أمن البحر الأحمر يظل مسؤولية عربية في المقام الأول، فهو شبه بحيرة عربية وقد سبق أن أطلق عليه المؤرخون قديماً (بحر العرب) و (بحر مصر)، أو البحر الجنوبي كما جاء في وصف المؤرخ اليوناني هيرودوت، إضافة إلى كونه يمثل ركيزة أساسية للأمن القومي العربي والإقليمي، وشرياناً حيوياً للاقتصاد العالمي، وله أهميته الاستراتيجية والعسكرية، ومحط أنظار القوى الكبرى المتصارعة على الهيمنة منذ الحرب الباردة ومازالت هذه القوى تطمح للتواجد في هذا الممر المائي وعلى شواطئه.
وتأتي أهمية البحر الأحمر نظراً لموقعه الذي يربط بين الكتل الجغرافية في العالم، وقربه من منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط والتي تضم 65% من احتياطي النفط العالمي، 38.8 % من احتياطيات الغاز، وتمد هذه المنطقة الاتحاد الأوروبي بنسبة 60 % من احتياجاته النفطية، حيث يمر عبر مضيق باب المندب يومياً قرابة 4.7 مليون برميل بما نسبته 5.5% من إجمالي الإنتاج العالمي من النفط، إضافة إلى النفط الخليجي الذي يصب في البحرين الأحمر والمتوسط دون المرور عبر مضيق باب المندب.
المخاطر المحدقة بالبحر الأحمر كثيرة وفي ازدياد، فإضافة إلى أنه يمثل الحلم التاريخي للعديد من الدول الكبرى في الوصول إلى المياه الدافئة، أصبح أيضا هدفاً لقوى إقليمية صاعدة ومتنمرة، وساعد على ذلك الأوضاع التي آلت إليها المنطقة بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي خاصة بعد استيلاء الحوثيين/ صالح على مقاليد الأمور في اليمن بالقوة ، و قبل ذلك وجود إسرائيل المطلة على جزء صغير من البحر الأحمر طوله 11 كيلو متراً بنسبة 0.2% بعد أن احتلت بلدة أم الرشراش المصرية وأبادت سكانها في 10 مارس عام 1949م، لتقيم على أنقاضها ميناء إيلات الذي سمح لها أن تكون شريكا في هذا الممر المائي ومن أخطر لاعبيه، إلى جانب 7 دول عربية من بين 9 دول تمثل دول حوض البحر، وتبلغ نسبة الشواطئ العربية 90.2 % من إجمالي سواحل الممر المائي الذي يبلغ طوله 2100 كيلو متر ومساحته 437.969 كيلو متراً مربعاً، ويضم 379 جزيرة ،إضافة إلى مضيق باب المندب وقناة السويس، وتشارك في سواحله ثلاث قوميات وثلاث ديانات.
وزاد من خطورة الوضع الأمني في حوض البحر الأحمر انقلاب الحوثي والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ومن خلفهم إيران على الشرعية في اليمن الدولة المطلة على البحر بمساحة 442 كيلومتراً أو بنسبة 8.8% من اجمالي سواحل البحر الأحمر ، وكذلك تتحكم في مدخله الجنوبي باب المندب لأمر الذي تسعى إيران من خلاله أن تكون لاعبًا جديدًا في هذه المنطقة ليكتمل مخطط تمددها من العراق ثم البحر المتوسط، إضافة إلى تواجدها في إفريقيا ومن ثم تنفيذ مخطط حصار الدول العربية والبدء في مساومات ومقايضات للتدخل في الشؤون العربية وتحقيق حلم عودة الإمبراطورية الفارسية تحت شعارات طائفية مقيتة ، و طهران تجاهر بالترويج لهذا المخطط الذي يرمي إلى التوسع على حساب الدول العربية صاحبة الأرض والتاريخ والحقوق في إقليمها.
لذلك جاءت عاصفة الحزم لتعيد الثقة والأمل في استقلالية القرار العربي وقدرته على المباغتة والانطلاق بإرادة ذاتية. هذه العملية مثلت أداة ردع لإيران، وغيرها ممن يعتبر أن الدول العربية أرض فضاء بعد أن اجتاحتها عواصف الثورات مؤخراً، وجاء ذلك في وقت تخلت فيه أمريكا عن ثوابت سياستها تجاه المنطقة، بل بدلت مواقفها واقتربت من إيران على حساب العرب، فيما تمدد الدور الروسي والتركي، الأمر الذي يتطلب موقف عربي موحد لتأمين البحر الأحمر والخليج العربي والمنطقة العربية بكاملها وتحصينها ضد المخططات الإقليمية والمقايضات العالمية.
صيانة الأمن العربي في هذه المرحلة يتطلب إبرام اتفاقيات أمنية جديدة مع تفعيل الاتفاقيات السابقة بين الدول العربية المطلة على البحر، للدفاع عن هذا الممر المائي ضد الاستهداف الإقليمي والخارجي، والعمليات الإرهابية والقرصنة، ومنع الاختراق الإيراني، وعدم السماح للجماعات والميليشيات الإرهابية التي تعمل لحساب قوى خارجية بممارسة الإرهاب بالوكالة، وكذلك بما يحقق تنويع الصداقات مع القوى الكبرى لخلق حالة من التوازن الإقليمي، ويتبع ذلك ترتيب البيت العربي وإعادة اللحمة إلى صفوفه، والإسراع نحو الاتحاد الخليجي، والبدء في تشكيل القوات العربية، وإحياء الصناعات العسكرية العربية المشتركة.