array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 96

التكامل البيئي أساسي للوحدة الخليجية

الإثنين، 01 حزيران/يونيو 2015

إن تعزيز التكامل البيئي بين دول مجلس التعاون الخليجي(GCC) قد يبدو أنه قضية ذات أولوية منخفضة في المجال السياسي، ولكنه في الواقع حافز وأداة لتعزيز العلاقات الخليجية حيث أنها ستمكن من تجميع الجهود والموارد لجميع أصحاب المصلحة سواء دول، افراد، مستثمرين، جهات بحثية... وغيرهم للإسراع في البحث عن حلول للمشكلات البيئية المشتركة ودفع عجلة التنمية المستدامة وبالتالي تحقيق التكامل الاقتصادي فى دول مجلس التعاون الخليجي.

والتكامل الإقليمي هو عملية بموجبها تدخل الدول في اتفاق إقليمي من أجل تعزيز التعاون الإقليمي من خلال المؤسسات الإقليمية والسياسات المشتركة .وليس هناك من شك في أن بناء البرامج البيئية على المستوى الإقليمي هي عنصر أساسي في أي مبادرة للتكامل الإقليمي.

ويعرف الكاتب التكامل البيئي"هو الترتيبات البيئية بين بلدين أو أكثر تتميز بالتنسيق و /أو توحيد السياسات البيئية و المواقف وتنفيذ مشروعات /أنشطة كبري بيئية مشتركة، فضلاً عن إزالة الحواجز البيئية لمصلحة شعوب هذه الدول" .و الهدف من التكامل البيئي هو تحقيق التنمية المستدامة وتوفير نوعية حياة أفضل لشعوب البلدان المعنية مما سيؤدي في النهاية إلى التكامل الاقتصادي ومن ثم سيعزز فرص الوحدة بين دول المنطقة.

مشكلات بيئية مشتركة

تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي نموذجًا فريدًا للتنمية، حيث مكنت عوائد النفط والغاز تلك الدول من القيام بعملية تنمية شاملة وسريعة وإستثنائية في جميع مناحي الحياة تقريبًا. ويبدو جليًا أنه كلما تحسن النمو الاقتصادي في دولة ما، كلما صاحب ذلك زيادة فى النفايات والملوثات والإنبعاثات من عوادم السيارات والمصانع وغازات الصوبة الزجاجية ...الخ، وهو ما يؤدى إلى  تدمير النظام البيئي وقاعدة الموارد الطبيعية ويتسبب فى مشكلات صحية عديدة للسكان. ويبدو جليًا أن ملف الإدارة البيئية والملوثات لم يواكب النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي وهو ما قد يجعل فى نهاية الأمر العملية التنموية هدَّامة وليست مستدامة.

فالبيئة هشة وحساسة فى دول مجلس التعاون الخليجى حيث تتميز هذه الدول بمناخ جاف جدًا ونباتات برية متناثرة هنا وهناك وتربة ضعيفة وندرة شديدة فى موارد المياه العذبة. وبصفة عامة يمكن القول بأن المنطقة تعاني من مشكلات بيئية عديدة يفضل الباحث تقسيمها إلى مجموعتين:

1- مشكلات بيئية تقليدية (مثل التلوث وشح المياه والتصحر على سبيل المثال).

حيث تعانى دول مجلس التعاون الخليجى من العديد من أشكال التلوث الحالى والمحتمل كالتلوث البحري والنفطي وتلوث الهواء والتربة والمياه والنفايات الصلبة وغيرها والتى لها آثار سلبية كثيرة على الإنسان والبيئة.

كما يعتبر النقص الحاد في المياه العذبة في منطقة الخليج العربي أكبر تحدٍ يواجه سكان دول المنطقة وحكوماتها. وتؤدي ندرة الأمطار ومعدلات البخر العالية، إضافة إلى الاستهلاك الكبير للمياه العذبة (تتراوح بين 300 و750 لتراً للشخص الواحد في اليوم، وهو معدل يصنف بين أعلى معدلات الاستهلاك في العالم)، إلى نقص حاد في المياه في دول منطقة الخليج العربي التي تعتمد بشكل أساسي على تحلية مياه البحر المرتفعة التكلفة وذات الآثار البيئية السلبية على البيئة البحرية.

وتمثل الأراضي الصالحة للزراعة وأراضي المحاصيل الدائمة مجتمعة ما نسبته 1.63 في المئة تقريباً من مساحة أراضي دول مجلس التعاون الخليجي الإجمالية التي تبلغ نحو 257 مليون هكتار، ويظل التصحر مشكلة بيئية مهمة في هذه الدول، بل إن الصحاري تغطي مئة في المئة تقريباً من مساحة بعض الدول في المنطقة. ويمكن تصنيف الأسباب والضغوط التي تؤدي إلى تدهور الأرض والتصحر في دول مجلس التعاون الخليجي إلى العمران والتصنيع، الرعي الجائر، الزراعة، قطع أشجار الغابات.

2-مشكلات بيئية حديثة (مثل مخاطر التغير المناخي ومخلفات البناء والهدم على سبيل المثال).

شهدت دول مجلس التعاون الخليجي تحولاً جذريًا في العقدين الأخيرين من خلال المشاريع العمرانية والصناعية الواسعة النطاق، إذ زادت هذه المشاريع من الضغوط على نوعية الهواء، الذي يحتوي على نسبة عالية من الغبار بطبيعته. يضاف إلى ذلك، أنه بالنظر إلى هيمنة قطاع النفط والغاز، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تُعَد من بين أكثر الدول مساهمة في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الجو. حيث تساهم دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 2.5 في المئة تقريبا من الانبعاث العالمي لغاز ثاني أكسيد الكربون، على الرغم من أن عدد سكانها لا يتجاوز 0.5 في المئة من سكان العالم.  وتأتي الضغوط الرئيسية على نوعية الهواء من محطات توليد الطاقة الكهربائية، ومن الصناعات المختلفة وقطاع النقل والمواصلات.

والجدير بالذكر ان لمشكلة تغير المناخ آثار سلبية عديدة على منطقة الخليج العربي منها مثلاً إرتفاع معدلات درجات الحرارة، المرتفعة بالفعل وبالتالي زيادة البخر من المسطحات المائية العذبة القليلة المتوافرة، وكذا إرتفاع مستوى سطح البحر نتيجة مشكلة التغير المناخي تهدد بغرق المناطق الساحلية بل تهدد بمحو أجزاء تقارب 40%  من بعض الدول كالبحرين مثلاً.

ويُعَد ركام أعمال البناء والهدم مكون رئيسي للقمامة الصلبة. فهناك طفرة هائلة فى أعمال البناء والعمران والترميم وهدم المباني القديمة وإعادة شق شبكات الطرق البرية أو توسيعها في دول مجلس التعاون الخليجي. مما يؤدى إلى تهديدات بيئية خطيرة ناشئة عن ركام البناء والهدم الذي يؤثر في التنوع الحيوي ومصادر المياه.

وهناك مشكلة أخرى ناجمة عن قطاع الإعمار والبناء تتمثل بعمليات استصلاح الأراضي التي تؤثر سلبًا في التنوع الحيوي البحري. وأكبر مثال على ذلك سواحل البحرين ومدينة دبى التى تغيرت طوبوغرافيًا نتيجة لاستصلاح المزيد من الأراضي التي كانت بحرًا في الأصل ليستفاد منها للمشاريع السكنية والتجارية والسياحية الطموحة. وبذلك تفقد المنطقة أحد مصادرها البحرية الثمينة وهو الشعاب المرجانية التي تنعش الحياة البحرية.

وهذه المشكلات البيئية التقليدية والحديثة مترابطة ومتداخلة، فعلى سبيل المثال يتسبب دفن النفايات في انبعاث غاز الميثان الذي يُفاقم مشكلة الاحتباس الحراري، التي تؤدي بدورها إلى التصحر وشح المياه والعديد من الكوارث البيئية الأخرى.

أهمية التكامل البيئي

على المستوى الإقليمي ، كما في حالة دول مجلس التعاون الخليجي، التكامل البيئي يعني السياسات والمواقف والمعايير البيئية المشتركة التي تعتمدها كل دولة من الدول الأعضاء من أجل تسهيل جهود التكامل الاقتصادي و السياسي .وبالنظر إلى أن الركيزة البيئية للاستدامة هي أساس التنمية المستدامة الشاملة، فيمكن للمرء أن يقول أن التكامل البيئي هو الخطوة الأولى لتحقيق التكامل في التنمية المستدامة . و وفقًا للاتحاد الأوروبي، فإن التنمية المستدامة توفر رؤية طويلة الأجل تنطوي على الجمع بين اقتصاد ديناميكي مع التماسك الاجتماعي و معايير بيئية عالية.

إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي ترغب في تحقيق التكامل الإقليمي في المجال السياسي والاقتصادي و الاجتماعي والثقافي وكذا في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والنقل وغيرها بحيث تؤدي إلى شكل أكثر تنظيمًا للوحدة الخليجية ، فالتركيز على البيئة هو شرط أساسي ومبدئي و يرجع ذلك إلى الأسباب التالية:

-       طبيعة المشكلات البيئية المشتركة بين دول المنطقة.

-       القضايا البيئية جزء لا يتجزأ من جميع القضايا السابق ذكرها، من الطاقة إلى الاقتصاد ، إلي القضايا الأمنية و السياسية.

-       القضايا البيئية هي جزء لا يتجزأ من الخطط القطاعية و الاستراتيجيات والسياسات، مثل سياسة الطاقة والسياسة الزراعية و غيرهما سواء على مستوى الدولة أو المستوى الإقليمي.

ونتيجة لذلك، نجد أنه كلما كان التكامل البيئي أكبر بين الدول ، كلما كانت إمكانية التكامل والوحدة الاقتصادية والسياسية أسهل وأسرع . ومن المهم أيضًا تسليط الضوء على مختلف مراحل التكامل البيئي و التي يمكن تصنيفها إلى أربع مراحل (طبقًا لتصنيف الباحث):

1) التنسيق الأولي للمشكلات المشتركة البيئية، والمشاريع البيئية المشتركة؛

2) قواعد تنظيمية إرشادية بشأن المعايير البيئية و كذا التنسيق المؤسسي؛

3) سياسات وقوانين بيئية مشتركة، وتنسيق فى المفاوضات البيئية الدولية متعددة الأطراف؛

4) التكامل البيئي الكامل (أي موقف واحد فى المفاوضات للاتفاقيات البيئية، وسياسة واحدة، قوانين ومؤسسات بيئية مركزية...)

ما الخطوات التي اتخذت بالفعل وما المفقود؟

إن دول مجلس التعاون الخليجي لم تنس القضايا البيئية في سعيها لتحقيق تعاون أوثق. ومع ذلك، لا بد من الاعتراف بأن القضايا السياسية والاقتصادية هي التي حازت على الاهتمام . وتشمل المبادرات المشتركة البيئية التي اتخذتها دول مجلس التعاون الخليجي (على سبيل المثال) : إعتماد المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته السادسة التي عقدت في مسقط في عام 1985"السياسات والمبادئ العامة لحماية البيئة." ويعتبر هذا الإطار الاستراتيجي للعمل البيئي المشترك و الأساس للعمل البيئي المستقبلي بين دول مجلس التعاون الخليجي.

وكذلك تشمل جهودًا أخرى مثل إنشاء لجنة الإعلام و التوعية البيئية لدول مجلس التعاون الخليجي، وعقد العديد من المؤتمرات البيئية لمجلس التعاون الخليجي، وعقد أسابيع الوعي البيئي الخليجي وعددًا من الجوائز البيئية على مستوى الخليج العربي.

والجدير بالذكر أن إنشاء شبكة الكهرباء الخليجية هي واحدة من أهم المشاريع المشتركة التي يستفيد منها جميع البلدان . بالإضافة إلى كونها قادرة على الاستفادة من فائض الطاقة خلال فترات الطوارئ ، فإن الشبكة تضع الأساس لسوق الطاقة الخليجية المشتركة. وهي تمكن من إنشاء محطات توليد الطاقة في أكثر المواقع أهمية ، ونتيجة لذلك ، يتجنب و / أو يقلل من المستوى العام للتلوث البيئي في المنطقة وكذا التكلفة. وأيضًا، إن ربط الشبكات الوطنية توفر أساسًا لتحقيق التكامل في جوانب أخرى عديدة مثل الطاقة المتجددة، السكك الحديدية، والجمارك، والأسواق.

وعلاوة على ذلك، نظرًا لموقع دول الخليج الاستراتيجي ، فإن نظام الشبكة الكهربائية الموحدة يمكن توسيعها لتجارة الطاقة ليس فقط داخل دول مجلس التعاون الخليجي و لكن أيضا مع مناطق أخرى مثل شمال أفريقيا و أوروبا وأسيا وخاصة الهند.

في الواقع، إن التعاون خصوصًا في مجال الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية تحديدًا) هو أمر ضروري لتطوير مزيج الطاقة المستدام لدول مجلس التعاون الخليجي من أجل تلبية الطلب على الطاقة المتزايدة . و سيعطي منطقة مجلس التعاون الخليجي ميزة تنافسية وضمان تنمية الاقتصادات المنخفضة الكربون التي تعالج الآثار السلبية لتغير المناخ والحد من انبعاثات غازات الدفيئة وكذا خلق فرص العمل.

هنا، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تنظر إلى أمثلة ناجحة أخرى مثل تجربة الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالتكامل البيئي الإقليمي. فمنذ أوائل سبيعنات القرن الماضي، قد التزمت أوربا بحماية البيئة ومواردها بما في ذلك حماية نوعية الهواء والماء، والحفاظ على الموارد، وحماية التنوع البيولوجي، وإدارة النفايات ما إلي ذلك. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي قد وضع برنامج عمل من شأنه أن يوجه السياسة البيئية الأوروبية حتى  عام 2050.

إن التعاون البيئي سيساعد دول مجلس التعاون الخليجي على:

-       حل المشكلات البيئية المشتركة وبتكلفة أقل.

-       تقليل التلوث البيئي لاختيار أفضل المناطق لتنفيذ المشروعات المشتركة.

-       تبادل الخبرات والممارسات الناجعة فى مجال البيئة

-       إنشاء قاعدة معلومات واحصاءات بيئية مشتركة

-       تعزيز التكامل الاقتصادي وبالتالي تمهيد الطريق للوحدة الخليجية.

و بالتالي تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي تجاوز الاقتصاد والسياسة إلى عالم آخر: البيئة والطاقة المتجددة. فالتعاون في هذا المجال يكون مربحًا لكافة دول المنطقة و هو ما سيخلق فرص  عمل  عديدة فضلاً عن المساعدة في حل مشكلات عديدة مثل تغير المناخ، أزمة الغذاء، أزمة الطاقة، والتصحر.

 

 

مقالات لنفس الكاتب