array(1) { [0]=> object(stdClass)#14119 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

نظم التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي وأدوارها المرتقبة

الإثنين، 01 تشرين2/نوفمبر 2010

يعتبر التعليم بكافة مراحله العمود الفقري للتنمية البشرية وأساس التطور العلمي والتكنولوجي الذي يؤمن الفرص الملائمة لتنمية مختلف مجالات الحياة الآمنة لأية أمة. ويعد التعليم بكافة أشكاله الدعامة الأساسية لقدرة الفرد على التواصل والانتماء والمشاركة الفعالة في حياة المجتمع وتوفير مقومات التحديث والتطوير اللازمين لمؤسساته وهيئاته المتعددة.

لقد جعلت هذه المكانة أن يشهد التعليم متغيرات جوهرية منذ نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين سواء من حيث نطاق توسعه وانتشاره أو أشكال تطوره، خاصة أن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها كثير من دول العالم اقتضت إجراء إصلاحات مماثلة في نظم التعليم، لا سيما أن العوامل التقليدية المؤثرة في التواصل التنموي لأية أمة والمتمثلة في (حجم المساحة والثروات الطبيعية وعدد السكان والمناخ وغيرها) لم تعد تمثل الدور الرئيسي في تحديد مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، إنما أصبحت المؤشرات الدالة على رخاء أية دولة ومكانتها في الأسرة الدولية تتمثل في مستوى ما حققته في مجالات التطور العلمي والتكنولوجي، وما تملكه من هذه التكنولوجيا وتطبيقاتها، وما تؤمنه من الاختصاصيين من ذوي الكفاءة العلمية وما تمتلكه من مؤسسات إدارية وتعليمية فعالة للإعداد والتأهيل اللازمين لمواكبة احتياجات التنمية من القوى العاملة المؤهلة والمدربة والحفاظ على المكانة العلمية والرقي بها إلى المستويات التي تتطلبها التنمية الحديثة واستمراريتها.

وكغيرها من المنظومات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتجانسة حرصت دول مجلس التعاون الخليجي على تطوير التعليم وذلك بتبني خطوات عملية لتهيئة الظروف الملائمة لولادة وتطور أشكال إيجابية جديدة من المؤسسات الإدارية والتنظيمية التي اضطلعت بالنهوض بالعملية التعليمية، وأمنت الظروف المؤاتية لنشوء نظم تأهيل وتدريب على قدر جيد من الكفاءة، واستطاعت أن تسخر الكثير من مقومات نجاح القطاع التعليمي لخدمة التنمية في كثير من الأحيان حتى إن تم ذلك في كل دولة على حدة.

لقد سعت دول المجلس إلى ربط نمو وتطور المؤسسات التعليمية باحتياجات التنمية الاقتصادية من الكوادر الوطنية المؤهلة في ظل الاستقطاب الواسع للعمالة الوافدة التي اقتضتها حاجة التنمية المتسارعة نتيجة لندرة الخبرات الوطنية في مختلف المجالات الاقتصادية التي تلبي متطلبات التنمية، إذ وصل حجم العمالة الوافدة في عدد كبير من دول المجلس إلى 70 في المائة من حجم العمالة العاملة في مراحل معينة من تطورها الاقتصادي وبالذات في أواسط الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي إلا أنها لم تفلح أحياناً في تكييف استراتيجية التعليم مع برامج وخطط التنمية المتلاحقة والسريعة على الرغم من جملة الخطوات العملية الجدية المتبعة لتطوير نظم إدارة وإعداد الكوادر البشرية، كونها عماد التنمية الاقتصادية والاجتماعية لرقي وتطور شعوب المنطقة، لاسيما أن الخصائص الديموغرافية للسكان التي مالت بالتدريج لصالح الفئة العمرية الشابة شكلت ضغطاً على المؤسسات التعليمية الوليدة لكي تتمكن من تبني اتجاهات جديدة لتطوير نظم التأهيل والتدريب في كثير من دول المجلس خاصة أن أعداد هذه الفئة العمرية شكلت أكثر من نصف عدد السكان.

ومن هنا يلاحظ تميز نظم التعليم في دول المجلس عن سواها من النظم التعليمية الأخرى في الاستقطاب والإقبال الكبيرين على التعليم وارتفاع مستوى القبول بالدراسة في مراحلها الأساسية والتي وصلت في كثير منها إلى 90 في المائة من إجمالي الأطفال في سن التعليم. هذه الزيادة المطردة والإقبال الكبير على التعليم العام لم يقابلهما تطور مماثل في مؤسسات ونظم التعليم العالي، حيث لم تتمكن مؤسسات التعليم العالي من مواكبة تلبية احتياجات مخرجات التعليم العام من التأهيل الأكاديمي، الأمر الذي دفع ببعض دول المجلس إلى التوجه نحو استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية للاستثمار في مجال التعليم العالي بهدف تأمين احتياجات قطاعاتها الاقتصادية المختلفة من الكوادر الوطنية المؤهلة ورفع كفاءة إعدادها، في حين اتجهت أخرى إلى تلبية احتياجات اقتصادياتها من هذه الكفاءات من خلال برامج الابتعاث للخارج على الرغم من التكاليف المالية الباهظة المترتبة عليه.

لقد اعترضت نظم التعليم في دول المجلس جملة من التحديات التي كان ينبغي لتذليلها التسليم بضرورة التفهم للقضايا التالية:

1- أن تضع أمامها مفهوم أن أهم مخرجاتهابناء الإنسان الحر وتحقيق نضج الفرد المتعلم في مختلف مستوياته العقلية والجسميةوالاجتماعية والانفعالية والروحية، حيث يتم بناء الإنسان المؤمن الواعي القادر علىالبناء والعطاء ضمن إطار من وضوح الرؤيا وتحقيق الهدف المرجو ضمن المسؤولية.

2- مواجهة الخلل في بناء الثقافة العامة للمجتمعوالمكتسبات المعرفية المحققة مع رعاية الكفاءات في العلوم والآدابوالفنون وتحدي أي اضطراب في الرؤية الاجتماعية بالنظر إلى التخصصات العلمية والأدبية والتي تؤثر بشكل مباشر في الأجهزة التربوية والمؤسسات التعليمية التي تعد من أبرز الدعامات والمرتكزات القوية في البناء الثقافي والمؤسسات المعرفية.

3- التسليم بضرورة الانفتاح على النظم التعليمية الأخرى وتعميق روح الاتصال والتواصل بحيث يكون هذا الانفتاح أمراً حتمياً لا بد منالتعامل معه، وبالذات إذا كان هذا الانفتاح يساعد على العمل الجماعي والتنسيق وزيادة الوعي ونقلالتكنولوجيا بصورة أفضل وسهولة أكبر.

4- الإبداع والسعي الذاتي نحو الإنجاز والتطور الذاتي والجماعي وتجاوز أمراض البيروقراطية.

5- اعتماد خطط تربوية جديدة مستندة إلى الإرث التاريخي الإيجابي لبناءمستقبل النظام التربوي القادر على بناء إنسان القرن الحادي والعشرين.

6- توافر بيئة تربوية سليمة مع محتوى ومضمون أكاديمي وثقافي، ومربين متميزين يعيشون بين الطلبة، وتنمية إحساس الطلبة بالتنافس والمنافسةالشريفة من أجل التفوق العلمي والأدبي والمهاري.

7- الإشراك المباشر والفعال للأسرة من خلال تربيةالأبناء في هذا المجتمع الجديد بحيث يعيش الإنسان تحديات معاصرةقد تزول أمامها شخصيته، أهمها كيفية التربية والتعامل مع الأبناء الذين يواجهونهذا العالم بتغيراته الكثيرة.

8- مواجهة آثار الغزوالفكري والثقافي، والفراغ الفكري في المجتمع وأزمة المعلمومهنة التعليم.

لقد اقتضت الاتجاهات العالمية الحديثة الهادفة إلى تحديث وتطوير نظم التعليم ورفع كفاءة مخرجاتها تبني تغييرات جذرية في برامج ووسائل التعليم وذلك بتطبيق أساليب الرقابة والاختيار الفردي للاتجاهات التعليمية المتاحة، حيث أصبحت الإصلاحات الراديكالية لنظام التعليم ضرورة حتمية، وأن تحقيق التعليم للوظائف والمهام المرجوة منه يتوقف على ضرورة أن يخضع إلى تغييرات جوهرية تهدف إلى إكسابه المرونة الذاتية وإعادة تشكيل مؤسساته وهياكله وقاعدته التنظيمية ومراحل التعليم ونوعية وشكل إيصاله المقترن بالاستخدام الهادف للتكنولوجيات الحديثة، خاصة أن التعليم ينبغي أن يسبق تطور احتياجات الفرد والمجتمع، وأن يكون مستعداً لتلبية الاحتياجات المرتبطة بتجديد المعارف والمهارات وإعادة تحديد اتجاهات التأهيل، وإعادة التأهيل، والتطور الثقافي العام للمجتمع، وأن يكون مكوناً رئيسياً لمشروع التعليم المستمر للجميع ومحركه الأساسي وعنصره الخاص الذي يسمح بتكامل هذا المشروع مع بقية درجات وأشكال التعليم وتوثيق الصلات بها، خاصة أن الثورة المعرفية والتكنولوجية قد زادت من أسباب التحدي أمام المؤسسات التعليمية في تقديم تعليم على قدر عال من الكفاءة في مواجهة مؤثرات العولمة، من حيث مضمون التعليم وطرائقه ووسائله. فمهما بلغت كفاءة المعلم لا يكتمل الأثر أو تحقيق الأهداف إلا بالتطوير النوعي لعناصر التعليم الأخرى بدءاً منالمنهج ثم المحتوى فالطرائق المستخدمة في تطبيقه وأساليب تقويمه وذلك بتحديد المهارات المعرفية والمهارية التي يتوقع منالمتعلمين إتقانهاوتنظيم محتوى المقرر الدراسي ووسائل تطبيقه على أسس جديدة والاستفادة من الوسائط التعليمية الحديثة (الكمبيوتر وشبكات المعلومات) إلى غير ذلك من الخطوات الإجرائية.

أصبحت الحاجة أكثر إلحاحاً لإحداث تغييرات جذرية في نظم التعليم مع بروز المتغيرات الدولية 

ومع دخول اقتصادات دول مجلس التعاون حقبة جديدة من علاقات اقتصاديات السوق التي تقتضيها الاشتراطات الدولية لعضوية منظمة التجارة العالمية، التي أصبحت دول المجلس أعضاء فيها وما تمليه المتغيرات الدولية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أصبحت الحاجة ملحة أكثر لإحداث تغييرات جذرية في نظم التعليم بشكل عام، حيث إن آفاق تطور التعليم في دول المجلس مرهونة بمدى قدرة هذه النظم على التكيف مع احتياجات الاقتصاد الوطني من القوى العاملة المؤهلة خلال السنوات المقبلة، واختيار الاستراتيجيات المناسبة للوصول به إلى مستوى عال من التنظيم القابل لسرعة ومرونة التحديث والتطوير المستمرين.

لذا فإن تغيير اتجاهات ومستوى إعداد الاختصاصيين من حملة المؤهلات التعليمية المختلفة بشكل عام وفي مناح معينة تتعزز فيه أسس ربط نظام إدارة مؤسسات التعليم باحتياجات محددة لتطور الاقتصاد تحت تأثير العوامل الاقتصادية، كما أن تكامل وظائف مؤسسات التعليم مع مؤسسات البحث العلمي والمؤسسات الإنتاجية في القطاعين العام والخاص أمر جدير بالاهتمام، خاصة أن مثل هذا التكامل سيؤدي إلى الاستجابة المرنة والسريعة للمتغيرات التي تطرأ على متطلبات السوق من التخصصات العلمية المختلفة، وبالتالي الإسهام في الحد من تفاقم البطالة بكافة أشكالها من جهة وتقليص حجم الاعتماد على العمالة الوافدة من جهة أخرى، وذلك من خلال تأمين احتياجات السوق من العمالة المؤهلة والاستخدام الأمثل لنتائج التقدم العلمي والتكنولوجي الذي تتطلبه كافة القطاعات الاقتصادية.

من هنا فإن تكامل مؤسسات التعليم مع المؤسسات البحثية والقطاعات الإنتاجية والاستفادة من الرقابة والتخطيط الحكوميين في ظل المتطلبات الحديثة لعلاقات اقتصاديات السوق سوف يؤمن الكوادر المطلوبة للتنمية، خاصة أن تحقيق التكامل بين المؤسسات التعليمية والمؤسسات البحثية يمكن أن يتم من خلال تأسيس (مجمعات تعليمية) تضطلع بمهام تنظيم أنشطة مؤسسات التعليم في القطاعين العام والخاص بهدف تقوية القاعدة العلمية والمادية لهذه المؤسسات، وتبادل الخبرات وتقسيم مجالات التخصصية (تخصصية مؤسسات التعليم)، هذه التخصصية التي تهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف، فعلى سبيل المثال لا الحصر أن تقوم المؤسسات التعليمية بالالتزام بالتأهيل الأكاديمي في تخصص واحد أو مجموعة تخصصات متشابهة ومتكاملة، وأن يتخذ هذا التكامل أشكالاً عدة منها:

* تخصيص المؤسسات الإنتاجية في القطاع الخاص اعتمادات مالية للمؤسسات التعليمية بهدف إعداد الكوادر المؤهلة اللازمة لهذه المؤسسات، وفي المقابل تقوم المؤسسات التعليمية بتعديل برامجها التعليمية لتتوافق مع مقتضيات المؤسسات الخاصة (أي يتم تشكيل علاقات اتصال تقوم على أساس التعاقد)، وعندها تصبح المؤسسات التعليمية ضامنة لتأهيل الكوادر المطلوبة، في حين تقوم المؤسسات الإنتاجية من جانبها بالالتزام بتوطين مخرجات المؤسسات التعليمية.

* مشاركة المؤسسات الإنتاجية بالقطاع الخاص في تمويل مؤسسات البحث العلمي، وهذا الشكل من التكامل ينبغي أن يتم من خلال توقيع عقود مع المؤسسات العلمية لتقوم بالدراسات والأبحاث المطلوبة لصالح المؤسسات الإنتاجية، مما يحفز هذه المؤسسات على إنشاء مراكز أبحاث مشتركة على قاعدة ما يتوفر من إمكانات علمية لديها.

* إنشاء مختبرات صناعية وورش في المؤسسات التعليمية لغرض التطبيق العملي للدارسين والباحثين، في حين تصبح المؤسسات الإنتاجية المستقبلة لخريجي المؤسسات التعليمية فروعاً للمعاهد والمختبرات العلمية.

* الاهتمام بالتعليم التكنولوجيالذي يركز على الوعي المهني، ويهتم في المقام الأول بالجانب التطبيقي الذي يضمن إعداد المتعلم بمستويات مختلفة من المهارات والقدرات الفنية والتطبيقية المتخصصة، وتطعيم المنهج بأنشطة تكنولوجية تكسب المتعلم كيفية تطبيق المعلومات واستخدامهاوغرس سلوكيات التعامل معها.

تحقيق التعليم للوظائف والمهام المرجوة منه يتوقف على ضرورة أن يخضع لتغييرات جوهرية

إن التكامل سواء كان في إطار مجمعات تعليمية على المستوى المحلي أو الإقليمي أو حتى في إطار منفرد بين مؤسسات تعليمية وبحثية وإنتاجية بعينها يسهم ليس في إيجاد حلول آنية لمشكلة تأمين العمالة الوطنية المؤهلة والمدربة فقط، بل سيعطي بعداً شاملاً طويل الأمد لتطوير التعليم وربط مخرجاته باحتياجات السوق وتلازم مسارات التعليم مع مسارات البحوث والابتكارات العلمية، ويعطي أيضاً مجالاً أوسع لتطبيقها العملي واختيار الحلول المؤاتية لمشكلات الإنتاج المتجددة باستمرار.

والجانب الآخر في سد فجوة احتياجات سوق العمل الخليجي من الكوادر الوطنية اللازمة للتنمية الاقتصادية في ظل المشكلات التي تواجهها دول المجلس من دون استثناء يتمثل في الحاجة إلى أن تنشأ على مستوى الأمانة العامة لدول المجلس مؤسسات تضطلع بدراسة احتياجات السوق الخليجية من العمالة الوطنية ككل وتحديد الأدوار التي ينبغي أن تضطلع بها مؤسسات التعليم في مختلف دول المجلس لسد العجز الذي تواجهه في العمالة الوطنية واختيار الآليات المناسبة للوفاء بالاحتياجات الآنية والمستقبلية من القوى العاملة المؤهلة والمدربة في مختلف القطاعات الاقتصادية. كما ينبغي إعادة تقييم إسهامات مؤسسات التعليم العالي في الإعداد والتأهيل وإعداد تصنيف موحد فيها على أن يشمل هذا التصنيف مجالات الاعتماد للشهادات العلمية والاعتراف بها على مستوى دول المجلس وخارجها، بالإضافة إلى توحيد المناهج العلمية أو تكاملها بحيث تراعي احتياجات سوق العمل من هذه أو تلك من التخصصات والمهن.

ومع أننا نسلم بأن التركيبة السكانية لدول مجلس التعاون على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة ستظل دون احتياجات سوق العمل، وأن الاستفادة من العمالة الوافدة ستظل هي الأخرى هاجساً يؤرق حكومات دول المجلس إلا أن إيجاد حلول مشتركة لمعالجة مشكلات تلبية احتياجات سوق العمل من العمالة الوطنية يبقى ضرورة ملحة ينبغي أن تتضافر الجهود الجماعية لحلها، لا سيما أن مقومات نجاح مؤسساتنا التعليمية بالإسهام في الوفاء التدريجي باحتياجات سوق العمل من العمالة المؤهلة والمدربة قابلة للتطبيق إذا ما أعيد تطويرها وتحديث هياكلها لتواكب استحقاقات المراحل المقبلة. 

مجلة آراء حول الخليج