array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 177

تغير البيئة الدولية يقتضي صياغة وثيقة خليجية مشتركة للسياسات الخارجية

الأحد، 28 آب/أغسطس 2022

أكدت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا أن دول مجلس التعاون ليست بمنأى عن تداعيات الأحداث الدولية مهما بعدت عنها جغرافياً.  فمنذ الأسابيع الأولى للغزو الروسي تلقى عدد من قادة دول المجلس اتصالات من أطراف النزاع بهدف شرح مواقفها والحصول على دعمها أو حثها على البقاء على موقف محايد. كما التقى وزراء خارجية روسيا وأوكرانيا نظراءهم في دول المجلس وتركزت المباحثات على الحرب في أوكرانيا. وتضمنت تصريحات قادة دول المجلس التأكيد على دعم الحل السلمي والاستعداد لبذل جهود الوساطة وأهمية الالتزام بالمبادئ الراسخة في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التي تحكم العلاقات بين الدول والقائمة على احترام سيادة الدول وسلامتها الإقليمية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وضمان سلامتهم.

ليس صعباً تفسير هذا التهافت من أطراف الحرب على دول المجلس ومحاولة كسبها لصالحها فالأمر يتعلق بمخزونها الهائل من ثروات الطاقة التي أصبحت متغيراً مؤثراً في مسار الحرب. فقد بادرت الدول الغربية إلى فرض سلسلة من العقوبات غير المسبوقة على روسيا كان متوقعاً أن يكون لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد الروسي تجعل الرئيس فلاديمير بوتين يعيد النظر ويوقف عدوانه على أوكرانيا. ورغم تأثير العقوبات، إلا أن هذا الأثر بقي محل جدل وذلك بسبب استمرار روسيا في الحصول على مداخيل كبيرة من صادراتها من النفط والغاز وهو ما مكَنها من الاستمرار في تمويل عملياتها العسكرية. كما أن بوتين وكرد فعل على العقوبات الغربية استخدم ورقة الطاقة وخاصة الغاز للضغط على الدول الأوروبية وقد ترتب على ذلك ارتفاع تكلفة الوقود وبدأ قلق من الآثار العكسية للعقوبات على المجتمعات الغربية وخشية من تبعاتها السياسية.       

من هنا برز الخليج العربي في معادلة الصراع حيث تحركت الحكومات الغربية من أجل إقناع دول الخليج للمشاركة غير المباشرة في العقوبات على روسيا من خلال رفع إنتاج النفط بهدف تقليل الآثار السلبية للعقوبات على اقتصاديات الغربية والاقتصاد العالمي من جهة، وحرمان روسيا من المداخيل الكبيرة التي ترتبت على ارتفاع أسعار النفط والغاز بسبب العقوبات من جهة أخرى.  

        ولهذا الغرض استقبل الخليج الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني إضافة إلى وزراء خارجية واقتصاد وغيرهم من مسؤولين أوروبيين وأمريكيين لإقناع دوله بزيادة ضخ النفط إضافة إلى توقيع عقود لاستيراد الغاز بهدف تخفيف الاعتماد على الغاز الروسي. وكان التغير الأهم في هذا الإطار زيارة الرئيس بايدن للمملكة والتقائه بالملك سلمان وولي العهد وقادة دول مجلس التعاون وتأكيده على أهمية الشراكة الاستراتيجية، وأن واشنطن لن تترك فراغً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران.

الموقف الخليجي أكد الحرص على استقرار السوق مع بيان أن قرار حجم الإنتاج يرجع لمجموعة أوبك بلس ولا يمكن اتخاذ موقف منفرد، وأن استبدال الغاز الروسي بغاز من الخليج يتطلب سنوات لتهيئة البنية اللازمة. روسيا التي بعثت برسائل تهديد مبطنة قبل زيارة بادين رحبت بهذا الموقف من دول المجلس، في المقابل لا يزال الجدل مستمراً في العواصم الغربية حول كيفية التأثير على الدول الخليجية لجعلها تلعب دوراً في الضغط على روسيا والتخفيف من آثار العقوبات على اقتصاداتها.

لاشك أن الغرب والذي تربطه شراكة تاريخية بدول الخليج تفاجأ بهذا الموقف؛ فحسب التجارب السابقة كانت دول الخليج العربية سباقة دائماً للتحرك لمنع أي ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط تتسبب في أزمة في أسواق الطاقة وتؤثر على نمو الاقتصاد العالمي من منطلق الشراكة والمصلحة المتبادلة للمنتجين والمستهلكين. وعلى المستوى الكلي للعلاقات كان هناك  دائماً اتساقاً في السياسات الخليجية والغربية حول القضايا الدولية باستثناء القضية الفلسطينية والتي حرص الطرفان على أن لا يؤثر الخلاف بشأنها على استمرار وتعزيز الشراكة الاستراتيجية. الموقف الخليجي من حرب أوكرانيا ومن العقوبات المفروضة على روسيا جعل العواصم الغربية تجتهد في البحث عن تفسير لهذا التحول الكبير وغير المتوقع. 

وقبل أن ننظر في مسألة التفسير نعرض لاحتمالات تجدد هذه المعضلة في العلاقات الخليجية الغربية في إطار المواجهة المتزايدة مع الصين. فكما أظهرت الأزمة الأخيرة التي ترتبت على زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي لتايوان فإن شرق آسيا قد يكون ساحة المواجهة القادمة التي تلقي بظلالها على العلاقات الخليجية الغربية.  فمنذ أكثر من عقدين جعلت الولايات المتحدة الصين المنافس الأهم للقوة الأمريكية وللنظام الرأسمالي الليبرالي الغربي، ورسمت استراتيجيات أمنها القومي بهدف منع تهديد صعود الصين للهيمنة الأمريكية على النظام الدولي. ومن أبرز ركائز هذه الاستراتيجيات بناء التحالفات ((AUKUS, QUAD،وإعادة تركيز قواتها العسكرية في  شرق آسيا. ولأن صعود الصين لتصبح قوة عظمى يرتكز أساساً على نموها الاقتصادي الهائل، يظهر الخليج العربي طرفاً محتملاً في المواجهة القادمة. فأحد أبرز محركات النمو الاقتصادي الصيني يتمثل في واردات النفط والغاز حيث يزوِد الخليج الصين بما يقرب من 40% من إجمالي وارداتها وهو ما رفع من قيمته الاستراتيجية في التفكير الصيني.

ولا تترد واشنطن في إبداء قلقها من نمو الصين واحتمال تصدرها الاقتصاد العالمي وتحويل هذه القوة الاقتصادية إلى قوة سياسية وعسكرية من خلال تحديث قدراتها العسكرية والسعي للتواجد العسكري في عدد من المناطق الاستراتيجية ومنها الخليج العربي، وتزايد نشاطها الدبلوماسي، وبناء الشراكات في إطار مبادرة الحزام والطريق وما سيترتب عليها من نفوذ في مناطق كانت حكراً على النفوذ الغربي. لذلك وفي حال عزمت واشنطن على إعاقة هذا التحول الاستراتيجي فقد تحظى العلاقة بين الصين ودول الخليج بأهمية خاصة ويمكن أن تسعى الولايات المتحدة لاستثمار علاقتها التاريخية مع الخليج للمساهمة في كبح النمو الصيني من خلال "ضبط" صادرت النفط والغاز وتقييد التعاون العسكري والتقني. وقد ظهرت بوادر هذا التوجه فيما أثير حول منشأة عسكرية صينية في الإمارات العربية المتحدة، وكذلك الضغط على دول الخليج لاستبعاد شركة هواوي الصينية من تطوير شبكات الجيل الخامس، إضافة إلى تعليقات أمريكية متعددة على خبر صحفي لم تثبت صحته بشأن عزم المملكة بيع النفط للصين باليوان بدلاً من الدولار حيث نسبت صحيفة الوول ستريت إلى مسؤول أمريكي قوله "إن تحويل ملايين براميل النفط من الدولار إلى اليوان، يمكن أن يضر الاقتصاد السعودي، والذي ترتبط عملته الريال بالدولار الأمريكي."

         لقد أظهرت تجربة العقوبات على روسيا أن نجاحها يقتضي مشاركة الدول المؤثرة اقتصادياً وبدون هذه المشاركة فإن التأثير المأمول قد يكون محدوداً بل وقد يكون له آثار عكسية. لذلك فإن أي مواجهة مستقبلية بين الولايات المتحدة والصين قد تضع دول الخليج في موقف صعب هو الاختيار بين الحليف التاريخي أو الشريك المستقبلي.

ورغم أن دول المجلس لم تعلن عن موقف موحد تجاه الحرب والعقوبات الغربية على روسيا، إلا أنه يمكن استنباط هذا الموقف من خلال تصريحات وإجراءات اتخذتها بعضها وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وبناء عليها يمكن القول أن دول الخليج العربية لا ترغب في أن تكون طرفاً في مواجهات بين القوى الكبرى، وتحرص على المحافظة على علاقات إيجابية معها جميعًا انطلاقاً من مصالحها التي تستدعي الوقوف على الحياد حيث ترتبط بعلاقات مهمة مع واشنطن وموسكو وبكين. وكما أشرنا أعلاه فإن "نزعة الحياد" هذه تعد تطوراً مستجداً في توجهات دول الخليج التي تضامنت مع المعسكر الغربي طوال سنوات الحرب الباردة.  

كيف يمكن إذن أن نفسر هذه النزعة الجديدة والتي يظهر أنها ستكون بديلاً عن سياسة الدعم اللامحدود للسياسات الغربية على الساحة الدولية؟  في تقديرنا أن هذه النزعة تعود إلى  متغيرين:-

(أولاً) التوجه الأمريكي منذ عهد الرئيس أوباما نحو الانسحاب من الخليج العربي وتقليل أهميته والذي ظهرت آثاره الفعلية على العلاقات بين بعض دول الخليج وواشنطن وتمثلت في التردد في تقديم الدعم لها حين تعرضت لهجمات الصواريخ والطائرات المسيرة من الميليشيات الحوثية؛ فرض مزيد من القيود على مبيعات الأسلحة، والخلاف حول كيفية التعامل مع إيران.  

   (ثانياً) التغير الذي حدث في توزيع القوة في النظام الدولي خلال العقود الثلاثة الأخيرة حيث برزت الصين كقوة اقتصادية هائلة وبدأت مظاهر تحويل هذه القوة إلى تأثير ونفوذ خارج محيطها الإقليمي، كما أصبحت أبرز شريك اقتصادي لدول الخليج، إضافة إلى استعدادها لبيع الأسلحة حين يماطل الغرب. ومن مظاهر إعادة توزيع القوة أيضاً عودة روسيا طرفاً فاعلاً في منطقة الشرق الأوسط منذ تدخلها العسكري في سوريا والنمو المتسارع في علاقتها مع دول الخليج والشراكة معها في تجمع أوبك بلص.

        في ضوء هذه التغيرات وجدت دول الخليج أن الوقوف على الحياد كما ظهر في موقفها من الحرب في أوكرانيا يعد الخيار الأنسب في أي مواجهة بين القوى الثلاث. ونظراً لأن هذا خيار جديد فيبقى بحاجة إلى بحث وتمحيص حول ملاءمته وهو ما يقتضي إجراء تشخيص لمجمل العلاقات الراهنة والمستقبلية مع القوى الثلاث، وكذلك دراسة للتوجهات المستقبلية لهذه القوى ومواقعها في النظام الدولي. الخطوة الأولى تبدأ بإجراء مناقشات مستفيضة على مستوى كل دولة من دول المجلس ولاحقاً بشكل جماعي في كيفية التعامل مع المتغيرات في الساحة الدولية والبحث في الخيارات المتاحة أمامها.  

المؤكد أن البيئة الدولية اليوم تغيرت بشكل كبير وسيكون أبرز ملامحها تسارع وتيرة الصراع في قمة النظام الدولي وهو صراع تتعدد أبعاده واستحقاقاته، وستشمل ساحاته جميع المناطق المهمة حول العالم، وهذا ما يقتضي مراجعات للسياسات القائمة، ولعلها فرصة للنظر بشكل جاد في مقترح  لصياغة وثيقة مشتركة تحقق التنسيق والتكامل بين السياسات الخارجية لدول المجلس على غرار السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي.

وفي هذا الإطار أجدها كذلك فرصة لدعوة الأمانة العامة لمجلس التعاون لإعادة تقييم تجربة الحوارات الاستراتيجية مع الدول والتجمعات الإقليمية التي بلغت حتى تاريخه خمسة عشر حوارًا استراتيجياً؛ حيث يٌشرع التساؤل حول جدوى أن يقيم المجلس حواراً استراتيجياً مع دولة بحجم البيرو والتي لا يوجد لبعض دول المجلس بعثات دبلوماسية مقيمة فيها، في حين يغيب هذا الحوار مع منظمة في غاية الأهمية وهي منظمة شنغهاي. إن ترشيد وترقية هذه الحوارات وربطها بالتغيرات الرئيسة في بنية النظام الدولي يسهم في استعداد دول المجلس للتعامل مع التحديات الاستراتيجية وفي مقدمتها الصراعات المحتملة بين أقطاب النظام.

مقالات لنفس الكاتب