array(1) { [0]=> object(stdClass)#14121 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 214

اليابان تلتزم بـ 4 مبادئ للحل: احترام القانون الدولي وتجنب القوة والتسوية السلمية والتنمية للاستقرار

الثلاثاء، 30 أيلول/سبتمبر 2025

د.نوريكو سوزوكي

في خضم المشهد الدبلوماسي المُتغير بمنطقة الشرق الأوسط، وتأرجح الاهتمام العالمي أحيانًا ما بين إدارة الأزمات واغتنام الفرص العابرة، حافظت اليابان على موقفها المبدئي والراسخ تجاه القضية الفلسطينية. فلطالما أبدت طوكيو تفهمها واحترامها لتطلعات الشعب الفلسطيني لإقامة دولة مستقلة، وذلك اتساقًا مع مبادئ سياستها الخارجية لما بعد الحرب، القائمة على النهج السلمي، والتعاون الدولي، ودعم سيادة القانون. وتماشيًا مع هذه المبادئ، أكدت اليابان مرارًا وتكرارًا على دعمها لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتأييدها غير المتزعزع لتطبيق حل الدولتين، الذي يُتيح للكيان الإسرائيلي والدولة الفلسطينية المستقبلية إمكانية التعايش السلمي والآمن.

يستكشف المقال التالي الأسس التاريخية والسياسية التي يرتكز عليها دعم اليابان للقضية الفلسطينية، ويبحث الإسهامات الملموسة التي قدمتها اليابان في سبيل دعم القضية. كما ينظُر في كيفية الاستفادة من نقاط القوة اليابانية من أجل توطيد التعاون الاقتصادي، وتطوير البنية التحتية، ونقل التكنولوجيا لتعزيز هذه الرؤية للسلام والاستقرار الإقليمي.

التزام مبدئي: دعم اليابان طويل الأمد للدولة الفلسطينية

تعود بداية الانخراط الياباني مع القضية الفلسطينية إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي، حينما أعربت طوكيو علنيا دعمها لحق تقرير المصير الفلسطيني أمام المنتديات الأممية. وفي الوقت الذي كانت فيه اليابان تحرص على توسيع حضورها الدبلوماسي عالميًا، برز الشرق الأوسط بوصفه منطقة ذات أهمية استراتيجية وأخلاقية متنامية، وذلك بالأخص نتيجة اعتماد الدولة اليابانية على واردات المنطقة من الطاقة، ورغبتها للاضطلاع بدور حيادي وبناء على الساحة الدولية. واستمر الاعتراف الياباني بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ثابتًا عبر مختلف الإدارات المتعاقبة. كذلك لم تتعامل طوكيو مع القضية الفلسطينية بوصفها أزمة سياسية بقدر ما اعتبرتها قضية تمس الحقوق الإنسانية الأساسية والقانون الدولي. لذا، حرصت طوكيو على التعبير عن تأييدها لحل الدولتين بشكل واضح من خلال قرارات منظمة الأمم المتحدة، والبيانات الدبلوماسية الثنائية، وعبر مشاركتها في جهود السلام متعددة الأطراف بما في ذلك مؤتمر مدريد وخارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية.

وقد استرشدت اليابان في جهودها الدبلوماسية بأربعة مبادئ أساسية: احترام القانون الدولي، وعدم استخدام القوة، والتسوية السلمية للنزاعات، ودعم التنمية الاقتصادية كأساس لتحقيق الاستقرار. وتُرجمت هذه المبادئ إلى سياسة خارجية تقوم على المشاركة المتوازنة مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بما ساهم في الحفاظ على مصداقية اليابان كلاعب دولي محايد وقادر على المساهمة في بناء الثقة وتحقيق السلام على المدى الطويل.

تأييد سياسي مقترن بدعم تنموي

رغم بُعد اليابان جغرافيا عن الشرق الأوسط وعدم امتلاكها إرث استعماري داخل المنطقة، إلا أنها حرصت على أن يكون لها دور فعال من خلال المُشاركات السياسية وحزم الدعم الاقتصادي. وإدراكا منها لحقيقة أن الدعم السياسي وحده لا يكفي، سعت طوكيو لتدعيم موقفها المبدئي إزاء القضية الفلسطينية عبر تخصيص مساعدات إنمائية ملموسة تهدُف إلى تمكين الشعب الفلسطيني، وإرساء أساس صلب لدولة فلسطينية مستقرة وقادرة على البقاء. وعلى امتداد العقدين الماضيين، ظلت اليابان واحدة من أكبر الجهات المانحة غير الغربية للأراضي الفلسطينية، وغطت مُخصصاتها الاقتصادية لدعم الشعب الفلسطيني مجالات: الرعاية الصحية، والتعليم، والإدارة، والبنية التحتية. فيما تعكس مبادرة ممر "السلام والازدهار" اليابانية، بشكل خاص، قناعة خالصة بإمكانية بناء السلام عبر تعزيز آفاق التعاون الاقتصادي. وتم تصميم المشروع-الذي يرتكز على إنشاء حديقة صناعية-زراعية بمدينة أريحا في الضفة الغربية-باعتباره جهدا متعدد الأطراف يشمل إسرائيل، والسلطة الفلسطينية، والأردن، إلى جانب اليابان. ويهدف إلى تعزيز خلق فرص عمل، وتحسين التجارة، وتعزيز استقلال السلطة الفلسطينية اقتصاديًا-وتعد جميعها خصائص لدولة مستدامة تنعم بالسيادة. يمتد دعم اليابان أيضًا ليشمل مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين من خلال مساهمتها الجوهرية داخل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا"، التي تساعد في توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية لملايين من أبناء الشعب الفلسطيني عبر شتى أنحاء المنطقة. علاوة على ذلك، عملت اليابان على تدعيم إجراء حوارات التنمية الإقليمية، لاسيما من خلال مؤتمر التعاون بين دول شرق آسيا من أجل التنمية الفلسطينية (سيباد)، الذي أُطلق في عام 2013م، وتعكس هذه المبادرة نية اليابان في حشد الخبرات من دول شرق آسيا في مجال التعاون الإنمائي، وتوسيع نطاق الدعم الدولي لبناء المؤسسات الفلسطينية لما هو أبعد مما يقدمه المانحون الغربيون التقليديون.

التعاون الاقتصادي والتكنولوجيا: بناء أسس دولة قادرة على البقاء

لعل المساهمة الأكثر فعالية لليابان في سبيل دعم القضية الفلسطينية مستقبلًا تكمُن في العمل على إرساء الأسس المادية والمؤسسية لقيام دولة فلسطينية من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي ونقل التكنولوجيا. وفي ضوء هذا، يُعد الاستثمار في البنية التحتية المادية، مثل تشييد الطرق، وبناء شبكات المياه، والطاقة، والاتصالات، أمرا بالغ الأهمية في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي والسيادة الفعلية للفلسطينيين. كذلك، فإن الخبرة اليابانية ذات المستوى العالمي في مجال تطوير البنية التحتية تضع طوكيو في مكانة تخولها قيادة دفة مشروعات تحسين الربط بين المناطق، وتقديم الخدمات، وتوفير فرص العمل المحلية، لا سيما في الضفة الغربية. في الوقت ذاته، يمكن أن تُعزز طوكيو دعمها لريادة الأعمال والابتكار الفلسطينيين. فعلى الرغم من التحديات والظروف الصعبة، أظهر قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني مرونة وإمكانات عديدة. ومن خلال نقل التكنولوجيا، وتوفير التدريب المهني، والاستثمار في البنية التحتية الرقمية، يُمكن لليابان أن تساعد في تطوير اقتصاد معرفي فلسطيني مستدام، بحيث يُقلل من الاعتماد على المساعدات، ويُساعد في تمكين الجيل القادم. وهو ما قد يسهم في استكمال نموذج التنمية الياباني الذي يُركز على الإنسان، ويدعم الاستقرار الاجتماعي على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، توفر الخبرات اليابانية الغنية في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات البيئية فُرصًا قيمة لدعم التنمية المستدامة داخل فلسطين. ويمكن لمشروعات الطاقة النظيفة والطاقة الشمسية الصغيرة أن تحسن فرص الحصول على الطاقة بالأخص بالنسبة لسكان قطاع غزة، فضلًا عن تعزيز الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، الذي يمثل عنصرًا أساسيًا للسيادة الفلسطينية.

الآفاق الدبلوماسية: تعزيز دور اليابان في جهود بناء السلام

تُساهم علاقات اليابان المتوازنة مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في تبوئها مكانة دبلوماسية فريدة داخل المنطقة. في حين أن موقفها الحيادي والتزامها بجهود بناء السلام يسمحان لها بتسهيل سبل الحوار ولعب دور مؤثر في بناء السلام وسط المنافسات المتصاعدة بين القوى العالمية داخل المنطقة. وبينما من غير المرجح أن تلعب طوكيو دور الوسيط الرئيسي في مفاوضات السلام، لا يزال بإمكانها تدعيم الجهود الدبلوماسية الدولية عبر إعلاء حل الدولتين، وإبقاء التركيز منصبًا على القضية الفلسطينية داخل المحافل الدولية مثل مجموعة السبع الكبار، والأمم المتحدة، ومنصات التعاون بين دول شرق آسيا. كما يوفر تركيز الدولة اليابانية على مفهوم "الأمن الإنساني" -حماية الأفراد وتمكينهم-إطارًا معياريًا ملائمًا جيدًا للسياق الفلسطيني-كما يُمَكِن اليابان من معالجة الاحتياجات الإنسانية والتحديات الإنمائية على المدى البعيد، وترسيخ مكانتها كشريك موثوق ومتمسك بمبادئه في جهود بناء الدولة الفلسطينية.

التحديات والمعوقات

بينما تُعد الإسهامات اليابانية في التنمية الفلسطينية ودعم حل الدولتين جوهرية ومبدئية، إلا أنها تواجه معوقات وتحديات هيكلية واستراتيجية، فعلى النقيض من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والقوى العربية الإقليمية، لا تمارس اليابان نفوذا سياسيا على الصراع الفلسطيني-الإٍسرائيلي. كما أنها لا تنعم بدور تاريخي كوسيط في المفاوضات بين الجانبين أو أن لديها مصالح عسكرية أو أمنية داخل المنطقة قد تجبرها على القيام بعمل دبلوماسي حاسم. بالتالي، فإن هذا البُعد عن الديناميات السياسية للصراع بقدر ما يسمح لطوكيو بالحفاظ على حيادها، لكنه يحد في الوقت ذاته من نفوذها على مسار المفاوضات أو خفض التصعيد.

كذلك يتسم نهج السياسة الخارجية الياباني أحيانًا بالحذر والبحث عن إجماع، ومنح الأولوية للاستقرار، والمشاركة طويلة الأمد على القيام بإيماءات سياسية غير محسوبة. فمن المستبعد أن تتحدى طوكيو سياسات القوى العظمى، أو أن تتبنى مواقف من شأنها تعطيل توازنها الدبلوماسي الدقيق بين إسرائيل والعالم العربي. على سبيل المثال، في الوقت الذي أعربت فيه اليابان عن مخاوفها إزاء التوسع الاسرائيلي الاستيطاني والعنف المُمارس داخل غزة، امتنعت عن توجيه إدانات علنية قوية أو ممارسة ضغوط دبلوماسية، بل آثرت العمل بهدوء عبر المنتديات متعددة الأطراف.

 

كما تعد المساعدات الإنمائية اليابانية مُحدودة بفعل القيود على الموارد وتضارب الأولويات العالمية. فمع بقاء اليابان إحدى الجهات المانحة الدولية البارزة، خاصة عبر برنامج المساعدات الإنمائية الرسمية، تواجه البلاد ضغوطًا داخلية متزايدة، تتراوح ما بين الشيخوخة الديموغرافية إلى الكساد الاقتصادي، بما قد يؤثر على مخصصات الدعم الإنمائي المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تطغى الجهات الفاعلة الجيوسياسية الأكبر على مساهمات اليابان، على الرغم من كونها موضع تقدير. وهو ما يقتضي من طوكيو العمل بشكل أفضل على إظهار دورها ونجاحاتها، لاسيما في الدبلوماسية العامة والمبادرات متعددة الأطراف من أجل تعظيم نفوذها. فضلًا عن، أهمية تعزيز التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتعزيز قدرة اليابان على موائمة جهودها الإنمائية مع الاستراتيجيات الأوسع لبناء السلام.

وعلى الرغم من هذه التحديات، تظل مصداقية اليابان، وحيادها، والتزامها بالتنمية التي تركز على الإنسان من أهم مقومات الدولة اليابانية. ومن خلال توسيع شرَاكاتها، وزيادة الدعم المُوجه، والحفاظ على مواقفها المبدئية في المحافل الدولية، تستطيع اليابان مواصلة الاضطلاع بدور مهم في دعم حق تقرير المصير الفلسطيني ورؤية حل الدولتين حتى وإن كان متواضعًا.

من المبادئ إلى الممارسة الفعلية-دور اليابان في تحقيق رؤية حل الدولتين

في ظل مساعي المجتمع الدولي الحثيثة لإيجاد سبل ممكنة لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يظل الدعم الياباني الراسخ لتقرير المصير وإقامة حل الدولتين قيمة في حد ذاته وقوة داعمة للاستقرار. فلا يأتي هذا الدعم من منطلق تنافس جيوسياسي أو توافق أيديولوجي، بقدر ما إنه يٌعبر عن هوية الدولة اليابانية ما بعد الحرب كأمة مُلتزمة بأهمية السلام، والتنمية، والكرامة الإنسانية. وفي عصر يبدو فيه السلام حلمًا بعيد المنال وتزداد آفاق إقامة حل الدولتين هشاشة وضعفا، توفر المساهمات اليابانية-المٌتجذرة في التنمية طويلة الأجل، وبناء المؤسسات، واحترام القانون الدولي -نموذجًا للدبلوماسية التنموية التي تُعلي الاستقرار من خلال التمكين لا عن طريق فرض الأمر الواقع أو الإلزام. فإن قيمة ما تقوم به اليابان من استثمارات في مجالات البنية التحتية، والتكنولوجيا، والقدرات الإنسانية يفوق مجرد المساعدات المادية؛ حيث يساعد أبناء الشعب الفلسطيني في بناء المؤسسات، والاقتصاد، ويمنحهم القدرات اللازمة لتولي الحكم الذاتي والتحلي بالسيادة.

كذلك يُتيح النهج الياباني درسًا مستفادًا لسائر أطياف المجتمع الدولي مفاده: أن السلام ليس صنيعة الدبلوماسية رفيعة المستوى وحدها، بل أنه أيضًا نتاج جهد دؤوب واستثمارات متواصلة في الأسس الاجتماعية والاقتصادية لبناء نظَام عادل، ومنصف للجميع. ومن خلال تعزيز الملكية المحلية، والمرونة الاقتصادية والتقدم التكنولوجي، تساعد اليابان في تهيئة الظروف اللازمة لتحقيق السلام الدائم والتعايش السلمي. تعكس أيضًا المشاركة اليابانية مبدأ أكثر شمولًا يُشير إلى أن القوى العالمية الصغيرة ومتوسطة الحجم، وحتى تلك البعيدة جغرافيًا عن مناطق الصراع، قادرة على لعب أدوار فعالة في دعم السلام والأمن الدوليين. وفي ظل عالم يتوجه أكثر نحو التعددية القطبية، تقدم الدبلوماسية اليابانية القائمة على مبادئ والموجهة لتلبية الأهداف الإنمائية مثالًا يحتذى في كيفية اضطلاع اللاعبين الدوليين بدور بناء في تسوية الصراعات طويلة الأمد.

وبالنظر للمستقبل، يتحتم على اليابان بقدر ما تزخر به من إمكانات العمل على تعظيم جهودها في سبيل دعم القضية الفلسطينية، والاستفادة من دورها الريادي في المحافل الدولية، وتعميق شرَاكاتها الإقليمية، وتوسيع نطاق مساعداتها التقنية للحفاظ على أمل التوصل لسلام عادل ودائم. ومن خلال الالتزام بنهجها المبدئي وترجمة قدراتها إلى دعم مُوجه لبناء الدولة الفلسطينية، تؤكد اليابان ليس فقط على التزامها تجاه الشعب الفلسطيني، بل وعلى رؤيتها لنظام دولي أكثر سلامًا، وعدلًا، وتعاونًا -يكفل لجميع الشعوب المساواة في الحقوق الإنسانية: الكرامة، والأمن، وتقرير المصير. وفي ضوء هذا المنطلق، لا يُعد دور اليابان هامشيًا، بل محوريًا في رسم مستقبل يكون فيه السلام هدفًا مشتركًا وقابلًا للتحقيق وليس حلمًا بعيد المنال. ومن خلال الخطوات الهادئة والثابتة التي تخطوها اليابان، فإنها تظل شريكًا حيويًا وموثوقًا به في تطبيق حل الدولتين والمساعي الأوسع لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

مقالات لنفس الكاتب