بعد مرور أكثر من أربع سنوات على قيام ثورة 17 فبراير في 2011م، التي قامت ضد نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، والتي كانت متأثرة بموجة الثورات العربية التي اندلعت مطلع عام 2011م، خاصة الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وثورة 25 يناير المصرية التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك،فيما ظل الملف الأمني في ليبيا العائق الأكبر أمام أي تحول ديمقراطي وبناء الدولة الليبية. فليبيا ما تزال تشهد فوضى أمنية ونزاعًا على السلطة أفرزت انقسام البلاد قبل أكثر من عام إلى سلطتين، حكومة وبرلمان معترف بهما دوليا في الشرق، وحكومة وبرلمان يديران العاصمة بمساندة تحالف "فجر ليبيا". ومن أجل فهم واقع الحالة في ليبيا، يحاول هذا البحث مناقشة جذور الأزمة من خلال التركيز على الملف الأمني وفهم مساره الكرونولوجي. ثم تتبع أطراف الصراع من خلال التركيز على مراكز القوى في المشهد الليبي. ويختتم البحث بالحديث عن التحول من شرعية السلاح إلى الشرعية الديموقراطية.
أولًا: جماهيرية الخيمة: مؤسسات أمنية في قبضة الريح
استطاع القذافي خلال أربعة عقود من الدكتاتورية أن يحول ليبيا من دولة شبه المؤسسات في عهد المملكة الليبية إلى اللا دولة بعد انقلاب 1969م، أو ما عرفت لاحقًا باسم "ثورة الفاتح، التي سعت إلى تفتيت النخب وتفكيك مؤسسات الدولة والجيش. فبعد إعلان «الجماهرية» وتشكيل اللجان، وإعطاء السلطة «للمؤتمرات الشعبية» وتحويل الوزارات إلى أمانات، وهيمنة القذافي على القرار السياسي، تحولت ليبيا إلى كيانات بحجم دولة العشيرة، أو ربما دولة الخيمة. ومن تلك المؤسسات التي تم إضعافها وتهميشها المؤسسة الأمنية وخاصة بعد محاولات الانقلاب على نظامه والتي كان أهمها محاولة انقلاب 1975م، والتي عرفت بمحاولة انقلاب عمر المحيشي. عام 1975م، عندما قام عمر المحيشي وهو أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة مع مجموعة من الضباط بالتخطيط لانقلاب ضد نظام القذافي ومحاولة تصحيح المسار السياسي، إلا أن هذه المحاولة فشلت. لكن فتحت هذه المحاولة الفاشلة الباب لمعمر القذافي بالبدء بسلسلة من الإجراءات لتحصين نظامه من خلال تهميش الجيش وإهماله وإضعاف قدراته وتغييب دوره عن طريق استبداله بمبدأ الشعب المسلح وهو أحد المبادئ الرئيسية في السلطة الشعبية والذي ينص على أن جميع فئات الشعب ينبغي لها التدرب على السلاح وفنون القتال. وفي وثيقة إعلان قيام سلطة الشعب، نصت المادة الرابعة من الإعلان التاريخي لقيام سلطة الشعب الصادر في 2 مارس 1977م، " الدفاع عن الوطن مسؤولية كل مواطن ومواطنة وعن طريق التدريب العسكري العام يتم تدريب الشعب وتسليحه وينظم القانون طريقة إعداد الإطارات الحربية والتدريب العسكري العام". ثم صدرت عدة قوانين نظمت تكريس هذا المبدأ "الشعب المسلح" منها على سبيل المثال قانون رقم 42 لسنة 1974م، الذي نص في مادته الأولى على "التدريب العسكري العام خدمة وطنية وتكليف لكل مواطن من الذكور والإناث ممن بلغ سن السابعة عشرة من عمره ولائق صحياً". وكذلك قانون رقم 3 لسنة 1978م، بشأن الخدمة الالزامية الذي تم فيه فرض الخدمة العسكرية الإلزامية على كل مواطن ممن بلغ الثامنة عشر من عمره ولم يتجاوز 35 سنة وتم تطويره في القانون 9 لسنة 1987م، بشأن الخدمة الوطنية الصادر عن المؤتمرات الشعبية الأساسية وتعديلاته إلى برنامج التدريب العسكري العام أسلوباً والمناوبة الشعبية فلسفة. وغيرها من القوانين التي كانت تصب في تهميش وتفكيك المؤسسة الأمنية "الجيش"، والتي أفرزت مع الوقت ظاهرة الكتائب الأمنية، وهي لا صلة لها بالجيش الليبي، لكنها تفوقه تجهيزًا وتدريبًا. يقول الملازم أول الطيار عطية المنصوري، أحد الضباط الذين حاولوا الانقلاب على القذافي عام 1975م، إنه "منذ انشقاق مجلس قيادة الثورة عام 1975م، بعد أن انفرد القذافي و4 أعضاء آخرين بالسلطة، وأزاح الستة الباقين، ونفّذ حكم الإعدام في 22 ضابطاً عام 1977م، وسجن مئات الضباط وكنت واحدًا منهم، خطَّطَ القذافي لتحييد الجيش النظامي، وشكّل ما يسمى الجيش الشعبي – الشعب المسلح- إذ جند الشباب في كتائب شعبية حوَّلَها إلى ميليشيات عسكرية لا عقيدة لها. وأن" القذافي حوّل القوات المسلحة إلى مجرد تكديس للرتب العسكرية العليا، حيث تنعدم الطبقة الوسطى للجيش، وهي العمود الفقري لأي جيش نظامي، واعتمد في المقابل على بناء الكتائب الأمنية التي تؤمِّن الولاء والسيطرة على المدن، وهي مجهَّزة ومدربة للقمع وليس للدفاع عن الوطن". ويقول المقدم في سلاح الدفاع الجوي الليبي مفتاح مؤمن أن "القذافي دمّر الجيش الوطني، فلا سلاح، ولا وحدات مدربة، ولا آليات حديثة...هذه مشكلة ليبيا". وهذه الكتائب الأمنية لا يوجد لها قيادة موحدة بل يطلق عليها تسميات مرتبطة غالبا بأسماء أبناء القذافي كخميس والمعتصم والجارح، وهي موجودة عادة في المدن. تقول الخبيرة العسكرية في كلية حلف شمال الأطلسي للدفاع، فلورنس غاوب، في حديث مع دويتشه فيله، "إن القذافي ركز اهتمامه، بدلا من بناء جيش قوي، لأنه كان سيشكل تهديداً له، على "بناء وحدات قتالية خاصة قام بتعيين أولاده على رأسها وهي تتكون في معظمها من موالين له". وقد بلغ تعداد هذه (ميليشيات) الشعب المسلح حوالي المليون والنصف من المواطنين المدربين على السلاح بكافة أنواعه.
ثانيًا: دولة مشرعة الحدود أمام المتطرفين والمهربين
الثورة التي قامت ضد القذافي في 17 فبراير 2011م، والتي كانت متأثرة بموجة الثورات التي اندلعت في المنطقة مطلع عام 2011م، خاصة في تونس ومصر، انتهت بسقوط نظام القذافي. هذا السقوط وتفكيك بنيته السياسية والأمنية الهشة، في ظل غياب المؤسسات الأمنية والجيش، في دولة مشبعة بالسلاح وغياب البديل الجاهز للقيادة، اتجهت الأمور في ليبيا إلى الفوضى العارمة والاضطراب وفقدان السيطرة على الأوضاع الأمنية، ما انعكس بدوره في فقدان القوى السياسية القدرة على التسوية السياسية مما أدى إلى فقدان الاستقرار السياسي. فوفقا لمؤشر السلام العالمي Global Peace Index لسنة 2015م، الذي يقيس وضع المسالمة النسبي، ويشرف على إعداده معهد الاقتصاد والسلام بالتعاون مع مركز دراسات السلام والنزاعات في جامعة سيدني، أستراليا، ويبني على عدة مؤشرات من ضمنها مؤشر عدم الاستقرار السياسي. حلت ليبيا في المرتبة 149 من بين 162 دولة لعام 2015م، بعد أن كانت 52 في عام 2010م، هذه البيئة التي أصبحت تعاني من غياب الاستقرار السياسي والترهل المؤسساتي وخاصة مؤسسة الأمن، أفرزت كتائب ذات انتماءات عشائرية ومناطقية أو دينية اغتصبوا مهام الأمن وشلوا دور مؤسسات الجيش والشرطة. وحاولت الحكومات التي قامت بعد الثورة بداية من الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الرحيم الكيب دعم المكونات العسكرية على الأرض ولعب دور حيوي في فرض الأمن ونزع السلاح، وإعادة دمج هذه الميليشيات، إلا أنه في ظل عدم تنشيط دور الجيش والشرطة فشلت.ويؤكد عمر الحباسي الناطق الرسمي السابق باسم الهيأة الوطنية لمعايير النزاهة هذا الفشل بقوله: "عجزت الداخلية عن إعداد خطةٍ أمنيةٍ محكمةٍ تطبّق في العاصمة وتمرّر على كل ربوع البلاد، مما أدى إلى تفاقم الأمور وانتشار الفوضى والسلاح، وكذلك عجز الداخلية عن إعداد خطةٍ محكمةٍ لجمع السلاح". كما أكد هذا الفشل الأمني الدكتور محمد المقريف، رئيس المؤتمر الوطني العام، في أول لقاء متلفز بعد انتخابه قائلا: "إن ملفات الوضع الأمني وبناء الجيش وإعادة هيكلة النظام القضائي، كلها قد أهملت من قبل المجلس الانتقالي والتنفيذي والحكومة المؤقتة، وإنهم لم يقوموا بعملهم بشفافية ونزاهة.
جاءت حكومة الوفاق الوطني برئاسة علي زيدان بعد ذلك، ورغم تأكيد زيدان على أهمية الملف الأمني وسيكون أهم أولويات حكومته، إلا أن ارتباك حكومته في التعاطي مع هذا الملف، وبرنامجه الفضفاض أدى إلى فشلها من اليوم الأول في وضع خطة متكاملة وحاسمة لتنظيم قطاع الأمن وتنظيم حمل السلاح، وتنظيم العلاقة ما بين الثوار الذين أطاحوا بالنظام السابق وما بين أجهزة الدولة الجديدة؛ مما أدى إلى تأزم الوضع الداخلي وتعكير مناخ الاستقرار والهدوء وفقدان السيطرة على البلاد. وقد اعترف زيدان نفسه بفشله الذريع في حل الأزمات الأمنية، حيث قال إن "العجز عن تدبير الملف الأمني سببه ضعف الجيش والشرطة". يقول رئيس التكتل الاتحادي الفدرالي أبو القاسم النمر: في رأيي أن –زيدان- لم يقدم إنجازًا يذكر في مجال حفظ الأمن "بل أن الملف تدهور بشكل كبير في عهده". وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية: إن حكومة زيدان فقدت تقريبًا السيطرة على معظم أنحاء البلاد، ولا سيما شرق ليبيا، المنطقة القريبة من ثاني أكبر مدينة بنغازي. ووفقًا لتقارير كثيرة تشير إلى أنه في ظل حكومة زيدان زادت نسبة التفجيرات والاغتيالات وجرائم الخطف، ومعدل الفساد والجريمة، وكذلك الهجرة غير الشرعية. ليس هذا فحسب، بل أن هذه الميليشيات المسلحة أصبحت تزداد سيطرة على المجال العام للحياة السياسية والاقتصادية، وتزداد تشابكًا مع القبائل.
حتى الحكومات التي جاءت بعد حجب الثقة عن حكومة علي زيدان سواء الحكومة المؤقتة برئاسة عبدالله الثني وانتهاء بحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، ظل الملف الأمني معلقًا، مما أدى إلى تحويل ليبيا إلى دولة مشرعة الحدود لتمدد الإرهابيين والجماعات الجهادية الضالة لتحقق نزواتها من سطو وسلب ونهب واعتداء وتعاون مع جهات أجنبية أو مع تنظيمات إرهابية بالخارج.تقول أماندا كادليك الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، في بحث تحت عنوان "نزع سلاح الميليشيات الليبية" الذي أجرته في ليبيا أن هناك ثلاثة أمور يتعيّن على الحكومة الجديدة القيام بها للوصول إلى حل الملف الأمني. أولًا: إعداد استراتيجية وطنية واضحة وطويلة الأمد من أجل نزع شامل للسلاح. ثانيًا: ضبط الحدود الصحراوية الطويلة لمنع دخول السلاح. ثالثًا: إقامة سلطة قضائية فاعلة لمحاكمة مَن يحتفظون بالسلاح بعد انتهاء المهلة المحدّدة لتسليمه. وللنجاح في تحقيق هذه المهمة الأساسيّة تقول كادليك، يجب وضع جداول زمنية واقعية ومرنة لنزع السلاح في المدى الطويل وتقويم الإمكانات المادّية لتنفيذها.
ثالثًا: شرعية السلاح وتأزم المشهد
ومن خلال النظر إلى خارطة الصراع نجد أن هناك ثلاثة أطراف رئيسة لحالة الصراع المسلح الدائر في ليبيا، يمكن تحديدها في الآتي:
قوى الإسلام السياسي المسلح المتمثلة في:
1- أنصار الشريعة: هي ميليشيا إسلام سياسي مسلحة تهدف كما تدعي إلى "تحكيم الشريعة الإسلامية في ليبيا". اختلف المراقبون حول تاريخ إنشائه حيث يقال إنه أنشئ أواخر عام 2011م، أو في بداية عام 2012م، لكن بعض المصادر تعيد تاريخ إنشاء التنظيم إلى قيام ما عرف "بالملتقى الأول لأنصار الشريعة" في بنغازي، وهو كان بمثابة أول ظهور إعلامي للتنظيم في صيف 2012م، وذلك بعد انشقاق عدد من أعضائه من "سرايا راف الله شحاتي". أعضاء الميليشيا ليسوا جميعًا من الليبيين فمن بينهم أجانب خاصة من حملة الجنسية التونسية. أدرجت الولايات المتحدة في 10 يناير 2014م، تنظيم أنصار الشريعة بفرعيها في درنة وبنغازي كمنظمة إرهابية لتورطهما في الهجوم الذي وقع في 11 سبتمبر 2012م، واستهدف البعثة الأمريكية في بنغازي بليبيا، والذي أسفر عن مقتل السفير الأمريكي وثلاثة أمريكيين آخرين.
2- كتيبة شهداء 17 فبراير: وتعتبر الميليشيا الأكبر عددًا والأهم تسليحًا في شرق ليبيا في مدينة بنغازي، ليبيا. تأسست بعد ثورة 17 فبراير 2011م، تتخذ من أحد معسكرات الجيش الليبي مقرًا لها في منطقة قاريونس. وهي مكونة من 12 مجموعة أو سرية على الأقل، ويقدر عدد أفرادها بنحو 1500 شخصًا، إلا أن بعض الجهات تقدرهم بضعف هذا العدد. نفذت العديد من (المهام الأمنية) في شرق ليبيا ومنطقة الكفرة في الجنوب.
3- كتيبة راف الله السحاتي: هي ميليشيا مسلحة في ليبيا، سميت باسم أحد أول الثوار الذين قتلوا في المعارك ضد قوات القذافي في مارس 2011م، في بنغازي. بدأت ضمن كتائب شهداء 17 فبراير قبل أن تتوسع لتصبح تشكيلا مستقلا وأحد أهم الكتائب الليبية.يقودها كل من إسماعيل الصلابي ومحمد الغرابي. تضم نحو ألف فرد، حيث تتواجد في شرقي ليبيا وفي الكفرة.
4- تنظيم داعش وهو فرع من تنظيم داعش في العراق والشام، تم تشكيله في 13 نوفمبر عام 2014م، عبر فيديوهات على الإنترنت أظهرت مجموعة من المسلحين بمدينة درنة، وهم يبايعون زعيم داعش أبو بكر البغدادي. بعد ذلك قام التنظيم بإعلان مدينة سرت إمارةً مركزية في منطقة الهلال النفطي الليبي كمحور انطلاق للتمدد في الساحة الليبية. وأعلن التنظيم بعد ذلك إنشاء ثلاثة فروع له في ليبيا: فرع له في منطقة برقة في الشرق وله فرع في منطقة فزان في الصحراء جنوبا، وفرع له في منطقة طرابلس في الغرب. تقول هارلين غامبير الباحثة المتخصصة في مكافحة الإرهاب في معهد دراسات الحرب ومقره واشنطن في تقرير لها نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية "بأن التنظيم بات يُحكم سيطرته على منطقة تمتد على مسافة مئتي كيلومتر في محيط سرت، وأن مقاتليه يتراوحون حسب أحدث تقديرات البنتاغون بين 5000 و6500 مقاتل".
5- جيش الشورى الإسلامي وجيش تحكيم الدين وهي ميليشيات مرتبطة بتنظيم القاعدة، ومقرها في درنة، تعلن أنها لن تخضع لسيطرة الدولة الليبية التي تصفها بالكافرة.
القوات الحكومية والمتمثلة في:
1- قوات الشرطة التابعة لمديرية أمن بنغازي وتشكيلاتها المختلفة من قوات الأمن المركزي وقوات الإسناد الأمني.
2- كتائب الصواعق، وهي كتيبة تنتمي إلى الزنتان من جبال نفوسة، يقودها عماد مصطفى الطرابلسي، وقد اشتركت في الهجوم على طرابلس في سبتمبر 2011م، وكلفت بحماية كبار أعضاء الحكومة الانتقالية، منذ ذلك الحين قامت بتغيير اسمها إلى كتيبة الصواعق للحماية، وأدرجت تحت سيطرة وزارة الدفاع في اكتوبر 2012م، وهي تعتبر من قوات الجيش الشرعية المتبقية من الجيش الرسمي.عدد أفرادها غير معروف، لكن تسليحها على مستوى عال، خاصة أنها تمتلك أسلحة مضادة للطائرات.
3- كتائب القعقاع، تكونت على يد مجموعة من "الثوّار" من منطقة الزنتان عام 2011م، أثناء المعارك التي خاضتها المدينة ضد نظام القذافي. يقودها عثمان مليقظة الذي انشق عن نظام القذافي بعد بداية ثورة 17 فبراير.وتتحمل الكتيبة مسؤولية الحفاظ على الأمن والنظام وحماية كبار المسؤولين والوزارات، كما تقع رسميا تحت إمرة وزارة الدفاع.
4- قوات "الغرفة الأمنية المشتركة" التي تضم عناصر من الثوار والجيش والشرطة والتي يقدر تعدادها بـ 6 آلاف عنصر.
قوات حفتر وتضم ما يلي:
1- ضباط سابقون في الجيش الليبي ممن شاركوا تحت قيادته في حرب تشاد خلال ثمانينيات القرن الماضي، وهؤلاء وجدوا أنفسهم أولا أنهم متهمون من قبل الثوار بموالاتهم لنظام العقيد معمر القذافي، ولهذا السبب رفضت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي دمجهم في الجيش للمشاركة مجددًا في إعادة بنائه.
2- كتيبة حسن الجويفي في برقة الحمراء والتي تعد كبرى كتائب الجيش الليبي في الشرق. وكذلك كتيبة أولياء الدم الذي قتل أبناءهم على يد هؤلاء الإرهابيين.
3- القبائل الكبرى في الشرق الليبي مثل قبائل العبيدات والبراعصة والعواقير والعرفة حيث تمكن حفتر من إقناعهم إلى الانضمام إلى صفه من أجل الحرب على الإرهابيين.
4- أنصار الحراك الفيدرالي في ليبيا حيث تمكن من أخذ المباركة لخطواته.
رابعًا: من شرعية السلاح إلى الشرعية الديموقراطية
فبعد مرور أكثر من أربع سنوات على قيام ثورة 17 فبراير، يبقى الوضع الأمني المضطرب هو العائق الأكبر أمام أي تحول ديمقراطي في ليبيا، وأن الاختبار الحقيقي لأي حكومة كان وسيظل في تسوية الملف الأمني. إلا أن التحول من شرعية السلاح ومحاولة هيمنة فصيل أو ميليشيا على المشهد السياسي بالقوة إلى الشرعية الديموقراطية وحصر الصراع داخل قبة البرلمان، لن يقتصر فقط في تسوية المعضلة الأمنية من خلال نزع السلاح من قبل الكتائب والميليشيات، وإنما عن طريق إعادة صياغة عقد اجتماعي يؤسس لدولة مدنية، تستعيد به الثقة بين السلطة والشعب والتي كانت مفقودة طوال الأربعة العقود الماضية في عهد نظام القذافي ولم تستطع الحكومات السابقة استعادتها. فمفاهيم الدولة المدنية التي تقوم على وجود قانون يحمي الحريات وحقوق الأفراد وعلى المواطنة والتعددية وقبول الطرف الآخر والتسامح والمساواة والديمقراطية كوسيلة للحكم الرشيد لا زالت غائبه بل إنها لم تتشكل بعد في الثقافة السياسية الليبية.
ويمكن القول إن الحالة الثقافية الليبية لا يمكن عزلها بشكل عام عن الحالة الثقافية العربية، والتي لا زالت منحصرة في ثلاثية القبيلة والغنيمة والعقيدة، وهي المقاربة التي قدمها المفكر الراحل محمد عابد الجابري في كتابه العقل السياسي العربي، وهو الجزء الثالث من سلسلة مشروعه الفكري لنقد العقل العربي الذي درس فيها المكونات والبنى الثقافية واللغوية والسياسية والأخلاقية في العالم العربي.يخلص الجابري في كتابه العقل السياسي العربي إلى أن الحالة العربية تعتمد على ذوي القربى والثقة بدل الاعتماد على ذوي الخبرة والمقدرة. والغنيمة باعتبارها العامل الاقتصادي في المجتمعات التي تعتمد على الخراج والريع. والعقيدة باعتبارها المنطلق الذي يحرك الجماعة ليس على أسس معرفية بل على رموز تؤسس الإيمان والاعتقاد. هذه المحددات الثلاثة التي استند الجابري في دراستها على أطروحات الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو، ودوبريه هي التي حكمت العقل السياسي العربي في الماضي ولا تزال تحكمه بصورة أو بأخرى في الحاضر من خلال الولاءات القبلية والعشائرية أو من خلال مظاهر الطائفية والتطرف الديني والعقائدي. فالقبلية لم تتحول بعد إلى تنظيم مدني سياسي واجتماعي واضح المعالم، والغنيمة أيضًا لم تتحول إلى اقتصاد ضريبي أي تحويل الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد إنتاجي. كما أن الفتوى أيضًا لم تتحول إلى مجرد رأي ترفع عنها القدسية وتفسح المجال لحرية التفكير والاختلاف والتعامل بعقل اجتهادي نقدي.
وعليه فالحالة السياسية في ليبيا وباقي بلدان الربيع العربي هي جزء واسع من ثقافة مجتمعات تربت على هذه القيم الثلاث حتى أصبحت جزءًا منها، وبالتالي فإن سقوط الأنظمة السابقة لم يؤد إلى بناء دولة مدنية حديثة بل إن الهدم كما شاهدنا في بلدان الثورات أدى إلى الفوضى والفوضى الطائفية. فالعالم العربي لم يكن ليتحمل ثورات راديكالية لأن القوى الاجتماعية والطبقية التي تحمل مفاهيم الدولة المدنية والمرشحة لحمل هذا المشروع لم تتشكل.
فالحل الأمثل لاحتواء الصراع والفوضى في ليبيا يتمثل في التمهيد لأجواء مصالحة وطنية شاملة بين القوى الثورية والاتفاق على صياغة عقد اجتماعي جديد، يضمن إدماج كل القوى في مسار الإصلاح والتغيير والذي سيساهم في الاستقرار والسلم الأهليين. دون هذه المصالحة فإن الصراع سيستمر ويتفاقم والنهاية ستكون لصالح قوى ثورية لا تزال تحمل القيم الحقيقية للمجتمع المتمثلة في القيم الثلاث سابقة الذكر.