array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 106

العلاقات العسكرية الصينية ــ الخليجية: تعاون دون شراكات استراتيجية دفاعية أو تصنيع عسكري

الأحد، 03 نيسان/أبريل 2016

ــ الصين لم تتفهم القلق الخليجي من قضايا سوريا واليمن والدور الإيراني في إثارة نزعات مذهبية تهدد أمن هذه الدول والمنطقة

ــ تنحصر العلاقات الصينيةــ الخليجية في الاقتصاد ويظل التعاون العسكري هامشيًا ويهم بكين إمدادات الطاقة وتسويق منتجاتها

ــ بكين تجري"التحديث الصامت" وبناء عسكري متقدم فيما تعلن المحافظة على الحد الكافي للدفاع مع ندرة استعراضات

ــ الصين ثاني أكبر دول العالم في الإنفاق العسكري بقيمة 145 مليار دولاروالجيش الصيني ثالث أقوى جيوش العالم

ــ الصين الأول عالميًا في إجمالي عدد الجنود والثاني في عدد الدبابات بــ 9150 دبابة والثالث في منصات إطلاق الصواريخ بـ 1770 منصة

ــ الصين الثالث عالميًا من حيث إجماليالطائرات الحربية وتملك 2860 طائرة والمركز الثاني بالطائرات المقاتلة والاعتراضية وتملك 1066 طائرة

 

تشهد الفترة الأخيرة اهتمامًا متزايدًا من الصين بمنطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة وبصورة غير مسبوقة، وقد انعكس ذلك في زيادة الحضور الصيني في قضايا المنطقة، واتخاذ مواقف ومبادرات لم تعهدها الدبلوماسية الصينية في السنوات السابقة.

وفي الحقيقة فإن الحركة الدبلوماسية الصينية مؤخرًا تكشف بوضوح أن أهمية منطقة الخليج بالنسبة للصين لا ترتبط فقط بكون دولها سوقًا رائجة للصناعات الصينية، إلا أن هذا الاهتمام يرتبط بمصالح أخرى سياسية وعسكرية، ومحاولة تأكيد النفوذ السياسي، ومزاحمة الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي ذات الاهتمام والنفوذ في المنطقة وذلك لتأكيد قدراتها كلاعب إقليمي ودولي مؤثر وكسب ثقة الدول المؤثرة والقوية في المنطقة لضمان المحافظة على المصالح الصينية خاصة تأمين تدفق البترول.

وقد بدأت الصين في الفترة الأخيرة تعطي اهتمامًا بمسار التعاون العسكري مع دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك مع إيران بل أن هذا الاهتمام بدأ يتوسع ليشمل دولاً في الجوار الجغرافي لمنطقة الخليج مثل جيبوتي وبعض دول القرن الأفريقي، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول الطموح العسكري الصيني، والموقف الصيني من قضايا الأمن والاستقرار في المنطقة، والقدرات العسكرية الصينية ومدى قدرة الصين على الانخراط العسكري في المنطقة.

وتسعى هذه الدراسة إلى إيضاح القدرات العسكرية للصين، وما وصلت إليه برامج التصنيع العسكري الصيني، وهل يمكن أن يوفر ذلك بديلاً لدول الخليج لتعاون عسكري، ومدى تأثير ذلك على المواقف الصينية من قضايا المنطقة، وتحديات التعاون العسكري الصيني مع إيران على التعاون العسكري الصيني مع دول الخليج العربية.   

أولاً: مدخل حول القدرات الاقتصادية الصينية:

بدايةً لا يمكن الحديث عن القدرات العسكرية قبل الإشارة إلى القدرات الاقتصادية للصين التي حرصت خلال السنوات الأخيرة على تنمية القدرات الاقتصادية وتحقيق قفزات نمو غير مسبوقة مع تأخير الدخول في المنافسة على المستوى العسكري مستفيدة في ذلك من الدرس السوفيتي والسباق الذي حدث بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وأدى إلى جانب عوامل أخرى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي.

وظل الاقتصاد الصيني يتصدر الاقتصاديات العالمية فيما يتعلق بمستوى ونسبة النمو الاقتصادي لسنوات طويلة، إلا أن الفترة الأخيرة وفي ظل ما يشهده العالم من ركود وتراجع اقتصادي، بدأ الاقتصاد الصيني يعاني نوعًا من التراجع وهو ما دفع القيادة الصينية إلى النظر في إعادة هيكلة الاقتصاد للتوافق مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، ومن مظاهر تراجع الاقتصاد الصيني بلوغ نسبة العجز 3% بزيادة 560 مليار يوان (78 مليار يورو) عن عام 2015م، وانخفاض نسبة النمو السنوي إلى 6.9% خلال عام 2015م، بينما كان المستهدف تحقيق 7% وتعد هذه النسبة هي الأدنى في معدلات النمو الصينية منذ 25 عامًا، كما توقع صندوق النقد الدولي انخفاض معدل النمو في الصين إلى 3.6% خلال عام 2016م.

وارتباطًا بذلك، أعلنت الحكومة الصينية يوم 5 مارس الجاري عن خطة جديدة لإعادة هيكلة الاقتصاد الصيني الذي يعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم بسبب التراجع في معظم القطاعات الاقتصادية والذي أثر بالسلب على معدلات النمو، وتتضمن الخطةالخمسية الجديدة (2016-2020م) بصورة أساسية هيكلة الأصول المملوكة من الدولة، والتركيز على تطوير الصناعات العسكرية وزيادة الاستثمارات في التكنولوجيا العسكرية المتطورة لفتح مجالات تصدير عسكرية يمكن أن تعوض تراجع بعض مجالات التجارة الخارجية.

ثانياً: القدرات العسكرية الصينية:

 انطلاقاً من القدرات الاقتصادية، من الواضح أن الصين تفرض نفسها حالياً بكل قوة على الساحة العسكرية للعالم، حيث يتم تصنيف الجيش الصيني على أنه ثالث أقوى جيوش العالم بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا، كما تعد ثاني أكبر دول العالم من حيث الإنفاق العسكري، إذ تبلغ قيمة ميزانية وزارة دفاعها حوالي 145 مليار دولار. وبينما يعتقد بعض المحللين أن الصين تقوم في المجال العسكري بما قامت به في المجال الاقتصادي، وهو "التحديث الصامت" و"النمو التدريجي"، تعلن الصين دائمًا أنها تحافظ على الحد الكافي للدفاع فقط، وعلى الرغم من ندرة قيامها باستعراضات تجريبية لقدراتها، لكنها لا يمكنها ان تنفي أنها تقوم بعملية بناء عسكري متقدمة وسريعة.

ويبدو الوضع العسكري الصيني محيرًا إلى حد كبير، فعلى الرغم من أن عمليات تطوير القوة العسكرية الصينية تثير نوعًا من القلق لدى الدول المحيطة بها في أقاليم جنوب آسيا وشرق آسيا، إضافة إلى الدول ذات المصالح والأساطيل والقواعد في تلك المنطقة، فإن التحركات العسكرية الفعلية لها تبدو محسوبة بدقة، على نحو لا تظهر فيه الصين وكأنها راغبة في استخدام قوتها المسلحة فعليًا ضد الأطراف الأخرى المناوئة لها. كما لا يبدو في إطارها أن التصريحات الرسمية تعبر عن استراتيجية هجومية أو نوايا حادة، بدرجة يمكن اعتبار الصين معها من جانب أطراف الإقليم خطرًا مباشرًا أو عاجلا.

وفي هذا الإطار، وبعيدًا عن النظريات الخاصة بالصعود الصيني، يصعب تصور أن السلوكيات التسليحية، والتصريحات التهديدية من جانب الصين، يمكن أن تقود إلى وقوع حرب، وإنما يمكن أن تتسبب في حالة من حالات عدم الاستقرار الإقليمي في المناطق المحيطة بالصين، مع تدعيم التوازنات الحالية فيها، والتي تقوم على شبكة من التحالفات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وكل من الهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، على نحو قد يؤدي إلى حالة من الحرب الباردة، التي لا تصل إلى الصدام المباشر.

وفي إطار الإشارة إلى طبيعة وحجم هذه القدرات،تشير التقديرات الأمريكية - بحسب تقارير وزارة الدفاع الأمريكية - إلى أنه يأتي على رأس القوة العسكرية للصين الصواريخ الباليستية متوسطة المدى والقادرة على إصابة أهداف برية وبحرية، والغواصات القتالية الجديدة، وامتلاك نظم تسليح وتكنولوجيات متقدمة في مجال الدفاع الجوي، بالإضافة إلى حيازة طائرات مقاتلة حديثة، والقيام ببناء حاملات طائرات متطورة بقدرات ذاتية وبميزانيات عسكرية متزايدة، وبناء قوة بحرية قادرة على العمل عبر البحار، على مسافات أبعد مما كان متصورًا تقليديًا بالنسبة لها، والقيام بتطوير أنظمة صاروخية متقدمة لاستهداف الأقمار الصناعية العسكرية، وأنظمة صاروخية مضادة للصواريخ العابرة للقارات، وأنها تقوم بتوسيع نطاق تحالفاتها العسكرية الخارجية في منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا، المحيطة بالهند، والقريبة من تايوان، بالإضافة إلى احتمالات قيامها بالحصول على تسهيلات عسكرية خارج المنطقة الآسيوية من الأساس، في إفريقيا تحديدًا.

وتحتل الصين المركز الأول في العالم من حيث إجمالي عدد الجنود في الخدمة، حيث يصل تعداد القوات المسلحة الصينية إلى حوالي 2.5 مليون جندي نشط، ولا تأتي أهمية القوة العددية من حجم القوات النظامية فقط، فالقوة البشرية المؤهلة للخدمة العسكرية في الصين، من الرجال فقط، تتجاوز 300 مليون نسمة، يصل منهم نحو 9 ملايين سنويا إلى سن التجنيد الإجباري. كما تحتل الصين المركز الخامس عالميا من حيث جنود الاحتياط، حيث يوجد 2,3 مليون جندي احتياط، وذلك من بين إجمالي عدد السكان في الصين البالغ مليار و356 مليون نسمة. وعلى الرغم من أن مسألة الأعداد قد فقدت الكثير من تأثيراتها في ظل تطور نظم التسليح الحديثة، واعتماد الجيوش على القوات الجوية، وفي ظل وجود الأسلحة النووية، فإن القوة العددية للجيش الصيني لا تزال موضع اهتمام.

وقد أعلن الرئيس الصيني في سبتمبر 2015م، عن عزم بلاده تقليص أعداد الجيش الصيني بعدد 300 ألف جندي خلال الفترة المقبلة وذلك كتقليص للنفقات الباهظة التي تتحملها الموازنة الصينية في هذا الشأن.

وتعد الصين ثاني أكبر دولة في العالم من حيث إجمالي عدد الدبابات التي تملكها بإجمالي 9150 دبابة، وتأتى في المركز الخامس عشر عالميًا من حيث أعداد العربات العسكرية برصيد 4788 عربة، كما تأتى في المركز الثاني بالنسبة للقوة المدفعية المسحوبة يدوياً، حيث تملك 6246 قطعة منها، وتقع في المركز الثالث عالميًا من حيث منصات إطلاق الصواريخ، حيث تملك 1770 منصة.

كما تحتل الصين المركز الثالث عالميًا من حيث إجمالي الطائرات الحربية، حيث تملك 2860 طائرة من مختلف الأنواع ولمختلف الاستخدامات، وتأتى في المركز الثاني من حيث إجمالي الطائرات المقاتلة والاعتراضية، حيث تملك 1066 طائرة.

وتأتي الصين في المركز الثاني عالميًا بالنسبة للأسطول البحري، حيث تملك إجمالي 673 قطعة بحرية، من بينها حاملة طائرات، و47 فرقاطة حربية، و25 مدمرة، و23 سفينة حربية كورفيت، وتقع في المركز الثالث عالميًا بالنسبة لإجمالي عدد الغواصات حيث تملك 67 غواصة، وتمتلك عدد من السفن الحربية المتطورة يأتي على رأسها "لويانغ 3" والتي لديها القدرة على إطلاق صواريخ كروز بعيدة المدى والمضادة للسفن.

وتملك الصين ثلاث سفن ناقلة للجنود من النوع (071) والتي يطلق عليها لقب "التمساح البحري" نظراً لقدرتها على نقل وإنزال الجنود البحريين على الشواطئ المعادية. كل سفينة من هذه السفن يمكنها أن تنقل حمولة تقدر بحوالي 20 ألف طن ويبلغ طولها 700 قدم تقريباً وتستطيع نقل كتيبة كاملة ما بين 400 – 800 جندي. كما تملك هذه السفينة أيضاً مهبط طائرات يسع طائرتي نقل هليكوبتر، كما تملك حظيرة طائرات تتسع لأربعة طائرات هليكوبتر ناقلة.

وفيما يتعلق بصناعة السلاح، تمكنت الصين مؤخراً من تطوير عدد من الأسلحة المميزة والتي تعطيها قدرات كبيرة في حالة اندلاع حرب، وتشير التقارير المتخصصة في شئون التسلح إلى أن تنامى الصناعة العسكرية في الصين سيمكنها خلال العقدين القادمين من أن تمثل تحدياً قوياً لصناعة السلاح الأمريكية، ومن بين الأسلحة التي تتفوق فيها الصين، الصواريخ والتييأتي على رأسها الصواريخ الباليستية المضادة للسفن متوسطة المدى من نوع(DF-21D) والذي يلقب بـ "قاتل حاملات الطائرات" ويبلغ مداه أكثر من 1500 كيلومتر، وتستخدمه الصين حالياً كسلاح ردع ضد حاملات طائرات الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادي.

وتعكف الصين حالياً على تصنيع أولى مقاتلات الجيل الخامس والتي تطلق عليها اسم (CHENGDU J-20 FIGHTER) وهي طائرة حربية مزودة بمحركين من النوع بعيد المدى والسريع والتي يمكنها الطيران على مستويات منخفضة مع إمكانية التخفي عن الرادارات، ومن المخطط دخول هذه الطائرة الخدمة عام 2020.

كما قامت الصين بتصنيع مضادات الأقمار الصناعية من خلالتطوير صاروخ مشتق من (DF-21) يدعى (SC-19)وهو صاروخ باليستي محمل بما يسمى مركبة قتل الطاقة     (KT-2)، هذا الصاروخ يمكن أن يتم إطلاقه للفضاء وتوجيهه بالأشعة تحت الحمراء. ورغم أن هذا الصاروخ لا يحمل متفجرات، لكنه يستطيع تدمير الأقمار الصناعية عبر الاصطدام بها فقط.

وتقوم الصين بتطوير أسلحة الطاقة الحركية، وأشعة الليزر عالية الطاقة، وأسلحة الميكروويف عالية الطاقة، وأسلحة حزم الجزيئات، وأسلحة النبضات الكهرومغناطيسية، كما تتفوق الصناعة الصينية في مجال حاملات الطائرات ومقاتلات الشبح.

وتحتل الصين المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الدول المصدرة للسلاح بواقع 5.9% من حجم الصادرات العالمية وذلك خلال الفترة من عام 2011 م، وحتى عام 2015م، والملاحظ هنا حدوث طفرة كبيرة في الصادرات الصينية، حيث زادت الصادرات 88% خلال الفترة من (1011-2015م) عنها في الفترة من (2006-2010م) والتي كانت الصادرات الصينية فيها تمثل 3.6% من حجم الصادرات العالمية. وصدرت الصين أسلحة إلى 37 دولة خلال الفترة (2011-2015م)، وقد ذهبت الغالبية العظمى من هذه الصادرات (حوالي 75%) إلى دول في آسيا وأوقيانوسيا.

ورغم الإنتاج العسكري الصيني المتطور، إلا أنها لا تزال تستورد الأسلحة، حيث تقع الصين في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الدول المستوردة للسلاح بواقع 4.7% من حجم الواردات العالمية وذلك خلال الفترة من عام 2011م، وحتى عام 2015م. والملاحظ هنا أن الصين أصبحت أقل اعتماداً على واردات الأسلحة، حيث انخفضت وارداتها من الأسلحة بنسبة 25% خلال الفترة (2011-2015م) عنها في الفترة من (2006-2010م) والتي كانت تستورد خلالها 7.1 من الواردات العالمية، وذلك بعدما تنامت قدراتها الإنتاجية والتصنيعية للأسلحة المتطورة.

كما لا تزال تعتمد الصين بشكل جزئي على استيراد بعض الأسلحة الرئيسية، بما في ذلك الطائرات الكبيرة والنقل، وطائرات الهليكوبتر، ومحركات للطائرات، والمركبات والسفن. وقد شكلت محركات الطائرات 30% من الواردات الصينية خلال الفترة(2011-2015م)، وقد وقعت الصين خلال عام 2015م، على طلبات لشراء أنظمة دفاع جوي و24 طائرة مقاتلة من روسيا. وتستورد الصين حوالي 11% من الصادرات الروسية للأسلحة، وبذلك تعد ثاني أكبر مستورد من روسيا بعد الهند، وبما يمثل 59% من الواردات الصينية من الأسلحة. كما تستورد حوالي 13% من الصادرات الفرنسية من الأسلحة، وبذلك تعد ثاني أكبر مستورد من فرنسا بعد المغرب، وبما يمثل 15% من الواردات الصينية من الأسلحة. وتأتى في مقدمة الأسلحة والمعدات التي تستوردها الصين محركات الديزل الأوروبية المتقدمة من أجل السفن الحربية الصينية، وتصميمات المروحيات العسكرية من يوروكوبتر الأوروبية، والمروحيات والغواصات المضادة للسونار من فرنسا، وقوارب الصواريخ الأسترالية المتقدمة، وتكنولوجيا الصواريخ والليزر الإسرائيلية.

ثالثاً: العلاقات العسكرية بين الصين ودول الخليج:

تتسم العلاقات العسكرية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بالمحدودية، ولطالما كانت دول مجلس التعاون الخليجي ترى أن هناك مشكلة في العلاقات الوثيقة بين الصين وطهران، حيث غالبا ما كانت دول الخليج تشتبه في النوايا الصينية تجاه الحرص على إقامة علاقات مع طهران، لاسيما مع نمو العلاقات الصينية الإيرانية عبر العديد من المجالات، بما في ذلك تكنولوجيا التسلح والطاقة.  وطالما كانت دول الخليج تفضل تعزيز تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة وأوروبا عن الصين، ويبدو أن هذا التفكير لا يزال حاكما إلى اليوم وذلك في ضوء استمرار وجود رؤى خليجية ترى أن الصين تهدد دول الخليج بتعزيز تعاونها العسكري مع إيران، بالإضافة إلى رؤيتها أن تكنولوجيا التصنيع العسكري الصيني لا تتماشى مع متطلبات دول الخليج من السلاح.

ويمكن رصد محدودية التعاون العسكري بين دول الخليج والصين، في ضوء ضعف المؤشرات الدالة على ذلك، وأبرزها قيام الصين ببيع دفعة من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى من طراز css-2 (حوالي 60 صاروخ) إلى المملكة العربية السعودية في عام 1988م، وحافظت هذه الصواريخ على وجود عدد من الفنيين الصينيين في المملكة وتم عرضها بشكل بارز خلال مناورات السيف العسكرية في عام 2013م، وكذلك خلال عرض عسكري سعودي في مايو 2014م. كما قامت الصين ببيع دفعة إضافية من الصواريخ متوسطة المدى خاصة صواريخ DF-21 للسعودية خلال عام 2007م. وفي مارس 2010م، رست سفن صينية في ميناء زايد في دولة الإمارات للمشاركة في عمليات لمكافحة القرصنة في خليج عدن. بالإضافة لذلك تستخدم كلاً من السعودية والإمارات طائرات بدون طيار صينية الصنع في العملية العسكرية الجارية حالياً في اليمن ضد الحوثيين.

المدخل النفطي في العلاقة الصينية الخليجية:

إن أساس العلاقة الصينية الخليجية كان ولا يزال يقوم بصورة أساسية حول النفط، فعلى سبيل المثال تعد المملكة العربية السعودية أكبر مورد للصين من النفط الخام، وذلك بعدما زاد الطلب الصيني على الطاقة بشكل كبير خلال العقدين الماضيين حيث نما اقتصادها بوتيرة سريعة، وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن واردات الصين من الشرق الأوسط ستتضاعف تقريبا بحلول عام 2035. كما تمتد علاقات الطاقة السعودية الصينية إلى مجالات أخرى تشمل الاستثمارات السعودية الكبيرة في المصافي الصينية والشركات الصينية المساعدة في تطوير معامل التكرير الخاصة وحقول الغاز الطبيعي في المملكة العربية السعودية مثل شركات سينوبك وبتروتشاينا ويونان.

وفي ضوء ذلك تنحصر العلاقات الصينية الخليجية بصورة أساسية في المجالات الاقتصادية ويبقى التعاون العسكري بين الجانبين هامشيًا، لأن ما يهم الصين بصورة أساسية من دول الخليج هو ضمان وجود إمدادات آمنة للطاقة، وتنويع أسواق منتجاتها. وبالتالي يبقى التعاون الاقتصادي محرك أكثر قوة من التعاون العسكري في معادلة العلاقات الخليجية الصينية.

وفى الفترة الأخيرة، انتقلت العلاقات العسكرية بين الصين ودول الخليج تدريجيًا من الحذر إلى قدر من المشاركة، وذلك بهدف زيادة الروابط مع الصين والسعي لإعادة التوازن مع إيران بهذا الخصوص. وسعت دول الخليج في ذلك إلى استغلال نقطة أن إجمالي التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي ككل، وبين الصين تفوق بأربعة أضعاف إجمالي التجارة الصينية الإيرانية. ويرتبط بهذا الأمر توقيع اتفاق شراكة استراتيجية بين الصين والسعودية في 20 يناير 2016 شمل التعاون في مجالات الفضاء وإطلاق الأقمار الاصطناعية والاستخدام السلمي للطاقة النووية والطاقات الجديدة.

رابعاً: العلاقات العسكرية بين الصين وإيران:

يعد التعاون العسكري أحد الجوانب المهمة في العلاقات الصينية الإيرانية، ولعل ما تسبب في قلق دول مجلس التعاون الخليجي في البداية هو نمو تجارة الأسلحة الصينية مع إيران. فمنذ أوائل الثمانينيات، شملت تجارة الأسلحة الصينية مع إيران توفير الآلاف من الدبابات والمركبات المدرعة وقطع المدفعية والمئات من صواريخ أرض جو وصواريخ جو ـ جو وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية، وكذلك الآلاف من الصواريخ المضادة للدبابات. وبالإضافة إلى ذلك، ساعدت الصين إيران في تطوير وتحديث قدراتها وصناعاتها العسكرية من خلال توفير الخبرة العلمية والتعاون التقني ونقل التكنولوجيا خاصة في فترة العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي والذي فرض على الصين وقف إمدادات الأسلحة لإيران.

ويوجد تعاون جوى بين الطرفين، فخلال عام 2010 م، قامت طائرات صينية بالتزود بالوقود في إيران وهي في طريقها إلى تدريبات في تركيا، وكانت تلك أول زيارة تقوم بها طائرات حربية أجنبية لإيران منذ ثورة عام 1979م.

كما يوجد تعاون بحري مكثف بين البحرية الصينية والبحرية الإيرانية، حيث أنه خلال عام 2014 م، رست سفينتان حربيتان صينيتان (مدمرة الصواريخ "تشانغتشون" وفرقاطة الصواريخ "تشانغتشو") بميناء بندر عباس الإيراني للمشاركة في مناورات بحرية مشتركة مع القوات البحرية الإيرانية مشتركة في الخليج، وكانت هذه أول زيارة تقوم بها سفن حربية صينية إلى إيران. وقام أدميرال البحرية الصينية بزيارة إيران في أكتوبر 2015م، والتوقيع خلالها على مذكرة تفاهم للتعاون في مكافحة الإرهاب والحرب السيبرانية وتقاسم المعلومات الاستخبارية. ويُضاف إلى ذلك كثرة الزيارات المتبادلة من الوفود العسكرية بين البلدين بالإضافة إلى تدريب الكوادر البشرية.

خامساً: الموقف الصيني من بعض قضايا المنطقة:

يمثل الموقف الصيني من قضايا المنطقة أحد التحديات التي تواجه التطور الإيجابي للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين وتمثل أيضاً تحدياً في نفس الوقت للطموح الصيني لزيادة الحضور والنفوذ في منطقة الخليج بصورة كبيرة، ففيما يتعلق بالموقف الصيني من التطورات السورية، ورغم أن هذا الموقف قد تطابق في جانب كبير منه مع الموقف الروسي، إلا أنه لم يصل إلى درجة التحالف أو الصياغة المشتركة لسياسات البلدين تجاه تلك التطورات، وإن كان هذا الموقف قد اقتصر على استخدام حق الفيتو لمنع قرارات أو توجهات للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي للضغط على النظام السوري ومحاصرة الدور الروسي في سوريا وممارسة ضغوط دولية متزايدة لمساندة المعارضة السورية، إلا أنه من الملاحظ كذلك أن الموقف الصيني قد استهدف توجيه رسالة للولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى حرص الصين على استثمار المتغيرات الجديدة في النظام الدولي والتأكيد على أن الصين تسعي لامتلاك أدوات تتيح لها القدرة على تحريك الأحداث الإقليمية والدولية ومستثمرة في نفس الوقت سياسة الرئيس أوباما عدم التورط في قضايا المنطقة ودفع تلك الإدارة للتعامل مع الصين كطرف دولي مؤثر.

ولا شك أن مجمل ما سبق قد رتب سلبيات كبيرة على علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع الصين التي لم تقتنع بأية مبررات لهذا الموقف، ورأت فيه ليس فقط تقارباً مع الموقف الروسي أو مساندة لنظام بشار الأسد الذي تتضاءل لديه المصالح الصينية قياساً بمصالحها لدى دول مجلس التعاون الخليجي، بل ترى تلك الدول أن ذلك الموقف الصيني يتضمن موقفاً مسانداً لإيران على المستوى الإقليمي وهو ما يتيح لها نفوذاً مؤثراً على حساب نفوذ وحضور الدول الخليجية.

كما أن الموقف الصيني من الأزمة اليمنية كان ولا يزال باهتاً وغير فعال أو حاسم ولم يتجاوب مع القلق السعودي أو الخليجي بصفة عامة من التحرك الإيراني المساند للحوثيين والساعي لإثارة نزعات مذهبية ومحاولة اختراق الأمن القومي السعودي، الأمر الذي يعني في النهاية أن الموقف الصيني من القضيتين السورية واليمنية لم يتفهم طبيعة القلق الخليجي ومدى ما تمثله تطورات القضيتين والدور الإيراني في كل منهما وما ارتبط به من إثارة لنزعات مذهبية لا يهدد فقط سياسة دول مجلس التعاون الخليجي ورؤيتها لمستقبل الأوضاع في كل من سوريا واليمن، ولكن يهدد الأمن القومي لتلك الدول والأمن والاستقرار في المنطقة بصفة عامة حسب رؤية دوائر صنع القرار في هذه الدول.

هكذا نرى أن تعدد التحديات المرتبطة بممارسات الدبلوماسية الصينية اتجاه قضايا المنطقة يعد تحدياً كبيراً سوف يحول دون كسب الصين لثقة وود دول مجلس التعاون الخليجي، كما أن تأرجح السياسة الصينية ومحاولتها ترضية إيران على حساب مصالح دول الخليج سوف يكون لها مردوداً سلبياً كبيراً. 

 

خاتمة:

هكذا نرى أن الصين التي تسعى لتثبيت نفوذ استراتيجي وسياسي في منطقة الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج بصفة خاصة، وتسعى للانتشار في الدوائر المحيطة بالمنطقة، لا تتخذ المواقف السياسية التي تساعد على ذلك، ولا تزال الدبلوماسية الصينية تتأرجح دون اتخاذ مواقف أكثر حسماً فهي تسعى لكسب ود دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك إيران. وعلى مستوى التعاون العسكري يمكن القول أن الصين لا تمتلك القدرات اللازمة لمزاحمة الدول المصدرة للسلاح لدول الخليج، بل أن الواردات العسكرية لدول الخليج من الأسلحة المتطورة لا تتوافر لدى الترسانة العسكرية ومؤسسات التصنيع العسكري الصيني، التي لا تزال تستورد الأسلحة الأكثر تطورًا من الخارج، كما أن التعاون العسكري الصيني مع إسرائيل، وكذلك التصنيع العسكري المشترك الذي تسعى إليه إيران مع الصين يمثل قيدًا كبيرًا على أي تعاون عسكري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وسوف يبقى هذا التعاون في مستوياته الحالية دون الدخول في شراكات استراتيجية دفاعية أو تعاون عسكري أو تصنيع استراتيجي، وإن كان ذلك سيظل مرهونًا كذلك بمدى تقارب المواقف الصينية من قضايا المنطقة مع رؤية دول الخليج بخصوصها، وسوف يبقى كذلك التعاون في مواجهة الإرهاب أو تبادل المعلومات الاستخبارية مجالاً متاحًا للتنسيق بين الطرفين مستقبلاً.

مجلة آراء حول الخليج