array(1) { [0]=> object(stdClass)#14121 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 214

المساعي الدولية تطلب إرادة جميع الأطراف والانتقال من التصريحات لفرض إجراءات تنفيذية على الأرض

الثلاثاء، 30 أيلول/سبتمبر 2025

تُعتبر القضية الفلسطينية واحدة من أكثر النزاعات تعقيدًا وطولًا في التاريخ الحديث، إذ تتشابك فيها عوامل سياسية ودينية وإنسانية وقانونية، ما يجعلها محورًا رئيسيًا في السياسة الإقليمية والدولية. ومع تباين مواقف الدول والمنظمات بشأن هذه القضية، تميزت دولة قطر كفاعل إقليمي بارز ملتزم بالعدالة وحقوق الشعب الفلسطيني، واضعة مقدراتها الدبلوماسية وإمكانياتها الاقتصادية والإنسانية لتعزيز موقف الفلسطينيين والعمل على تحقيق تسوية عادلة وشاملة تحفظ حقوقهم الوطنية المشروعة. وقد شكلت القضية الفلسطينية بالنسبة لدولة قطر أكثر من مجرد ملف سياسي، باعتبارها قضية عدالة إنسانية وأولوية مركزية في العمل العربي المشترك، مما دفعها إلى تبني موقف مبدئي يرتكز على أساسين رئيسيين؛ أولهما الالتزام السياسي والحقوقي الداعم لحل عادل وشامل ومستدام يقوم على أساس حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وثانيهما البعدين الإنساني والأخلاقي الذي توجه من خلالهما سياساتها ومساعداتها ودبلوماسيتها لمواجهة المعاناة الإنسانية المتفاقمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

أولاً- البعد السياسي: التزام راسخ بالشرعية الدولية وعدالة المطالب الفلسطينية

من الناحية السياسية، تقوم السياسة الخارجية لدولة قطر تجاه القضية الفلسطينية على مجموعة من المبادئ الثابتة، تتمثل بالتمسك بالشرعية الدولية ودعم قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن المتعلقة بحق تقرير المصير ورفض الاستيطان، والتأكيد على حل الدولتين بوصفه الإطار الأمثل لتحقيق السلام العادل والدائم، مع رفض التطبيع غير المشروط مع إسرائيل قبل إنهاء الاحتلال وضمان حقوق الفلسطينيين. كما تعطي دولة قطر أولوية للبعد الإنساني المرتبط بالقضية، معتبرة أن التحديات السياسية لا يمكن تجاوزها دون معالجة المعاناة الإنسانية. وقد تبنت قطر موقفًا ثابتًا داعمًا للحقوق الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية، وكان لها حضور متميز في إطار جامعة الدول العربية ودعمها المبكر لمبادرة السلام العربية التي قدمتها القمة العربية في بيروت عام 2002م، وطالبت بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 4 يونيو 1967م، مع ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقًا للقرار الأممي 194 مقابل استعداد الدول العربية لتطبيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل، بما يضمن الأمن والسلام للجميع. وقد عبرت مواقف وخطابات حضرة صاحب السمو الشيخ/ تميم بن حمد آل ثاني –أمير البلاد المفدى "حفظه الله"، في الأمم المتحدة ومختلف المحافل والفعاليات الدبلوماسية بوضوح عن هذا الالتزام، حيث أكد سموه بشكل مستمر أن السلام في الشرق الأوسط لا يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتلبية تطلعات الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية.

  • التزام دولة قطر بحل الدولتين

 كان لمؤتمر نيويورك الدولي الذي انعقد في يوليو 2025م، برعاية الأمم المتحدة أهمية بالغة في سياق الحراك الدولي لحل الصراع العربي / الإسرائيلي، حيث خُصص لمناقشة آليات تنفيذ حل الدولتين وإنهاء الصراع العربي–الإسرائيلي، وظهر الحضور العربي والخليجي بقوة في هذا المؤتمر، وكان للدور القطري مكانة بارزة ضمن رؤية موحدة مع دول مجلس التعاون والجامعة العربية، وجددت قطر في مداخلاتها التأكيد على أن حل الدولتين على أساس حدود عام 1967م، هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل ومستدام، مع الدعوة الصريحة إلى إنهاء الاحتلال وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. كما دعمت قطر مساعي حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، بما يعزز من مكانتها الدولية ويكسر العزلة المفروضة عليها. وجاء الموقف القطري متسقًا مع الإجماع العربي المتوافق مع توجهات المجتمع الدولي الذي أيد بأغلبية ساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة "إعلان نيويورك" حيث صوت ممثلو 142 لصالح حل الدولتين، الذي دعا إلى التزام مشترك باعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية وتهيئة الظروف لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في إطار تسوية شاملة ومستقرة. وقد اكتسب هذا المسار زخماً جديداً باعتراف المزيد من دول العالم الوازنة، وفي مقدمتها المملكة المتحدة وكندا وأستراليا، بالدولة الفلسطينية وبحق الشعب الفلسطيني في العيش باستقرار في ظل دولة مستقلة، ولا شك أن هذه الخطوات ستزيد من الضغط على إسرائيل التي باتت تعيش في عزلة دولية تامة.

ومع كل هذه التطورات الإيجابية، وبالرغم من الزخم الدولي الإيجابي الداعم لـ “حل الدولتين"، إلا أن هذا المسار يواجه تحديات كبيرة تُعيق تحقيقه على الأرض، فاستمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية يؤدي إلى ابتلاع مساحات واسعة كانت مخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية، مما يقلص بشكل ملموس فرص قيام دولة فلسطينية متصلة وفعّالة. بالإضافة إلى ذلك، يثقل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية من تعقيد المشهد، ويضعف من فرص السلام. كما يُشكل تشدد التيار اليميني داخل إسرائيل وتوجهات الحكومة الإسرائيلية لضم الضفة الغربية وإعادة احتلال قطاع غزة، إلى جانب غياب ضغط دولي فعّال وملزم لتحويل المبادرات السياسية إلى إجراءات ملموسة، تحديات معقدة أمام تنفيذ الحل. ومن هنا، يتضح أن الطريق نحو تحقيق "حل الدولتين" لا يزال محفوفًا بالتحديات، وأن نجاح المساعي الدولية، بما في ذلك الجهود القطرية، يعتمد بشكل أساسي على وجود إرادة سياسية صادقة من جميع الأطراف، واستعداد المجتمع الدولي للانتقال من مرحلة التصريحات والدعوات إلى فرض إجراءات تنفيذية جدية وحازمة على الأرض.

  • التزام دولة قطر بوحدة الصف الفلسطيني

جانب آخر مهم في الدور القطري يتمثل في دعم المصالحة الوطنية الفلسطينية، إذ تعي قطر أن وحدة الصف الفلسطيني ضرورية لإنجاز مشروع الدولة والاستقلال، ولتعزيز الموقف الفلسطيني أمام المجتمع الدولي. لذلك، أولت الدوحة اهتمامًا خاصًا بهذا الملف، حيث استضافت عدة جولات من الحوار بين حركتي "فتح" و"حماس"، وحرصت على توفير بيئة آمنة للحوار خالية من الضغوط أو الإملاءات، متبنية مبدأ أن القرار الفلسطيني يجب أن يكون بيد الفلسطينيين أنفسهم. كما دعمت قطر جهودًا عملية لتسهيل إدارة شؤون قطاع غزة وتخفيف التوتر بين الضفة الغربية والقطاع، بالتنسيق مع شركاء إقليميين ودوليين، بهدف توحيد المرجعيات الوطنية وتعزيز الموقف التفاوضي للفلسطينيين. وبرغم وجود تحديات داخلية وخارجية، ومصالح إقليمية أحيانًا تعمل على تكريس الانقسام، بقيت قطر متمسكة بخيار المصالحة كمسار استراتيجي، ورؤية مبدئية تنبع من حرصها على وحدة الشعب الفلسطيني ومؤسساته، ورفضها لأي مشاريع تهدف إلى تجزئة القرار الفلسطيني أو التأثير عليه بشكل سلبي.

  • التزام دولة قطر بالوساطة لوقف الحرب

قامت قطر بدور فاعل ومؤثر في محاولات وقف العدوان على الأراضي الفلسطينية، خاصة خلال الحرب الأخيرة على غزة التي اندلعت في أكتوبر 2023م. إذ تحركت قطر دبلوماسيًا منذ الأيام الأولى، مركزةً على الجانب الإنساني والإغاثي بالتوازي مع الجهد السياسي. ويعزى جزء كبير من فعالية الوساطة القطرية إلى قرار الدوحة، بالتنسيق مع واشنطن، باستضافة المكتب السياسي لحركة حماس، وفتح قنوات اتصال مباشرة مع قيادة الحركة. هذا القرار الاستراتيجي ساهم في توسيع آفاق التفاوض، حيث إن استبعاد أي طرف رئيسي كان سيعطل فرص الحل. وقد سمح وجود قيادة حركة حماس في الدوحة بالوساطة بين الأطراف المتنازعة، مما سهل نقل الرسائل وتقديم المقترحات بسرعة وفعالية، وحفظ الحد الأدنى من الثقة، خصوصًا في ظل عدم رغبة الطرفين في التواصل المباشر.

ثانياً- البعد الإنساني – دعم شعب محاصر ومظلوم

يقع الدور الإنساني في صلب رؤية قطر التي تنطلق من قناعة بأن القضية الفلسطينية ليست فقط مسألة سياسية، بل أيضًا قضية إنسانية وأخلاقية عميقة، إذ يعيش الفلسطينيون، لا سيما في غزة، تحت حصار خانق وعدوان متكرر يتسبب في معاناة إنسانية شديدة. ولذلك، تولي قطر أهمية قصوى لتقديم المساعدات الإغاثية والتنموية، والتعاون مع المنظمات الدولية في مشاريع البنية التحتية، وتمويل الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، والمياه، والصحة، والتعليم. وترى قطر أن الفلسطينيين يستحقون حياة كريمة وآمنة كبقية شعوب الأرض، وأن الحصار المفروض على غزة يعد عقابًا جماعيًا غير إنساني يجب كسره، وأن حماية المدنيين أثناء الحروب واجب دولي، وترفض سسياسات التجويع والتعطيش واستهداف المستشفيات والمدارس والممتلكات العامة والخاصة.

 ثالثاً - البعد الأخلاقي – قضية عدالة وكرامة

على الصعيد الأخلاقي، تؤمن قطر أن القضية الفلسطينية تمثل مأساة أخلاقية عالمية، يكشف استمرارها عن ازدواجية المعايير الدولية في احترام حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، كثيراً ما دعت قطر إلى إنهاء هذه الازدواجية، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه، وضرورة التعامل مع الفلسطينيين بوصفهم ضحايا ظلم تاريخي، لا طرفاً عادياً في صراع سياسي. وترى الدوحة أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يُبنى على أنقاض الكرامة الفلسطينية، ولا أن يكون بديلاً عن استعادة الحقوق. ولذلك، ترفض قطر التطبيع مع إسرائيل قبل تحقيق تسوية عادلة تستند على الشرعية الدولية وتحقق للشعب الفلسطيني حقه في دولة مستقلة.

 

تحديات معقدة - ولا مكان لليأس

التزام قطر بالموقف المبدئي مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة واجه الكثير من التحديات التي حاولت المس بسمعة قطر ومكانتها العالمية أولاً، وبلغت ذُراها في الاعتداء على سيادة قطر وتهديد أمن شعبها. فقد شهدنا منذ سنوات حملات تشويه وتضليل ممنهجة تحاول الزج باسم قطر في كثير من الأكاذيب والمزاعم، إلى أن وصلت محاولات النيل من قطر وجهودها الإنسانية والأخلاقية إلى مستوى الإعتداء الغادر على الأراضي والسيادة القطرية يوم 9 سبتمبر 2025م. ومع ذلك واجهت قطر الحملات الدعائية المضللة والاعتداء الإسرائيلي الغاشم بالتأكيد أكثر على التمسك بواجبها الإنساني والأخلاقي، الذي طالما أكد عليه الخطاب السامي لسمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله- والذي جدد سموه التأكيد عليه في الخطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025م:

" الوساطة والعمل الإنساني هما خيارنا السياسي الاستراتيجي على المستوى الإقليمي والدولي، وواجبنا الإنساني قبل السياسي،... وعلى الرغم من التحديات الجسيمة ومحاولات العرقلة، وما نتعرض له من افتراءات، نواصل جهدنا في التوسط لحل النزاعات بالطرق السلمية، فنحن ندرك أن أي نزاع لا يخلو من قوى معنية باستمراره، ومشككة بأي وساطة مهما كانت النوايا، ... وسوف نواصل بذل الجهد مع شركائنا حتى التوصل إلى وقف إطلاق النار الدائم وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، والتوجه إلى مسار الحل العادل وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وحصول الشعب الفلسطيني على كافة حقوقه المشروعة وفي مقدمتها دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967م".

تجسد كلمات سمو الأمير إصرار قطر على دعم السلام الذي يقوم على العدالة والكرامة ويستند إلى الشرعية الدولية والقيم الإنسانية والأخلاقية، ويحقق السلام والاستقرار والازدهار لكل شعوب ودول المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب