array(1) { [0]=> object(stdClass)#14121 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 213

دول الخليج أمام مسارين: تطوير مجلس التعاون لتحقيق "توازن القوى" أو الاشتراك في منظومة للأمن الإقليمي

الخميس، 28 آب/أغسطس 2025

عكست المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل التي استمرت زهاء اثني عشر يوماً في يونيو 2025م، تطوراً جديداً ليس فقط في أنماط الصراع الإقليمي وآلياته بل فيما رتبته من تداعيات على أمن دول الخليج العربي والأمن الإقليمي عموماً، فمن سياسة "الردع بالشك" إلى" المواجهة العسكرية غير التقليدية" والتي كان للتكنولوجيا العسكرية والتجسس الدور الأكبر خلالها ولعل التساؤل الذي يفرض ذاته هو: هل تعد نتائج تلك الحرب فرصة مواتية لكل من دول الخليج العربي وإيران لبناء علاقات تؤسس على حسن الجوار؟ أم أن هناك معوقات تحول دون ذلك؟

أسباب نشوب المواجهة العسكرية الإسرائيلية-الإيرانية ومبررات التدخل الأمريكي

لم تكن المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل منشأة للصراع العنيف بين الجانبين ولكنها كانت كاشفة لمسار ذلك الصراع فالتهديد الإيراني لإسرائيل وجودي، أي أن إيران لطالما هددت "بمحو إسرائيل" من الخارطة الإقليمية، بينما التهديد الإسرائيلي لإيران يتمثل في سعي إسرائيل للقضاء على طموحات إيران النووية وربما إسقاط النظام، ولكن إذا كانت تلك الرؤية هي الحاكمة لذلك الصراع منذ عقود خلت، فإن خروج ذلك الصراع عن الحد المألوف نحو المواجهة العسكرية كان ضمن رؤية إسرائيلية مفادها أن هناك فرصة سانحة لتلك المواجهة جراء الضربات التي تلقاها حزب الله وأسفرت عن مقتل معظم قياداته الرئيسية، وسقوط النظام السوري ومن ثم فقدان إيران ممراً رئيسياً إلى لبنان، بالإضافة للضربات  الأمريكية ضد جماعة الحوثي في اليمن وانتهت بتوقيع اتفاق مع الولايات المتحدة بوقف الاعتداء المتبادل في مايو2025م، جميعها مؤشرات رأت إسرائيل أنها تعكس تهاوي ما كانت  تطلق عليه إيران"محور المقاومة" متخذة من مخاوفها بشأن البرامج النووية الإيرانية ذريعة للهجوم العسكري على إيران، وقد أعلنت إسرائيل أن أهدافها من تلك الحرب تتمثل في القضاء على البرامج النووية الإيرانية والبرامج الصاروخية الإيرانية، والحد من قدرة إيران على استمرار دعم الميليشيات المسلحة في المنطقة إلا أن نتائج الحرب لا تشي بأن إسرائيل حققت تلك الأهداف الثلاثة صحيح أن كافة المؤشرات تؤكد أن الهجوم الأمريكي قد دمر ثلاث منشآت نووية وهي:  "فوردو"، و"ناتنز"، و"مجمع أصفهان"، إلا أن المنشآت هي أحد عناصر أربعة للبرامج النووية وهي"  المنشآت و التكنولوجيا والعلماء والبحوث واليورانيوم"، بما يعنيه ذلك من أن تلك الضربات لم تنه الطموحات النووية الإيرانية وإنما تأجيلها، وعلى صعيد الهدف الثاني، فعلى الرغم من أن إيران أطلقت أكثر من 500 صاروخاً و1000 مسيرة"درونز" خلال المواجهات مع إسرائيل، تؤكد التقديرات الأمريكية أنه لايزال لدى إيران 3000 صاروخ باليستي، وأخيراً فإن الدعم الإيراني للجماعات دون الدول في المنطقة لم ينته، ربما تراجع نسبياً إلا أنه من أسس النفوذ الإقليمي لإيران، ولاشك أن الدور الأمريكي كان جزءًا رئيسياً من تلك المواجهات منذ بدايتها، فمع أنه صدرت تصريحات أمريكية تؤكد أن الولايات المتحدة لن تكون طرفاً في تلك الحرب، فإن شن إسرائيل هجوماً عسكرياً بعد انقضاء مهلة الستين يوماً التي منحها الرئيس ترمب لإيران لإبرام اتفاق نووي جديد، بالإضافة إلى شن  الولايات المتحدة هجوماً عسكرياً على المنشآت النووية الإيرانية يؤكد أنها لم تكن بعيدة عن تلك المواجهة، ولكن التدخل الأمريكي في تلك الأزمة كان محسوباً وانطلق من ثلاثة اعتبارات أولها: لم ترد الولايات المتحدة أن تكون طرفاً في الحرب خشية رد فعل انتقامي إيراني ضد قواعدها وجنودها في منطقة الخليج العربي، وثانيها: أن عدم قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية كان يعني عدم مصداقية الردع الأمريكي سواء أمام المجتمع الأمريكي أو العالم، وكذلك التشكيك في طبيعة التحالف الأمريكي- الإسرائيلي، ولذلك اختار الرئيس ترامب حلاً وسطاً وهو توجيه ضربة إجهاضية للمفاعلات النووية الإيرانية ومن ثم عدم التورط في حرب طويلة الأمد مع إيران وعدم التدخل العسكري لدعم إسرائيل بشكل معلن ومنذ البداية، وثالثها: ممارسة الضغوط على إيران لإبرام اتفاق نووي، ففي أعقاب وقف إطلاق النار قال ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي  للشرق الأوسط " إن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران واعدة وإن واشنطن تأمل في التوصل إلى اتفاق سلام طويل الأمد".

 تأثير نتائج المواجهة العسكرية على علاقات إيران بدول الخليج

 مع التسليم بوجود العديد من القضايا الخلافية بين دول الخليج وإيران، فإن دول الخليج دائماً ما تغلب "معطيات الجغرافيا" على "متطلبات السياسة"، فمنذ بداية الهجوم الإسرائيلي على إيران صدرت بيانات إدانة لذلك الهجوم من دول الخليج بشكل فردي وعلى المستوى الجماعي من خلال مجلس التعاون، وأن هناك جهود وساطة خليجية لإيقاف تلك الحرب، ولكن لا يعني ذلك أن تلك المواقف قد أسست لمسارات جديدة في العلاقات الخليجية- الإيرانية، على الرغم من تصريح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بعد عدة أيام من انتهاء الحرب في 29 يونيو 2025م، بأن إيران" على استعداد للتعاون الشامل مع دول الخليج وبدء حقبة جديدة في هذا المسار"، ومع أهمية اتفاق عودة العلاقات الإيرانية- السعودية في مارس 2023م، ووجود اتصالات بين البحرين وإيران للغرض ذاته، فإن تحليل خطاب النخب الحاكمة في إيران منذ الثورة الإيرانية عام 1979م وحتى 2025م، يعكس ثلاث حقائق، الأولى: رفض إيران التعامل مع دول الخليج من خلال مجلس التعاون كتنظيم إقليمي ،والثانية: أن كافة المبادرات التي طرحتها إيران بشأن الأمن الإقليمي تضمنت الانتقال من "المعطيات" إلى" النتائج" دون أن ترتبط بآليات عملية تستهدف التعاون وحسن الجوار انطلاقاً من بناء الثقة الذي يتأسس على تسوية القضايا الخلافية، فكانت تلك المبادرات عبارة عن مبادئ  عامة ومنها  مقترح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بتأسيس منظمة للتعاون المشترك مع دول الخليج عام 2007م، مبادرة هرمز للسلام عام 2019م، التحالف البحري لأمن الملاحة في الخليج 2023م،فضلاً عن المقالات العديدة لوزراء الخارجية الإيرانيين من خلال صحف عربية والتي تضمنت إيصال رسائل عبر الإعلام حول رؤية إيران للأمن الإقليمي، والثالثة: لا توجد اختلافات جوهرية بين الإصلاحيين والمحافظين في إيران حول رؤيتهم للقضايا الخلافية مع دول الخليج العربي وهي أمن وتسمية الخليج والجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران والتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لبعض دول الخليج، والبرامج النووية والقدرات الصاروخية لإيران التي تكرس الخلل في توازن القوى الإقليمي.

 دول الخليج بين تطوير مجلس التعاون وتأسيس منظمة للأمن الإقليمي

عبر تاريخها لم تكن دول الخليج طرفاً في الأزمات الأمنية التي شهدتها المنطقة، ولكن خيار الحياد لا يدوم طالما لم ترغب الأطراف الأخرى في ذلك، كما أن كافة الأزمات ابتداءً بالحرب العراقية- الإيرانية في الثمانينيات ومروراً بالغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990م، ووصولاً للغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، ثم المواجهات العسكرية بين إيران وإسرائيل عام 2025م واحتمال تجددها، قد رتبت تهديدات لدول الخليج العربي، صحيح أن المواجهات الإيرانية- الإسرائيلية قد أسفرت عن توازن مؤقت للقوى" لا منتصر ولا مهزوم" ولكن دول الخليج أمام مسارين استراتيجيين، الأول: المضي قدماً في تطوير مجلس التعاون لتحقيق مفهوم "توازن القوى" وهو متطلب أساسي "للأمن الإقليمي "،وفي هذا الإطار توجد مؤشرات مهمة ومنها إعلان مجلس التعاون رؤيته للأمن الإقليمي في مارس 2024م،  والتي تضمنت خمسة عشر بنداً حول أبرز التحديات الإقليمية ورؤية دول الخليج الجماعية لها واللافت أنها انطلقت من مبدأ أن "أمن دول الخليج كل لا يتجزأ" ولكن يتطلب ذلك ترجمة لأهداف تكاملية وخاصة على الصعيد العسكري وفق مراحل محددة تستهدف في النهاية تحول دول الخليج العربي نحو مفهوم "القوة الموازنة" لضبط الصراع وفقما أشار إليه الدكتور محمد السعيد إدريس في كتابه الشهير "تحليل النظم الإقليمية: دراسة في أصول العلاقات الدولية الإقليمية الصادر عام 2001م"، من أن ضبط الصراع في الأقاليم يتطلب التفاعل بين ثلاث قوى وهي التدخلية" وهي كافة القوى الدولية التي لديها مصالح في الإقليم"، والمناوئة" وهي العراق سابقاً وإيران حالياً، ثم القوة الموازنة" وهي" دول الخليج العربي"، وفي ظل عدم قدرة دول الخليج على تحقيق التوازن  الإقليمي فإن خروج الصراع عن الحد المألوف إلى الصدام العسكري أصبح أمراً محتملاً بشكل دائم، أما المسار الثاني لدول الخليج فهو التفكير في أن تكون طرفاً في منظومة للأمن الإقليمي على غرار أقاليم العالم كافة التي بها هياكل للأمن الإقليمي  ومنها الاتحاد الأوروبي و الآسيان والاتحاد الإفريقي، ولكن لايزال إقليم الخليج يشهد مفهوم "الأمن العسكري"، وليس" الأمن التعاوني" ،ومع أهمية وجود منافع اقتصادية هائلة للجانبين حال وجود هيكل للأمن الإقليمي بالإضافة لإمكانية الاتفاق على سبل للحفاظ على الأمن البحري، ووضع مبادئ حسن الجوار موضع التطبيق الفعلي فإنه لاتزال هناك متطلبات لبناء الثقة بين دول الخليج وإيران على نحو خاص، ولذلك اقترح كاتب هذه السطور في دراسات عديدة له بحث إمكانية تأسيس مدونة سلوك للأمن البحري بين الجانبين، وكذلك تعزيز آلية الحوارات الإقليمية متعددة الأطراف بين مجلس التعاون الست وإيران والعراق ولاحقاً اليمن(حال إعادة بناء الدولة) من أجل الاتفاق على سبل للحفاظ على الأمن الإقليمي والحيلولة دون بلوغ الصراعات الإقليمية حد المواجهة العسكرية والتي لم تعد تقليدية بل تلعب التكنولوجيا العسكرية الدور المحوري في مساراتها ونتائجها.

مقالات لنفس الكاتب