عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية وبلدان مثل الصين وكوريا الجنوبية، يكون التركيز الأكبر على اعتماد هذه الدول الآسيوية على النفط مع منطقة الخليج، وعلى وجه الخصوص مع إيران والمملكة العربية السعودية. والحالة الراهنة ليست استثناء لذلك؛ فمع عدم الاستقرار الحالي الذي يلف المسألة الإيرانية، تحتاج الصين إلى تأمين مصدر للطاقة يكون أقل اعتماداً على إيران، بينما في الوقت نفسه تحتاج إلى تأمين قدرتها على النمو في المستقبل. بالتالي، يكون من الصعب فهم القرارات التي اتخذت عن مستوى العلاقات الدولية دون أخذ فكرة جيدة عن التبعية التجارية لكلا البلدين تجاه بعضهما البعض. وينطبق الشيء نفسه على علاقة السعودية مع عملائها الرئيسيين في آسيا.
في حين أن الصين ترى أن الوضع يتدهور في إيران، والشكوك تحوم حول إمدادات النفط المستقبلية، فقد كانت الصين وكوريا في لقاءات مهمة لدول مجلس التعاون الخليجي. إن آسيا الناشئة معرضة جداً للمخاطر الإيرانية، بسبب الاعتماد الواضح على النفط والروابط التجارية. وبالطبع، فإن الصين قلقة للغاية حول الاستقرار في الخليج، حيث إن نحو 43٪ من إجمالي واردات النفط تأتي من كل من إيران ودول مجلس التعاون الخليجي. وبالنسبة للصين، تمثل المملكة العربية السعودية ربع وارداتها للنفط، ولكن من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة فيالمستقبل القريب.بينما كان الهدف الرئيسي لزيارة رئيس مجلس الدولة الصينى "ون جيا باو" الى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، التي استغرقت ستة أيام، هو تأمين مزيد من العقود الخاصة بالنفط، فهناك أسباب ملموسة أخرى، منها التعاون على نطاق واسع في مشاريع البنية التحتية في المملكة العربية السعودية، أو حتى أن تطوير مفاهيم استراتيجية أكبر من حيث إنشاء مشاريع للتعاون النووي قد تولدت أيضاً. لقد حصلت الشركات الصينية والكورية الجنوبية، في ما يتعلق بمشاريع البنية التحتية، على عقود رئيسية مع شركة سكك حديد الصين للبناء بفوزها بمرحلة مشروع الحرمين للسكك الحديدية عالية السرعة في المملكة. مثل هذا المشروع يخدم كلا الجانبين بشكل جيد، فهو يساعد على تخفيف بعض المشاكل الخطيرة في البنية التحتية والنقل التي تعاني منها المملكة، كما ويساعد على تعزيز السياحة الدينية خلال موسم الحج، ويسمح للشركات الآسيوية بكسب موطئ قدم في إحدى المناطق الاستراتيجية الرئيسية في سوق المشاريع المربحة بمنطقة الخليج.
شهدت كوريا الجنوبية أكبر نمو فى التجارة الثنائية مع دول المجلس على مدى السنوات القليلة الماضية
الصين تمثل فعلياً ثالث أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية
إنالصين لا تعمل على زيادة تعاونها مع المملكة العربية السعودية فقط، بل ومع جيرانها أيضاً؛ فمؤخراً، تم التوقيع على عمليتين لتبادل العملة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات كصفقات بين دولة الإمارات والصين، وتركيا والصين، مما يساعد على تعزيز وتسهيل التجارة الثنائية. ويمكن للمرء أن يستنتج إمكانية سير المملكة العربية السعودية على خطى دولة الإمارات العربية المتحدة، لا سيما وأن الزيادة في السيولة بالعملة للشركاء الاقتصاديين تساعد على تسهيل المعاملات المالية.
كما يتضح في الجدول (1)، فإن الصين تمثل بالفعل ثالث أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية، حيث حدد حجم التجارة لضمان المزيد من التوسع ليصل إلى النقطة التي يمكن للصين أن تتجاوز فيها الولايات المتحدة. تقليدياً، تمثل اليابان أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي ككل، غير أن نسب التجارة في الصين وكوريا قد شهدت أكبر نمو مع كتلة دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2007. حوالي 70٪ من صادرات دول مجلس التعاون الخليجي تتم مع آسيا، وتمثل الصين 52.7 مليار دولار من مجموع تجارة دول مجلس التعاون الخليجي، في حين أنها كانت تعادل 10.2 مليار دولار فقط في عام 2007. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصين تمتلك أكبر سوق للسيارات، وسوف تظل تعتمد اعتماداً كبيراً على امدادات النفط في السنوات المقبلة؛ نتيجة لذلك، كانت إحدى الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الدولة الصيني في يناير هي مذكرة تفاهم بين أرامكو السعودية ومجموعة سينوبك الصينية بالحصول على 8.5 مليار دولار لتحويل كامل لمصفاة تكرير النفط في ينبع؛ ومصفاة تكرير النفط التي تقع بوضوح على ساحل البحر الأحمر، تسمح للناقلات بتجنب مضيق هرمز، حيث كررت إيران تهديداتها بإغلاق هذا المضيق الاستراتيجي في الآونة الأخيرة.
الجدول (1):
|
الشركاء التجاريين الرئيسيين في السعودية (2010) |
||
|
|
ميو يورو |
% |
1 |
أوروبا 27 |
363.224,3 |
17 |
2 |
الولايات المتحدة |
291.972,6 |
13.6 |
3 |
اليابان |
224.263,0 |
10.5 |
4 |
هونج كونج |
172.371,4 |
8.1 |
5 |
جنوب كوريا |
156.414,4 |
7.3 |
13 |
السعودية |
32,471,8 |
1.5 |
17 |
إيران |
22,174,1 |
1 |
المصدر: يوروستات
نادى رئيس مجلس الدولة الصينى أيضاً بإبرام اتفاق لدول مجلس التعاون الخليجي والصين للتجارة الحرة، لتسليط الضوء على حقيقة أن العلاقة خارج نطاق الطاقة تمتد أيضاً إلى مجال التجارة والاستثمارات والبنية التحتية والتمويل والأمن والتكنولوجيا. كما يتضح في الجدول (2) أنه رغم أن المملكة العربية السعودية لا تمثل حتى الآن شريكاً تجارياً هاماً للغاية بالقدر الذي يهم الصين، فإن عدد اتفاقيات التعاون الموقعة تشير إلى أن هذه الديناميكية متغيرة. علاوة على ذلك، فقد وقعت المملكة العربية السعودية والصين اتفاقاً للتعاون النووي، مما يدل على وجود عنصر أكثر استراتيجية للعلاقة. وجاء في بيان من السفارة الصينية في الرياض أن "الإرادة السياسية لعلاقات أوثق بين الصين والعالم العربي يتضح أنها قوية".
الجدول (2):
|
الشركاء التجاريين الرئيسيين في الصين (2010) |
||
|
|
ميو يورو |
% |
1 |
أوروبا 27 |
37.260,9 |
15.2 |
2 |
الولايات المتحدة |
32.100,7 |
13.1 |
3 |
الصين |
31.270,2 |
12.8 |
4 |
اليابان |
29.972,4 |
12.2 |
5 |
جنوب كوريا |
22.190,2 |
9.1 |
المصدر: يوروستات
وبالمثل، عندما قام رئيس كوريا الجنوبية بجولة في دول مجلس التعاون الخليجي في شهر سبتمبر عام 2012، لم يكن ذلك فقط محاولة لتأمين مزيد من عقود النفط (كوريا الجنوبية تتلقى 10٪ من احتياجاتها من النفط من المملكة العربية السعودية)، ولكن أيضاً لزيادة التعاون غير النفطي. وفي مجال الطاقة، برزت كوريا الجنوبية كمنافس في الحصول على اتفاقية امتياز النفط، من حيث حصولها على حق تطوير حقل تافولا النفطي البحري، فضلاً عن اثنين من الامتيازات البرية. كما أن "إسئويل"، ثالث أكبر شركة لتكرير النفط البري (S-Oil) وقعت صفقة طويلة الأجل لمدة 20 عاماً لشراء النفط من المملكة العربية السعودية. ولكن مرة أخرى، من الجانب الآخر غير الطاقة، فإن عقود الصناعة والدفاع كانت أساس المفاوضات الأخيرة مع المملكة العربية السعودية، أحدها كان مع شركة هيونداي للهندسة والبناء، التي حصلت على عقد مهم للبناء في المملكة. وكنتيجة عامة لذلك، شهدت كوريا الجنوبية أكبر نمو فى التجارة الثنائية مع دول مجلس التعاون الخليجي على مدى السنوات القليلة الماضية.
جدول رقم 3:
|
الشركاء التجاريين الرئيسيين في جنوب كوريا (2010) |
||
|
|
ميو يورو |
% |
1 |
الصين |
142.349,7 |
21.8 |
2 |
اليابان |
69.915,1 |
10.7 |
3 |
أوروبا 27 |
69.846,8 |
10.7 |
4 |
الولايات المتحدة |
68.547,5 |
10.5 |
5 |
السعودية |
23.683,5 |
10.5 |
المصدر: (يوروستات)
تملك السعودية مكانة مهمة وعلى نحو كبير باعتبارها شريكاً تجارياً لكوريا الجنوبية، وعلاقة الطاقة الأولية، التي تعتمد عليها الدولتان بشكل رئيسي، تتطور حالياً لتصبح ذات اعتماد متبادل متعدد الجوانب. حازت شركة كورية جنوبية مؤخراً على صفقة بمبلغ 1.5 مليار دولار لبناء مصفاة لتكرير الألومنيوم في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى أن الشركات الكورية الجنوبية تحوز حالياً على أكبر قدر من أوامر البناء لشركة أجنبية داخل المملكة، الأمر الذي يجعل كوريا وراء الجهود التي بذلت مؤخراً في المملكة لزيادة بنيتها التحتية. وبالطبع، فقد بلغ إجمالي عقود البناء في البلاد إلى 72 مليار دولار، بينما زادت أوامر المنشآت الصناعية في عام 2011 بنسبة 59٪ عن عام 2010. وكذلك، على غرار الصين، هناك أيضاً عنصر تأمين تضمنته كوريا الجنوبية بدخولها السوق للحصول على الطاقة النووية في دول مجلس التعاون الخليجي وتعاونها مع دول مجلس التعاون الخليجي في مكافحة القرصنة.
لتوصيف العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول الآسيوية الرئيسية مثل الصين وكوريا الجنوبية كعلاقة بسيطة تتعلق بالطاقة، لم يعد كافياً التصور لظهور علاقات متعددة الأوجه تكون أوسع بكثير مما هي عليه. إن الحصة النسبية للوزن التجاري بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أخذت في الانخفاض البطيء، والزيادة في الأهمية الاقتصادية التي تمثلها الكتل الآسيوية ودول الخليج لبعضها البعض سوف تضفي عليها في نهاية المطاف الطابع الرسمي مع زاوية سياسية. إن دول مجلس التعاون الخليجي تتجه بالتأكيد نحو الشرق، حتى ولو لم تكن قد تحولت تماماً نحو ذلك الاتجاه. ولكن، بالنظر إلى أن دول شرق آسيا ليست في وضع يمكنها من توفير الضمانات الأمنية التي تحتاجها منطقة الخليج، فإن الشراكة على الأرجح تتطور إلى اتجاه ذي أبعاد سياسية، وفي الوقت نفسه لا يرقى إلى استبدال العلاقات القائمة مع كتل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.