array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 89

المشهد السياسي العراقي بعد الانسحاب الأمريكي

الأربعاء، 01 شباط/فبراير 2012

يعد انسحاب القوات القتالية الأمريكية من العراق بداية مرحلة جديدة في تاريخ هذا المجتمع الذي عرف تاريخه الطويل أشكالاً شتى من حالات الغزو. ويفترض أن تكون هذه البداية منطلقاً لبناء وتكوين الدولة المدنية المعاصرة المتفاعلة مع المد الحضاري والثقافي الذي فرضته ثورتا المعلومات والاتصالات في عالم اليوم، إلا أن المشهد السياسي العراقي بعد الانسحاب الأمريكي يعيش بداية مرحلة جديدة من الصراع الاجتماعي والسياسي، قبل أن يتم اختيار الشكل الملائم للدولة والذي ينبغي أن يتفق عليه العراقيون جميعاً، وتبدو المسألة صعبة في المرحلة الحالية مع تنامي الخلافات بين الأطراف العراقية.

ويظهر أن الثقافة السائدة بعد احتلال العراق، أضحت تدور في فلك الثقافات الفرعية، أكثر ما تدور في فلك الثقافة الوطنية الجامعة، حتى أصبحت المعادلة السياسية القائمة اليوم، تفهم من خلال اتجاه القوى السياسية، نحو الاعتماد على الاصطفاف العرقي والطائفي والمناطقي لتحقيق مصالحها، في الوقت الذي يعطي لنا نبض الشارع شعوراً أو إحساساً، بتجاوز العراقيين بمختلف مكوناتهم الانقسامات الإثنية إلى درجة كبيرة عما ساد في عامي 2006 - 2007، في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وخدمية متردية، يعيشها العراقيون في كل أجزاء البلاد. وعلى الرغم من هذا الإحساس السائد، لا تزال آثار الانقسامات الطائفية خلال الأعوام آنفة الذكر تذكي عوامل الفرقة، التي يستخدمها بعض السياسيين لمكاسب انتخابية وتحقيق مصالح شخصية ضيقة، لا سيما إثارتها في أوقات الأزمات التي تمر بها الأطراف السياسية نفسها لتظهر في الساحة شبح اصطفافات طائفية وعرقية محاولة إرجاع الحال إلى سابق عهده.

أولاً: المشهد السياسي العراقي بعد الانسحاب الأمريكي

عشية استكمال الانسحاب الأمريكي من العراق، شهدت الساحة السياسية العراقية تطورات سريعة، وقفزت على المسرح انقسامات جديدة، أدخلت البلاد في دوامة خطيرة من الحيرة والخوف من المستقبل، في الوقت الذي كان يفترض من الشركاء السياسيين تنظيم عقد جديد لبناء الدولة العراقية الحديثة التي تحتاج إلى نبذ كل مظاهر الانقسام والفرقة من أجل تضافر الجهود المشتركة لتحقيق ذلك، إلا أن ذلك لا يأتي عن طريق التمني لأن هناك ظروفاً موضوعية تحيط وتحكم المشهد السياسي العراقي منذ عام 2003، وبالتحديد بعد أول انتخابات برلمانية حيث سادت أجواء عدم الثقة بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية، كما أن الثقافة الفرعية بقيت مسيطرة على الموقف السياسي في البلاد. واليوم المشهد السياسي بقي كما هو، لم يتغير، مما يؤشر إلى توقع أزمات صعبة قد يمر بها العراقيون اليوم والمستقبل، فالمسألة لا تتعلق باتفاق مجموعة من الشخصيات، إنما تتصل ببناء الدولة وفرض القانون بما يؤمن للمجتمع الأمن والاستقرار، وهي مسألة لم تتحقق حتى اللحظة، فالمواطن العراقي يعيش حالة من القلق المستمر، ويتعرض كل لحظة إلى الأعمال الإرهابية التي تنال المناطق الرخوة في المجتمع، (المواطنين البسطاء)، من دون أن يكون هناك مخرج حقيقي للأزمات الأمنية والاقتصادية، مع تزايد المشكلات الاجتماعية وتفاقم البطالة ومظاهر الفساد المالي والإداري.وفي هذا الصدد يشير (الدكتور غيدو شتاينبرغ)، خبير شؤون الشرق الأوسط في المعهد الألماني للسياسات الدولية والأمنية في برلين، في تعليق منشور على موقع (www.dw-world) إلى أنه (على الرغم من ترك القوات الأمريكية العراق في حالة أكثر أماناً من قبل نحو أربع سنوات، إلا أن البلاد ليست مستقرة، لا سياسياً ولا أمنياً، ورأينا ذلك في الأسابيع الماضية. والمشكلة أن كل المسائل السياسية الكبرى في البلاد لم تحل بعد).فالمشكلة الأساسية هي في المحاصصة الطائفية والعرقية التي تعرقل قيام نظام حكم رشيد قائم على أساس المعارضة (حكم الأغلبية)، بسبب انعدام الثقة بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية من جهة، وعدم وجود ثقافة ديمقراطية في الثقافة العراقية الحالية بعد سنين طويلة من الحكم الشمولي من جهة أخرى، ومع الانسحاب الأمريكي تفاعلت هذه المشكلات وأخذت تنحدر انحداراً خطيراً، يهدد أمن البلاد ووحدتها، إذا لم يع ويدرك السياسيون خطورة الموقف. فالمجتمع العراقي وبعد تسع سنوات من القلق وعدم الاستقرار يحتاج إلى قادة شديدي الشعور بالمسؤولية، وما يعانيه المجتمع في مرحلته الحالية من مشكلات متفاقمة على الصعد كافة. فالشعور السائد في الشارع العراقي يعبر عن ضعف الأداء المؤسسي للدولة العراقية بسبب تلك الانقسامات، وكل ذلك على حساب المواطن الذي يرنو في كل لحظة إلى الاستقرار والتخلص من الخلافات السياسية التي ترجع في الأصل إلى ما يدور في عقول السياسيين من أفكار خلافية تحركها الطائفية والعرقية. وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور شتاينبرغ أيضاً على الموقع المذكور آنفاً، (أن أهم عقبة في وجه بناء حكومة فاعلة في العراق هي تباين وجهات النظر بين الحكومة المركزية في بغداد، وحكومات الأقاليم الأخرى، لا سيما أن بعض الأحزاب الكردية وقائمة العراقية تعمل كمعارضة داخل الحكومة ذاتها. والمشكلة برأيي هي تحقيق الاستقرار في البلاد في غياب إرادة ورؤية موحدة داخل الحكومة).إذ إن الأوضاع الحالية تحتاج إلى معالجة وطنية تتجاوز الخلافات السياسية، وتأخذ في الاعتبار مصلحة الناس الذين بدأوا يفقدون الثقة بكل ما يطرح على الساحة السياسية، حتى إن آراء الشارع باتت تعلن أنها لا تحتاج إلى مصالحة، فالمصالحة موجودة بيننا تقرها الوشائج الاجتماعية بين العراقيين تاريخياً، وأن المصالحة الحقيقية يحب أن تجري بين أصحاب المصالح المتقاطعة من السياسيين فقط، وهي قضية معقدة وتحتاج إلى إرادة شجاعة ونية صادقة، لإخراج المجتمع من أزماته المعقدة، إلا أن إشكالية ذلك لا تزال تكمن في عدم قدرة تلك الأطراف المختلفة، صاحبة المصالح المتقاطعة محلياً والمتأثرة إقليمياً، على الخروج من دائرة الثقافات الفرعية، مما يجعل فرص العمل الوطني العابر للإثنيات، ضعيفة تحت هذه الظروف، ما يعرض العراق إلى مخاطر كثيرة ويكون ساحة سهلة لتدخل إقليمي أو دولي إضافي في شؤونه الداخلية، الأمر الذي يعقد الموقف أكثر، لا سيما مع تزايد خطورة الوضع الإقليمي المحيط بالعراق في المرحلة الحالية.

ثانياً: التداعيات الإقليمية على العراق بعد الانسحاب الأمريكي

إن الإشكالية المتفاعلة في المنطقة العربية بشكل عام تتصل بأزمة إقامة الدولة العصرية التي تستطيع نقل الإنسان العربي إلى عصر متطور جديد قادر على التفاعل بإيجابية مع العالم، فالمرحلة الحضارية المعاصرة تتطلب من المجتمع العربي ونخبه السياسية الخروج من القوقعة الثقافية المحلية الضيقة من أجل بناء نظم عصرية تحقق للمواطن حياة كريمة وتحترم إرادته كإنسان بغض النظر عن جنسه ودينه وطائفته وعرقه، لأن حركة التطور الحضاري العالمي بشقيه الفكري والتكنولوجي فائق التطور لا تنتظر من يتصارع على أسس ثقافية وهو يكرس من حيث يدري أو لا يدري لمزيد من التأخر. وفي ندوة عن (أزمة الدولة في الوطن العربي) التي دعا إليها مركز دراسات الوحدة العربية ومركز كارنيغي للشرقالأوسط والجمعية العربية للعلوم السياسية، والتي افتتحت أعمالها في 10-1-2011 (نشرت بعض تفاصيلها على موقع ومركز كارنيغي للشرقالأوسط)، يشير في مستهلها الدكتور محي الدين حسيب رئيس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية إلى أن (رسوخ المضمون التسلطي للدولة وتجذره وتمدده السرطاني في كامل الجسم الاجتماعي للبلدان العربية، فالدولة في الوطن العربي: تحصد اليوم الثمار المرة لثلاثة أطراف عربيةمحلية، النخب الحاكمة والنخب المعارضة من الأطياف السياسية كافة،والعصبيات المحلية والطائفية والمذهبية والعشائرية). وفي الندوة نفسها يشير الدكتور عمرو حمزاوي إلى أن أزمة الدولة في البلدان العربية (لاتقتصر أسبابها على (غياب مسألتين رئيسيتين: غياب الديمقراطية، وما يسمى أزمة الحكم الرشيد، بل هي تعبر عن مشكلات عميقة في علاقة السلطة مع جميعفئات المجتمع، والمسؤولية ليست محصورة في السلطة، بل إن جميع قوى المجتمعتتحمل المسؤولية). وإزاء ذلك فإن العراق يمر بلحظة حرجة من تكوين دولته الجديدة بعد الانسحاب الأمريكي من أراضيه، إلا أن العقبات التي لا تزال تحول دون ذلك كثيرة ومعقدة بعضها داخلي يتصل بعدم وجود قدرة أو اتجاه حقيقي للحوار البناء، ولذلك أسباب عدة أبرزها انعدام الثقة بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية، وعدم تبلور ثقافة حوار في الشخصية العراقية الحالية بسبب تأثير العقلية أو الثقافة الجمعية في الأسرة العراقية الخاضعة لسلطة الجد في التراث الثقافي وانعكاس ذلك في شخصية الفرد العراقي، فضلاً عن تراجع المجتمع جراء الحروب والأزمات لفترة طويلة من الزمن، وعدم قدرة الدولة العراقية في تاريخها الحديث على إشباع حاجات الإنسان العراقي في الوقت الذي يشعر فيه المواطن بأن بلده من أغنى بلدان العالم مما أضعف ثقته بالدولة، فضلاً عما مارسته النظم الشمولية من ضغوط كبيرة على الإنسان في مختلف الظروف، الأمر الذي جعل الكثير من الطوائف أو الأقليات تشعر بالحيف أو التهميش، فضلاً عن تأثير الأطراف الإقليمية في المشهد السياسي العراقي، نظراً لما يمثله موقع العراق بالنسبة لمصالحها الحيوية من أهمية. لذا فإن المشهد العراقي يزداد تعقيداً مع تفاقم الخلافات بين الشركاء السياسيين، وازدياد المخاطر وتداعياتها في محيطه الإقليمي، فهناك تداعيات الموقف في سوريا والمشكلات المتزايدة بين الغرب ودول الخليج العربية من جهة وإيران من جهة أخرى مع ازدياد مؤشرات إلى حضور تركي متزايد في المنطقة، مما يهدد أمن العراق ومستقبله، إذا لم يعمل السياسيون فريقاً واحداً ويستشعرون المخاطر المستقبلية التي تحف بالعراق من كل الاتجاهات، وعندئذ سيخسر الجميع، وأن إدراك ذلك يتطلب وعياً سياسياً عالياً من قبل الأطراف السياسية العراقية، فليس من مصلحة أي طرف من هذه الأطراف، أن تكون له تحالفات خارجية على حساب الطرف الآخر لأن الأطراف الإقليمية ستتدخل وفق فلسفة أمنها القومي كدول، وليس كطوائف أو أعراق، وبالتالي سيكون العراق الخاسر أيضاً. وفي هذا المجال يصف محمد أحمد الروسان في مقال بعنوان (الأزمة السياسية العراقية وتداعياته) منشور على موقع صحيفة (المستقبل العربي) على شبكة الإنترنت في 15-1-2012، (هي فيجلّها أزمة سياسية مركبة، وذات ازدواجات سياسية متعددة، وهي بعناوين داخليةمستعصية، لجهة الداخل العراقي الهش، وعناوين وذيول وتداعيات خارجية، لجهةالإقليمي والدولي على حد سواء)،مؤكداً أن هنالك محاور إقليمية لها امتداد دولي تجر المشهد السياسي العراقي إليها، وهو يطلق عليها محور (روابط محورالرياض – الدوحة – تركيا، مع الولايات المتحدة الأمريكية)، ويرى أن هناك ميل أطراف عراقية له، وحسب رأيه تتمثل في أطراف في القائمة العراقية مع القوى الكردستانية، ذات الصلة القوية بأمريكا. مع وجود محور آخر مقابل يتمثل (لجهة الحضور السوري – الإيراني القويوالفاعل، في مواجهة الحضور السعودي – القطري – الخليجي – والتركي أيضاً)، والذي يجد له ميولاً من قبل أطراف في التحالف الوطني العراقي. ولذلك فإن العراق يقع بين تأثير الأطراف الإقليمية المختلفة، ولكل طرف إقليمي حساباته التي تصب في مصالح أمنه القومي، وكلما زادت حدة التوترات الإقليمية للعراق تعقدت الأزمة السياسية فيه. وإزاء هذا الواقع الشائك يتطلب رؤية عراقية خالصة لحل المشكلات القائمة بين أطرافه، لأن أطراف المشهد السياسي في العراق صارت لها تجربة لا بأس بها في إدارة الدولة، وعليها السمو فوق تلك التداعيات، وإقامة علاقة متوازنة مع كل الأطراف الإقليمية، لأن المصلحة العراقية ينبغي أن تكون حاضرة، وفوق كل الاعتبارات وأيضاً فوق كل التحالفات مع أي محور، سواء كان إقليمياً أو دولياً، وهي قضية تحتاج إلى خروج التفكير السياسي العراقي من دائرة الثقافات الفرعية إلى مجال أرحب من الشعور بالشراكة والوطنية، مع بقاء التقدير الكامل لكل الثقافات الفرعية، وهي حالة متفاعلة في العراق خلال التاريخ، فليعمل الجميع على بقائها، وأن يترك السياسيون المجتمع يتفاعل معها بإيجابية، من أجل تحقيق تطور اجتماعي واقتصادي مفصلي ينقل البلد إلى الأمام.

الانسحاب الأمريكي يشكل بداية اختبار حقيقي لقدرة العراقيين على بناء دولتهم
الشعور السائد في الشارع العراقي يعبر عن ضعف الأداء المؤسسي للدولة العراقية
الأوضاع الحالية في العراق تحتاج إلى معالجة وطنية تتجاوز الخلافات السياسية

ثالثاً: آليات الخروج من الأزمة

يعطينا (الربيع العربي) فكرة ينبغي أن يتقبلها الجميع أن عصر الحكم الشمولي، والقائد الملهم الذي يعتقد أن اختفاءه لا يمكن أن يعوض، وأنه قيان الأمان في المجتمع قد انتهى. وبغض النظر عن فلسفة (الربيع العربي) وخيوطه المتشابكة في مفهوم العلاقات الدولية وتوازناتها المستقبلية، يبقى يمثل ثورة شعبية عارمة قادتها شعوب عانت الذل والهيمنة والفقر والسيطرة من قبل عائلات متنفذة اعتلت سلم السلطة تحت شعار خدمة الشعب والأمة وانتهت بالهيمنة والتوريث وأصبحت عالة على الشعب والأمة معاً. والشعب العراقي لا يقل عن تلك الشعوب عنفواناً وثورة عندما يجد أن مصالحه الحقيقية في خطر، وقد استطاع العراق أن يجد لنفسه تجربة جديدة في الممارسة الديمقراطية، وأن يجد أيضاً المواطن العراقي متسعاً مقدراً من الحرية، بغض النظر عن الآلية التي تحقق فيها التغيير في العراق. فالواقع المعاش يتطلب البناء المتوازن في كل شيء، العدالة بين أطيافه المختلفة، تحقيق تطور حضاري، وفكري وتكنولوجي ومعلموماتي يدخل كل مناحي الحياة الاجتماعية والخدمية وفي بناء نظام مؤسساتي عصري في المجالات المختلفة يخدم المواطن ويطوره ويشبع حاجاته المختلفة، وينبغي على السياسيين أن يعوا أن الأجيال القادمة سيكون تفكيرها عابراً للإثنيات، وقادرة على تجاوز عقلية الآباء في النظر إلى الثقافات الفرعية التي ما زالت تعدها العقلية الجمعية عنصر تخندق ضد الآخر، كأننا في زمن سيادة النظام القبلي القائم على الغزو مع غياب نظام الدولة في لحظة تاريخية ما، وكذلك على السياسيين في العراق أن يعوا أن المرحلة الحضارية في عالم اليوم تختلف عن كل المراحل في التاريخ من حيث التفاعل والإنتاج والفلسفة وسيادة العلم، وعليهم الاستفادة من وجود النفط الهائل في العراق، وتوظيف عائداته في التنمية البشرية. وليعلم الجميع سواء في العراق أو في الدول المنتجة للنفط، أن مراكز الأبحاث الأمريكية والغربية تعمل ليل نهار من أجل إيجاد بدائل للطاقة السائدة في عالم اليوم، بما فيها طاقة النفط، ويعتقد أن هذه المهمة لن تأخذ وقتاً طويلاً، وعندئذ تصحو الأطراف السياسية في العراق على واقع جديد، لا يجد فيه النفط سوقاً رائجة تلبي طموحات المجتمع، وتقع عندئذ أزمة لا مثيل لها في تاريخ المجتمع العراقي، مع تزايد عدد سكانه، لا سيما مع اعتماده على النفط كمصدر رئيسي للتجارة الخارجية. فاقتصاد العراق اقتصاد ريعي يعتمد على النفط فقط، لذلك فالأولى بالعراقيين اليوم الانصراف نحو البناء الحضاري، وأن ذلك كفيل بتحقيق العدالة تلقائياً، فالتطور الحضاري ينتج آليات جديدة من الديمقراطية واحترام حرية وكرامة الإنسان، وتحقيق مستوى عال من الإنتاج الصناعي والخدمي، لاسيما أن آليات ذلك متوافرة سواء على صعيد الإمكانات البشرية بما فيها الطاقات الفنية والعقول المخططة والقوى العاملة الوطنية أو على صعيد الإمكانات الاقتصادية والثروات الطبيعية، فضلاً عن ذلك يمكن صياغة بعض الآليات للخروج من الأزمة الحالية يمكن إيجازها بما يلي:

1- يمر العراق بمنعطف سياسي خطير يحتاج فكره السياسي إلى فهم متكامل يرتقي إلى مستوى توجهات السياسة الدولية في عصر الحداثة وما بعدها، عصر مؤسساتي لم تعد الأشياء فيه خافية على أحد، فكل السياسات ذات المصالح الحيوية للعالم الحديث شرقاً وغرباً تمر بعملية (فلترة) من قبل مئات بل الآلاف من مراكز الأبحاث المتخصصة، لتتحرك فيما بعد السياسة الدولية وفق مصالحها الاستراتيجية، وعلى مدى طويل. وينبغي علينا أن نكون جزءاً من هذا العالم أو على أقل تقدير فهم ما يجري حولنا، فقد آن الأوان لكي يخرج الفكر السياسي العراقي من محليته، وينظر إلى مصالحة الإقليمية والدولية وفق ذلك، وألا يكون أي طرف فيه أداة لأي طرف كان، فالعراق يمتلك شروط نهضته.

2- ينبغي على السياسة العراقيين وهم يعيشون عصر العالمية أن يفهموا ثقافة بعضهم، ويدركوا أن التنوع الثقافي مصدر قوة لتحقيق النهضة في بلورة نموذج تنموي يقود إلى بناء دولة مدنية، تتكامل فيه الشخصية العراقية المنتجة.

3- ينبغي أن يدرك الساسة العراقيون أن هذا العصر عصر الإنجاز ومن يتأخر عنه يبقى دائماً في المؤخرة، وهذا يتطلب الارتقاء بالمسؤولية الوطنية إلى مستوى هذا التصور.

4- الانسحاب الأمريكي يشكل بداية اختبار حقيقي لقدرة العراقيين على بناء دولتهم، فإن نجحوا عبروا نحو الضفة الآمنة، وإن أخفقوا تعرض البلد إلى المزيد من التأخر والخسران، ولذلك ينبغي وضع هذه الحقيقة أمام أنظار السياسيين لنبذ خلافاتهم، فالكل في قارب واحد أي عطب فيه يلحق الضرر بالجميع.

5- عدم انجرار أي طرف عراقي للتحالف مع أطراف إقليمية ضد الطرف الآخر، لأن ذلك لا يصب في مصلحة الأمن القومي العراقي بقدر ما يكون في مصلحة الأمن القومي لهذا الطرف أو ذاك.

مجلة آراء حول الخليج