array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 93

التجربة الأوروبية في العملة الموحدة

الجمعة، 01 حزيران/يونيو 2012

مما لا شك فيه أن تجربة الدول الأوروبية من أكثر تجارب التكامل الاقتصادي نجاحًا، إذ يمثل إنشاء منطقة التجارة الحرة الأوروبية، والمجموعة الاقتصادية الأوروبيةـ ثم توحيد العملة الأوروبية في اتحاد نقدي أكثر الجهود نجاحًا حتى الآن من قبل مجموعة من الدول المستقلة في زيادة اعتمادها الاقتصادي والسياسي المتبادل.

البداية الحقيقية للتجربة الأوروبية تعود إلى أعقاب الحرب العالمية الثانية، حينما أعيدت صياغة نظام النقد الدولي طبقًا لاتفاقية "بريتون وودز" عام 1945، تلك الاتفاقية التي تجاهلت تمامًا مصالح البلدان النامية التي كانت تتطلع لتحقيق تحررها الاقتصادي، وبناء تنميتها ورفع مستوى معيشة شعوبها[1].

ومن ثم اتجهت الدول الأوروبية إلى إقامة اتحاد بينها، ونجحت في ذلك يوم 9 مايو 1950، وهو يوم إعلان ميلاد الاتحاد الأوروبي[2]، ومنذ ذلك التاريخ اتجهت الدول الأوروبية إلى تكوين اتحاد اقتصادي يقوم لمواجهة آليات نظام المدفوعات الدولية الذي قام على قاعدة الدولار القابل للتحويل، بعد أن نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في جعله العملة الدولية، ومن ثم عملة الاحتياطي العالمي[3].

ومن ثم اجتمعت في روما دول: فرنسا، وألمانيا الغربية، وايطاليا، وبلجيكا، وهولندا، ولكسمبورج، ونجحت في توقيع معاهدة روما في مارس 1957، التي أنشأت السوق الأوروبية بينها، والتي شهدت التوسع الأول في يناير 1973، إذ انضمت لها كل من المملكة المتحدة والدانمرك، ثم كان التوسع الثاني في مارس 1981، حيث انضمت اليونان، وكان التوسع الثالث بانضمام أسبانيا والبرتغال في يناير 1986، وأخيرًا كان التوسع الرابع بانضمام كل من السويد وفنلندا والنمسا، ليصبح الإتحاد الأوروبي مكونًا من خمسة عشر عضوا[4]، وتزايد عدد الدول الأوروبية فيما بعد ذلك حتى ضمت جميع الدول الأوروبية، ومنذ ذلك التاريخ تعتبر السوق الأوروبية المشتركة أكبر تكتل اقتصادي في العصر الحديث.

"اليورو" اصبح عملة التداول الرسمية للدول الأعضاء في الإتحاد النقدي الأوروبي عام 2002

وعلى مستوى تعمق التعامل الاقتصادي فقد حققت المجموعة الأوروبية اتحادًا جمركيًا هدف إلى إلغاء جميع أنواع التعريفات الجمركية، ونظم حصص الاستيراد التي كانت تعترض سبيل التبادل التجاري الحر، وقررت توحيد التعريفة الجمركية تجاه الدول غير الأعضاء على أن يتم ذلك عن طريق الملائمة المطردة بين التعريفات الجمركية لدى الدول الأعضاء، بحيث يبدأ تطبيق تلك التعريفة الموحدة حيال العالم الخارجي في ختام فترة الانتقال[5]، فالهدف إذن من إقامة السوق الأوربية المشتركة كان مجرد اتحاد جمركي. 

وقد نجحت سبع دول أوروبية في 4 يناير 1960 في إقامة منطقة تجارة حرة؛ بهدف تخفيف التعريفات الجمركية فيما بينها؛ إلا أن منطقة التجارة الحرة بين هذه الدول لم تتفق على سياسة جمركية موحدة إزاء العالم الخارجي، ولم تحاول احتواء السلع الزراعية.

وإذ كان يوم 11 ديسمبر 1991 حين تم التوقيع في روما على معاهدة "ماسترخت" بشأن الوحدة الأوربية الاقتصادية، والنقدية والسياسية أيضًا، يعد للمجتمع الدولي منعطفًا تاريخيًا لعلاقات تعاون نمت تدريجيًا على مدى العقود الأربعة، ومما لاشك فيه أن يوم 2 مايو 1998 يعد يومًا تاريخيًا مشهودًا في تاريخ أوروبا، حيث أصدرت القمة الأوروبية التاريخية التي انعقدت في بروكسيل إعلانا بإصدار العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) لتصبح عملة التداول الرسمية للدول الأعضاء في الإتحاد النقدي الأوروبي عام 2002[6].

وهكذا اتجهت الأوضاع في الإتحاد الأوربي نحو اليورو، الذي يعد حدث القرن العشرين في القارة الأوروبية وعالميًا، ولم يكن ذلك وليد اللحظة بل إنه مر بتطورات تاريخية ابتداءً من عام 1950، عام ميلاد الإتحاد الأوروبي، مرورًا باتفاقية باريس في 8 أبريل 1951، التي أسست الهيئة الأوروبية للفولاذ والفحم من جانب فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج، لتتوج بمعاهدة روما التي سبق الإشارة إليها في 25 مايو 1957، والتي تأسست بموجبها السوق الأوروبية المشتركة، ومنظمة الطاقة الأوروبية النووية، لتندمج هذه المنظمات الثلاث في الأول من يناير 1958 في المجموعة الاقتصادية الأوروبية، التي وضعت في حيز التنفيذ عام 1969، وبموجب ذلك الدمج بدأت الوحدة الجمركية التي ألغت جميع الجمارك بين الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية الأوروبية في الأول من يوليو 1978.

وفي 13 مارس 1979 بدأ تطبيق (النظام النقدي الأوروبي) الذي اعتمد آلية تفضيلية للتدخل في سوق النقد، بهدف التحكم بأسعار الصرف لعملات الدول الأعضاء، وتقديم الدعم للعملات التي تتعرض للضعف والتذبذب، وتضمن النظام النقدي الأوربي ثمانية عملات هي (المارك الألماني، الفرنك الفرنسي، الفرانك البلجيكي، الجيلندر الهولندي، الكراون الدانمركي، الليرة الإيطالية، الجنيه الأيرلندي، فرنك لوكسمبورج)، وترك باب الانضمام مفتوحًا أمام بقية الدول أعضاء السوق الأوروبية الموحدة.

وفي 12 ديسمبر 1991 كللت جهود الدول الأوربية بالنجاح بمعاهدة "ماسترخت"، التي اتفق فيها على تحويل المجموعة الأوربية من مجموعة اقتصادية إلى وحدة سياسية ذات عملة واحدة، وبذلك يكون قد تم التوصل إلى اتفاق بشأن الوحدة الأوربية الاقتصادية والنقدية، وبشأن الإتحاد السياسي أيضًا.

وفي بداية عام 1993 بدأ تطبيق معاهدة "ماسترخت"، واتخذ الإتحاد الأوربي عدة خطوات للدخول إلى مرحلة ما بعد هذه المعاهدة في ميادين الاقتصاد والنقد والسياسة الخارجية، والأمن والدفاع المشترك، والمواطنة الأوروبية الواحدة، ليقرر رؤساء حكومات الدول الأعضاء في القمة الطارئة في بروكسيل في 29 أكتوبر من نفس العام إعداد التحضيرات اللازمة لتأسيس المصرف المركزي الأوروبي، والذي يعني تأسيس مؤسسة مسؤولة في المستقبل لقيادة السياسة النقدية الأوربية بالكامل[7].

ويمكن القول إن معاهدة "ماسترخت" قد وضعت سيناريو قيام الإتحاد النقدي الأوربي، من خلال وضع تصور للطريق الذي يسلكه الإتحاد الأوروبي؛ للوصول إلى هذه الوحدة، بدءًا من إنشاء مؤسسة النقد الأوروبية، وصندوق التعاون النقدي الأوروبي، لتتوج هذه المراحل جميعًا بميلاد وحدة النقد الأوربية (اليورو)، والتي صاحب ولادتها إنشاء النظام الأوروبي للبنوك المركزية، الذي يضم كل البنوك المركزية للدول الأعضاء، ويقوم بالإشراف على هذا النظام البنك المركزي الأوروبي الذي يمثل السلطة فوق القومية[8].

وهكذا تعتبر التجربة الأوروبية أعظم المحاولات لتنظيم عدة مناطق ذات عملات مختلفة وطنية في منطقة عملة كبيرة واحدة، والتي تكللت بإنشاء النظام النقدي الأوروبي الموحد، والذي يعد الخطوة الأولى للدخول في إتحاد سياسي قد يكون فيدرالي أو كونفدرالي.   

[1]رمزي زكي: الاقتصاد العربي تحت الحصار، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006)، ص329.

[2]صلاح الدين حسن السيسي: الإتحاد الأوروبي والعملة الأوروبية الموحدة "اليورو" والسوق العربية المشتركة "الواقع والطموح"، (القاهرة: عالم الكتب، د. ت.)، ص 11.

[3]رمزي زكي: المرجع السابق، ص 329.

[4]زينب حسين عوض الله: الاقتصاد الدولي نظرة عامة على بعض القضايا، (الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة للنشر، 1999)، ص 314.

[5] محمد خالد الحريري: العلاقات الاقتصادية الدولية، (دمشق: جامعة دمشق، د. ت.) ص 216، 217.

[6]صلاح الدين حسن السيسي: المرجع السابق، ص 11.

[7]صلاح الدين حسن السيسي: المرجع السابق، ص 13-21.

[8]مغازي شلبي علي: اليورو...الآثار على اقتصاد البلدان العربية والعالم، (القاهرة: زهراء الشرق، د. ت.)، ص 11، 12؛ صلاح الدين حسن السيسي: المرجع السابق، ص  21.

مجلة آراء حول الخليج