وإذ احتفل مجلس التعاون لدول الخليج العربية بمرور 35 عاماً على إنشائه في الخامس والعشرين من شهر مايو الماضي، فإن شعوب ودول المجلس تفخر بما حققته من إنجازات، وتعتز بمسيرتها المباركة الساعية الى تحقيق كافة الطموحات والآمال المنشودة، وتشكر أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس الذين شيدوا هذا الكيان الخليجي الكبير، وجسدوا الحلم إلى واقع رغم التحديات والصعوبات التي تجاوزها المجلس منذ تأسيسه في الخامس والعشرين من مايو عام 1981م، وتدعم جهودهم المباركة ـ حفظهم الله ـ لاستكمال هذه المسيرة الميمونة، وانجاز أهدافها المباركة.
إن مرور 35 عاماً على إنشاء مجلس التعاون واستمراره في مسيرته بنفس المستوى من الاصرار والثبات والطموح، هو خير دليل على أهميته، وقوة بنيانه وأركانه، ونبل أهدافه التي ترمي إلى تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها، والحفاظ على استقلال دولها وسيادتها، وتحقيق الرفاهية للمواطن الخليجي في الدول الست، إضافة إلى المساهمة الفاعلة في تحقيق التكامل العربي والإسلامي. ولذلك واصلت المسيرة انطلاقتها إلى الأمام ، بمشيئة الله تعالي، بغية تحقيق كامل الطموحات والآمال، والبناء على ما تحقق من انجازات، ومواجهة ما يطرأ من تحديات، والسير على درب التكامل بين الأشقاء في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية وتأثيراتها على دول مجلس التعاون.
وفي المرحلة الحالية تنظردول مجلس التعاون بارتياح واطمئنان كبيرين إلى ما تحقق من إنجازات خلال الفترة التي مرت من عمر المجلس، رغم الأحداث التي شهدتها المنطقة،كما أنها تستشرف المستقبل بكل ثقة ، لتجاوز التحديات، وتلبية الاحتياجات، وتحقيق الطموحات على ضوء المستجدات وتطورات الأحداث، واستلهام التجارب الناجحة، وتلافي السلبيات، انطلاقًا من المتاح من موارد وامكانيات، وتكامل حقيقي يأخذ في اعتباره طبيعة التحولات والمتغيرات، ووفقاً للمزايا النسبية لكل دولة خليجية، أو المزايا الجماعية التي هي مصدر التقارب والتعاون بين هذه الدول الشقيقة، أو الرؤى المستقبلية التي تتبناها دول المجلس على المستوى الوطني.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تعمل دول مجلس التعاون على تجاوز هبوط أسعار النفط وما ترتب عليها من تأثيرات، من خلال برامج مبتكرة وخلاقة لتنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية، بما يحقق استمرار النمو، ويحافظ على مستوى رفاهية المواطن الخليجي، وتوفير الخدمات والمرافق، واستكمال المشاريع التنموية والخدمية والانتاجية، وبما من شأنه زيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص الخليجي في الناتج المحلي الإجمالي، وجذب المزيد من الاستثمارات، وتعدد مجالاتها في مختلف القطاعات وتوجيهها نحو زيادة توطين اقتصادات المعرفة، والتوسع في مجال التصنيع بمستوياته المختلفة سواء الصناعات الاستراتيجية وكثيفة العمالة، أو الصناعات التحويلية، أو الصغيرة والمتوسطة ، وأيضا التوسع في قطاعات الخدمات والسياحة، وكذلك التوسع في التوجه نحو الطاقة الجديدة والمتجددة، وغير ذلك من الأنشطة التي تساهم في زيادة الدخل وتحقق القدرة على المنافسة في الأسواق الدولية والتعامل مع التكتلات الاقتصادية العالمية في عالم سريع التغير والتطور.
وفيما يتعلق باستقرار المنطقة، فإن دول المجلس تضع استقرار منطقة الخليج وصيانة أمنها في مقدمة الأولويات، باعتبار أن الأمن هو ركيزة التنمية وأساس رفاهية الشعوب، الأمن القائم على مبادئ العلاقات الدولية بين الدول من احترام حُسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين تحت أي مسمى أو شعار، بل التعامل بندية ، واحترام إرادة الشعوب وحقها في إدارة شؤونها الداخلية. ولذلك تعتبر دول المجلس أن مواجهة الإرهاب والتصدي له، واخماد الفتن الطائفية، ضرورة قصوى وهي تأتي في مقدمة التحديات والتهديدات التي تبذل دول المجلس كافة جهودها لمواجهتها باعتبارها تهديدا للسلم والأمن الدوليين. وتحرص دول المجلس على المشاركة في الجهود الدولية لمكافحة الارهاب، والقضاء على هذه الآفة التي تنال من صورة الإسلام السمحاء وتسيء إلى دول المنطقة وتزعزع استقرارها.
كما أن دول مجلس التعاون تعمل جاهدة لتحقيق التوازن العسكري والاستراتيجي، والعمل على إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل أو الأسلحة غير التقليدية لمنع سباق التسلح خاصة امتلاك الأسلحة الفتاكة، وهذا ما يؤكد عليه مجلس التعاون منذ تأسيسه، وتضمنته البيانات الختامية لاجتماعات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس رعاهم الله. كما أن دول المجلس تقوم بتعزيز تعاونها الدفاعي عبر التسليح والتدريب والتنسيق المشترك وتوفير العدة والعتاد بالتعاون مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة.
كما تبذل دول مجلس التعاون على الصعيد الاقليمي جهوداً مضنية وحثيثة من أجل استقرار المنطقة وفقاً لقوانين الشرعية الدولية وحماية الشعوب العربية وتقرير مصيرها بدون تدخلات خارجية أو هيمنة إقليمية أو دولية. لذلك طرحت دول المجلس في عام 2011م المبادرة الخليجية لإنهاء الأزمة في اليمن سلميا ، ثم شاركت ضمن التحالف العربي بعملية عاصفة الحزم التي اتبعتها بعملية إعادة الأمل، ودعمت المصالحة اليمنية في اجتماعات الكويت، كل ذلك جاء بهدف تثبيت الشرعية في اليمن وحماية شعب هذا البلد الشقيق من ويلات الحروب الأهلية والصراع على السلطة ومنع التدخل الخارجي. كما تعمل دول المجلس جاهدة وبكل قوة لإنهاء الأزمة السورية وحقن دماء السوريين ولم شملهم، حيث يعاني الشعب السوري من محنة غير مسبوقة بين القتل والتدمير والتشريد والعنف المتواصل، وكذلك تجاه الوضع المأساوي في ليبيا، آملاً في عودة المنطقة إلى الاستقرار وتجاوز توابع ما يُسمى بالربيع العربي.
يظل مجلس التعاون لدول الخليج العربية ملتزماً بالأهداف التي خطها لنفسه منذ تأسيسه قبل 35 عاماً ،باعتباره منظومة خليجية عربية تؤمن بالتعايش السلمي للجميع، وأن التنمية مطلب عالمي، لذلك اعتبرت دول المجلس النفط وسيلة للتنمية وليس أداة سياسية، كما أن المنظومة الخليجية تعمل جنباً إلى جنب مع جامعة الدول العربية لتحقيق التكامل العربي، وتفعيل العمل العربي المشترك، والأمر نفسه مع منظمة التعاون الإسلامي لتفعيل التعاون بين الدول الإسلامية والذي أثمر مؤخراً عن بزوغ التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب على سبيل المثال، كما أن المجلس يتعاون مع الأمم المتحدة المنظمة الدولية الأم وكل ما ينبثق عنها من منظمات، وتشارك دول المجلس في ما تصدره الأمم المتحدة من قرارات على كافة المستويات، وفي الوقت نفسه تتبنى دول المجلس الكثير من الإصلاحات الداخلية، وتقدم المساعدات الخارجية لدعم الدول الأكثر احتياجاً، سواء على هيئة إغاثات إنسانية لضحايا الحروب أو الكوارث الطبيعية، من أجل نشر العدالة وترسيخ قيم العدل والحرية والمساواة، وتثبيت حق الجميع في الحياة الكريمة، مع تفعيل حوار الحضارات وتعايش أتباع الديانات والثقافات من أجل مستقبل أفضل للبشرية.