array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 106

مستقبل العلاقات السعودية ــ الصينية: المصالح تفرض الشراكة ومواجهة التحديات

الأحد، 03 نيسان/أبريل 2016

تتحرك السعودية سريعًا لتبوء المكانة المتقدمة معتمدة في ذلك على خبرات ودراسات متخصصة للدفع بعجلة التنمية على مختلف الأصعدة، أخذت في عين الاعتبار التركيز على تطوير وتنمية الاقتصاد المحلي، وهذا ما بدا واضحًا من خلال نقل مستوى العلاقات مع بعض الدول المهمة على الخارطة السياسية والاقتصادية العالمية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.

من أهم هذه الدول التي أقامت السعودية معها شراكة استراتيجية هي الصين التي وقعت معها 14 اتفاقية ، انطلاقاً من علاقات تمتد إلى 74 عامًا حين قررت الرياض في عام 1939م، تسهيل الطريق نحو علاقات سياسية مع بكين، حيث وقعت أول معاهدة صداقة بين البلدين في عام 1946م، ثم تأسيس شراكة سياسية واتفاقية تفاهم بين الرياض وبكين في 21 يوليو 1990م، عندما زارها الملك عبد الله  بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ عندما كان وليا للعهد ووصف فيها الصين بأفضل صديق، ثم أتت زيارة الرئيس الصيني جيانغ زيمين إلى السعودية عام 1999م، ثم كانت أبرز جولة للملك عبد الله إلى آسيا  ومنها الصين عام 2006م، ما أدى إلى مضاعفة التجارة بين الجانبين إلى أكثر من سبعة أضعاف خلال عشر سنوات حيث ارتفعت التجارة البينية من 10.3 مليارات دولار عام 2004م، إلى 96.1 مليار دولار في عام 2014م.

-         تفعيل مبادرة الحزام والطريق:

ترى الصين في السعودية مركزًا للجذور التاريخية في تجربة عرفها العالم قديمًا ببعديها الاقتصادي والثقافي، حيث يعود تاريخ طريق الحرير إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وهو يمكن أن يشكل بنية تحتية قوية لتلاقي الطموحات بين البلدين حول تحقيق حلم مبادرة الحزام والطريق الذي يشمل أكثر من 60 دولة في آسيا وأوروبا وأفريقيا يبلغ عدد سكانها 4.4 مليارات نسمة، أي 63 % من سكان العالم، ويبلغ حجم اقتصاداتها 21 تريليون دولار، أي 29 % من الاقتصاد العالمي، حيث يتركز الحزام الاقتصادي لطريق الحرير على ثلاثة خطوط ، ويربط بين الصين وأوربا مرورًا بآسيا الوسطى وروسيا وكذلك يمتد من الصين إلى منطقة الخليج والبحر المتوسط مرورًا بآسيا الوسطى وغرب آسيا، كما يبدأ من الصين ويمر بجنوب شرقي آسيا وجنوب آسيا والمحيط الهندي، لذلك ترى الصين في السعودية شريكًا أساسيًا في تفعيل هذا الحزام والطريق.

-         السعودية تتجه إلى الشراكة مع الصين صاحبة الدور العالمي المستقبلي:

الأحداث الإرهابية الأخيرة، أدخلت العالم في حرب ضروس ضد داعش، في وقت تود فيه أمريكا أن يعتمد العالم على نفسه دون الاعتماد عليها، وتود منه التفاهم فيما بينه وهو ما جعلها ترفض تضمين الاتفاق النووي منع إيران من التدخل في المنطقة، وهذا ما يجعل السعودية أكثر حاجة إلى شركاء دوليين وهو ما يفسر حجم التحالفات المتعددة التي تعقدها السعودية، والصين هي إحدى أكبر الدول التي تود السعودية إقامة شراكة معها.

 ونظرًا لأهمية الصين في العالم مستقبلاً، كثير من المحللين يتمنون ألا تعاني الصين هبوطًا حادًا، حتى لا تتغير قواعد اللعبة، فالاقتصاد الصيني يعاني من مشكلات هيكلية، فيما تسارع الصين إلى الاعتماد على تسريع نشاط قطاع الخدمات مقابل انكماش الصناعات التحويلية، كما أن ارتفاع قيمة الدولار قد تزيد الوضع المتردي للاقتصاد العالمي تعقيدًا، إذ يمكن أن تنفجر أزمة مديونية تطيح بسنوات من التنمية الاقتصادية للاقتصادات الصاعدة، فبعض التقديرات الموثوق بها تصل بديون الاقتصادات الناشئة حاليًا إلى 23.5 تريليون دولار، وارتفاع قيمة الدولار تعني عمليا ضياع أي جهد لرفع معدلات النمو لأنها ستذهب لتسديد الديون.

انتهاء طفرة النمو المستمرة منذ 10 سنوات يضر بشركات التعدين والطاقة مع تباطؤ النمو الصناعي في الصين وانحسار شهيتها للمواد الخام، في الوقت الذي لا تنبئ فيه آفاق عام 2016م، بتحسن كبير، يؤدي إلى تذبذب الأسواق ما لم ينهض النمو العالمي، بسبب أن معظم السلع تكبدت خسائر أكثر من 30% من قيمتها لتخمة المعروض وضعف الطلب الصيني، بعدما سجلت الصين في عام 2015م، أضعف نمو اقتصادي في 25 عامًا مع توقعات بتباطؤ النمو إلى 7 % من 7.3 % عام 2014م، بل بعض المراقبين للصين يعتقدون أن النمو الاقتصادي الحقيقي أضعف كثيرًا مما توحي به البيانات الرسمية، مما يشير إلى استمرار فقدان تدريجي للقوة الدافعة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والتباطؤ مستمر، فالصادرات الصينية تهوي 25 % في فبراير 2016م، في أكبر وتيرة لها في السنوات الست الأخيرة مع انخفاض في الواردات أيضا مما يشير إلى ضعف مستمر في الطلب بالداخل والخارج.

كثير من المحللين يرون أن التنين الصيني قد يتسبب في أزمة اقتصادية كبرى عام 2016 م، مقللين من نبرة التفاؤل التي تطلقها المؤسسات حول الاقتصاد العالمي عام 2016م، لذلك فهي بحاجة إلى شركاء مهمين وترى في السعودية شريكًا قويًا لتحريك اقتصاد البلدين خصوصًا أن السعودية تعاني تحولًا في الجغرافيا السياسية للنفط، ما يعني أن البلدين في حاجة بعضهما خصوصا وأنهما مهتمين بإعادة هيكلة اقتصاديهما.

إن عدم اليقين في الاقتصاد العالمي خلال عام 2016م، سيكون مصدره الصين أيضًا كما في الذي سبقه بحسب تقرير مجلس العلاقات الخارجية الأميركي CFR، ولا سيما بعد أن انتهى عام 2015 م، بغموض كبير وعدم يقين حول الملاذات الآمنة التقليدية، مثل السندات التي يمكن أن تدخل الصين في مرحلة تصحيح سوق السندات مما تتسبب في دخول الصين في فقاعة ستبلغ نحو 7.3 تريليون دولار، أي ما يوازي نصف الناتج المحلي الإجمالي الصيني، أو المعادن الثمينة، وهو ما يفاقم من حجم الأزمة المرشحة للاستمرار في عام 2016م، إذ أن أغلب المستثمرين يتجهون إلى التحفظ متزامنة مع توتر بشان رفع الاحتياطي الفيدرالي للعوائد ما قد يسفر عن أزمة مزدوجة، لحين تبدد الغيوم ونهاية الدائرة المفرغة من الغموض والتشويش إلى حين يطرأ حدث اقتصادي مطمئن من شأنه أن يكسر تلك الحلقة المغلقة.

معجزة الصين الاقتصادية تفقد ورقة العمالة الرخيصة، و278 مليون صيني يعملون خارج قراهم وبلداتهم في عام 2014م، وانخفضت الولادات من 25 مليون مولود في عام 1987م، إلى 16 مليون مولود في عام 2014م، أي أن المعين الذي لا حدود له من العمالة الريفية الفقيرة ينضب بسرعة تاركًا آثارًا عميقة في اقتصاد الصين، فيما ارتفعت أجور المهاجرين من قراهم قريب من نحو أربعة أضعاف أجور عام 2005 م، التي كانت تبلغ 861 رنمينبي (139 دولار) إلى 2864 رنمينبي (46 دولار).

بعدما باتت الصين معجزة عالمية، ولاعبًا مركزيًا في حركة الاقتصاد العالمي، سواء من حيث النمو، أو التضخم والركود، فإن الصين يضربها اليوم زلزال عنيف، يكاد يذهب بالاستقرار المالي العالمي، وكتبت صحيفة التايمز البريطانية عن سقوط الصين بعد الاهتزازات التي ضربت الأسواق الصينية الذي نتج عنه تخفيض العملة الصينية اليوان، التي كانت عاملًا رئيسيًا في تبخر نحو عشرة تريليونات دولار من أسواق الأسهم في العالم منذ وصول الأزمة لذروتها في يونيو 2015م، كما بلغت حجم الديون الصينية حتى منتصف 2014 م، نحو 28 تريليون دولار، مرتفعة من 7 تريليون دولار عام 2007م، تشكل 282 % إلى الناتج المحلي الإجمالي حسب ماكينزي.

الصين الآن تستلهم التجربة البريطانية في الثمانينات بالتحول من اقتصاد صناعي إلى اقتصاد خدمي، ففي عام 2014م، بلغ نصيب قطاع الخدمات في إجمالي الناتج المحلي الصيني 48.2 % مقابل 42.6 % لقطاع الإنتاج الصناعي والبنية التحتية، واقتصاديا يعد قطاع الخدمات بمثابة البنية الأساسية للاستهلاك المحلي.

-         تتجه السعودية إلى تأسيس شراكة سياسية واقتصادية مع الصين:

بعدما منح النفط الصخري أمريكا موقع الصدارة، فيما تسعى بكين إلى ربط قوتها الاقتصادية بالطموحات الجيوسياسية، سواء من خلال قواعد جوية في الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، أو من خلال صفقات مع باكستان، أو عبر طريق الحرير، أو من خلال إنشاء مؤسسات مالية إقليمية، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.

-         الشراكة السعودية الصينية استجابة لسعي واشنطن الحد من الالتزام العالمي:

بعد مفاوضات شاقة استمرت خمس سنوات، استطاع أوباما أن يحقق طموحه الثاني قبل نهاية ولايته الثانية، بتوقيع اتفاقيات مع 12 دولة من البلدان المطلة على المحيط الهادئ، منها اتفاقية التجارة الحرة، الاتفاقية تضم الولايات المتحدة واليابان واستراليا وكندا وبروناي وشيلي وماليزيا والمكسيك ونيوزيلندا وبيرو وسنغافورة وفيتنام. تلك الدول تضم 800 مليون نسمة، ولديهم 60 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و50 % من التجارة الدولية، و40 % من الاقتصاد العالمي، ما يجعل أهمية الاتفاقية، وتأثيرها يتجاوزان حدود البلدان الموقعة.

واعتبر الرئيس أوباما توقيع هذه الاتفاقيات نصرًا شخصيًا له، وعلق قائلا: إن 95 % من مستهلكينا المحتملين خارج حدودنا، فلا يمكن أن نجعل الصين تكتب قواعد الاقتصاد العالمي. ولأول مرة يستخدم هكذا خطاب، وبتلك الصراحة ضد الصين، ما يعني أن تلك الاتفاقية التي استبعدت الصين وروسيا، والحد من تغول الاقتصاد الصيني، ويريد أوباما إخضاع الصين للقواعد التجارية العالمية، التي رسمتها واشنطن، وانصياعها بالكامل للاتفاقية التي حددتها، وإلا فالبديل أن تقاتل بمفردها لفرض شروطها الاقتصادية والتجارية.

توقيع واشنطن لاتفاقية التجارة الحرة في منطقة المحيط الهادئ، يمهد الطريق للاتفاقية الأم التي تطمح لها واشنطن، اتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار بين أمريكا والاتحاد الأوربي التي تعد في حال توقيعها الاتفاقية الأكبر دوليًا منذ أكثر من ربع قرن تقريبًا.

-         الشراكة السعودية الصينية وتنشيط الصناعة التحويلية:

نجد عملاقا الصناعة في السعودية أرامكو وسابك يقودان مرحلة التحول الاقتصادي في السعودية، وستنفق أرامكو أكثر من 100 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة، من أجل التكرير والتوزيع، حتى تصل الطاقة التكريرية لأرامكو ما بين ثمانية وعشرة ملايين برميل يوميًا خلال السنوات المقبلة، بينما تمتلك وحدات بشكل كامل أو جزئي مصافي تكرير محلية وأجنبية طاقتها الإجمالية 4.9 ملايين برميل يوميًا، حصة أرامكو منها 2.6 مليون برميل يوميًا, ما يجعلها سادس أكبر شركة تكرير في العالم.

وقد صدرت منطقة الخليج خلال العقود الثلاثة الماضية بصورة أساسية سلعًا بتروكيماوية منخفضة القيمة، بينما تعمل الشركة مع شركائها على تطوير اثنتين من المناطق الصناعية المضيفة للقيمة، إحداهما في رابغ على ساحل البحر الأحمر، والأخرى في مدينة الجبيل الصناعية على الخليج العربي، اللتين جذبتا بالفعل عشرات المستثمرين في المجالات ذات القيمة المضافة العالية.

مستقبل المنطقة العربية مرهون بتحقيق نهضة اقتصادية يقودها الخليج، خصوصًا أن لدى دول الخليج قاعدة اقتصادية قوية ومتنوعة، وتمتلك رؤية اقتصادية واضحة. كما أن الصين تتجه نحو التحول إلى نمط جديد من النمو، وهو لا يعد تباطؤً بل هو تحول، فكذلك تعيش السعودية بداية التحول الاقتصادي الكبير، وهي تتطلع لوضع برنامج وطني شامل لاقتصاد ما بعد النفط، لتحقيق معادلة جديدة لاقتصاد السعودية، بدلا من أن تستمر ضحية تذبذب أسعار النفط، بل تريد أن تستثمر الأزمة، وقد حان قطف ثمار ما زرعته عبر عقود, استعدادًا لمرحلة ما بعد النفط، بإضافة قطاعات جديدة تدعم الاقتصاد وصولا لاقتصاد مستدام ومتوازن للأجيال القادمة.

يدرك المجلس أنه أمام مرحلة تاريخية جديدة، ووضع هدفًا محددًا وواضحًا في تقليل اعتماد الدولة على النفط إلى ما دون 70 % خلال السنوات الخمس القادمة، التي شكلت الإيرادات النفطية ما نسبته 73 % عام 2015م، مما يدل على تحسن كبير في الإيرادات غير النفطية، ومن المتوقع أن تصل الإيرادات غير النفطية إلى 100 مليار دولار مرتفعة من 43.6 مليار دولار عام 2015م، التي ارتفعت بدورها من 33.8 مليار دولار في عام 2014 بنسبة نمو 29 %.

 وتنوي زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية من الإيرادات الحكومية من 10 % حاليًا إلى نحو 70 % بحلول عام 2030م، بل إن التحركات الاقتصادية السريعة تنبئ بتحقيق تلك النسبة قبل عقد من الزمن من العام المذكور، وهي لم تتحقق عبر أربعة عقود من الزمن، لكن الاقتصاد السعودي بدأ يلمس هذا التنوع بعد أن اتخذت السعودية سلسلة من القرارات لتفعيل التنمية السريعة، بدأت بفتح السوق السعودي أمام الشركات العالمية للاستثمار المباشر، وفرض رسوم على الأراضي البيضاء لفك احتكارها ولتنمية القطاع السكني والعقاري، ومن جهة أخرى اتجهت السعودية نحو تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع عدد من دول العالم لقيادة التحول الاقتصادي، بدأته مع الصين بتوقيع خمس اتفاقيات جديدة تصب في صالح ثلاثة محاور استراتيجية للشراكة السعودية الصينية في تطوير استثمارات مستدامة ومجدية اقتصادية في قطاع التكرير والتسويق الصيني، والمحور الثاني يتعلق ببناء الشراكات بين البلدين في إطار الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، والمحور الثالث يتعلق بدعم التعاون المشترك في مجالات البحوث والتعليم وتقنية المعرفة.

فيما تركز سابك على رفع كفاءة التشغيل، وتعزيز وجودها في أفريقيا خصوصًا بعدما انخفضت أرباحها إلى 19.5 % في عام 2015م، عن عام 2014م، حيث وصلت إلى 18.7 مليار ريال (4.9 مليار دولار)، وهي تتجه إلى تصنيع منتجاتها في الأسواق الأفريقية، وتتحول من بائع إلى مصنع ومنتج دون الدخول في صناعات منافسة للمنتجات المحلية لزبائنها وعملائها وهو جزء من دعم الشركة للاقتصادات المحلية، بينما الشركة تسعى لتطوير منتجاتها وتخفيض التكاليف وزيادة الإنتاج.

السعودية تشبه الصين عام 1978م، عندما أعلنت الصين فتح الباب أمام التجارة العالمية والاستفادة من مواردها البشرية الضخمة، صنعت الصين حينها أربع مناطق اقتصادية لتشجيع الاستثمار الأجنبي، وفي العام 1982م، وضعت خطة لست سنوات تهدف لتحقيق النمو في اقتصاد السوق، وعملت على تقوية العلاقة الاقتصادية المباشرة مع أمريكا لمواجهة التحديات بعيدة المدى، استثمرت الصين فقط في عام 2008 م، نحو 586 مليار دولار في مشروع لدعم البنى التحتية وفي مجالات عدة مختلفة.

الصين كانت ناجحة لأنها كانت تركز على الانتقال البطيء المطرد نحو أسواق أكثر تحررًا، وقد شبه دينج هذه العملية باجتياز نهر من خلال تحسس الحجارة تحت القدمين، ولكن لا يزال هناك نفوذًا للدولة قوي يرسي الاستقرار، وأطلقت جهود إنقاذية شبيهة بتلك التي اعتمدها الغرب، بما فيها خطة ضخمة بقيمة 600 مليار دولار لتحفيز الإنفاق الحكومي، وتخفيض معدلات الفائدة إلى حد كبير.

كما أطلقت الصين العنان للقطاع الخاص، الذي أصبح يسيطر على نصف الاقتصاد الصيني على الأقل، أو ما يقارب 70 %. بينما في السعودية يسيطر الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على دخل وحيد كمصدر أساس للدخل، وينعكس ذلك على الآثار السلوكية على القطاعات الاقتصادية سواء أكان قطاع خاص أو قطاع عام مما ينعكس أيضا على سلوك المواطنين، ما يجعل المجتمع ريعي هش، سهل الانهيار، وهو نظام اقتصادي غير مستدام، بسبب أن الاقتصاد الريعي يكون بعيدًا عن عمليات إنتاج، أو عمليات تصنيعية تحويلية.

الاقتصاد الريعي اقتصاد بعيد عن اقتصاد الدولة، والبعض يسميه بالاقتصاد الافتراضي، أو النقيض للاقتصاد الإنتاجي، بينما اقتصاد الرفاه الاجتماعي، أو دولة الرفاه الاجتماعي، يعتمد على التنمية الإنسانية، وتعظيم المكاسب، ودمج مفاهيم العدالة الاجتماعية مع الليبرالية السياسية. الاقتصاد الريعي يؤدي إلى هدر ثروات الدول، وحدوث تشوهات هيكلية في الاقتصاد، الذي ينتج عنه الاقتصاد الخفي يفشل كثيرًا من الاستراتيجيات التي تولتها الدولة.

ارتبط القطاع الخاص بشكل وثيق بأسواق النفط، والرهان على الميزة النسبية بمفردها لا ينهض بالاقتصادات وهو يساهم في الاقتصاد غير النفطي بنسبة 40 %، بينما في إجمالي الاقتصاد بنسبة 28 % وهو يمثل 50 % من جملة المشروعات القائمة في السعودية، لكنه يشكل 97 % في أمريكا، وفي الصين نحو 80 %، وهو المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي، ومشارك في تقليص البطالة.

لذلك كانت نسبة مساهمة الصادرات غير النفطية 34 % من الواردات السلعية عام 2014م، أي 221 مليار ريال من مجموع واردات 652 مليار ريال، بينما وصلت الصادرات الخدمية إلى 15 % فقط بنحو 44 مليار ريال من إجمالي واردات 290 مليار، بينما وصلت الصادرات السلعية غير النفطية في عام 2015م، إلى 163.5 مليار ريال بنسبة 27 % من إجمالي إيرادات الدولة البالغة 608 مليارات ريال، فيما تمثل الإيرادات النفطية 73 % تمثل 444.5 مليار ريال.

ومبيعات سابك لا تتجاوز 60-70 مليار دولار رغم أنها تنوي أن يتضاعف إنتاجها خمسة أضعاف عام 2020م، لكن الصين أكبر منتج بـ 750 مليار دولار، والولايات المتحدة بــ 500 مليار دولار، واليابان 200 مليار دولار، وهي دول لا تمتلك ميزة نسبية، ولكنها تمتلك ميزة تنافسية.

لذلك نجد أن سابك أنفقت على البحث العلمي عام 2013م، نحو 0.34 من إيراداتها، بينما شركة باسف تنفق 2.34 %من إيراداتها، بل هناك شركات أخرى تنفق 7 % من إيراداتها، ما جعلها تمتلك الميزة التكنولوجية، لكن سابك تنتقل من المرحلة الانتقالية التي تعتمد على الميزة النسبية إلى المرحلة التنافسية والتوجه نحو التخصص الشديد، بل حتى أرامكو تمر بمرحلة تحول عميقة وإعادة هيكلة العديد من قطاعاتها من أجل التعايش مع مرحلة ستكون نسبة النمو الاقتصادي فيها عالية، لكن ليست بالدرجة التي كانت عليها سابقًا من أجل ترسيخ مجموعة من المفاهيم النوعية.

السعودية تتجه نحو ثلاثة مسارات في آن واحد، وهي السياسة النقدية والنفطية والاقتصادية، خصوصًا ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية التي تتعلق بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والانتقال إلى عصر الصناعة ضمن إستراتيجية التنمية المستدامة وصناعة الخدمات والواردات، وتقود الدولة التحول الوطني إستراتيجي في مداه وطموحه، وتسعى تلك الإستراتيجية للقفز فوق محابس تبعية النفط والريع والدخول في العصر النفطي الثاني ونقله إلى الاقتصاد الإنتاجي وفق منهج إصلاح وتدرج في التغيير والتطوير.

تمتلك السعودية ودول الخليج بنية تحتية وتقنيات متقدمة في صناعة البتروكيماويات، ويصل حجم الاستثمارات خليجيًا إلى نحو 220 مليار دولار، وتنتج دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نحو 144 مليون طن من البتروكيماويات المختلفة، وتصل حصة السعودية منها 82 مليون طن أي ما يوازي 70 % من إنتاج منطقة الخليج، إضافة إلى استثماراتها في العالم بهذا القطاع.

وبعد مرور 35 سنة على إقامة هذه الصناعة، ما زالت تركز على الصناعات الأساسية والأولية، وهي صناعات تتصف بتدني قيمتها المضافة، ولا تمثل من الناتج المحلي السعودي سوى 11 %، وهي لا تحقق أرباحًا بالمفهوم الاقتصادي التي تتراوح ما بين ستة وسبعة مليارات دولار وحققت مبيعات في عام 2014م، نحو 189 مليار ريال وأرباح 25.2 مليار ريال انخفضت قيمة المبيعات والأرباح بأكثر من 20% عام 2015م.

وأتت سابك خامس شركة في تصنيف ICIS لأكبر 100 شركة عام 2014م، فكانت باسف الألمانية الأولى بمبيعات 90 مليار دولار أتت شركة سينويك الصينية ثانيًا بمبيعات 70 مليار دولار أتت داو كميكال وأكسون موبيل ثالثًا ورابعًا بمبيعات 60 مليار دولار وسابك خامسًا بمبيعات 50 مليار دولار وأتت سادسًا ليونديل باسل بمبيعات 45 مليار دولار.

نجد أن شركة داو كميكال ارتفعت أرباحها إلى 2.5 مليار دولار في النصف الأول من عام 2015 م، بينما نجد أن أرباح سابك في النصف الأول انخفضت بحوالي 0.75 مليار دولار مقارنة بالنصف الأول من عام 2014م، وكذلك شركات ينساب وشركة التصنيع ولكن السؤال لماذا ارتفعت أرباح شركة داو كيميكال وليونديل باسل هل كانت أرباحهما نتيجة انخفاض أسعار الإيثان إلى 2.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بعد طفرة النفط الصخري في أمريكا منخفضة من 6-8 دولارات، لكن سعر الإيثان بالسعودية يبلغ 0.75 دولار لكل مليون وحدة حرارية منذ عام 1998م، ولم يتغير رغم ارتفاع أسعاره، هو بسبب أن تلك الشركات منتجاتها متنوعة تخدم قطاعات حيوية متعددة مثل القطاعات الطبية والزراعية وغيرها التي لا تنخفض عليها الطلب وذات قيمة مضاعفة.

لذلك يجب أن تتحول صناعات سابك إلى صناعات متقدمة ومتخصصة توسع من القاعدة الإنتاجية، وتمد الصناعات الصغيرة والمتوسطة بالمنتجات القادرة على توظيف الشباب السعودي، وتشجيع قيام المبادرات التي تقودها العديد من الجهات، وهو الحل والتحدي الأكبر للبتروكيماويات السعودية في ظل انخفاض أسعار النفط، خصوصا بعدما وصلت الصين إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من تلك الصناعة.

ــ تحول في الجغرافيا السياسية للنفط يفرض التوجه نحو الشراكة مع الصين:

انخفاض أسعار الطاقة التقليدية حقق وفورات جيدة للصناعات المستهلكة للطاقة، ومن الضروري في هذه المرحلة الاهتمام بصناعتي التكرير والبتروكيماويات باعتبارها أفضل اقتصاديا من تصدير النفط الخام، إلى جانب التركيز على تنمية واسعة في القطاعات الاقتصادية غير النفطية.

-         السعودية تقود تصحيح التوازنات الإقليمية لمواجهة الاندفاعات الإيرانية:

استطاعت السعودية في قيادة حقبة جديدة لتصحيح التوازنات الإقليمية، ومواجهة الاندفاعات الإيرانية التي تريد أن تكون أمرًا واقعًا يسبق الاتفاق النووي، وأن تصبح قوة محورية في المنطقة.

السعودية قطعت شوطًا في قيادة تحولات كبرى في المنطقة، والانتقال من المهادنة إلى المواجهة في الحفاظ على الأمن الخليجي والعربي، خصوصًا بعدما بدأت بالتحالف مع مصر والحد من توظيف الإسلام السياسي، وقطعت شوطًا في محاربة الإرهاب وحرمانه من أهم روافده وأقوى دعائمه توظيف الصراع السني ـ الشيعي بالتوازي مع منع التدخلات الإيرانية التي تمر عبر بوابة الدفاع عن الأقليات الشيعية.

سيكون للصين دورًا عالميًا في المستقبل، دون المساس بالسياسة الخارجية الأمريكية التجارية العالمية وهي جيدة للاستقرار في البلدين السعودية والصين، حيث لا يمكن أن تحل الصين محل الولايات المتحدة في توفير أمن الخليج، بل إن واشنطن يمكن أن تستفيد من العلاقات السعودية ــ الصينية لاحتواء إيران، كما أن الصين استفادت من إنفاق الولايات المتحدة حوالي أربعين إلى خمسين مليار دولار سنويًا لحماية ناقلات النفط العربي إلى العالم، في حين أن واشنطن تسعى إلى الحد من الالتزام العالمي من أجل التركيز أكثر على التنمية الاقتصادية داخل أمريكا بدلا من استفادة الصين من هذا الأمن الذي أدى إلى النمو الاقتصادي الصيني المتواصل الذي تتولاه أمريكا دون أن تشارك الصين فيه، وهو مفتاح الاستراتيجية الصينية لضمان الوصول إلى نفط الخليج تحت الحماية الأمريكية.

مجلة آراء حول الخليج