بعد صمت طويل وتجاهل متعمد من المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية، بل ودعم كبير لإسرائيل لقرابة 80 عامًا من الغرب الذي زرع الكيان الإسرائيلي في خاصرة الأمة العربية، حيث تجاهل العالم خاصة الغرب كل نداءات ومطالب العرب بالسلام الذي يحقق العيش المشترك دون إقصاء أو إلغاء لأحد طرفي الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي، بل وافق العرب على جميع القرارات الأممية منذ قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وما تلا ذلك من قرارات، فقد قبلت مصر مبادرة روجرز التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي وليم روجرز في 5 يونيو 1970م، لإيقاف النار بين إسرائيل ومصر لمدة 90 يومًا، واعتمدها الطرفان في 8 أغسطس 1970م، إلا أن إسرائيل كعادتها نكصت وأسقطت المبادرة في 4 فبراير 1971م، ثم توالت المبادرات، لكن الثابت أن إسرائيل لا تقبل السلام وهي في موقف قوة، فعندما قبلت مبادرة روجرز كانت تئن تحت وطأة الخسائر الجوية التي دارت مع مصرفي حرب الاستنزاف وأسقطت قوات الدفاع الجوي المصرية طائرات أمريكية الصنع حديثة جدًا، وكانت إسرائيل في مأزق عسكري داخلي كبير بسبب الخسائر البشرية اليومية في صفوف الجيش الإسرائيلي، و تكرر ذلك بعد انتصار العرب في حرب أكتوبر 1973م، عندما قبلت اتفاقية كامب ديفيد التي جاءت بعد هزيمة عسكرية مدوية للجيش الإسرائيلي وكسر هيبته وادعاءاته بأنه الجيش الذي لا يُقهر، أي أن المبادرات التي تقبلها تكون فيها إسرائيل في موقف ضعف وليس في موقف قوة، عكس العرب الذين يتقدمون بالمبادرات وهم في حالة قوة، وهذا ما حدث منذ مبادرة فاس عام 1981م، ثم الموافقة على اجتماعات مدريد واتفاقية أسلو التي تمخض عنها اتفاقية إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي، لكن أفشلت إسرائيل هذه الاتفاقية بعدم تنفيذ أيًا من بنودها، بل حاصرت السلطة الوطنية الفلسطينية، وزاد عدد المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وظل العرب يسعون لتحقيق السلام رغم التعنت والمراوغة الإسرائيلية، وكالعادة تتعمد إسرائيل تجاهل كل فرصة للسلام كما حدث مع المبادرة العربية التي تبنتها جامعة الدول العربية في قمة بيروت عام 2002م، بل منعت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من المشاركة في تلك القمة.
كل ذلك وغيره من المواقف العربية الإيجابية رفضتها إسرائيل وتخلت عن مبدأ الأرض مقابل السلام، وأدخلت نظرية جديدة للصراع وهي السلام مقابل السلام وتمكنت بمساعدة أمريكا من التغلغل في المنطقة العربية تحت شعار مبادرات إبراهام التي كان مهندسها الرئيس الأمريكي ترامب في ولايته الأولى وصهره كوشنر ، حيث تم إقناع عدة دول عربية بهذه المبادرات، بينما قابلت إسرائيل كل الموافقات العربية بمزيد من التعنت ورفض السلام العادل والدائم، حتى جاءت أحداث السابع من أكتوبر عام 2023م، التي تحولت بعدها إسرائيل إلى وحش كاسر ودمرت كل فرص الحوار المؤدي للسلام، وقام ومازال اليمين الإسرائيلي بإعمال آلته العسكرية الفتاكة في قطاع غزة، بل امتدت إلى لبنان وسوريا وإيران إلى أن وصلت في حادثة غريبة وغير متوقعة إلى دولة قطر لاغتيال قادة حماس على الأراضي القطرية، بينما تبذل قطر جهودًا مضنية للوساطة لمدة طويلة بين إسرائيل والفلسطينيين.
لكن المجتمع الدولي اقتنع مؤخرًا بأن إسرائيل دولة حرب وليست دولة سلام، وسقطت كل اقنعتها التي كانت تروج عبرها في الغرب بأنها تدافع عن نفسها وسط محيط عربي من الأعداء، وتأكد العالم أن إسرائيل هي العدو للجميع، بل عدو للشعب الإسرائيلي نفسه، لذلك تراجعت أوروبا عن دعمها المتواصل لهذه الدولة منذ أن تأسست على يد الغرب نفسه الذي ظل يتعهدها ويرعاها منذ العام 1948م، ونجحت الدبلوماسية السعودية بمشاركة فرنسا في حشد دول العالم في مؤتمر نيويورك لحل الدولتين الذي عقد مؤخرًا بمقر الأمم المتحدة حيث تكاتف المجتمع الدولي لأول مرة للاعتراف بالدولة الفلسطينية حيث وافقت 142 دولة من الدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف بحل الدولتين وبالفعل اعترفت 159 دولة بالدولة الفلسطينية حتى الآن من بينها دول أوروبية كبرى.
والخطوة القادمة، من الضروري أن يستمر التماسك الدولي، ويحتفظ بقوة الدفع الحالية لتثبيت ما جاء في بيان نيويورك، ومساندة الجهود السعودية، بموقف عربي جماعي صارم وجاد والاستفادة من الإجماع الدولي وترجمة هذا الوفاق الدولي غير المسبوق في إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وإعلان قيام الدولة الفلسطينية ليتحقق الحلم الذي طال انتظاره، ويعم السلام في هذه المنطقة التي تعاني من الاضطرابات التي خلقتها إسرائيل منذ أن احتلت الأراضي الفلسطينية.