تعتبر العلاقات الخليجية ـ اليابانية واحدة من أقدم الروابط الخليجية مع دول القارة الآسيوية، فعلاقة اليابان ببعض دول الخليج تعود لستة عقود كما في حالة العلاقات اليابانية مع المملكة العربية السعودية، ثم جاءت دول الخليج الأخرى لاحقا مدشنة علاقات قوية مع الشريك الياباني. واستمدت قوة ومتانة العلاقات بين الطرفين لأهمية الخليج بالنسبة لليابان كسوق ممتدة للمعدات والآلات اليابانية وكمصدر أساسي للنفط، وهي عوامل جعلت اليابان حريصة دائما على صيانة تلك العلاقات وكذلك الحال بالنسبة للجانب الخليجي، وربما يوضح ذلك مؤشر الزيارات المتبادلة، على سبيل المثال، حيث شهد عاما 2013 و2014م، زيارة رئيس الوزراء الياباني لجميع دول مجلس التعاون الخليجي، كما استقبل هو زيارات مماثلة ببلاده من السعودية والكويت خلال الفترة ذاتها.
وتمتلك دول الخليج ميزة نسبية في علاقاتها مع القطب الآسيوي وهي تحقيق فائض دائم في التجارة المتبادلة مع اليابان. فالصادرات اليابانية للخليج لا تتعدى 25 مليار دولار في عام 2014، في حين أن وارداتها من دول الإقليم وصلت إلى 140 مليار دولار في العام ذاته. وبذلك ظلت الطاقة محورا للتعاون ليس فقط في إمداد دول الخليج للنفط وإنما يستحوذ هذا القطاع أيضا على اهتمام المستثمر الخليجي العامل باليابان. وتكفى الإشارة إلى أن نسبة موارد الطاقة من حجم الواردات زادت عن 98%، وفقا لبيانات عام 2014م، فيما تستحوذ السعودية على نسبة 40% من الاستثمارات اليابانية في المنطقة العربية كافة وبحجم تجارة متبادلة وصل إلى 56 مليار دولار بين البلدين في العام ذاته.
للطرفين علاقات تاريخية ذات اعتماد متبادل، لكنها، على الرغم من ذلك، تفتقد بعض التطوير الذي يعكس حجم التحديات التي يواجهها الطرفان ويواجهها المجتمع الدولي ككل، ويأتي الإرهاب على رأس تلك التحديات. فقضية الإرهاب لا تزال غائبة عن أجندة التعاون الياباني الخليجي. ورغم أن اليابان تساهم دوليا –كما سنتناول لاحقا- بإجراءات وتحركات يمكن وصفها بالجادة لمكافحة الإرهاب يظل السؤال: لماذا لم تدخل قضية الإرهاب -على أهميتها- ضمن محاور التعاون الخليجي الياباني؟
هنا، يمكننا تفسير الموقف الياباني والخليجي أيضا من خلال عدة زوايا. أهمها أن مساعدات التنمية الرسمية لا تزال هي الأداة الأساسية التي تتحرك من خلالها اليابان في رسم ملامح علاقاتها الخارجية باعتبارها من أكبر الدول المانحة، بينما لا تدخل دول الخليج ضمن الدول المستفيدة في هذا الإطار. أيضا، ربما يفسر هذا الموقف أن العلاقات مع دول الخليج يحكمها -في الغالب- كيانات كبرى من شركات القطاع الخاص لدى الطرفين، فدور مجالس رجال الأعمال تركز دائما على التعاون في مجالات اقتصادية منها: تحلية المياه، والأدوية، وإنتاج الطاقة من خلال إنشاء محطات للتوليد. ولا تدخل تلك الكيانات، بطبيعة الحال، في دعم المجالات السياسية والأمنية. علاوة على ذلك، تعتمد اليابان على منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها كآلية تضخ اليابان من خلالها مساعداتها وجهودها الرامية لدعم السلم الدولي أكثر من اعتمادها على القنوات الثنائية أو حتى الإقليمية. نضيف إلى ذلك أيضا أن الطرفين الياباني والخليجي يعتمدا فيما يخص العلاقات الإستراتيجية خاصة أمنيا وعسكريا على الشريك الأمريكي، حيث يمثل التعاون العسكري الثنائي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وسيلة أساسية للحماية الأمنية في الخليج.
هنا، وعلى الرغم من الحقائق سالفة الذكر، فلا ينبغي أن تظل فرص التقارب الخليجي الياباني محصورة في إمدادات النفط، وإنما لابد أن تتطور بما يعكس التحديات المشتركة وعلى رأسها الإرهاب. ويدعم ذلك-وبشدة-الموقع الجغرافي الاستراتيجي لدول الخليج الذي يمثل بالفعل مجالا حيويا لصيانة واستمرار تلك الإمدادات. ولنا أن نذكر أن 99.7% من حجم التجارة اليابانية يمر عبر الممرات الملاحية، وهنا تكمن أهمية سلامة إقليم الخليج العربي بالنسبة لليابان. وبالتالي يصبح من الصعب قصر العلاقات المشتركة بين الطرفين على بيع حصص النفط سواء بترول أو غاز مسال فقط.
لا يعد استغلال الموقع الاستراتيجي لدول الخليج الفرصة الوحيدة لتطوير العلاقات وإنما هناك أيضا التغيرات التي تشهدها السياسة اليابانية الحالية دوليا للقيام بدور أكبر في المساهمة في إرساء السلم والأمن الدوليين والمواجهة الجادة لتحدياته وعلى رأسها الإرهاب. وقد ظهر هذا التغير من خلال تحركات الحكومة اليابانية قبل بضع سنوات. بدأت تحديدا حينما أصدرت اليابان "قانون مكافحة القرصنة" وكان ذلك في عام 2009م، وهو القانون الذي يمكن لأول مرة قوات الدفاع الذاتي اليابانية (وهو الاسم الذي يطلق على قوات الجيش الياباني) من حراسة السفن وحمايتها من خطر القرصنة، وبغض النظر عن العلم الذي ترفعه تلك السفن. ثم وجدنا عام 2013 م، يشهد قرارا يابانيا جديدا بتحريك مدمرتين للتمركز والتجول في خليج عدن لحماية ومراقبة سفنها المارة بالممر الملاحي. كما تم الدفع بعناصر جوية لحماية السفن المتمركزة، وكان ذلك في عام 2014م، علاوة على ذلك، دعمت اليابان المدمرتين بقيادات من قوات الدفاع الذاتي اليابانية إضافية. ووصلت عدد السفن المحمية من اليابان إلى 3500 سفينة مع نهاية 2014م. ونتيجة لذلك، فقد تم تسجيل 11 عملية قرصنة بحرية فقط في الصومال عام 2014م، بعد أن كان عدد العمليات قد وصل إلى 237 في 2011م. وربما ساعد على تحقيق هذا الإنجاز إصدار الحكومة اليابانية في عام 2013 م، لقانون "ضمان سرية المعلومات، وهو قانون شُرع لرفع كفاءة عمل جهاز المخابرات الياباني وزيادة قنوات التنسيق مع أجهزة المخابرات الأخرى وعلى رأسها المخابرات الأمريكية والمخابرات الإنجليزية.
لم تتوقف التحركات اليابانية لتعزيز تواجدها الأمني على الساحة الدولية عند هذا الحد، فقد مثل عام 2015م، نقطة نوعية مع قرار تطوير مهام قوات الدفاع الذاتي اليابانية المشاركة في عمليات خارجية، والتي أصبح متاحا لها استخدام القوة بعد أن كانت مهامها تنحصر في المشاركات المدنية فقط في مناطق النزاع.
يرتبط ذلك أيضا بقيام اليابان بعقد ترتيبات واتفاقيات تعاون أمنى واقتصادي مع أربع دول وهي: الهند، وجيبوتي، والصومال، وسيشل لإحكام وتأمين تحركاتها نحو تأمين تجارتها وحماية الممرات الملاحية بخليج عدن من خطر الإرهاب والقرصنة، فيما كان على دول مجلس التعاون الخليجي ومصر (لتأمين تجارة النفط والملاحة بقناة السويس على الترتيب) التواجد، والمشاركة في تلك الترتيبات أو توقيع ترتيبات مماثلة مع اليابان، ولكن هذا لم يحدث نتيجة سيطرة البعد الاقتصادي والطاقة تحديدا على محفظة التعاون المشتركة بين اليابان والخليج.
علاوة على ما سبق، لم يقتصر التحرك الياباني لمكافحة الإرهاب على الترتيبات السابقة، وإنما وجدنا ربطا صريحا تقره اليابان رسميا بين مساعدات التنمية الرسمية ومكافحة الإرهاب، وذلك كما ظهر في قرار مجلس الوزراء الياباني الصادر في فبراير 2015م، والذي أعلن "وثيقة التعاون التنموي"، لتحل محل "وثيقة مساعدات التنمية الرسمية". ومن خلال الوثيقة رحبت اليابان بإجراء تنسيق مع الدول غير المتلقية للمساعدات اليابانية للوصول لأقصى استفادة ممكنة من التعاون التنموي دوليا، كما شجعت اليابان العمل مع جميع الدول النامية وكذا شركات القطاع الخاص والأمم المتحدة، للمساهمة الفاعلة في الحفاظ على السلم الدولي، والمواجهة الفاعلة للتحديات الدولية الحالية، وعلى رأسها الإرهاب. كذلك فقد حددت الوثيقة إقليم الشرق الأوسط كأحد الأقاليم ذات الأولوية لأهميته في استقرار النظام العالمي وحركة الإمداد بالطاقة والتجارة العالمية عموما. كذلك ذكرت الوثيقة الجديدة أن اليابان ستقوم بمتابعة سياسات تسليح الدول المتلقية سواء من الأسلحة التقليدية أو من الأسلحة غير التقليدية كأحد إجراءات محاربة اليابان للإرهاب. وتطرح الوثيقة المذكورة فرصة للتنسيق وفتح آفاق تعاونية جديدة بين اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث أشارت تلك الوثيقة لسعى اليابان عقد اليابان اتفاقيات للشراكة مع مختلف المنظمات الدولية الإقليمية، كما تناولت سعى اليابان لنقل خبراتها المختلفة لكافة الدول في إطار سياسة التعاون الدولي الياباني.
نذكر أيضا تطورا هاما، قد يمثل نواة لتعاون أو فلنقل فرصة لتنسيق خليجي ياباني في مجال مكافحة الإرهاب، فقد تبنت اليابان في استراتيجيتها الدفاعية لعام 2014م، دعم الإنتاج الحربي المحلى الصنع، بعد أن ظلت الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة خط الإمداد الأساسي لليابان فيما يتعلق بشراء الأسلحة أو صيانتها. وحددت الحكومة للشركات اليابانية المجالات المتاحة للمساهمة في الإنتاج الحربي (المركبات الأرضية كالدبابات وبعض نظم الاتصالات والمراقبة والرادارات وبعض أجزاء الطائرات). كذلك أنتجت اليابان لأول مرة وبعد توقف دام أكثر من نصف قرن من الزمان طائرة مدنية، وأنتجتها شركة ميتسوبيشي، حيث قامت الطائرة بالفعل بأولى رحلاتها الداخلية والتجريبية في نوفمبر 2015م، بتقنيات يتوقع أن تكون الأحدث فيما يتعلق بتوفير الوقود. في ضوء ذلك فربما يتماشى دخول اليابان مرحلة تصنيعية جديدة بإنتاجها الطائرات المدنية والمعدات الحربية ما يخدم التوجه الحالي لدول مجلس التعاون الخليجي الرامي لتنويع مصادر الدخل بدلا من الاعتماد المكثف على تصدير النفط حيث أن هذا التنوع يمكن أن يمتد للتعاون في الصناعات الثقيلة الاستراتيجية أو بحث التعاون العسكري بما يعظم المصالح الخليجية أمنيا، وهنا، يمكن أن تكون اليابان ضمن أفضل الخيارات المتاحة للخليج.
تعي اليابان جيدا كما تعي دول مجلس التعاون الخليجي ضرورة التحرك المشترك لتشتمل محفظة التعاون بين الجانبين مجالات جديدة ولا تظل تجارة الطاقة ومصادرها حدودها ومنتهاها. وقد وجدنا بدايات بالفعل حيث كان منها اتفاق التعاون الذى وقعته اليابان حديثا مع سلطنة عمان، والذى يخطط لإنشاء مجمع للصناعات الغذائية بالتعاون مع الحكومة اليابانية وبتمويل من حكومة السلطنة جزئيا، فيما تساهم أيضا مجموعة الخليج للاستثمار المملوكة لمجلس تعاون دول الخليج العربية في تمويله، وهو أحد نماذج التعاون التي تتم في إطار مؤسسي وتحت مظلة المجلس ككل، وهو اتجاه يمكن أن يتم التوسع فيه لتقوية المصالح الخليجية من الشريك الياباني، ولتعميم الخبرات اليابانية المنقولة من خلال تلك المشروعات على كافة الدول أعضاء مجلس التعاون الخليجي.
من ناحية أخرى، فلقد كان لدى بعض دول مجلس التعاون مساعيها، حتى وإن كانت رمزية من أجل التنسيق مع الشريك الياباني بشأن إجراءات مكافحة الإرهاب ليس فيما يخص إجراءات مواجهة القرصنة وإنما خطر "تنظيم الدولة الإسلامية"، ومن ذلك ما ظهر في تصريح وزير خارجية قطر أثناء زيارته الرسمية لليابان في فبراير 2015م، حيث صرح بأن حكومته قد بذلت جهدا لمحاولة التوسط مع بعض أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية للإفراج عن اليابانيين الذين قتلوا بعد ذلك على يد الجماعة الإرهابية. وقد سبق هذه المحاولة التي لم يُكتب لها النجاح، تحركا آخرا وبعيدا أيضا عن التعاون التقليدي مع اليابان في مجال الطاقة، وذلك عندما أسستدولة قطر، منذ بضعة سنوات، صندوقًا أُطلق عليه"صندوق الصداقةالقطري-الياباني"، وهو اعتماد مالي محدود توفره الحكومة القطرية ويخصص لصرف وتوفير تكاليف المساعداتالإنسانيةللمتضررينمنالكوارثالطبيعيةالتي قد تشهدهااليابان.
وبصورة عامة، فإن التعاون في مجال الطاقة بين الشريكين الخليجي والياباني في حد ذاته يمكن أن يكون له إسهامه الكبير في دعم سياسات مكافحة الإرهاب في الإقليم، فأعضاء تنظيم الدولة الإسلامية تقوم لتوفير تمويلها بتجارة غير مشروعة لمصادر النفط المستخرجة من الأراضي التي فرضت سيطرتها عليها بالقوة، وبالتالي يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها ضمن أهم أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (الأوبك)، وبالتعاون مع اليابان باعتبارها تتبنى سياسة جادة لمكافحة الإرهاب الجلوس سويا لبحث سبل التنسيق المشترك لمكافحة الإرهاب من منظور تجارة الطاقة غير المشروعة. علاوة على ذلك لدى دول مجلس التعاون الخليجي فرصة لتوسيع نطاق التعاون في مجال الطاقة، فالخبرات اليابانية في هذا المجال تعد واحدة من أكثر الخبرات تقدما في العالم، ولا تزال أمام دول المجلس العديد من الفرص للاستفادة من هذه الخبرات وتحقيق عائد اقتصادي ضخم يخدم التوجه الحالي بتنويع مصادر الدخل القومي، كما سبقت الإشارة، وبدلا من الاقتصار على تصدير النفط يمكن بحث مجالات فرعية أخرى ربما أهمها وأعلاها جدوى اقتصادية مجال ترشيد الطاقة وتنفيذ مشروعات الطاقة النظيفة، وتتسع قائمة سبل التعاون في هذا السياق لتشمل أيضا توليد الطاقة من مصادر حيوية وصناعات إعادة التدوير بصورة عامة، وإن لم يكن هذا المقال مجال التفصيل فيها.
ونعود مرة أخرى للحديث عن فرص التنسيق الياباني الخليجي في مجال مكافحة الإرهاب، ونذكر أنه بداية من مارس 2016م، سيصبح للقوات اليابانية المشاركة في حفظ السلام المقيمة في جنوب السودان استخدام القوة العسكرية بعد أن اقتصرت مهامها منذ إرسالها في عام 2012م، على المساهمة في الأعمال الإنشائية والمدنية. جاء ذلك التحول بفضل مجموعة القوانين التي صدرت عن الحكومة اليابانية نهاية عام 2015. اشتملت تلك القوانين على: "قانون التحرك في حالة الطوارئ، ويمكن قوات الدفاع الذاتي التحرك حتى إن لم تكن اليابان تحت تهديد التحرك لحماية أحد حلفائها، و"قانون تحقيق السلم في حالة الطوارئ"، وهي الحالة التي تكون فيها اليابان معرضة للخطر، و"قانون دعم السلام الدولي". وجاء الأخير ليلغى شرط إصدار البرلمان الياباني قرار بقانون قبل أي إرسال لقوات الدفاع الذاتي للمشاركة في عمليات حفظ السلام مع منظمة الأمم المتحدة، ثم "قانون التعاون من أجل السلام الدولي"، ويسمح لقوات الدفاع الذاتي استخدام القوة في حالات الدفاع عن أمنها خلال مشاركتهم في عمليات حفظ السلام، و"قانون قوات الدفاع الذاتي"، الذي يتيح للقوات اليابانية اتخاذ الإجراءات لحماية أمنها والقوات الأمريكية أو القوات الأخرى المشاركة في أية عمليات حول العالم. وأخيرا "قانون مراقبة أعمال السفن"، والمقصود هنا السفن المشاركة مع القوات اليابانية في عمليات بحرية من دول أخرى.
في هذا الإطار، نرى أن حزمة القوانين المذكورة تفتح المجال لحلفاء اليابان وعلى رأسهم دول مجلس التعاون الخليجي لاستكشاف آفاق تعاونية جديدة تستهدف مكافحة الإرهاب ومواجهة تحدياته المشتركة، وإذا كان أول تطبيق للقانون الياباني الجديد سيتم داخل المنطقة العربية فإن دل ذلك على شيء إنما يدل على أولوية وأهمية الإقليم بالنسبة لليابان، وبالتالي يتوقع أن ترحب اليابان باستكمال تحركاتها الجديدة على المستوى الأمني بالاشتراك مع حليفها الخليجي الاستراتيجي والهام لها على عدة مستويات.
على المستوى الدولي أيضا يشهد النظام الدولي في المرحلة الحالية تغيرات ذات وتيرة سريعة محاولة الاستجابة للتحديات التي يواجهها المجتمع الدولي وعلى رأس تلك التحديات الإرهاب. وقد أدى هذا التحدي والأحداث التي اقترنت به إلى تحولات في ركائز سياسات خارجية لعدة دول باتت دون تغيير لفترات طويلة، وكانت اليابان أحد أهم تلك الأمثلة كما سبق التفصيل، الولايات المتحدة الأمريكية أيضا أحد أبرز الأمثلة. فقد كان القطب الأمريكي يستورد البترول ويحقنه في الأراضي الأمريكية لاستخدامه بعد نفاد ما لدى دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الولايات المتحدة تحولت فجأة متخلية عن هذا المبدأ في ردها على الخلاف الأمريكي الروسي حول آليات مكافحة الإرهاب في الإقليم، حيث تسعى الولايات المتحدة لزيادة المعروض من النفط بما يؤدى لخفض أسعاره العالمية، وهو سعى أمريكي للإضرار بالمنافس الروسي اقتصاديا. ولم يلق القرار الأمريكي اعتراضا أو تحفظا من الدول أعضاء الأوبك على السياسة الأمريكية، ويحكم هذا القبول التوازنات والتحالفات الدولية للتكتل من أجل مكافحة الإرهاب.
وختاما، فلقد طرحت القيادة اليابانية على الشريك الخليجي خلال زيارة رئيس الوزراء الياباني لدول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2014م، مفهوما جديدا للتعاون وهو "المشاركة اليابانية الخليجية الشاملة"، وهو طرح لا ينبغي أن تفوته دول مجلس التعاون دون دراسة جادة لتحديد سبل الوصول بمستوى العلاقات مع القطب الياباني إلى مستوى "شراكة خليجية يابانية". ونتوقع أن تجنى دول مجلس التعاون مكاسب من مساعيها من تطوير العلاقات مع اليابان فالسياسة اليابانية الحالية تتطور وتتحرك بسرعة وترفع مبادئ ولأول مرة من أهمها "عودة اليابان مرة أخرى"، و"السلمية والاستباقية" هذه المفاهيم الجديدة تمتد للبعد العسكري والأمني داخل السياسة اليابانية الحالية. ولا يعنى هذا الطرح التقليل من أهمية التعاون في مجال الطاقة بين الجانبين، ولكن التحديات التي يشهدها الإقليم تحتاج لاستغلال التعاون الحالي ومجاله الطاقة مع البحث عن مجالات تعاون جديدة لتنسيق الجهود لمواجهة جادة لخطر الإرهاب وقد اتضح من العرض السابق أن توجهات السياسة اليابانية الحالية تتيح اتخاذ إجراءات دولية وإقليمية بل بدأت اليابان بالفعل تحركاتها لمواجهة الإرهاب والقرصنة في خليج عدن والصومال، يبقى على دول مجلس التعاون ترتيب البيت من الداخل وتجهيز رؤية خليجية موحدة لاستغلال المساعي اليابانية لدعم التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، ومن المتوقع أن يحقق ذلك التنسيق مصالح خليجية ويابانية مشتركة خاصة إن تم تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وإن كان سعى أي من اليابان أو دول مجلس التعاون لمناقشة أو فتح مجال التعاون في الملف الأمني قد يحتاج لمشاركة أو على الأقل التنسيق مع الحليف الاستراتيجي الأهم للطرفين، الولايات المتحدة الأمريكية.