array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 106

الاستراتيجية الصينية تجاه إيران ودول الخليج معضلة تحقيق التوازن بين المصالح والمبادئ

الأحد، 03 نيسان/أبريل 2016

كغيرها من القوى الدولية أولت الصين منطقة الخليج العربي أهمية بالغة بالنظر إلى أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للصين، إلا إنه على الرغم من كونها إحدى القوى الدولية المهمة باعتبارها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، فضلاً عن تنامي اقتصادها بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير مما أضحى ينافس اقتصادات الدول الغربية، بالإضافة إلى اهتمامها بتطوير قدراتها العسكرية التقليدية عامة والبحرية على نحو خاص وامتلاكها مقومات أخرى للقوة ومنها الثقافية فإن الصين لم تستطع ترجمة تلك المقومات إلى نفوذ دولي وإقليمي، وتقدم السياسة الصينية تجاه منطقة الخليج العربي نموذجًا على ذلك، بل أن السياسة الصينية تجاه تلك المنطقة تعكس وبوضوح المعضلة الحقيقية لتلك السياسة التي تتمثل في محاولة الصين إيجاد نقطة توازن في سياستها الخارجية بين المبادئ والمصالح، ومن ثم دائمًا ما يتم تصنيف تلك السياسة ضمن "المناطق الرمادية" وربما تكون هذه السياسة ملائمة لبعض القضايا إلا أنها قد لا تتناسب مع حالة دول مجلس التعاون وإيران في ظل وجود العديد من القضايا الخلافية فيما بينهما، وهو الموضوع الرئيسي لهذا التحليل الذي يستهدف الإجابة عن أربعة تساؤلات:

 الأول: ما هو التوصيف الصحيح للعلاقات الصينية-الإيرانية هل هو تحالف أم شراكة؟

والثاني: هل لدى الصين استراتيجية تجاه دول مجلس التعاون تعكس حجم وأهمية المصالح المشتركة بين الجانبين أم أن رؤية الصين لدول المجلس هي جزء من رؤيتها للأمن الإقليمي عمومًا؟

والثالث: كيف توازن الصين علاقتها مع كل من إيران ودول مجلس التعاون؟

والرابع:ما هو تأثير السياسة الصينية في معادلة أمن الخليج العربي؟

أولاً: الصين وإيران: تحالف أم شراكة؟

مع أن الرؤية الصينية لإيران تندرج ضمن رؤية الصين لمصالحها في منطقة الشرق الأوسط عمومًا، والتي لاتزال تؤسس على مبادئ التعايش السلمي التي أعلنتها الصين قبل عقود مضت فإن سياسة الصين تجاه إيران تأثرت بثلاثة عوامل هي: طبيعة العلاقات الصينية-الأمريكية، وسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، ثم الفرص التي استطاعت الصين من خلالها تطوير علاقاتها مع إيران وعلى نحو خاص خلال مرحلة فرض العقوبات الأممية جراء برامجها النووية.

وانطلاقًا من قناعة الصين بأن حل النزاعات الإقليمية يتعين أن يكون مسؤولية الدول الإقليمية أطراف النزاع بعيدًا عن التدخلات الخارجية، ومعارضة مبدأ فرض العقوبات كآلية لتسوية تلك النزاعات، فقد تصدت الصين غير ذي مرة لمحاولات أمريكا إحالة الملف النووي الإيراني لمجلس الأمن الدولي، كما عارضت الصين مؤتمر جنيف 2 بشأن المسألة السورية عندما وجدت أن هناك توجهات دولية وإقليمية لاستبعاد إيران من المشاركة في ذلك المؤتمر، إلا أن العقوبات الاقتصادية على إيران  ما قبل توقيع الاتفاق النووي كانت فرصة سانحة للصين لتعزيز علاقاتها  الاقتصادية  مع إيران حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 52 مليار دولار عام 2014م، كما تشير التقارير إلى أن نصيب الصين من التجارة الإيرانية 25%وحوالي 50% من مبيعات النفط والغاز الإيراني، ولم يقتصر التعاون بين الدولتين على الجانب الاقتصادي بل أن الصين كان لديها أحيانًا تفهمًا لتوجهات السياسة الإيرانية ومن ذلك الاستجابة للمطلب الإيراني عام 2008م، بتغيير مسمى "الخليج العربي" إلى "الخليج الفارسي" خلال أولمبياد 2008م، التي كانت تستضيفها الصين آنذاك على الرغم من إدراك الصين لحساسية تلك القضية بالنسبة لدول مجلس التعاون.

من ناحية أخرى وفي أعقاب رفع العقوبات الأممية على إيران استهدفت الصين بدء مرحلة جديدة لتعزيز العلاقات الصينية-الإيرانية من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني لإيران في يناير 2016م، ضمن جولته في المنطقة والتي شملت كلاً من مصر والسعودية وإيران، وأسفرت هذه الزيارة عن بناء علاقات استراتيجية بين الصين وإيران تمتد لنحو25 عامًا، كما وقع الجانبان 17 اتفاقًا في مجالات ترتبط بالطاقة والاتفاق على زيادة الاستثمارات التجارية بين الجانبين بقيمة 600 مليار دولار، ومع أهمية ما سبق فإن الأهم في تلك الجولة هو تأكيد مشاركة الصين في إعادة تشغيل مفاعل "آراك" لإنتاج الماء الثقيل،- وفقًا للحد المسموح به طبقًا للاتفاق النووي- فضلاً عن تأكيد الرئيس الصيني على "الدور الإيراني في المنطقة".

وبرغم ذلك يصعب وصف تطور العلاقات الصينية-الإيرانية على نحو ما آلت إليه بأنها علاقة "تحالف" لأن للتحالف استحقاقات ربما تتعارض والعقيدة العسكرية للصين، كما أنها ليست "شراكة" لأن الشراكة تعني تأييد الصين للقضايا الإيرانية كافة دون استثناء في حين أن الصين عارضت مساعي إيران لتطوير الطاقة النووية للأغراض غير السلمية، ولكن التكييف الصحيح لتلك السياسة هو رغبة الصين تحقيق توزان في علاقاتها مع كل إيران ودول مجلس التعاون بوجه عام والمملكة العربية السعودية على نحو خاص والتي ترتبط معها بمصالح متنوعة.

ثانيًا: المصالح المشتركة بين الصين ودول مجلس التعاون:

على الرغم من تعدد جوانب العلاقات الصينية-الإيرانية فإن ذلك لم يعد انتقاصًا من علاقات الصين مع دول مجلس التعاون، وذلك إدراكًا من الصين للأهمية الاستراتيجية لدول المجلس والتي تمد الصين بحوالي 50% من وارداتها النفطية وتعد الأقرب من حيث طرق النقل مقارنة بدول أمريكا اللاتينية والدول الإفريقية، وبالنظر إلى معدلات النمو المرتفعة التي حققتها وتسعى لتحقيقها الصين فإن تأمين إمدادات الطاقة يظل مسألة استراتيجية بل وأمن قومي في المقام الأول بالنظر إلى أهمية خطط التنمية بالنسبة لسياسات الحكومة الصينية داخليًا، وهو ما يفسر سياسات الصين تجاه منطقة الخليج العربي، حيث رأت أنه يجب العمل على تحقيق بيئة آمنة للمناطق التي توجد فيها منابع وطرق مرور النفط وذلك من خلال تبني مواقف حيادية تجاه الأزمات الإقليمية  كافة ومفادها ضرورة تسوية تلك الأزمات بالطرق السلمية واستبعاد الخيار العسكري، بالإضافة إلى اقتراح الصين أطر محددة بشأن أمن الطاقة ومنها تأسيس المؤتمر الصيني-العربي للطاقة في مارس 2012م، بهدف الاستغلال الأمثل لموارد الطاقة وإمكانية التعاون في مجال الطاقة النووية، من ناحية ثانية بدأت الصين منذ عقد التسعينيات في بناء سلسلة من الموانئ البحرية تمتد من "جوادر" غرب باكستان بالقرب من مضيق هرمز وحتى جزيرة "هينان" التابعة لها وهي الموانئ التي من خلالها سوف تتمكن الصين من تأمين طرق التجارة مع دول الشرق الأوسط ضمن استراتيجية أطلق عليها "الدفاع النشط"، كما وقعت الصين ودول مجلس التعاون مذكرة للتفاهم الاستراتيجي في عام 2010م، تتضمن مجالات عديدة للتعاون منها إقامة منطقة تجارة حرة بين الجانبين، كما استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2012م، منتدى التنمية المستدامة بين دول المجلس والصين، بالإضافة إلى تبادل الزيارات بين الجانبين وكان آخرها زيارة الرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية في يناير الماضي، والتي أسفرت عن توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم من بينها اتفاقية لإنشاء مفاعل نووي لإنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية، و مذكرة بشأن "تعزيز الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"

ثالثًا:كيف يمكن للصين تحقيق توازن في علاقاتها مع كل من دول مجلس التعاون وإيران؟

من خلال ما سبق يثار تساؤل مؤداه هل يعد تطور العلاقات الصينية-الإيرانية خصمًا من علاقة الصين مع دول مجلس التعاون؟ وواقع الأمر أنه وفقًا لمرتكزات ومضامين السياسة الصينية فإن علاقات الصين بالطرفين تعد " لا صفرية" بمعنى أنها تحرص على إيجاد توازن في علاقاتها بين الجانبين، فمع تعدد جوانب العلاقات الصينية-الإيرانية فإن الصين عارضت وبشكل معلن سعي إيران لتطوير طاقة نووية بعيداً عن الرقابة الدولية وهو ما يتسق مع المواقف الخليجية في هذا الشأن، بل أن تأكيد الصين دوماً على احترام سيادة الدول واستقلالها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية لم يستثن إيران، ففي تصريح له في صحيفة الأيام البحرينية في 15 نوفمبر2015م، قال السفير الصيني لدى مملكة البحرين" نحن نتمتع بعلاقات جيدة مع إيران إلا أننا نؤمن أيضًا أن علاقات الجوار يتعين أن تحترم ويجب على إيران التوقف عن التدخل في شؤون البحرين"، ويتسق ذلك مع مبادئ السياسة الخارجية الصينية التي أكدها المبعوث الصيني الخاص بعملية السلام والذي قام بجولة في منطقة الخليج العربي في إبريل عام 2013م، وشملت كلاً من السعودية وقطر والبحرين وأكد خلالها أنه من بين مبادئ السياسة الخارجية الصينية" احترام الصين قومية الدول العربية وخصائصها الدينية" كما تتسق تلك السياسة مع مكونات المجتمع الصيني ذاته والذي  يضم 56 قومية ولكل مجموعة ثقافتها الخاصة، وواقع الأمر أن تلك المواقف لم تأت من فراغ حيث لعبت دول مجلس التعاون دورًا هامًا في تعويض الصين عن نقص النفط الإيراني عام 2012م، من خلال وفود صينية تم إرسالها لدول الخليج للتفاوض حول ذلك الغرض، وبالتالي لم يكن أمرًا مستغربًا أن تتضمن جولة الرئيس الصيني الشرق أوسطية الأخيرة بل وعرض الوساطة بين الجانبين اتساقًا مع الرؤية الصينية التي ترى أن الحفاظ على المصالح الاستراتيجية للصين في تلك المنطقة يتطلب توفير بيئة آمنة، بل أن الصين قامت بتعيين تسعة دول من منطقة الشرق الأوسط(من بينها المملكة السعودية وإيران) كأعضاء مؤسسين في البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية الذي تقوده الصين.

ومع أنه لم تكن هناك مواقف تصادمية بين الصين ودول مجلس التعاون فإن تلك الدول تنتابها نوازع الشك بشأن السياسة الصينية وخاصة عندما يرتبط الأمر بمصالح جوهرية لدول المجلس في محيطها الإقليمي ومن ذلك على سبيل المثال استخدام الصين حق الفيتو مرات أربع بشأن الأزمة السورية وبغض النظر عن أسس الموقف الصيني من تلك القضية فإنه يندرج ضمن "السياسات الصينية الضبابية "تجاه القضايا الإقليمية عمومًا.

رابعًا: تأثير السياسة الصينية في أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي:

انطلاقاً من أن العلاقات الصينية-الخليجية لا تعمل في فراغ وإنما في بيئة إقليمية ودولية بقدر ما تتيح لها من فرص فإنها في الوقت ذاته تفرض عليها قيودًا وهو ما يجب لأن يؤخذ في الاعتبار عند تقييم مسار ومضمون تلك العلاقات، وبالتالي فإن التساؤل المنطقي هو: ما هو دور الصين في دعم أمن دول مجلس التعاون؟ ويقصد بهذا الأمن هو مستوى الأمن سواء الأمن الذاتي لدول المجلس بشكل مباشر أو قضايا الأمن الإقليمي التي لها تأثير مباشر على أمن دول المجلس؟

فعلى صعيد الأمن المباشر لدول مجلس التعاون، على الرغم مما تضمنه الخطاب الصيني الرسمي غير ذي مرة  بشأن أهمية دول مجلس التعاون بالنسبة للصين فإن ذلك الخطاب لم يتم ترجمته في خطط أو استراتيجيات محددة بالنسبة لأمن منطقة الخليج العربي، وذلك لسببين أولهما: أن جيش التحرير الشعبي لم يؤسس للحرب في الخارج بل للدفاع عن الصين ضمن محيطها الإقليمي بالرغم من أن الجيش الصيني لديه ثاني أكبر ميزانية في العالم، وثانيهما: أن الولايات المتحدة لن تسمح للصين أو أي قوى آسيوية أن يكون لها دور مباشر في أمن منطقة الخليج العربي الذي يعد مسألة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة بغض النظر عمن يتولى مقاليد السلطة من الجمهوريين أو الديمقراطيين، ولا يعني ذلك أن الصين ظلت بعيدة تمامًا عن أمن دول مجلس التعاون فقد حاولت الصين بيع المملكة العربية السعودية صواريخ متوسطة المدى عام 1988م.

وعلى مستوى الأمن الإقليمي وفي ظل تنامي ظاهرتي الإرهاب والقرصنة فقد رأت الصين أن ذلك يمثل تهديدًا مباشرًا لمصالحها في المحيط الإقليمي لدول المجلس وخاصة تهديد طرق نقل النفط وهو ما يفسر بناء الصين سلسلة من القواعد العسكرية البحرية ومنها قاعدة جوادر البحرية غرب باكستان التي تم تصميمها وفق مواصفات دفاعية متكاملة والتي من شأنها أن تمثل قاعدة مهمة للصين ولغواصاتها النووية في بحر العرب القريب من مدخل الخليج العربي، بالإضافة إلى إشارة بعض المصادر بدء الصين مفاوضات لإقامة قاعدة بحرية في جيبوتي وهي الدولة التي ليس لدى الولايات المتحدة قواعد عسكرية فيها.

وقد حتمت الأزمات الإقليمية على الصين التدخل ولو بقدر محدود على خط التفاعل في تلك الأزمات ومن ذلك إرسال الصين سفناً حربية لإنقاذ المئات من مواطنيها ومن الأجانب في اليمن خلال شهر إبريل 2015م، ولا يعد ذلك أمرًا جديدًا بالنسبة للصين حيث أرسلت الصين 59 سفينة حربية لمضيق عدن والمياه الصومالية ضمن الجهود الدولية للتصدي لمخاطر القرصنة، بالإضافة إلى تواجد الصين ضمن قوات حفظ السلام في أماكن مختلفة أخرى من العالم.

ومع أهمية ما سبق فإن إسهام الصين في قضايا الأمن الإقليمي والأمن العالمي عمومًا لا يرتبط فقط بالعقيدة الدفاعية للصين ولكن بطبيعة القوة الصينية ذاتها، فضلاً عنالموقف الأمريكي بشأن سياسات الصين تجاه دول مجلس التعاون والشرق الأوسط عموماً.

فعلى صعيد طبيعة القوة الصينية ذاتها فيلخصها ديفيد شامباوا أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ومدير ومؤسس برنامج السياسات الحكومية الصينية بجامعة جورج واشنطن في كتابه المعنون بـ"الصين تتجه كونيًا: القوة غير المكتملة" حيث تضمن الكتاب أن الصين بالرغم من امتلاكها للعديد من عناصر القوة سواء الدبلوماسية أو الثقافية أو العسكرية فإنها ليست لديها القدرة على التأثير في النظام الدولي لعدة أسباب وهي عدم التجانس بين ما تمتلكه من عناصر قوة على عكس الدول الغربية، والتردد في اتخاذ مواقف حاسمة تجاه القضايا الدولية، فضلاً عن إيلاء الأمن الداخلي أولوية على حساب الأمن الخارجي حيث أنفقت الصين عام 2012م، ما يقرب من 111 مليار دولار على الأمن الداخلي مقابل 107 مليار دولار على الأمن الخارجي، وهو ما أكده الكتاب الأبيض الصادر عام 2015م، بعنوان" الاستراتيجية العسكرية الصينية" والذي تضمن- من بين قضايا أخرى عديدة- أن "الصين لن تهاجم ما لم يهاجمها طرف آخر، كما تتمثل العقيدة العسكرية للصين في حماية المصالح البحرية للصين والحفاظ على الأمن والاستقرار على امتداد المناطق المحيطة بها"، ووفقًا لهذا التصور وفي ظل مشكلات الصين مع محيطها الإقليمي فإنه يتوقع أن يكون لنزاعات الصين مع دول جوارها أولوية ضمن السياسة الدفاعية الصينية، ومن ذلك النزاع بين الصين واليابان حول جزر دياويو والتي تقع على مساحة 400 كم ويرجح أن بها احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، و النزاع بين الصين والفلبين حول جزيرة هوانجيان والتي تسيطر عليها الصين وتسعى الفلبين لحل ذلك النزاع من خلال طرف ثالث وهو ما ترفضه الصين، بالإضافة إلى النزاع بين الصين وكل من فيتنام وتايوان على جزر في بحر الصين الجنوبي الأمر الذي حدا بالصين-التي تسيطر على تلك الجزر- لنشر نظام صواريخ أرض جو على إحدى هذه الجزر في فبراير 2016م، وهو الأمر الذي اعتبره وزير الخارجية الأمريكي "مثيراً للقلق" والجدير بالذكر أن مياه بحر الصين الجنوبي تشهد مرور ثلث النفط العالمي، وقد قامت الصين بتحويل العديد من الجزر في تلك المنطقة إلى جزر اصطناعية ومن ثم إمكانية إقامة منشآت عسكرية عليها.

وعلى صعيد علاقة الصين بأمريكا، فإنه من التبسيط الشديد اختزال صراع النفوذ بين الجانبين على منطقة الخليج وإنما يجب النظر إلى الدائرة الأكبر لذلك الصراع، ومن ذلك إعلان أمريكا عن استراتيجيتها الدفاعية الجديدة وفقًا لما أشار إليه ليون بانيتا وزير الدفاع  الأمريكي الأسبق، بالقول "أنه بحلول العام 2020م، سوف تعيد البحرية الأمريكية نشر قواتها من نسبة حوالي 50%-50% حاليًا بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي إلى نسبة 60% إلى 40% لصالح المحيط الهادئ بما يشمل ست حاملات طائرات ،إضافة إلى أكثرية سفننا وغواصاتنا" وهو أمر من شأنه أن يمثل تحدياً للصين حيث سيكون التصدي للتوجهات الأمريكية الجديدة أمر يحظى بالأولوية عن التواجد في خليج عدن والمحيط الهندي.

وانطلاقًا من تلك التحديات فعلى الرغم من أن الخطاب الرسمي الصيني قد تضمن غير ذي مرة أن الصين تتطلع لصياغة علاقات استراتيجية مع دول المنطقة و لم ينعكس ذلك في التزامات محددة من جانب الصين خلال الأزمات، وإنما انتهجت الصين سياسات منفصلة وفقًا لكل حالة على حدة  في محاولة لإيجاد توليفة من المبادئ والمصالح  بما يمكن أن يطلق عليه "سياسة إرضاء كل الأطراف "إلا أن تلك السياسة ربما أثمرت بالنسبة لإيران وهو ما عبر عنه صراحة الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال زيارة الرئيس الصيني لإيران في يناير 2016م، بالقول" إن بكين وقفت إلى جانب طهران في الأيام الصعبة وهو ما سوف يجعل الأولوية لها على كافة المستويات" ،بالإضافة إلى عضوية  إيران إلى جانب الصين بصفة مراقب في منظمة شنغهاي وهي المنظمة التي يطلق عليها "الناتو الآسيوي" في دلالة على كونها تضم الدول المناهضة لسياسات حلف الناتو التوسعية والذي تراه كل من الصين وإيران تحديًا لها، بما يعزز من العلاقات الإيرانية- الصينية ضمن دائرة المصالح الأوسع نطاقاً من منطقة الخليج العربي وخاصة أن روسيا تدعم تعديل عضوية إيران إلى العضوية الدائمة، إلا أن سياسة الصين تجاه دول مجلس التعاون لم تؤت ثمارها بنفس القدر من المردود الاقتصادي أو السياسي بالنسبة لإيران، ليس بسبب سياسة الصين فحسب وإنما لزيادة حدة الخلاف بين دول مجلس التعاون وإيران وعلى نحو خاص في أعقاب توقيع الاتفاق النووي الأمر الذي يعد معضلة حقيقية أمام الصين في سعيها لتحقيق التوازن في سياستها تجاه الطرفين، ومع ذلك برأيي أنه لاتزال لدى الصين فرصة سانحة الآن وقبل أي وقت مضى لتكون لاعبًا مهمًا في قضايا أمن الخليج العربي في ظل مستجدات السياسة الأمريكية من ناحية، والتطور البطيء للعلاقات الأوروبية-الخليجية واستمرار ارتهان تطورها  بقضايا حقوق الإنسان من ناحية ثانية مما يعني أن توجه دول مجلس التعاون نحو تنويع تحالفاتها الدولية والآسيوية منها على نحو خاص لم يصبح ترفًا بل ضرورة حتمتها المستجدات الإقليمية والدولية الراهنة ،صحيح أنه ربما لن تتمكن الصين من التواجد عسكريًا في المنطقة ولكن هناك مستويات ومضامين متعددة للتعاون الأمني بيد أن ذلك يتوقف على ما يمكنه أن يقدمه الشريك الصيني لدول مجلس التعاون وفي هذا السياق يمكن للصين أن تقدم مبادرة للأمن البحري وخاصة أن دول الخليج أقرت تشكيل قوة بحرية خلال القمة الخليجية في ديسمبر 2014م، و يمكنها التكامل مع الخبرة الصينية في هذا الشأن، بالإضافة إلى  الالتزامات الدفاعية من جانب الصين حتى ولو على مستوى التعاون الاستخباراتي، صحيح أن الصين أعلنت عن رغبتها أن تكون جزءًا من التحالف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب الذي أعلنت عنه السعودية إلا أن ذلك يجب أن يرتبط بالتزامات محددة من جانب الصين، من ناحية ثانية يعد مجال الطاقة النووية إطارًا هامًا للتعاون بين الجانبين حيث أن توقيع السعودية والصين اتفاقية بشأن الطاقة النووية السلمية يعد تطورًا مهمًا في ظل سعي المملكة لبناء 16 مفاعلاً نوويًا خلال العشرين عامًا المقبلة بتكلفة تتجاوز 80 مليار دولار وذلك لمواجهة النمو المتزايد في الطلب على إنتاج الكهرباء بمعدل نمو سنوي يصل لنحو 8% بما يعني أن إنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية بات أمرًا ملحًا سواء بالنسبة للمملكة أو دول مجلس التعاون عمومًا، ومن ناحية ثالثة يجب على الصين الأخذ بعين الاعتبار المصالح الاستراتيجية لدول مجلس التعاون ضمن الأزمات الإقليمية الراهنة من خلال انتهاج سياسات محددة  تتوافق مع الرؤى الخليجية حتى لو تتطلب الأمر مراجعة أسس السياسة الخارجية للصين وذلك بعيدًا عن "المناطق الرمادية" التي لطالما ظلت سمة أساسية للسياسة الخارجية الصينية عبر عقود ليس فقط تجاه قضايا أمن الخليج العربي بل منطقة الشرق الأوسط برمتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

مجلة آراء حول الخليج