array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 97

مستقبل الاستقرار في الخليج بعد عاصفة الحزم

الأربعاء، 01 تموز/يوليو 2015

في وقت مبكر من فجر يوم الخميس الـ26 من مارس فاجأت قوات التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، الكثيرين داخل اليمن وخارجه ببدء حملة عسكرية بالطائرات استهدفت وما زالت تفعل حتى اليوم المواقع العسكرية، مخازن السلاح، وتحركات ميليشيا الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في العاصمة اليمنية صنعاء، وسائر المحافظات اليمنية الأخرى، وذلك بهدف إرغام قوى الانقلاب على القبول بعودة الشرعية، والانسحاب من المدن اليمنية، وإعادة ما تم نهبه من أسلحة الدولة، والانخراط في العمل السياسي السلمي.
ويمكن إرجاع عنصر المفاجأة في العمليات، على الرغم من التهديدات الخليجية باللجوء إلى استخدام القوة ضد قوى الانقلاب المدعومة من إيران،إلى عدم وجود سابقة خليجية في توظيف الأداة العسكرية في تنفيذ السياسة الخارجية باستثناء التحركات الرمزية لقوات درع الجزيرة إلى البحرين في عام 2011م، لدعم النظام في مواجهة احتجاجات تتهم إيران بالوقوف خلفها.
ويتناول هذا المقال السياقات الإقليمية والدولية لظهور هذا الدور الخليجي غير المسبوق والتأثيرات المحتملة لهذه السياقات والسياسات المختلفة التي اتخذت لمواجهة التهديدات، بما في ذلك العمليات الجوية ضد الحوثيين في اليمن، على الأمن الخليجي حاضرا ومستقبلا.
سياق العمليات
بدأت عمليات ما عرف في البداية بـ¬"عاصفة الحزم" في ظل سياقات إقليمية ودولية كانت وما تزال تحمل الكثير من التهديد لأمن واستقرار الخليج. ويمكن إجمال تلك السياقات في التطورات الثلاثة التالية:

أولا، المساعي الإيرانية الحثيثة والواضحة لإعادة البناء الإمبراطورية الفارسية برؤوس نووية هذه المرة، وعلى أن يخضع لسلطتها ونفوذها العالمين العربي والإسلامي. وقد تجلت التوجهات الإيرانية في السياسات والممارسات التي يتعبها نظام "ولاية الفقيه" الثيوقراطي في التعاطي مع التطورات السياسية في العراق، سوريا، لبنان، ومؤخرا في اليمن والتي تتلخص في السعي إلى إخضاع العرب لحكم أقليات طائفية في ايديولوجياتها وتابعة لإيران سياسيا مع رفع شعارات جوفاء ومضللة للتمويه مثل "العلمانية"، و "الدولة المدنية" و"المقاومة والممانعة"، و "الموت لأمريكا...الموت لإسرائيل." وتستغل إيران، في سعيها الدؤوب لتحقيق طموحاتها الإمبراطورية والنووية، الفوبيا السائدة في الغرب مما يسمى بـ"الإسلام السني"، فتعمل على استغلال الأقليات الطائفية، إما لخلق أنظمة طائفية تدور في فلكها أو لزعزعة استقرار الدول المعارضة للبرنامج النووي الإيراني.

ثانيا، الاضطراب والغموض في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، الضامن التاريخي لأمن الخليج، كما يتجسد مثلا في مبدأ "القيادة من الخلف" الذي تبنته إدارة الرئيس باراك أوباما في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط،والذي أدى إلى خلق حالة من فقدان الثقة بالولايات المتحدة في الأوساط الخليجية، وفي الدول العربية عموما وعلى المستويين الرسمي والشعبي.

ثالثا، توجهات الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى تطبيع العلاقات مع إيران، رفع العقوبات الدولة المفروضة عليها،والسماح لها بالاحتفاظ ببرنامجها النووي، ويتم في ذات الوقت، بحسن أو بسوء نية،تجاهل الأدوار السلبية التي تلعبها إيران في المنطقة والتهديدات الخطيرة لأمن المنطقة التي يمكن أن تنتج عن أي اتفاق غربي-إيراني يسمح للأخيرة بطريقة أو بأخرى الحصول على السلاح النووي.
وصحيح أن الغرب، إذا أحسن العرب الظن، ربما كان يسعى إلى الدفع بأوراق إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن إلى طاولة المفاوضات للضغط عليها لتقديم تنازلات صعبة بشأن برنامجها النووي، إلا أن الصحيح أيضا أن إيران تحاول بدورها استخدام أوراقها تلك في ابتزاز الدول العربية المعارضة لطموحاتها وفي مقدمتها دول الخليج، وبالتالي في تحسين موقفها التفاوضي. والأكثر من ذلك أنه في الوقت الذي يتعرض فيه الأمن الخليجي والعربي لضغوط كبيرة من قبل إيران، فإن الغرب لم يظهر أي قدر معقول من الاهتمام بما يحدث، بل أنه راح يمدد الفترة المحددة للوصول إلى اتفاق مع إيران المرة بعد الأخرى في توجه يمكن أن يدفع ببعض الدول العربية التي تشهد استقرارا الآن إلى حروب داخلية على خطوط طائفية، وقد يؤدي إلى إغراق العالمين العربي والإسلامي في حروب طاحنة داخل وبين الدول.

ولم يكن غريبا في ظل الأبعاد الثلاثة السابقة أن تتزامن غزوات المتمردين الحوثيين مع انطلاق المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني بين دول الخمسة زائدا واحد (الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي مضافا إليها المانيا) من جهة، وإيران من جهة ثانية.
كما لم يكن غريبا أيضا أن يتزامن تصعيد الحوثيين ضد الشرعية وانقلابهم عليها وبالتالي بدء عمليات التحالف العربي ضدهم في أواخر مارس عام 2015م، مع إطلاق مفاوضات المرحلة النهائية حول البرنامج النووي الإيراني، وأن تعمل إيران بشكل مستمر على إرسال الإشارة بعد الإشارة التي تؤكد من خلالها أن الحوثيين يتلقون الأوامر منها. وللتمثيل فقط، فقد حاول الحوثيون اختراق الحدود السعودية وأطلقوا صاروخ "سكود" نحو أراضيها بالتزامن مع تدشين الجولة التي يفترض أن تكون الأخيرة ما لم يتم التمديد من مفاوضات المرحلة النهائية بشأن البرنامج النووي الإيراني والتي حدد سقفها الزمني بنهاية شهر يونيو الماضي!
وعملت الدول الخليجية وما زالت تعمل على مواجهة التهديدات الأمنية التي تحملها التطورات الثلاثة السابقة بحزمة من السياسات والبرامج والتحركات التي تهدف إلى: منع الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران من الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح وفرض الأمر الواقع على القوى السياسية والاجتماعية المعارضة لهم وإقامة نظام "ولاية الفقيه" التابع لإيران؛ مؤازرة الشعب السوري في سعيه إلى التحرر من النظام الفاشي الدموي؛ مساعدة الدولة اللبنانية على بناء سلطتها ونفوذها وإخضاع كافة المكونات لسيادتها؛ وتأييد العراقيين في نضالهم لبناء دولة المواطنة بما يحقق التوازن في السلطة بين مختلف المكونات المجتمعية ويمنع الاختطاف الطائفي للدولة.
وبينما تبذل دول الخليج منذ سنوات جهودا كبيرة ومتنوعة في التعاطي مع الأوضاع في العراق وسوريا وما تفرزه من تأثيرات غير مرغوب فيها على أمن الخليج، فإن التطورات المتسارعة التي شهدها اليمن في الربع الأول من هذا العام قد جعلت دول الخليج وبحكم بما يمثله موقع اليمن وما حملته تلك التطورات من تحديات تلجأ بالتعاون مع حلفائها العرب إلى استخدام القوة العسكرية في خطوة تمثل نقطة تحول في تاريخ المنطقة.

التأثيرات المحتملة
حظيت التوجهات والسياسات والبرامج الخليجية التي اتخذت في مواجهة التهديدات لأمن الخليج وخصوصا العمليات الجوية التي تنفذها قوات التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن حتى الآن بدعم شعبي خليجي وعربي واسع، وبتفهم وتأييد دولي كبير، وأتاحت أزمة اليمن تحديدا لدول الخليج إظهار ما تحتله من مكانة وما تحظى به من سلطة ونفوذ على الأصعدة الإقليمية والدولية، وتجسد كل ذلك في المواقف الرسمية المعلنة للدول والجماعات السياسية والمنظمات الإقليمية والدولية، ثم وعلى نحو أكثر قوة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 بشأن الوضع في اليمن، والذي اتخذ في 14 ابريل 2015م،تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ونجحت الجهود الخليجية في جوانبها المتعددة،وعلى الأصعدة الإقليمية والدولية، في تحجيم الدور الإيراني، وإحداث انكشاف كبير للضعف والهزال الذي تعاني منه الدبلوماسية الإيرانية، ولحجم العزلة الدولية لنظام الملالي، وحولت ما اعتقدت إيران بأنه أوراق إقليمية قوية يمكن توظيفها على مائدة التفاوض مع الغرب بشأن برنامجها النووي إلى أوراق ضعف قد تكلفها كثيرا.
وإذا كان ضعف القيادة متعددة الأقطاب في النظام الإقليمي العربي الذي عانى منه النظام الإقليمي العربي تاريخيا، ثم غياب القيادة الإقليمية خلال السنوات القليلة الماضية بسبب التطورات التي شهدتها مصر وسوريا قد ساهمت في تنامي الطموحات والأطماع الإيرانية، فإن العمليات الخليجية في اليمن والجهود المبذولة في سوريا والعراق ولبنان تؤشر كلها إلى أن النظام الإقليمي العربي قد يشهد عن قريب ظهور قيادة قطبية واحدة قادرة على حفظ الأمن والاستقرار والدفع بالتنمية والتكامل الإقليمي إلى آفاق جديدة.

وفي حين أن البعض كان يراهن على، بل وسعى إلى، استغلال التطورات السياسية في البلاد العربية، وخصوصا الدور الخليجي في اليمن، ليعمل على توظيف الطائفية في ضرب وحدة في إفشال تلك المشاريع، وحافظت على درجة كبيرة من الأمن والاستقرار.
ورغم كل النجاحات السابقة ذات الطبيعة المرحلية، فإن المحصلة النهائية لكل التحركات والجهود وخصوصا ذات الطابع العسكري، وللتأثير الذي ستتركه على الأمن الخليجي ستظل مرهونة بقدرتها على تحقيق الأهداف المتوخاة منها. وهنا ينبغي التنبيه إلى أن دول الخليج تواجه تحديات لا يمكن الاستهانة بها. فكما هو واضح، فإن الضربات الجوية ضد الحوثيين وحلفائهم في اليمن، رغم مرور حوالي ثلاثة أشهر قد لا تؤدي بمفردها إلى تحقيق الهدف الأساسي منها، وهو إعادة الشرعية ودحر قوى الانقلاب. ومع أن المقاومة اليمنية الداخلية يمكن أن تلعب دورا كبيرا في دحر القوى الانقلابية إذا ما تم توحيدها وتنظيمها وتدريبها، إلا أن الدول الخليجية تبدو ولأسباب عديدة مترددة كثيرا في الاعتماد على هذا الخيار.

ويمكن لاستمرار الأوضاع الإقليمية دون حسم سواء في العراق أو سوريا أو في اليمن أو فيها مجتمعة أن يتحول إلى عامل استنزاف للدول الخليجية، وقد يؤدي في أسوأ الأحوال إلى انعكاسات سلبية على الدول الخليجية وبالتالي انتقال الأوضاع الإقليمية غير المواتية للأمن والاستقرار إلى الداخل الخليجي.

وبينما تتطلب المواجهة مع إيران بروز قيادة إقليمية قوية، فإن التباينات الإيديولوجية داخل الدول العربية، وفيما بينها، وفوبيا "الإسلام السني" في العالم الغربي، والتنافس الذي يحتمل أن يظهر حول قيادة النظام الإقليمي، يمكن أن تعمل كلها على إضعاف الأنظمة العربية وتجعلها مشتتة ممزقة بما يتيح لإيران المضي قدما في تحقيق طموحاتها على حساب العرب.

مستقبل الأمن الخليجي
كشفت تطورات السنوات الماضية، وبدرجة أكبر الأشهر القليلة المنصرمة من هذا العام أن إيران في ظل نظام "ولاية الفقيه" الثيوقراطي بطموحاته النووية، وفي ظل تذبذب الموقف الغربي من "أمن الخليج" تمثل تهديدا إيديولوجيا وعسكريا لأمن واستقرار دول الخليج. وسيتوقف حجم هذا التهديد وخطورته المستقبلية على الطريقة التي ستتطور بها المفاوضات الإيرانية-الغربية حول البرنامج النووي الإيراني ومضمون الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه. ففي حال التوصل إلى اتفاق مع إيران يحول دون حصولها على السلاح النووي، فإن ذلك يمكن أن يخفف كثيرا من الضغوط الأمنية على دول الخليج، والعكس بالعكس.

كما سيتوقف حجم التهديد وخطورته أيضا على الطريقة التي ستتطور بها الأمور في كل من سوريا واليمن والعراق ولبنان. فحدوث توازن بين المكونات المجتمعية المشاركة في السلطة في العراق، وانتقال السلطة في سوريا، وعودة الشرعية في اليمن ودحر الانقلاب، واحتكار الدولة اللبنانية للقوة المادية في مواجهة المكونات المجتمعية، ستمثل كلها دعائم للأمن الخليجي والعربي.
ولأن الأمن في أي دولة ولأي منطقة جغرافية يبنى ولا يعطى، ويتصف بالديناميكية، ويحتاج إلى رعاية مستمرة، فان بناء أمن الخليج يستدعي كإجراءات عاجلة ما يلي:

أولا، تطوير استراتيجية أمنية شاملة تستند إلى مفهوم مشترك للأمن، وبناء أنظمة وتطوير مؤشرات في مختلف المجالات يمكن من خلالها اكتشاف التهديدات في مراحلها المبكرة وإعداد السياسات والخطط والبرامج لاحتوائها.

ثانيا،دمج أمن اليمن بأمن الخليج حتى لا يظل اليمن ثغرة تنفذ منها التهديدات المستقبلية بما يعنيه هذا من قيام شراكة أمنية خليجية-يمنية قوية ومستدامة وغير مرتبطة بالأشخاص والأنظمة مع التنبيه هنا إلى أن التهديد الذي يمثله اليمن لدول الخليج، والذي يتوقع أن يتعاظم خلال السنوات القادمة، إنما يكمن في فجوة التنمية الهائلة بين دول الخليج واليمن،والتي تجعل الكثير من اليمنيين يعيشون في أوضاع تستوي فيها الحياة والموت ويسهل على الجماعات الإيديولوجية المتشددة بكافة أنواعها استغلالهم وتحويلهم إلى وقود في الحروب التي تخوضها.

ثالثا، بناء قوة عسكرية برية وبحرية وجوية رادعة سواء في الدولة القائدة، أو في إطار خليجي، أو عربي لمعالجة ما يسميه المفكرون الخليجيون بـ"الخلل الأمني المزمن" في إشارة إلى اعتماد الدول الخليجية في الأمن والحماية على غيرها، ولا ينبغي المبالغة في المخاوف من التأثيرات السلبية لبناء مثل هذه القوة. كما لا ينبغي النظر إلى هذه القوة على أنها بديل جاهز للترتيبات الأمنية للدول الخليجية مع الدول الغربية،وربما كان من الأفضل النظر إليها على الأقل مرحليا كمكمل لأي ترتيبات أمنية أخرى.

رابعا، إعادة بناء العلاقات مع الولايات المتحدة ودول الغرب على أسس واضحة وخصوصا في الجانب الأمني مع إخضاعها للمراجعة المستمرة بحسب التطورات التي تحملها المتغيرات سواء بالنسبة لدول الغرب أو بالنسبة للدول الخليجية.

خامسا، تنويع استراتيجي للتحالفات مع القوى الكبرى، وعدم التركيز على دولة واحدة أو منطقة جغرافية معينة أو محاولة استغلال الخصومات بشكل تكتيكي

سادسا، التركيز على مفهوم المواطنة ونشر ثقافة وقيم الاعتدال والتسامح ونبذ التشدد والتطرف أيا كانت منطلقاته ، وإصلاح أنظمة التعليم ومناهجه والسياسات الثقافية والإعلامية بما يكفل تحقيق هذا الهدف.

سابعا، فتح وتفعيل القنوات الدبلوماسية مع إيران حكومة وشعبا وتشجيعها وتحفيزها على التخلي عن طموحاتها الإمبراطورية والنووية.

مجلة آراء حول الخليج