دخلت سورية عام 2025م، بمرحلةٍ جديدة هي أشبه بولادة الجمهورية السورية الثالثة، غير أنها مثقلة بتركة النظام السوري السابق ومؤسساته التي أصبحت جزءًا من تاريخ الألم والنضال السوري، ويتمثل ذلك بما خلفه النظام للشعب السوري؛ من دمارٍ شبه تام للبنى التحتية والفوقية، واقتصاد متردٍّ، ورأس مال مجتمعي منهك، ومؤسسات مترهلة.
لذلك سيحاول المقال سرد هذه التحديات وطرح الحلول ورسم السيناريوهات المتوقعة، بالنظر إلى حيثيات الواقع الذي يحيط بسورية والشعب السوري، بدءاً من التركيز على "الأمن" مؤشراً واستجابة من حيث هو أولوية تصنع بيئة آمنة لحلولٍ من شأنها أن تساهم في بناء الدولة السورية، وتكمن هذه الحلول بالوحدة القومية والوطنية لسورية، وإعادة تشكيل جيشها وبناء منظومتها الأمنية، وإنعاش الاقتصاد، وتفعيل عملية سياسية شاملة، وصوغ دستور يحافظ على هوية سورية دولةً وشعباً، ويحدد القيم ويوازن بين السلطات، ويحفظ الحقوق والحريات، والسير بخطة شاملة لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، واستقطاب العقول السورية المهاجرة والاستفادة من خبراتها، ومحاولة إنهاء الهيمنة الخارجية على سورية والحد منها. ويجدر بنا في هذا السياق أن نقدم الحلول بعد رصد التحديات التي تنتج عنها توقعات مستقبلية يمكن تفاديها، بغية الوصول إلى مقاربة ممكنة التطبيق لدى صنّاع القرار في سورية، وفي الدول الصديقة لسورية وشعبها، وعلى وجه الخصوص: دول مجلس التعاون الخليجي.
لقد شكل سقوط النظام السوري المفاجئ، وانهيار قواه العسكرية والأمنية، يوم الثامن من ديسمبر العام الماضي، أول خطوة في مسيرة إعادة إنتاج الدولة وولادة الجمهورية السورية الثالثة، دون قوى الجيش والأمن في المؤسسة العسكرية القديمة، فمسألة تفكيك الجيش والأمن التي كانت فكرة تحوز مجالاً واسعاً من نقاشات السوريين، باتت من الماضي، والحديث اليوم هو عن كيفية الخلاص من تركة النظام السوري السابق، وهذا ما يقودنا إلى عقبة تواجهها الحكومة السورية الجديدة، وهي تحدد الاستقرار وضبط الأمن، إذ أنّ تعافي القطاع الأمني واستقرار الأوضاع أمنياً من أهم مؤشرات الحل بشكلٍ واضح ومنطقي.
التحديات الداخلية تعزيز الأمن كمقدمة لما بعده
يجدر بنا عند الحديث عن أي حل للتحديات التي تمر بها الدولة في سورية، تهيئة البيئة الآمنة له كمقدمة ضرورية لما بعده، فالحديث عن اقتصاد مستقر أو عن السيادة السورية، لا بد له من بيئة آمنة، فالأمن وضبط الأوضاع في سورية أولوية تُقدَّم قبل أي حديث عن حلول للتحديات التي تواجهُها سورية، وربما يمكن القول إنّ سياسة "الحكومة السورية الجديدة" في السياق الداخلي، منصبة على ضبط الأوضاع واستقرار الأمن، كأولوية سياسية في الدرجة الأولى من الاهتمام، غير أنّ ذلك لا يكفي، من ناحية الاهتمام والتوجه، فالحاجة ملحّة إلى تطوير القطاع والمنظومة الأمنية وَفقَ المعايير الدولية، وهذا يتطلب وقتاً كافياً.
يواجه تعزيز الاستقرار الأمني على المستوى الداخلي في سورية، العديد من التحديات؛ من جهة انتشار السلاح بيد الأهالي، وامتلاك السلاح من قبل مجموعات خارجة عن هيكلية السلطات الأمنية الرسمية، ووجود فصائل خارجة عن سيطرة الدولة، تأخذ دور الجهات الأمنية في نشاط غير منضبط، ما يسبب تلازماً وجود خلل أمني، وخصوصاً عند تلك المجموعات التي تنشط في مناطق ذات "توتر عالٍ" وبؤر ساخنة، ونقصد بها المناطق التي تتمتع بتنوعها العرقي والديني، وعدم وجود توازن بين المركز والأطراف للحكومة السورية على المستوى الجغرافي، إضافة لوجود أطراف دولية تتموضع ضمن قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية، وترعى فصائل عسكرية خارجة عن سيطرة السلطات، مع ازدياد تنامي خطر بعض التنظيمات الإرهابية، والمجموعات التي تتبنى سياسات وأفكاراً انفصالية. هذا المشهد الأمني بألوانه وأطيافه المتداخلة، يشكل تحدياً كبيراً يواجه السلطات السورية، وربما يؤدي التأخر في معالجة هذه المخاطر، إلى تضخم هذا المشهد؛ ما قد يسبب المزيد من تفاقم المشكلات الأمنية.
بناء على ذلك، قد تحتاج عملية تعزيز الأمن ومعالجة هذه المخاطر الأمنية، التي تهدد وحدة سورية وأمنها القومي، إلى حزمة من السياسات الرشيدة والحازمة، التي تمر عبر:
أولاً. نزع "السلاح"، واحتكار السلاح بيد الدولة فقط، وحل المجموعات المسلحة غير الخاضعة للسلطات الأمنية أو العسكرية الرسمية، ومنع أي مظاهر أو نشاط لمجموعات أو أفراد غير تابعين للسلطات الأمنية أو العسكرية الرسمية، مع ضرورة مراعاة عامل الزمن والإسراع بذلك.
ثانياً. محاولة الوصول لتفاهمات مع الفصائل العسكرية التي لم تعلن بعد انضمامها للحكومة السورية، مثل "قوات سورية الديمقراطية" وبعض "فصائل الجبل" التي تتبع للطائفة الدرزية في محافظة السويداء، وذلك يكون عبر فتح حوار جاد وشفاف مع هذه الأطراف، مراعاة لمخاوف وهواجس هذه الفصائل، والضغط عليها بالوسائل السياسية والأمنية والعسكرية، والإسراع بمحاولة حلها ودمجها ضمن وزارة الدفاع السورية، وبسط السيادة على جميع التراب السوري، ومنع حصول تشققات يمكن من خلالها أن تتسلل بعض الأطراف والفواعل الدولية.
ثالثاً. يمكن أن يكون خروج القوات الأجنبية أمراً متعلقاً بشكل كبير بمعادلة التفاهم مع الفصائل الداخلية، فالنفوذ الأجنبي مستمد من وجود هذه الفصائل خارج سيادة الدولة السورية، لذلك يجب على الحكومة السورية أن تسعى للوصول إلى حل تكاملي، خصوصاً أن الحكومة السورية تمتلك العديد من الأوراق التي تستطيع من خلالها الضغط، بشكل مباشر على الفواعل الدولية التي تتموضع في سورية، إمّا من خلال التفاهمات الثنائية مع هذه الدول، أو عبر الوسطاء الدوليين من منظمات إقليمية أو دولية.
رابعاً: يزداد خطر تنامي بعض التنظيمات الإرهابية، مع وجود فراغ وهشاشة أمنية، وعلى رأسها خطر "تنظيم داعش" الذي كثف نشاطه بعد سقوط النظام في البادية السورية وكل من محافظة دمشق وحمص وحماة، ويمكن معالجة هذا الخطر المحتمل، من خلال انضمام الحكومة السورية لقوى " التحالف الدولي" كجهة وحيدة وشرعية تمثل شخص الدولة السورية، وتشكيل فرق خاصة لمكافحة الإرهاب، والاستفادة من الخبرات الدولية، في مكافحة التنظيمات الإرهابية، كما أنّ هناك تنامياً لخطر تنظيمات موالية وتابعة لحزب الله اللبناني، في الشريط الحدودي السوري مع لبنان، الأمر الذي يحتّم على الحكومة السورية الجديدة أن تكثف الوجود الأمني والعسكري السوري في تلك المناطق، وزيادة التنسيق الأمني مع قوى الأمن والجيش اللبناني.
وربما يحتاج الوصول إلى واقع أمني متماسك بمركز قوي وأطراف منضبطة وحدود منيعة، إلى رفع مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي، مع الدول الفاعلة إقليمياً، وتبادل المعلومات والخبرات بما يخص هذا السياق الأمني، فالمشهد الأمني في سورية "اعتمادي تبادلي" تنعكس أضواؤه الداخلية، على المسارح الإقليمية، بل على المسرح العالمي برمته، فالأمن في سورية ضابط لإيقاع المنظومة العالمية، وهنا يجدر بنا القول إن معادلة الأمن في سورية تؤثر تلقائياً على إيقاع معادلة الأمن الجماعي الإقليمي والعالمي، فسورية تهم الجميع؛ نظراً لما تتمتع به من موقع جغرافي ومكانة في المنظومتين الإقليمية والدولية.
شكل الدولة: ربما يتربع على صدر النقاشات والمطالب السياسية لدى السوريين، بعد سؤالَي الأمن والاقتصاد، سؤال ما هو شكل الدولة المناسب لسورية، وقد يتشكل في الإجابة عن ذلك توجهان؛ الأول يمكن أن نطلق عليه التوجه الأكبر والأشمل، وهو ما صدر عن "مؤتمر الحوار الوطني" الذي اختتم في 26/2/2024م، بأن سوريا دولة موحدة مركزية، كأحد أهم مخرجات المؤتمر، والتوجه الثاني الذي يرى الشكل الأنسب لسوريا، أن تكون دولة لامركزية كمطلب أولي دون الغوص في طبيعة اللامركزية، وهنا يجدر القول إن البعض يرى أن التوجه الثاني هو خطوة قد لا تساهم في الحفاظ على الوحدة القومية السورية، وأن من يطالب بذلك قد تشوبه نية أطماع انفصالية، خصوصاً أن أغلب أصوات التوجه الثاني يأتي صداها من أطراف سورية جغرافياً.
اللاجئون السوريون: يحيلنا الحديث عن عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، إلى "ثلاثية العودة" أو التحديات الثلاثة، وهي:
إعادة الإعمار : ما يشغل بال اللاجئ السوري اليوم هو ثلاثة أسئلة "المأوى – الدخل المعيشي-القطاع الخدمي" وهي أسئلة تتعلق بإعادة الإعمار من بنى تحتية وفوقية وتفعيل القطاع الخدمي، ومستوى دخل الفرد والواقع المعيشي اليوم، وهذا ما يحتاج إلى ربط ملف اللاجئين بإعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد.
فملف اللاجئين السوريين يشكل تحدياً ليس فقط أمام الحكومة السورية الجديدة، وإنما أمام الدول المضيفة التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين كـ " تركيا ولبنان والأردن وألمانيا ومصر" حيث إن ملف إعادة اللاجئين مرتبط بملف إعادة الإعمار ، وهذا ما قد يزيد من تعقيد الملفين على حد سواء، فيجب على الحكومة السورية الجديدة بناء استراتيجية لعودة اللاجئين السوريين، وفق مسار إعادة الإعمار بما يشمل البنى التحتية والفوقية كالطرق، والمشافي، وقطاع الكهرباء، والمياه.
هل هذه التحديات قد يتولد عنها سيناريوهات جديدة؟
إذا كان لكل فعل ردة فعل، فلا بد من أن تشي هذه التحديات والتغيير الدراماتيكي الذي حصل في سوريا، بسيناريوهات وتصورات متوقعة، بالنظر لحيثيات ومعطيات الواقع المتجدد في سوريا. وفي هذا الصدد فنحن أمام أربعة سيناريوهات قادمة، في حال تهيأت لها الظروف، وهي كالآتي بناءً على خطرها المتنامي:
أولاً. تصعيد "قوات سورية الديمقراطية" لنشاطها وتحالفها مع الأقليات، مع تقديمها الدعم المالي واللوجستي، لبعض الكتل التي تناصر فكرة اللامركزية السياسية، في مناطق "التوتر العالي" والتي تشكل الأقليات الدينية والعرقية فيها أغلبية سكانية، كالساحل السوري ومحافظة السويداء، الأمر الذي قد تنتج عنه أعمال مسلحة عنيفة، تطال سلطة وسيطرة الحكومة السورية الجديدة.
ثانياً. إن التصريحات الإسرائيلية تجاه سورية، وخطة بناء ممر ضيق من الجولان مروراً بالسويداء وصولاً إلى نهر الفرات، قد تجد الظروف المناسبة لتطبيقها في حال وجدت إسرائيل مناخاً دولياً مناسباً، مع إنشائها لحاضنة شعبية، تكون قنطرتها الحاملة لها ممن يدعي "المظلومية" على أساس ديني أو عرقي، وهذا ما قد يؤدي إلى شكل جديد من الحروب الأهلية في سورية، يكون مشابهاً بصورةٍ ما للحرب الأهلية التي حصلت في لبنان إلى حد كبير.
ثالثاً. حراك شعبي واسع، في حال لم تجد الحكومة السورية الجديدة استراتيجية للخروج من الوضع الاقتصادي المتأزم وإفلاس خزينة الدولة، فالعجز الاقتصادي قد يولد غضباً شعبياً جارفاً.
رابعاً. من الممكن أن يستقر الوضع في سورية على ما هو عليه، مع بعض التحسن غير الكبير في القطاع الاقتصادي، والعمل ضمن خطط إعادة إعمار جزئية.
سيناريوهات الحلول
أعتقد أنه لا يمكننا إغفال الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، والتي تهدد أمن سورية القومي، وتساهم في عدم الاستقرار الداخلي، بالرغم من أن الحكومة السورية ركزت في خطابها، أنها لن تكون مصدر تهديدات لأي دولة في المنطقة، وهذه بادرة حسن نية ورسائل طمأنة لدول الجوار، فيتحتم على الحكومة السورية تكثيف الجهود الدبلوماسية في المنظمات الدولية والإقليمية، للضغط على صانع القرار في إسرائيل، كما أن الجهود الدبلوماسية وتقديم الحلول العقلانية السلمية، لا تكفي دون منظومة ردع متكاملة، ليس فقط من أجل ردع العدوان من جهات وفواعل دولية، وإنما من أجل المخاطر المتنامية من جهات وجماعات متطرفة، وبناء هذه المنظومة الردعية يحتاج خطوات متكاملة.
وكمقدمة ضرورية يمكن العمل عليها لبناء استراتيجية الردع السورية، تتكون من خمس خطوات عملية، وتنطوي على العديد من الملفات التي يمكن التعاون فيها، حيث يجب تفعيل دور الدولة السورية وإنعاش المؤسسات من خلال ترميم البنى التحتية، وبناء تكامل تدريجي دفاعي- أمني، وإعادة تفعيل النشاط الاقتصادي المشترك، وتعزيز الربط السياسي والاجتماعي بين سورية والدول الفاعلة إقليمياً، ووضع سياسات لإثراء الهوية الإقليمية، وتفعيل الدور الدبلوماسي، وهذا ما يتطلب نشاطاً واسعاً على المستويين الخارجي الدبلوماسي والداخلي لسورية، فعلى المستوى الداخلي يمكن ذلك من خلال:
تعزيز القدرات الدفاعية: من خلال بناء جيش حديث يتم فيه تحديث اللوجستيات والمعدات العسكرية، وتدريبه على استخدام التقنيات العسكرية الفعالة، التي تساعده على إدارة الجيل المتقدم من الحروب.
تطوير الدفاعات الجوية: من خلال تزويد قوات الدفاع بأجيال حديثة من الدفاعات الجوية، التي يمكنها ملاحقة وردع الطائرات الحديثة التي تمتلكها قوى الجو الإسرائيلي.
تطوير القدرات الصاروخية: حيث إن منح قوات الدفاع السورية منظومات من الصواريخ البالستية يمكن أن يشكل عامل ردع لإسرائيل في سورية، وبالحد الأدنى يمنحها توازن قوى أمام إسرائيل، ويمنعها من مواصلة قضم المزيد من الأراضي السورية.
بناء الجهاز الأمني: إنّ بناء الجهاز الأمني وتشكيلات الفرق الاستخباراتية، وتأهيلها ورفع التنسيق الدولي والإقليمي معها، يمكن أن يشكل درعاً معلوماتياً للنشاط الإسرائيلي في سورية.
الحشد الجماهيري: يمكن أن تحشد الجماهير والجاليات السورية في أوروبا لممارسة ضغوطات على أي جهة وفاعل دولي يحاول الاعتداء وانتهاك السيادة السورية.
إنعاش ودعم الاقتصاد: يمكن التركيز على مسارين في دعم القطاع الاقتصادي في سورية، بشكل يسهم في تنوع مصادر الدخل القومي؛ من جهة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة سابقاً على "نظام الأسد" والتي ما تزال جارية على سورية، بعد زوال الأسد ونظامه، وقد تركت آثاراً اقتصادية مدمرة يعاني منها الشعب السوري بشكل رئيسي إلى الآن.
أمّا الجهة الثانية، فإنها تتمثل في دعم بسط الحكومة سيطرتها على سورية المفيدة، وهو مصطلح يشير إلى مناطق شمال شرق سورية، التي تمتلك الثروة النفطية والمائية والزراعية، وهذه المنطقة هي خارج سيطرة الحكومة السورية المركزية، حيث تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من قوات التحالف الدولي. إضافة إلى تسهيل الاستثمارات التجارية وتوسيعها في سورية.
الوحدة الوطنية: وهذا يكمن في فتح الحوار بين أطياف الشعب السوري، والوصول إلى تفاهمات مُرضية لجميع مكونات الشعب السوري، ورأب التصدعات الطائفية التي خلفتها سنين الصراع الطويلة في سورية.
ولتعزيز القطاع الدفاعي وتطويره يمكن العمل وفق استراتيجية "ردع الفاعل الجماعي" وذلك بالتنسيق مع (دول مجلس التعاون الخليجي) بما يتوافق مع رؤية المجلس للأمن الجماعي من خلال التعاون الدفاعي، الذي يتضمن التعاون العسكري وتفعيل الشراكة الاستخباراتية المتبادلة، والاستعانة بالخبرات الدفاعية والتقنية، وتطوير البنية التحتية لأمن المعلومات السورية، من خلال الاستعانة بالخبراء والمدربين، كذلك على الجانب الأمني، فإنه من الممكن التعاون في ملفي مكافحة الإرهاب وتنسيق الجهود فيما يخص أمن الحدود وضبطها، وتبادل الخبرات فيما يخص الأمن الداخلي، ومحاربة الجريمة المنظمة. كما يمكن تهيئة المجال السياسي لتوقيع اتفاقيات دفاع مشترك، ورفد قطاع التصنيع العسكري بالدعم الفني واللوجستي والخبرات العلمية التي يمكن أن تتيح الأرضية المناسبة لإنتاج وتطوير أسلحة دفاعية مشتركة.
ويمكن الاستفادة من الدور الدبلوماسي المؤثر الذي تتمتع به دول مجلس التعاون الخليجي، في السياقين الدولي والإقليمي لممارسة الضغط السياسي والقانوني، على أي فاعل دولي يعتدي أو ينوي الاعتداء على سيادة سورية، وردعه عن أي فعل عدواني، والاستفادة من الخبرات والتجارب ما بعد حرب الخليج، والتعاون في مجالي التنمية والمساعدات الإنسانية، ومد الجسور للتعاون الإعلامي والثقافي بهدف مواجهة الدعاية السلبية التي تستهدف استقرار الأمن الجماعي لدول المنطقة.
كما أن سوريا تحتاج إلى مضاعفة الجهود الخارجية، ضمن إطار المنظومة العربية، حيث إن اصطفاف النظام السوري السابق، وتكتله ضمن المحور الإيراني، ساهم في إبعاد سورية عن حاضنتها العربية وبعدها التاريخي وأفقها العربي، لذلك لا بد من إعادة سورية لمكانتها الحقيقية ضمن المنظومة العربية وإعادة تفعيل دورها الحقيقي ضمن العالم العربي والإسلامي. والعمل لذلك يحتاج جهداً تفاعلياً مشتركاً بين سوريا ومحيطها العربي والإسلامي، وهذا يحتاج إلى إعادة إثراء الهوية الإقليمية لسوريا، وتوسيع وتوطيد العلاقات مع دول الإقليم وبناء التحالفات الاستراتيجية، بما يتماهى مع سياسة الحكومة السورية الجديدة، بحيث يكون نسج التحالفات وفق مسار لا صراعي وغير متحيز، وإنما تحالفات هدفها السلام، دون الانخراط بالتناقضات والصراعات التي من شأنها وضع سورية ضمن معسكرات سياسية، ليست مهيأة ومستعدة لها.
توصيات واستنتاجات:
-الحوار الوطني: ربما يحتاج السوريون إلى مسار من الحوارات الوطنية العميقة، بمشاركة وافية من جميع أطياف ومكونات الشعب السوري، فالحوار والنقاش الجاد هو السبيل الأكثر نفعاً لفهم مطالب وأوجاع الشعب السوري، ويمكن القول إن ذلك لا يقع بشكل كلي على عاتق الحكومة، وإنما تتحمل مسؤوليته الكتل السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ويجب أن تكون أولى أهداف الحوار، الوصول إلى عقد اجتماعي وسياسي، ومن ثَمَّ البناء على طبيعة هذا العقد شكل الدولة وطبيعة السلطة والمناقشات الدستورية.
-نزع السلاح: يجب على السلطات الحكومية بناء استراتيجية استجابة أمنية، والعمل على نزع السلاح من أيدي المواطنين والفصائل والجماعات والكتل غير التابعة لأي من السلطات الرسمية، كما يجب تأمين العاصمة السياسية، وإبعاد المظاهر المسلحة في المؤسسات والساحات العامة، والانتقال بشكل تدريجي إلى تأمين غطاء أمني للمدن والبلدات التي تلي العاصمة، للانتقال إلى تقوية الأطراف الهشة، وتأمين الحدود بسوية أمنية أكبر.
-بناء تحالفات جديدة: لا بد للحكومة الجديدة من الاعتماد على الدعم الدولي، وهنا يبرز دور المنظمات الإقليمية، حيث يتصدرها " مجلس التعاون لدول الخليج" من حيث الاعتماد عليه في السياق الدفاعي والأمني، والشراكات الاقتصادية والاستثمارية في إطار استراتيجي.
ختاماً، يمكن القول إن التحديات اليوم في سوريا، هي ملفات مترابطة ومعقدة، ولا يمكن السير دون خلق بيئة آمنة يمكن أن تشكل الحاضنة الأساسية لعبور السياسات والحلول الفاعلة، لذلك لا بد من التركيز على تعافي القطاع الأمني وتطويره ورفده بالخبرات، وذلك يمر عبر معادلة التحالف والشراكة وتبادل الخبرات مع الدولة الصديقة، لضمان النهوض بسورية وازدهارها.