array(1) { [0]=> object(stdClass)#13906 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

قادت السعودية جهودًا دبلوماسية لتعزيز عودة سوريا لمحيطها العربي بما يخدم المواطن السوري أولا

الأحد، 30 آذار/مارس 2025

شهدت سوريا منذ اندلاع الثورة الشعبية في عام 2011م، تحولات جوهرية في توازن القوى العسكري على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. فقد تأثر الوضع العسكري بشكل كبير بحضور جماعات مسلحة متعددة المصادر والتوجهات على الجانبين الحكومي والثوار في آن معاً حيث تقاطر المقاتلون الأفراد للمدن السورية التي تفاقمت فيها الثورة ضد الحكومة المركزية في دمشق، كما تزايد تدفق المقاتلين الأجانب للالتحاق بداعش حين تمددها من العراق للشام، لم يقف الوضع عند ذلك ونتيجة عجز القوات النظامية للجيش السوري وأفرع الأمن المختلفة عن السيطرة على الثورة وما صاحبها فقد قامت الحكومة السورية آنذاك بالاستعانة بأطراف أجنبية متعددة منها التدخل المباشر للقوات النظامية للجيش الروسي والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني ومن بعدهم العديد من تشكيلات الميليشيات الباكستانية والأفغانية والعراقية تحت مسميات مختلفة منها الزينبيون والفاطميون وغيرها وكان الهدف المعلن لجلب كل هؤلاء هو دعم القوات السورية في السيطرة على المدن الثائرة ولكنه حمل معه أهدافا أخرى أهمها التغيير الطائفي وممارسة الإحلال والتغيير الديموغرافي بالقوة. وخلال السنوات التالية لاندلاع الثورة السورية توالت القوات الأجنبية للحضور على التراب السوري فالقوات التركية تسرح وتمرح شمالاً تحت ذريعة محاربة ما تسميه الإرهاب الكردي المهدد لأمنها والقوات الأمريكية خالفت نهجها المعلن بالانسحاب من مناطق التوتر، فبعد الانسحاب من العراق عادت وأوجدت لها موطئ قدم في شمال شرق سوريا في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد وعززت الدور المتنامي للأكراد. الجيش الإسرائيلي لم يكن غائباً عن المشهد ولم يفوت الفرصة فمنذ حضور القوات الإيرانية بالذات لسوريا لم تتوقف الغارات الجوية على أهداف مختارة في محيط دمشق وفي مناطق أخرى ثم ختم ذلك بتدمير القدرة العسكرية للجيش السوري بشكل شبه كلي في الأيام التالية لسقوط نظام الأسد.

كل تلك المدخلات المتشابكة قد أدت إلى تعقيد المشهد العسكري على الساحة السورية وتغييره بشكل عصي على العودة لما كان عليه الوضع قبل 2011م.

عند الحديث عن توازن القوى على الساحة السورية بعد سقوط نظام الأسد والفترة التالية له حتى تاريخ هذا المقال لابد من العودة للوراء قليلاً لمراجعة تغيرات الأحداث التي أتت بهذه القوى على الساحة وأضعفت أو أزاحت البعض وقوت وعززت الأخرى.

أولاً: تغيرات توازن القوى العسكري في سوريا خلال الفترة 2011-2025

عند الحديث عن توازن القوى العسكري في سوريا، من المهم مراعاة العوامل الداخلية والخارجية التي أثرت في الأحداث، فالتوازن العسكري في سوريا أصبح متعدد الأطراف نتيجة للتدخلات الإقليمية والدولية.

في البداية، كانت قوة النظام السوري تعتمد بشكل أساسي على الجيش السوري، الذي كان يصنف من أكبر الجيوش في المنطقة. لكن مع تصاعد الاحتجاجات وتوسع رقعة المواجهات، تراجعت قوته ومدى تأثيره أمام المكونات الأخرى. نستطيع أن نوجز عرض القوى المؤثرة على الساحة السورية خلال فترة الثورة السورية في التالي:

  • الجيش السوري والقوات النظامية السورية.

الجيش السوري، رغم كونه كان من أكثر الجيوش تماسكاً في المنطقة قبل عام 2011م، تعرض لتآكل كبير بسبب كثرة الانشقاقات والهجمات المستمرة من قبل الجماعات المسلحة. كان يعاني من قلة التدريب والتجهيزات الحديثة مقارنةً مع الجيوش الإقليمية الأخرى، وخاصة في مواجهة الجماعات المسلحة التي أصبحت أكثر تنوعًا. هذا التدهور تم تعويضه جزئيًا من خلال الدعم الخارجي من حلفاء النظام مثل روسيا وإيران. عزز هذا التدهور ضعف موارد الدولة الاقتصادية بسبب المقاطعة الدولية وانحسار مصادر التزود بالموارد على روسيا وإيران فقط. كما تم الجنوح بمهمة قطاعات من الجيش لتعزيز نشاط صناعة وترويج المخدرات، فقد الجيش كذلك جزءًا من هيبته واحترامه حين باتت الحكومة عاجزة عن تعزيز موارده ودعم جنوده فباتت تغض الطرف عن إطلاق يد الوحدات في المدن التي يتم مهاجمتها والسيطرة عليها للسلب والنهب وسرقة محتويات المنازل والمرافق.

تراجعت قوة الجيش وهيبته وسمعته وقيمته. ولولا التدخل الروسي والإيراني لدعم منظومة الجيش السوري عملياتياً ولوجستياً لتهاوى في وقت وجيز أمام هجمات الثوار.

  • الجماعات المسلحة الداخلية

لم يطل الوقت بالثورة السورية بعفويتها في الأيام الأولى، بل تطور الوضع لتنظيم وتنسيق بعض المظاهرات والمسيرات في المدن المختلفة ثم تطور الحال لبناء تنظيمات المقاومة المسلحة من مختلف المشارب فقد انشق بعض قيادات الجيش وأفراده وتم تشكيل ما سمي بالجيش الحر في عام 2011م، واستطاع أن يحظى بدعم مالي ولوجستي مع فصائل المعارضة المسلحة الأخرى التي دعمتها الدول الغربية والخليجية، من ناحية مقابلة نشأت بعض الجماعات المتطرفة ذات الامتداد الخارجي وعلى رأسها "داعش" و"النصرة" منذ العام 2014م. تبع ذلك انشقاق ما سمت نفسها بهيئة تحرير الشام عن القاعدة والنصرة في ادلب وحلب وأخذ مسار مختلف بتوجيه المقاومة نحو الداخل السوري ضد النظام وعدم تبني أي أفكار عابرة للحدود واستطاعت هذه الهيئة دمج الكثير من فصائل المقاومة وإقامة نظام حكم مؤقت في المناطق الخاضعة لها وانتهى بها الحال لقيادة الجميع نحو إسقاط نظام الأسد في ديسمبر 2024م، والتربع على سدة الحكم في سوريا .

كان هنالك الكثير من الانشقاقات وفصائل المقاومة المختلفة في كافة أنحاء القطر السوري بعضها تلاشى لعوامل متعددة فيما انضم بعضها إلى فصائل أخرى.

 كما تطور وضع بعض الفصائل الكردية لتنظم نفسها منذ العام 2016م، تحت من سمت نفسها "وحدات حماية الشعب" (YPG)، التي خاضت معارك ضد تنظيم داعش في مناطق شمال شرق سوريا، وحققت تقدمًا عسكريًا كبيرًا وتحولت لاحقاً لما يسمى قوات سوريا الديموقراطية (ق س د). تعتمد هذه القوة على مساعدة ودعم القوات الأمريكية

  • الوجود العسكري الخارجي

بالإضافة إلى الجماعات المسلحة المحلية، كان للوجود العسكري الخارجي تأثير كبير على سير الحرب في سوريا. بدأت القوى الدولية والإقليمية في التدخل بشكل مكثف بدءًا من 2012م، حيث كانت إيران هي أول من أرسل مستشارين عسكريين من الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا لدعم النظام كما أرسلت ميليشيات شملت فصائل من الحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني ولواء فاطميون الأفغاني ولواء زينبيون الباكستاني. وفي العام 2014م، تشكل التحالف الدولي للحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، في العام 2015م، تدخلت روسيا بشكل عسكري مباشر بطلب من النظام السوري، حيث قامت بتوجيه ضربات جوية في أنحاء مختلفة من البلاد، مما ساعد النظام السوري على استعادة العديد من المناطق التي كان قد فقدها لصالح المعارضة. وأسس الجيش الروسي لتواجده على الأرض السورية بشكل دائم حيث استقر في عدد من القواعد الجوية والبحرية مثل قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية.

كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة وجودها على الأرض وعدم الاكتفاء بالضربات الجوية حيث تواجدت في شمال شرق سوريا جنباً إلى جنب مع قوات سوريا الديموقراطية منذ العام 2016م، ولا زالت إلى الآن.

تركيا البلد المجاور لسورياً وأكثر بلد استوعب أعداداً كبيرة من اللاجئين لم يكتف بالدور الإنساني أو بدعم فصائل المعارضة التي تتقاطع مصالحها معها ولكن الفرصة كانت مواتية للتدخل على الأرض طالما أن الكل قد تدخل علماً بأن القضية الكردية هي أكثر ما يقلق تركيا منذ زمن. تدخلت تركيا عام 2016م، لمحاربة ما تراه إرهاباً من حزب العمال الكردستاني حيث قامت بعملية كبرى سمتها درع الفرات في ريف حلب وادلب تبع ذلك عمليات غصن الزيتون ونبع السلام ورغم أن الهدف المعلن هو محاربة الإرهاب لعناصر الحزب الكردي لكن الوضع يظهر على الأرض كرغبة في اقتطاع ما يمكن من الأرض السورية أو على الأقل الإبقاء على شريط حدودي طويل خال من التهديدات.

ثانياً: التغيرات الطارئة على خارطة توازن القوى بعد انهيار نظام الحكم السوري.

بعد هدوء نسبي على الجبهات بين قوات النظام السوري السابق وحلفائها وبين قوات الثورة السورية الممثلة في هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل منذ عام 2018م، تقريباً وبعد الضربات المتتالية للجيش الإسرائيلي ضد القوات الإيرانية وقوات حزب الله في لبنان وسوريا ، وختاماً لسنوات من الإنهاك لقوات الجيش السوري انطلقت هيئة تحرير الشام في عملية نوعية للاستيلاء على المدن السورية مدينة بعد مدينة ابتداء من حلب حتى دمشق وبقية المدن، في أحداث دراماتيكية متتالية بدى وكأن القوات النظامية لم يعد بها طاقة بالقتال كما سلمت جميع القوى في الأيام الأولى على الأقل بالنتائج السريعة المحققة وانهار نظام الحكم سريعاً وغادر الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا واختفى عن المشهد بقية أركان نظامه ، بل أن القوات الأجنبية المتواجدة على الأرض السورية التي في صف النظام أو ضده لم تحرك ساكناً و كأن الجميع ينتظر مثل هذا المشهد .

كانت النتائج السريعة لهذا الحدث سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة وتولي القيادة السياسية وتكليف حكومة جديدة وحل الجيش النظامي ولم يكن للكيان الصهيوني أن يفوت مثل هذه الفرصة ففي الأيام التالية لسقوط نظام الأسد قامت إسرائيل بهجمات جوية واسعة النطاق لتدمير قواعد ونقاط الجيش السوري ومستودعات أسلحته في كل التراب السوري كما تم اختراق خط الهدنة في الجولان المحتل بعد انسحاب الكثير من أفراد الجيش من ثكناتهم وتفكك سلاسل القيادة حيث قامت قوات الاحتلال بتدمير معداتهم والتوغل عدة كيلومترات داخل الأراضي السورية .

في الفقرات الماضية تم التوضيح بشكل موجز أبرز اللاعبين في المشهد الأمني السوري (الجيش والقوات النظامية، مساندة الحرس الثوري الإيراني وتوابعه من قوات حزب الله والحشد الشعبي والزينبيون والفاطميون، الأكراد (قوات سوريا الديموقراطية) ومن ورائها القوات الأمريكية، القوات التركية وتوغلاتها المتتابعة، القوات الروسية.

سيتم هنا إعادة تقييم تلك العناصر وأدوارها ومدى تأثيرها وفرص بقائها من عدمها في المشهد السوري اعتباراً من اليوم التالي لسقوط نظام الأسد 

  • الجيش النظامي السوري

في الأيام التالية لسقوط نظام الأسد قامت إسرائيل بتدمير معظم قدرات الجيش السوري المتبقية عبر غارات جوية مكثفة وبالتالي لم يبق لهذا الجيش سوى هياكله الإدارية وقوته البشرية والتي باشر نظام الحكم الجديد بحل قوات الجيش السوري وفتح مكاتب تسوية بهدف استلام الأسلحة وصرف بعض الحقوق وتسهيل عودة المجندين للمجتمع أو إعادة تجنيدهم في الجيش الجديد الذي تم تشكيله من قبل القيادة السورية الجديدة من الفصائل المسلحة.

إعادة تشكيل القوات المسلحة السورية عملية معقدة وشاقة وتحتاج لكثير من الجهد والموارد وتواجه تحديات صعبة بسبب بيئة عدم الاستقرار الداخلية والإقليمية.

ستواجه القيادة السورية الجديدة صعوبات جمة في بناء جيش نظامي جديد ولن يكون الأمر بالسرعة أو السلاسة المرجوة فهنالك الكثير من أصحاب المصالح في الداخل الذين ضربت مصالحهم بسقوط نظام الأسد كما ان هنالك قوى إقليمية مثل إيران وتوابعها لن ترضى بالتسليم التام بما حدث وأن ضعف دورها وتواجدها كثيراً لكنها ستستثمر في إثارة المشاكل باستمرار بما تمني نفسها به من العودة لدائرة التأثير في المشهد السوري.

برغم وجود العناصر المؤهلة من الفصائل السورية المسلحة وبرغم الإرادة الجادة من نظام الحكم الجديد وبرغم الدعم من الدول الإقليمية مثل تركيا ودول الخليج فإن إعادة بناء جيش نظامي متكامل قادر على حماية كل الأراضي السورية سيأخذ وقتاً وجهداً ليسا بالقليلين لكنه قابل للتطبيق طالما أن هناك إرادة صادقة من الداخل ودعماً من الحلفاء الصادقين من الخارج. ومعالجة حكيمة للإشكالات التي خلفها نظام الحكم السابق.

  • الدور الإسرائيلي في سوريا

نتحدث عن الدور الإسرائيلي قبل غيره كونه أحد الفاعلين الرئيسيين خلال السنة الماضية بعد أحداث 7 أكتوبر 2023م، طالت آثار العدوان الإسرائيلي كل من الداخل الفلسطيني (الضفة وغزة) ولبنان وسوريا وإيران واليمن، والفرصة أصبحت مواتية للكيان المحتل للعب دور أكثر تأثيراً من ناحية العمليات العسكرية والاستخباراتية وبشكل أكثر توسعاً في ظل البيئة المتقلبة في سوريا ما بعد الأسد.  إسرائيل كانت وما زالت تشكل تحديًا كبيرًا للقدرات العسكرية السورية.

وبعد عام من الهجمات المستمرة على غزة وجنوب لبنان وسوريا وإيران وبعد قطف ثمار رحيل الأسد بالتخلص من التهديد الإيراني على يد هيئة تحرير الشام سارعت للقضاء على معظم عتاد الجيش السوري ومخازن سلاحه وقواعده المتعددة، وبالتالي فقد أصبحت سوريا الجديدة بلا غطاء ولا حماية من التهديدات الإسرائيلية مستقبلاً ، ولن يكون مرضياً لإسرائيل إعادة بناء قوة صاعدة جديدة على حدودها  وستسعى بكل السبل السياسية والعسكرية لإبقاء الكيان الجديد في سوريا في موطن ضعف إن لم تتعدى بالتدخل والتخريب واللعب على ولاءات بعض العناصر من مكونات الشعب السوري

  • الدور الكردي في سوريا

على الرغم من أن الأكراد في سوريا بدأوا بشكل رئيسي في الانخراط في السياسة المحلية داخل سوريا، إلا أن الصراع السوري منحهم فرصة كبيرة للهيمنة على مناطق كبيرة في شمال وشرق البلاد. الأكراد في سوريا، الذين ينتمون بشكل أساسي إلى "وحدات حماية الشعب" (YPG)، لعبوا دورًا كبيرًا في محاربة تنظيم داعش، بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

لكن العلاقة بين الأكراد والنظام السوري كانت متوترة منذ بداية الحرب، حيث حاول الأكراد إقامة حكم ذاتي في مناطقهم الشمالية والشرقية. ومع تقدم الأكراد في السيطرة على مناطق مهمة، مثل عفرين ومنبج، أصبحت هناك حالة من الصراع المستمر بين الأكراد والنظام السوري، فضلاً عن تدخلات تركيا العسكرية ضد القوات الكردية. وجود الجماعات المسلحة الكردية في شمال سوريا جلب الكثير من التحديات الأمنية، حيث حاولت تركيا تصعيد العمليات العسكرية ضد الأكراد تحت ذريعة محاربة الإرهاب، بينما رفضت كل من الحكومة السورية وروسيا هذا التوسع الكردي، مما جعل الوضع العسكري معقدًا.

أما الآن وبعد سقوط نظام الأسد فإن توجه الحكومة السورية الجديدة ترى عدم إتاحة الفرصة لأي مكون داخل سوريا بالانفصال الكونفدرالي وبالتالي فقد بادرت بتوضيح طلبها من البداية من الأكراد كونهم مكوناً من مكونات الشعب السوري وجزءًا لا يتجزأ من جسم سوريا الموحدة، وبالتالي فالمطالبة بالانضمام وطرح مطالبات الاستقلال او الحكم الذاتي جانباً ودمج القوات الكردية ضمن مكونات الجيش السوري الجديد. والتمتع بكامل الحقوق التي تعطى لكل السوريين دون تمييز. علماً بأن هنالك إشارات إيجابية في البداية من الأكراد تضمنت عدم وجود نوايا انفصالية بانتظار دمج القوات في الجيش النظامي الجديد.

  • الوجود الأمريكي في سوريا

استخدم رئيس الولايات المتحدة في العام 2014م، التفاويض الممنوحة من الكونجرس لمحاربة الإرهاب وقادت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفاً دولياً لمحاربة داعش تركز في جهده الرئيسي على العمل الاستخباراتي والضربات الجوية ثم رأت الحكومة الأمريكية إرسال بعض الجنود وتأسيس بعض القواعد على الأرض بالتزامن مع الدخول الروسي على خط الأزمة السورية لكن هذا التواجد يظل محدودًا ويتراوح بين ال 400-800 عنصر ، تم بهم مساندة عناصر قوات حماية الشعب الكردي أثناء الأزمة ويتركز وجودهم في المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية شمال وشرق سوريا ، ويبدو أن الرئيس الأمريكي الحالي لا يميل أن تلعب قواته المتواجدة في سوريا دورًا مؤثراً ويرى المشكلة السورية لا تعني الولايات المتحدة الأمريكية .

  • تركيا الخصم القديم والحليف الجديد

تركيا أكثر المتفاعلين مع الأزمة السورية منذ اندلاعها وأكثر من عانى منها وربما أكثر من جنى من ثمارها عبر التدخلات التركية على الشريط الحدودي الشمالية تحت ذريعة محاربة الإرهاب المتمثل في حزب العمال الكردستاني من وجهة نظر تركية، كما أن الأتراك اداروا ملف اللاجئين السوريين إدارة أدخلت عليهم مكاسب كبيرة مع المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي.

استضافة المعارضة والفصائل المسلحة ودعمهم آتى أكله أخيراً عبر انتصار وظهور الفصيل الأكثر حضورًا (هيئة تحرير الشام) المدعوم تركياً وسيطرته على مقاليد الحكم والإدارة في سوريا الجديدة وستحمل الأيام القادمة الكثير من التأثير التركي في السياسات السورية.  

  • الدور الروسي في سوريا

بعد تدخل روسيا في سوريا 2015م، بناءً على طلب من النظام السوري أثرت بشكل واضح في تغيير موازين القوى حينها بتوجيه ضربات جوية مؤثرة ضد قوات المعارضة نتج عن ذلك استعادة كثير من المدن والأرياف تحت سيطرة الدولة السورية وتراجع قوات المعارضة وانحسارها في مناطق محددة شمال وشرق سوريا. روسيا قامت بتأسيس قاعدة جوية في حميميم وقاعدة بحرية في طرطوس، وهو ما عزز من حضورها العسكري في البحر المتوسط.

على جانب آخر، لم تقتصر مساهمة روسيا على الدعم العسكري فقط، بل دخلت في عمليات سياسية ودبلوماسية تسعى إلى ضمان بقاء مصالحها في سوريا، والتي تتمثل في قاعدة بحرية وجوية في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وكانت روسيا تأخذ على النظام السابق تراخيه ومماطلته في تنفيذ تفاهمات أستانه وسوشي بشأن تشارك السلطة مع المعارضة ووضع دستور لسوريا ما بعد الثورة وعندما سيطرت المعارضة على الحكم مع خروج الرئيس السابق تحت حماية روسية أرسلت روسيا إشارات إيجابية قوبلت بالمثل تتضمن المساهمة في دعم الحكم الجديد مقابل ضمانات إبقاء القواعد الروسية على الأراضي الروسية وهذا ما تم في بدايات العهد الجديد في سوريا.

  • التمييز الطائفي والعرقي .. نار تحت الرماد

المثال العراقي عقب سقوط النظام العراقي عام 2003م، ليس بالبعيد، ونظام الحكم السابق في سوريا وعلى مدى عشرات السنين قد زرع الكثير من الإشكالات التي سيكون على الحكام الجدد الأخذ بها بعين الاعتبار ومعالجتها بحكمة.

سنوات الحرب بعد الثورة السورية تركت في النفوس ما تركت وتفضيل فئات من المواطنين والإغداق عليهم بالمزايا مقابل صب البراميل المتفجرة على رؤوس الآخرين ليس بالأمر الهين.

الأعداء المحيطون ما أكثرهم وهم حاضرون على الأرض، إيران وإن أعلنت أنها سحبت مستشاريها وعسكرييها من سوريا لكنها لن ترضى بما آلت إليه الأوضاع وسيكون في أجندتها محاولة التخريب بأي وسيلة ودعم بقايا أذرعها ولو بشكل غير معلن وستستخدم حماية الأضرحة ذريعة للمطالبات والتدخل والتجييش زعماً منها بأنها حامية للفئات الشيعية في كل مكان.

الاستخبارات الإسرائيلية لن تقف مكتوفة الأيدي وهنالك ملفات تستخدمها تارة تحت ذريعة محاربة الإرهاب وتارة بإغراء موالين أو طوائف على غير وفاق مع نظام الحكم الجديد مثل الدروز على سبيل المثال.

كثيرون هم أصحاب المصالح التي ضربت وبالتالي فسيكون سعيهم للمحافظة على مكاسبهم السابقة ومقاومة التغيير إذا تسبب ذلك في تعريض مصالحهم للضرر.

أحداث الساحل السوري مطلع شهر مارس 2025م، هي أحد النقاط التي يخشى حدوثها واستفحالها، تمرد قيادات سابقة وتجييش فئات من الطائفة العلوية للانقلاب على الشرعية الجديدة والاستقواء بالدور الروسي، قوبل بالرد بشكل حازم من قبل الحكومة وإن كانت ظهرت على السطح بعض مظاهر التعديات من الطرفين وقد أحسن نظام الحكم الجديد بفتح باب التحقيق في أي تجاوزات قد حدثت وتقديم مرتكبيها للعدالة.

ثالثاً: الدور السعودي في دعم الشعب السوري

كان للمملكة العربية السعودية دور كبير في دعم الشعب السوري منذ بداية الأزمة. في البدايات كان التركيز على الجهد الدبلوماسي مع النظام السابق لإيجاد حلول تجنب الشعب السوري سفك الدم وتجنب سوريا البلد العربي الشقيق التفكك وعند انسداد الأفق مع الحكومة السورية رأت السعودية أن تكون سياساتها موجهة لمصلحة الشعب السوري وقد كان دعم المملكة موجهًا بشكل رئيسي إلى المعارضة السورية المعتدلة، ونادت بأنه يجب استبدال الرئيس السوري الذي يقتل شعبه ومقاربة الحلول الدبلوماسية مع كافة الخصوم من المعارضة.

كانت السعودية من أوائل الدول التي دعمت الجهود الدبلوماسية في مؤتمر "جنيف" و"الرياض"، بهدف إنهاء الصراع في سوريا من خلال الحلول السياسية. لكن في السنوات الأخيرة، بسبب تعقيدات الموقف العسكري، سعت السعودية إلى دعم الشعب السوري في مواجهة التحديات الاقتصادية والإنسانية.

السعودية دعمت جهود الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في إرسال مساعدات إلى المناطق المتضررة من الحرب، وشجعت على الضغط الدولي على نظام الأسد لحل الأزمة. كما أنها كانت من الداعمين للمناطق الآمنة في شمال سوريا، خصوصًا من خلال دعم اللاجئين السوريين.

الموقف السعودي منذ بداية الأزمة وهو ينادي بحفظ دماء السوريين وحفظ حقوقهم والحيلولة دون تفتيت سوريا ولذلك فقد رحبت السعودية بالتغيرات التي حدثت على الساحة السورية طالما أنها في خدمة الشعب السوري وسارعت بالاعتراف بما آلت إليه الأمور واستقبلت بداية وزير الخارجية السوري ثم قام وزير الخارجية السعودي بزيارة سوريا وتوجت تلك الموجه الإيجابية من العلاقات بزيارة الرئيس السوري السيد أحمد الشرع.

الجهد الإنساني المستمر طوال سنوات الثورة السورية تعزز بعد سقوط الأسد وتم إرسال كميات من المواد الهامة وذات الأولوية سواء غذائية أو طبية وبدعم فرق بشرية.

قادت السعودية جهوداً دبلوماسية لتعزيز عودة سوريا لمحيطها العربي ولاستثمار هذا التحول بما يخدم المواطن السوري أولًا، وهنالك تنسيق سعودي تركي إيجابي لدعم سوريا الجديدة والوصول بها إلى بر الأمان.

خاتمة

تظل سوريا مثالاً حيًا على تعقيد الصراعات العسكرية في المنطقة. توازن القوى العسكري في سوريا لا يزال متأثرًا بالعديد من العوامل المحلية والدولية. تمثل الجماعات المسلحة الداخلية، والوجود العسكري الخارجي، والتواجد الروسي والأمريكي والاعتداءات الإسرائيلية، أبرز محاور هذا التوازن. أحسنت الرئاسة السورية صنعاً بعد أحداث الساحل السوري والمعالجة الأمنية التي استخدمت حين تم توقيع اتفاقية مع قيادة قوات سوريا الديموقراطية، ظهور السيد أحمد الشرع الرئيس السوري مع قائد قوات سوريا الديموقراطية السيد مظلوم عبدي والتفاهمات التي تم الاتفاق عليها بشأن إدارة الحكم المدني وضم القوات الكردية للجيش السوري. هذا الاتفاق بعث برسائل اطمئنان للسوريين ولحلفاء سوريا ومحبيها بشأن الملف الكردي وبشأن الوحدة السورية عموماً.

مقالات لنفس الكاتب