لا شك أن الحضارة اليمنية تعود بالظهور إلى نحو خمسة آلاف سنة، وقد سبقت ظهور العديد من الحضارات المجاورة، وكانت هجرات اليمنيين سببا في نشوء تلك الحضارات، وبالتالي علاقة اليمن بمحيطه الإقليمي أزلية، وقديمة كما كانت اليمن محطة لأطماع بعض القوى القديمة، ومنها الأحباش، والفرس، وتظهر ملامح علاقة اليمن بمحيطه الإقليمي أنها بنيت على أساس حسن الجوار، والتعاون في تعزيز الأمن والسلم لهذا المحيط(1).
وشكلت اليمن ببعد جيوسياسي محوري أثر على منطقة الجزيرة العربية، والقرن الإفريقي بشكل كبير ، أنعكس آنذاك في وجود دول متحضرة توسعت شمالا، وشرقا ، حتى أراضي واسعة من عمان، وأرض الحجاز ، وتهامة ، وتأثرت بها دول أفريقية، كما بني اليمنيون المهاجرون بعد انهيار سد مأرب حضارات متقدمة، مثل حضارات الغساسنة، والمناذرة في أقصى شبه الجزيرة العربية ودول أخرى، وكثيرة ، وقد كان اليمنيون يتوافقون مع المجتمعات المضيفة في وضع قواعد مشتركة للتعايش معا، وأحيانا كانوا يلجؤون إلى فرض قواعدهم، وثقافتهم إن لم يجدوا تقبلا لهم من الطرف الآخر، لهذا سميت اليمن (مهد الحضارات العربية)(2).
وإذا أردنا أن نستكشف أهمية اليمن في الحقبة الإسلامية فإن الحقيقة المؤكدة التي تقول إن اليمن شكل ثقلا استراتيجيا مكن الدولة الإسلامية من فتح الكثير من الدول في العالم وفي مساندة النبي محمد(ص)، أو في التوسع، وبناء دولة الإسلام(3).
أهمية اليمن في البعد الجيواستراتيجي:-
يتمتع اليمن بموقع استراتيجي فريد، حيث يبلغ طول الساحل اليمني2500 كم، ويعد من أهم السواحل في المنطقة العربية والشرق الأوسط ، فهو يمسك بزمام مفاتيح الباب الجنوبي للبحر الأحمر ، وهناك تداخل وثيق بين مضيقي هرمز ، وباب المندب ، وقناة السويس ، فهذه الممرات الثلاثة تعتبر الطريق الرئيسة للناقلات المحملة بنفط الخليج العربي باتجاه أوروبا بما يعادل30% ، وجميع تجارة آسيا مع أوروبا تعبر إلى البحر المتوسط عبر مضيق باب المندب ، كما يربط حزام أمن شبه الجزيرة ، والخليج العربي ابتداء من قناة السويس ، وانتهاء بشط العرب ، ويعد اليمن أيضا الشاطئ المقابل للشاطئ الإفريقي، وبذلك يؤثر ويتأثر بما يحدث فيه، وفي دول القرن الأفريقي، ومن هنا يمثل اليمن ركنا أساسيا لأمن الخليج العربي، وبوابته الجنوبية، وكذلك بالنسبة لدول القرن الإفريقي، ولبقية الدول العربية وخاصة مصر التي تعتمد في جانب مهم من دخلها القومي على قناة السويس ، ولذلك فإن أي سيطرة أجنبية على هذه الممرات تعني خنق الرئة التي يتنفس منها الخليج العربي، والجزيرة العربية ليس فقط لأنها ممرات لناقلات النفط ، بل ممرات لاستيراد وتصدير السلع التجارية مع أسواق العالم الخارجية وخاصة أوروبا ، وأميركا ، ودول الشرق الأقصى في آسيا ، من أجل ذلك ينبغي أن يشارك الجميع للحيلولة دون انهيار اليمن الموحد ، وأبعاده ولو قليلا عن فوهة البركان، ويملك اليمن أكثر من عشرة موانئ محورية، وجزر مهمة حاولت العديد من الدول، ولا تزال السيطرة عليها مثل جزر سقطري، وحنيش الصغرى والكبرى، وكمران وعشرات الجزر الأخرى بما فيها جزيرة ميون التي تقع في قلب مضيق باب المندب الذي يتحكم فيه اليمن والذي تتسابق الأقطاب الدولية، والإقليمية لبسط نفوذها عليه(4).
وعليه فإن الحقيقة التي يجب أن يفهمها العالم، و يدركها اليمنيون أنفسهم بأن اليمن الذي يشرف على باب المندب وبحر العرب، وبموقعه الجغرافي الذي يشكل حزام أمن لدول الخليج البترولية، وبتاريخه، وبإمكاناته البحرية، والبرية المتنوعة ، وبثروته البشرية التي يتميز بها يراد له أن يتفكك إلى دويلات وقبائل ولو حصل ذلك (لا قدر الله) سيكون لذلك عواقب وخيمة، وعند ذلك لن ينحصر هذا الخطر فيه وحده بل سيترتب عليه انفجارا يحرق دول الجوار ، سواء في القرن الإفريقي أو جنوب شبه الجزيرة العربية، وسوف تطول نيرانه دول حوض البحر الأحمر(5).
ومن جانب أخر يبدو أن عدم استقرار الوضع في اليمن يمكن أن يثير مخاطر قد تمتد إلى خطوط الملاحة البحرية المزدحمة التي تمر بالبلد الواقع جنوب شبه الجزيرة العربية وهو ما قد يعرقل مرور السفن في مضيق باب المندب الضيق الذي تعبره حوالي أربعة ملايين برميل يوميا من النفط إلى أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية وأسيا ويقول(جيه بيتر) الباحث في مجلس الأطلسي وهو مركز أبحاث أمريكي ((إذا زاد التوتر في مياه المنطقة أو فرض نظام صارم للتفتيش، فمن البديهي أن يكون هناك تداعيات على الملاحة في باب المندب ربما تنشئ نقطة اختناق حقيقية))(6).
أهمية اليمن في المنظور السوفيتي والأمريكي:-
لابد من القول أن مسارعة الاتحاد السوفيتي السابق لإيجاد موطئ قدم له فيما كان يسمى بجمهورية (اليمن الديمقراطية الشعبية الجنوبية) لن تكون بعيدة المنال، باعتبار العشق الروسي، والسوفيتي القديم لمياه (البحار الدافئة) هي السبب الذي جعل الاتحاد السوفيتي فيما بعد إمبراطورية درجة ثانية مقارنة ببريطانيا، وفرنسا اللتين كانت أساطيلهما تجوب البحار السبعة في سباق محموم من أجل الهيمنة، والضم، والانتداب(7).
ولا يجد المراقب المنصف إجابة شافية على التساؤل المهم التالي:- ما هو أهمية اليمن في المنظور الأمريكي؟ فإن رجل الاستخبارات الأمريكي ميكائيل موريلMichael Morrell الرجل الثاني في المخابرات الأميركية مؤهل للإجابة عليه، حيث أعلن موريل عبر شاشة CBS الأميركية في مارس2015 م، أن اليمن((يشكل أخطر بقعة في العالم على الإطلاق بالنسبة لأمن الولايات المتحدة الأميركية ، باعتبار ما أنتجته من جماعات إرهابية وما أفرزته من خبراء إرهاب قفز بعضهم إلى قوائم أخطر رجل في العالم مرارا، ناهيك عن هؤلاء الذين تخرجوا من خلايا الإرهاب في اليمن ، واضطلعوا فعلا بأعمال إرهابية من أمثال الأخوين جوهر وتمرلان تسارنايف اللذان قاما بتفجير ماراثون مدينة بوسطن قبل بضع سنوات(8).
علاقة اليمن بأمن البحر الأحمر:-
ويبدو أن لأهمية اليمن لها علاقة بأمن البحر الأحمر ، حيث لا تكمن أهمية هذا البحر بذاته فقط ، بل بموقعه ، وموارد الدول المشاطئة له من مصر إلى السعودية، واليمن ، والسودان ، فهذه الدول تمتلك كميات ضخمة من النفط ، والغاز ، وعلى سواحلها تقوم الأنابيب ، والمحطات ، والمرافئ لتصدير هذه المواد الضرورية إلى الدول شرقا، وغربا من اليابان والصين وحتى أوروبا، والقارة الأميركية، لذلك تعتبر هذه الدول أن موارد الطاقة الموجودة في هذه المنطقة من العالم (حوالي60% من الاحتياطي العالمي) والضرورية جدا لتقدمها، وصناعاتها، ورخاء شعوبها، وأمنها القومي لا يمكن أن تترك للصدفة، أو عرضة لمخاطر محلية، أو دولية تمنع وصولها إليها بأسرع الطرق، وأقلها كلفة، وقد شرعت منذ زمن غير بعيد في فرض وجودها غير المباشر ومن ثم المباشر على الأرض ، حيث الموارد لتأمين استخراجها، وضمان خطوط نقلها عبر البحار إلى بلادها ، وذلك بوجودها المستمر في البحار ، والمضايق في السويس إلى باب المندب، ومضيق هرمز على الخليج العربي، ومضيق (مالاقا) الاندونيسي عبر المحيط الهندي وعبر البحر المتوسط الى جبل طارق فالمحيط الأطلسي(9).
ويرى مراقبون أن البحر الأحمر اليوم يعتبر مسرح تنافس دولي مابين الدول المتشاطئة له أو المطلة عليه ومابين الدول الكبرى ، فهو بقعة جيوإستراتيجية بامتياز كونه يتوسط مناطق مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط ، والخليج العربي ، وأفريقيا الشرقية وهو معبر سهل ، وقصير ، واقتصادي ما بين هذه المصادر ودول الاستيراد وبخاصة دول الغرب ، كما أنه ممر استراتيجي لحركة الأساطيل الحربية مابين البحر المتوسط ، والمحيط الهندي ، وأفريقيا وصولا حتى الصين ، واليابان ، والمحيط الهادي.لذلك لم يعد من المستغرب أن يشهد هذا الحشد الهائل من حركة الأساطيل الحربية المتعددة الجنسيات والتي تتحرك وتنتشر فيه أو عبره إلى خليج عدن ، وبحر العرب ، وشواطئ الصومال وحتى المحيط الهندي ولعل ما يحدث من مشاكل في بعض البلدان المطلة عليه كما في اليمن ليس بعيدا عن سياسات الدول الكبرى وإستراتيجيتها لتأمين مواطئ أقدام سياسية، وعسكرية لها لضمان أمنها القومي، ومواردها الضرورية سواء أكان ذلك لاستمرار تطورها أم لاستمرار تفوقها وبما أن منطقة الشرق الأوسط والخليج وشرق أفريقيا تحتوي أكثر من ثلثي الاحتياط العالمي من مصادر الطاقة (نفط غاز) وفي غياب بديل جاهز أو وشيك لهذه الطاقة فأن الدول الكبرى تتنافس للوصول أو للاستيلاء على هذه الموارد وباي ثمن هذا الثمن تدفعه اليوم كما في الأمس دول هذه المناطق وشعوبها :فوضى، وتخلف، ودماء(10).
ويربط بعض الخبراء بين أمن البحر الأحمر والأمن الخليجي، ودور اليمن في ذلك فأحيانا يشار إلى أمن البحر الأحمر، وضماناته، وتكويناته كبديل للأمن الخليجي بالنسبة للمملكة العربية السعودية كما أشار إلى ذلك الباحث (توفيق السيف) الذي دعا المملكة العربية السعودية إلى تشكيل تحالفات بديلة اسماها (التحالفات الإستراتيجية) تدخل فيها دول (اليمن، ومصر، والسودان)، وعمليا هي دول البحر الأحمر. أما خبراء (الاستراتيجيات الأمنية) فينظرون إلى أمن البحر الأحمر كجزء أصيل من أمن الخليج يكمله، ويحتاجه اقتصاديا، وأمنيا، وفي هذا الشأن يقول الباحث السوداني محمد يوسف الجعيلي (كانت بداية المبادرات لأمن البحر الأحمر هي المبادرة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية، والتي كانت من نتائجها ميثاق أمن جدة الذي جرى توقيعه بمدينة جدة في 30 أبريل عام 1951 والذي ضم إلى جانب مصر، والسعودية، اليمن، وهدف ذلك الميثاق الى حماية أمن البحر الأحمر، من خلال الدفاع المشترك ضد الدول الخارجية.
ويعد هذا الميثاق أول خطوة عربية لضمان أمن البحر الأحمر في سبيل مواجهة أي تهديدات خارجية لهذا البحر، وبتعثر هذا الميثاق استمرت الجهود، والمحاولات العربية من أجل الوصول إلى أتفاق على إستراتيجية موحدة لحماية البحر الأحمر بمداخله الجنوبية والشمالية، واستكمالا لهذه الجهود دعت المملكة العربية السعودية لمؤتمر جدة في يوليو1972 ضم الدول المشاطئة للبحر الأحمر حينها (مصر، أثيوبيا، السودان، اليمن، علاوة على السعودية)، ولكن الاتفاقيات ركزت على تقاسم الموارد ولم تركز على البعد الأمني (11).
وقد طرح الباحث السعودي الدكتور (حمد بن عبد الله اللحيدان ) في مايو2011 م، فكرة إقامة (دول مجلس التعاون في البحر الأحمر) ، ومع اعترافه بتأثير اختلاف المستوى الاقتصادي، والتعليمي، والمعيشي لدول البحر الأحمر ، وضعف التنمية، واختلاف نظم الحكم، وغياب التخطيط الاستراتيجي على واقعية الفكرة ، فأن تجمع الدول العربية المطلة على البحر الأحمر في مجلس تعاون ومن ضمنها اليمن على غرار مجلس التعاون الخليجي تكون له أمانة عامة، ومقر، ونظام يحكمه يشكل عمقا استراتيجيا لمجلس التعاون الخليجي من الناحية الإستراتيجية، والأمنية، والعسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، على أن يمثل ذلك المجلس مدخلا واسعا لصادرات الخليج الى الدول الأفريقية، ناهيك بإمكانية قيام مراكز لبعض الصناعات البتروكيمياوية، والبترولية في بعض تلك الدول يخصص أنتاجها للاستهلاك المحلي ، أو التصدير إلى الدول الأفريقية، ويسهم في قيام قوة عسكرية مشتركة تحمي مصالح دول البحر الأحمر تستعمل كقوة تدخل سريع(12).أنها محاولات جادة من شعوب المنطقة نحو التكتل ، وإيجاد تكتلات جديدة لان عالم اليوم لا تعيش فيه القوة المنفردة في عالم تتصارع فيه الإرادات الدولية نحو تحقيق مصالحها الإستراتيجية، وحتى الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية تلجأ إلى التحالف والتكتل مع القوى الأخرى أو خلق التكتلات الجديدة المواجهة التكتلات الأخرى التي تعتبرها في منظورها الاستراتيجي خصم لمصالحها كما حدث في خلق واشنطن لحلف (الباسفيك) في مواجهة رابطة دول جنوب شرق آسيا المعروفة برابطة (الآسيان).
((المصادر))
1.أمن اليمن وتأثيره على الأمن الإقليمي والسلم الدولي، (صنعاء، وزارة الداخلية ، مركز الإعلام اليمني، 5/3/2015)، ورد على الموقع التالي:-
www.smc.gov.ye/index.php?option=com_k2&view=item&id=11122
2.عبد الإله تقي، تحليل العمق الجيوسياسي الحقيقي لليمن، المصدر أونلاين، 10/1/2012، ورد على الموقع التالي:-
www.almasderonline.com/article/27489
3.المصدر نفسه.
4.عبده إبراهيم ، الأزمة اليمنية وانعكاساتها على أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي ، موقع فرجت(اريتريا) ، ورد على الموقع التالي:-
www.farajat.net/ar/33967
كذلك أنظر:- أحمد دياب، عاصفة الحزم تردع كماشة إيران البحرية، (أبوظبي، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 31/3/2015) ، ص1.
5.المصدر نفسه.
6.مخاطر الحرب اليمنية على الملاحة الدولية ونقل النفط بالمنطقة، المدائن(الرياض)، 27/3/2015، ورد على الموقع التالي:-
www.almadaen.com.da/news/details/23678
7.د.محمد الدعمي، وما أدراك ما اليمن، الوطن (سلطنة عمان) ، 31/3/2015، ورد على الموقع التالي:-
www.alwatan.com/details/54765
8.المصدر نفسه.
9.د.أحمد علو، البحر الأحمر صراع على طرق الموارد بين مضيقين، مجلة الجيش، العدد310، (لبنان، الجيش اللبناني، نيسان2011)، ص1.
10.المصدر نفسه.
11.عمر البشير الترابي، التحديات الأمنية على ضفاف البحر الأحمر تشكل دوله عمقا استراتيجيا مهما يحتاجه الأمن الإقليمي، الشرق الأوسط(لندن) ، 15/1/2014، ورد على الموقع التالي:-
http://aawsat.com/home/article/17706
12.المصدر نفسه.