقبلت في دمشق الحاخام الأكبر لليهود السوريين يوسف حمرا ونجله هنري من الولايات المتحدة ووفق ما نقل عنه، أن وزارة الخارجية السورية الجديدة تعهدت بحماية التراث اليهودي، كما التقى وزير خارجية سوريا بالنائب الصهيوني الأمريكي جو ويلسون على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، وتعمل الحكومة السورية الجدبدة على مغازلة الغرب بانفتاحها على كل الطوائف الدينية وذلك لإقناع العالم بوسطيتها وعدالتها في محاولة لرفع العقوبات عن سوريا.

ورغم شعارات التسامح للحكومة الجديدة ـ فقد أقامت إسرائيل سبع قواعد عسكرية إضافية في الجولان كما صرح وزير خارجية إسرائيل بضرورة تقسيم سوريا لكانتونات واقترح مؤتمر دولي لإعادة تشكيل سوريا، بل ذهب نتنياهو للمطالبة من الحكومة السورية الجديدة بالانسحاب من جنوب سوريا وأن تكون منزوعة السلاح بالكامل وهو ما استنكرته دمشق والدول العربية وتركيا، وتخشى إسرائيل من الصدام مع تركيا فقد صرح الرئيس التركي أنه مع وحدة الأراضي السورية وحمايتها من أي تدخل خارجي  وتعرف إسرائيل أن الحكومة الجديدة في دمشق أنها تحت مظلة الأمن التركي التي كانت وراء المعارضة السورية وداعمتها حتى الوصول لدمشق، ولذا تتهم تركيا إسرائيل بدورها  في كردستان وعلاقتها مع حزب العمال الكردستاني وهذا يؤكده التوتر بين تركيا وإسرائيل وهو ما أعلنه الرئيس التركي صراحة أن إسرائيل لها أطماعها في تهديد الأمن القومي التركي.

                        الموقف العربي من النظام الجديد

كانت الدول العربية وخاصة الخليجية وعلى رأسها السعودية الداعم الرئيس للثورة السورية وإدانة انتهاك النظام البائد لحقوق الشعب السوري، ولقد رحبت الدول العربية بسقوط نظام بشار الأسد، ولأهمية الدور السعودي، كانت الزيارة الأولى للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع  إلى الرياض وهي المدينة التي ولد فيها، فالدور السعودي حيوي استراتيجي واقتصادي وسياسي لسوريا لمكانة المملكة العربية والإسلامية وعلاقتها المتميزة مع الولايات المتحدة، فالسعودية لها أهميتها في عملية الإعمار والدعم السياسي في المحافل الدولية لتأكيد شرعية الحكومة الجديدة واستقرارها فقد قامت المملكة بالوساطة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة الجديدة في تزويد الحكومة بالطاقة فعلاقات المملكة مع قسد الإيجابية كانت لها دورها بالمفاوضات بين قسد والحكومة السورية لدمج قوات قسد في الجيش السوري الجديد، وأدانت السعودية العدوان الإسرائيلي في الجولان وتؤكد المملكة على وحدة الأراضي السورية وعدم التدخل للقوى الأجنبية فيها.  

إن أمن واستقرار سوريا ووحدتها يمكن تحقيقه من المحور التركي السعودي والأردني والمصري، ولذلك كانت زيارة الرئيس السوري إلى تركيا والأردن لأنها الدول المؤثرة بحكم الجوار الجغرافي، فتركيا تقف ضد قسد كحركة لها علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني وترفض تركيا تحدي قسد وتعتبرها تهديدًا للأمن  التركي وخطورة وجود كيان كردي ولكن أصبح موقف قسد ضعيفًا بعد إعلان مبادرة عبد الله أوجلان الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح وحل الحزب، وبالنسبة للأردن لها علاقاتها التاريخية مع الدروز في السويداء منذ عهد سلطان باشا الأطرش الذي لجأ للأردن أثناء معارضته للانتداب الفرنسي، ولمصر علاقات تاريخية مع سوريا منذ عهد محمد علي باشا  والوحدة بين مصر وسوريا في القرن الماضي، وإن دعم السعودية وتركيا ومصر للنظام الجديد يساعد النظام الجديد في مواجهة إيران في حالة دعم فلول النظام السابق والعلويين، ونلاحظ توتر العلاقات التركية / الإيرانية حتى أن وزير الخارجية التركي لمح أنه في حالة دعم طهران لبعض الأطراف في سوريا فإن إيران فيها أقليات طائفية يمكن دعمها وهو تحذير واضح للحكومة الإيرانية، كما أن علاقة السعودية وتركيا مع روسيا الاتحادية قد تسهم في إيجاد حل وسط حول القاعدة الروسية في طرطوس، وبعلاقة المملكة وتركيا مع الرئيس ترامب قد يدفع لرفع العقوبات الأمريكية عن سوريا وهي عقوبات فرضت على النظام السابق، ولقد تحركت الأردن لاحتواء الخلافات بين الدروز والحكومة الجديدة، واستنكرت الزعامة الدرزية السورية تصريح  نتنياهو للدروز وهو تصريح إعلامي للتسويق للداخل الإسرائيلي بعد فشله في تحقيق أهدافه في غزة، كما تحرك الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ضد العناصر الدرزية التي تماهت مع الدعوة الإسرائيلية وأعلن نيته زيارة دمشق لتأكيد الدور الدرزي في وحدة الدولة السورية، وحيث أن الدولة السورية في مرحلة انتقالية، فسياسة الحكومة الجديدة البرجماتية سوف تتجاوز الخلافات ومؤامرات التقسيم وبالدعم الخليجي والدولي لإعمار سوريا يتأكد عودة الدور السوري الإقليمي والدولي، وتبقى احتمال المواجهة مع إسرائيل واردة إذا استمر احتلال الأراضي السورية وعدم الالتزام بخط الهدنة 1974م، فعدم الرد السوري الآن بسبب ظروفها الداخلية ولكن المواجهة في المدى المتوسط والبعيد محتملة بشكل كبير بفتح جبهة الجولان، وتبقى وحدة سوريا ضرورة أمنية عربية ضد أطماع إسرائيل وأطراف إقليمية أخرى.

مقالات لنفس الكاتب