array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 108

زيارة الملك سلمان للقاهرة وأنقرة لتهيئة المنطقة التحالف السعودي ـ المصري: تحجيم نفوذ إيران وترميم البيت العربي

الإثنين، 06 حزيران/يونيو 2016

اتسعت تداعيات التحولات الجيوسياسية في عدد من الدول العربية لا سيما في سوريا والعراق، واليمن، وليبيا حتى انخفضت حصة الصادرات البينية من حجم التجارة الخارجية من 10.8 % عام 2010م، قبل زلزال الثورات العربية إلى 8.6 % عام 2013م، إلى جانب تراجع عائدات الصادرات في عدد من الدول العربية النفطية في ظل تواصل انخفاض أسعار النفط، وتراجع استقرار إنتاجه في عدد من الدول العربية المصدرة، كما لم يساعد التعافي المحدود في اقتصادات الدول المصنعة في إنعاش الطلب على النفط.

وسجلت الدول العربية كمجموعة تراجعًا في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، من 3.6 %عام 2013م، إلى حوالي 2.5 %، وهو ما يعد انعكاسًا للظروف المشار إليها، وهذا التراجع قبل انخفاض أسعار النفط في صيف 2014م، التي واصلت تراجعها بنحو 65 % إلى الربع الأول من عام 2016م، حيث يقدر عدد القوى العاملة في الدول العربية 124 مليون نسمة، من أصل عدد سكان 378 مليون نسمة عام 2014م، وهو ما يمثل حوالي 32 % من إجمالي عدد السكان، والتي تنخفض مع متوسطي العالم والدول النامية اللذين بلغا حوالي 65 % وحوالي 70.5 % على التوالي، ما يعني ارتفاع نسبة البطالة بين أوساط الشباب المتعلمين (التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 2015م).

أصبح الاقتصاد اليوم هو المدخل الوحيد أمام الأمة العربية، ولكن الاقتصاد له مطالب وتحديات في الوقت نفسه، خصوصًا في ظل غياب بنية تحتية تربط الوطن العربي بعضه ببعض سواء عن طريق السكك الحديدية أو عن طريق طرق برية سريعة بجانب الإسراع في تحقيق الاتحاد الجمركي الذي كان من المقرر اكتماله عام 2015م. لذلك اتجهت السعودية إلى إبعاد المشاريع الاقتصادية عن دهاليز السياسة، وبعيدًا عن الشعارات التي لا تحقق شيئًا، وهي لا تريد قمما للتفاؤل أو عالية الطموحات، بل قممًا تمس الواقع التنموي والاقتصادي والاجتماعي قابلة للتحقق على أرض الواقع، لأن التجارة العربية البينية لا تزال تتراوح عند 10,2 % عام 2010م، بقيمة إجمالية 154,9 مليار دولار.

مر على الاحتلال الأمريكي لأفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر 15 عامًا، وعلى الغزو الأمريكي لبغداد 13 عامًا، عمت الفوضى كل جوانب الحياة في بغداد، بعدما تحول العراق صراع بين إيران وأمريكا. والتطورات تعني ضياع بلدان من العراق وسوريا وليبيا واليمن وغياب رئيس في لبنان بسبب هيمنة مليشية حزب الله ومصادرة القرار السياسي في لبنان، والسعودية ترفض تطبيق نفس النموذج في اليمن.

لقد تحولت أحلام العراقيين في الحصول على ديمقراطية بديلا للاستبداد الذي عاشه العراق زمن صدام حسين إلى فوضى عارمة، وتم تسيس القضاء وفق الكتل السياسية المتنفذة، وتحول العراق إلى معتقلات، وبعدما كان العراقيون يتحدثون عن الانجازات زمن صدام حسين، يتحدثون الآن عن سرقة أحلامهم وغياب القوانين وتدمير المنجزات التي بنيت في عهد صدام.

استراتيجية السعودية تدرك أن التحولات الإقليمية أكثر إيلامًا عما قبل أربع سنوات، وتتجه السعودية بعدما حققت المدى الاستراتيجي لعاصفة الحزم بأن ينصب تركيزها على استخدام التنمية لإحلال السلام والاستقرار الاجتماعي كشرط ضروري لإنهاء الفقر وتعزيز الرخاء المشترك، ولتحقيق تلك الاستراتيجية قام الملك سلمان بزيارة إلى مصر أسفرت عن عدد قياسي من الاتفاقيات بنحو 36 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين بقيمة حوالي 23 مليار دولار، بالإضافة إلى تزويد مصر بالبترول لخمس سنوات مقابل 23 مليار دولار، مما يرفع قيمة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم إلى نحو 45.65 مليار دولار، ومن أبرز هذه الاتفاقيات، الاتفاق على إنشاء صندوق استثمار مشترك بقيمة 16 مليار دولار، ومنطقة اقتصادية حرة ومشروعات إسكان وكهرباء وطرق زراعية في سيناء من أجل تنميتها، كما تتجه شركة أرامكو السعودية إلى تعزيز إمدادات النفط إلى أوروبا عبر أنابيب سوميدي المصري التي  تمتد بطول 320 كيلومتر من البحر الأحمر إلى ميناء سيدي كرير بالإسكندرية، وتمتلك الهيأة المصرية العامة للبترول نصف شركة سوميدي التي تملك وتشغل ميناء سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط، بينما يمتلك النصف الآخر مجموعة من أربع دول عربية خليجية هي السعودية ،والكويت، والإمارات، وقطر.

ونجح الملك سلمان في توقيع اتفاقية بناء الجسر البري بعد ثلاثة عقود من التردد حيث طرح عام 1989م.

لم تتوقف زيارة الملك سلمان عند مصر بل واصل مسيرته إلى تركيا، وهي فرصة كبيرة لهذا البلد الذي يعاني علاقات مرتبكة مع دول الجوار العربي، خصوصًا بعد السياسات التي اتبعتها تركيا في دعم الإسلام السياسي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين والتي أثرت بشكل كبير على أمن أكبر دولة عربية وهي مصر، وترى تركيا بأن السعودية لا يمكن أن تقبل استمرار تركيا في هذا الدور الذي يهدد أمن الدول العربية.

السعودية بحاجة إلى الدورين المصري والتركي كمثلث بقيادة السعودية، وتشكيل هذا التحالف الثلاثي ليس ماردا سنيا ضد الشيعة كما يروج له العديد من الكتاب، ولا قومية سنية بديلة عن القومية العربية والإسلامية لمواجهة الشيعة الفارسية، بل تحالف بقيادة السعودية لمواجهة كافة التحديات واستعادة الدولة الوطنية بجميع مكوناتها المذهبية والقومية والدينية.

 وترى السعودية أن حزب الله والمليشيات الشيعية، وداعش، والقاعدة وكل الجماعات المسلحة إرهابية، وهي ترفض التصنيفات التي يستخدمها الغرب ويركز فقط على محاربة داعش، لذلك وضع حزب الله على طاولة مؤتمر القمة الإسلامي في اسطنبول بعدما تم التصويت عليه في جامعة الدول العربية باعتباره منظمة إرهابية، خصوصًا بعد انهيار محور المقاومة والممانعة، اكتشاف الشعبين العربي والمسلم أن هذين المحورين يحققان أجندات قومية ومشاريع توسعية على حساب أمن الدول العربية، وخرج بيان إسطنبول بتأييد السعودية وإدانة إرهاب إيران.

 وترى السعودية أن الحرب على الإرهاب أولوية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي تنبذ الطائفية والمذهبية التي ترعاها إيران، ما جعلها ترفض التحريضات الإيرانية ضد جرائم الإرهاب في السعودية، ودعم جهود المملكة الداعمة للشرعية في اليمن والحل السياسي وفق المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن 2216.

الضغط السعودي ساهم في تواصل الانقسامات في أركان النظام الإيراني خصوصًا من قبل مئات الأكاديميين الذين ينددون بتدخل الحرس الثوري في السياسة الذي يصر على مواصلة سياساته التدميرية، كما أفشلت السياسة السعودية مقامرة أوباما، وكان نتيجة هذا الضغط وضع إيران أمام واقع جديد بأنه ليس بمقدورها تغيير المسار حيال أي قضية حتى تتمكن من الإجابة على سؤال هل تريد أن تصبح دولة أم مجرد ثورة؟ خصوصًا بعد ترهل الدور الإيراني الذي تعامل مع العراق كغنيمة حرب وفرض وصايته على العملية السياسية وحافظ على نظام المحاصصة الذي ساهم في تفكيك العراق الذي يعاني اليوم ثورة شعبية بقيادة الصدر، فيما هدد لارجاني باستخدام الحشد الشعبي لمواجهة هذه المظاهرات.

حاجة السعودية إلى بناء حلف عربي إسلامي لمواجهة كافة المخاطر التي تهدد المنطقة ترجمتها زيارة الملك سلمان لتركيا، ففي حين يطالب إيران بوقف التدخل في المنطقة العربية، يطالب تركيا بوقف دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وبدء مرحلة جديدة لمواجهة التهديدات الإقليمية، وتجعلها ساحة تصفية حسابات.

فهمت السعودية أن رغبة تركيا في زيادة مشاركتها في التحالف الإسلامي العسكري يعني تخليها عن دعم الإخوان، وأن تركيا لا تعتبر حزب الله منظمة إرهابية، ولكنها قبلت بعرضه ومناقشته في منظمة التعاون الإسلامي الذي عقد في اسطنبول.

زيارة الملك سلمان لأنقرة أتت لحسم تركيا موقفها المتردد في تشجيع حركات الإسلام السياسي حيث يستغل الملك سلمان ظروف أنقرة الإقليمية والمحلية، بما يخدم عزل إيران إقليميًا ودوليًا وتضييق الخناق على مشاريعها في المنطقة خصوصًا أن طهران تستخدم أنقرة ممرًا إلى الدول العربية أو متنفسًا للخروج من عزلتها، وعلى أنقرة أن تختار بين الجانبين إما أن تقبل الاندماج بشكل فاعل مع التحالفات العربية والتوقف عن مشاريعها الخاصة التي تضر بأمن الدول العربية وعلى رأسها وقف دعم الإخوان، أو الاستمرار في مواقفها السابقة.

وتدرك السعودية أن تركيا وإيران يتنافسان على النفوذ الإقليمي من شرق المتوسط إلى ما وراء القوقاز، وتريد طهران الحفاظ على حصتها النفطية من بحر قزوين، ويجمعها مع موسكو قلق من تحكم أنقرة في طرقات نقل الطاقة من هذه المناطق إلى المياه الدافئة، كما أسقطت طهران البعد الشيعي الذي تدعي إيران أنها عاصمة الإسلام الثوري الشيعي لإقناع أمريكا والغرب بأنها تمثل الإسلام الوسطي والمعتدل، وأن القاعدة وداعش خرجا من السنة برعاية سعودية من أجل أن يستهدف الغرب، لكن كشف أمريكا عن وثائق التحقيقات عن أحداث 11 سبتمبر التي تبرئ السعودية من تلك المسؤولية كان ضربة جديدة للوبي الإيراني الأمريكي في واشنطن.

 في أذربيجان ذات البعد الشيعي تتحالف إيران مع أرمينيا ضد باكو، وتتهم باكو طهران بالانحياز إلى أرمينيا بدعم مادي وعسكري حيث طغى العامل القومي على المذهبي، وتنظر طهران بعين الريبة إلى العلاقة بين أنقرة وباكو حيث استغل الأتراك البعد القومي في علاقتهم مع باكو وهي منطقة تحرص أنقرة على استقرارها لتأثيرها على إمدادات الطاقة من روسيا وآسيا الوسطى ودول حوض بحر قزوين إلى الأسواق الأوربية عبر تركيا، لذلك تفجر الوضع في قرة باغ قد تكون ردة فعل تركية على التدخلات الروسية الإيرانية في سوريا خصوصًا بعد ضغط موسكو على أنقرة بعد تواجدها العسكري في أرمينيا ضمن مخطط محاصرة تركيا.

العلاقات السعودية ــ التركية تحولت من علاقات حذرة إلى علاقات متعددة الجوانب ثنائية التحرك، خاصة بعدما كشفت أحداث سوريا أجندة إيران الطائفية والتوسعية في المنطقة، وفي الوقت نفسه أظهرت الدول الكبرى سياسة الكيل بمكيالين، وقد فتح النقاش حول الملف السوري لدى الغرب تصنيف الإرهاب إلى إرهاب جيد وإرهاب سيء حسب مصالحهم، وهو ما ترفضه السعودية وتركيا، وبعدما تحولت مشكلة اللاجئين إلى مشكلة عالمية بدأ العالم يعيد النظر في سياساته.

السعودية تعيش تحولا اقتصاديا، وتسعى لتطوير البنى التحتية للحد وتوفير تنمية اقتصادية متوازنة، لذلك تخطط لتنفيذ مشاريع استثمارية بقيمة 613 مليار دولار حتى عام 2021م، يعني أنها ستكون سوقا للشركات التركية والمصرية وغيرهما، ويبلغ إجمالي أصول الصناديق السيادية في دول الخليج نحو 2.67 تريليون، وهي تعادل أكثر من 37 % من موجودات مثيلاتها. كما أن السعودية تتجه نحو تطوير الصندوق السيادي لتصبح الاستثمارات المصدر الرئيسي للدخل بدلا من إيرادات النفط، متوقعًا أن يدير الصندوق استثمارات بأكثر من تريليوني دولار.

القمة السعودية ـ المصرية التي انعقدت في 7 أبريل 2016م، ليست فقط زيارة تاريخية بل هي زيارة مفصلية، وهي شديدة الأهمية في توقيتها التي تستبق القمة العربية التي ستعقد في موريتانيا من أجل أن تؤدي إلى نضج العلاقات العربية ــ العربية لترميم البيت العربي، وإنقاذه من الشتات.

السعودية ومصر تعدان جناحي الأمن القومي العربي، ويتطلعان إلى دفع العلاقات بينهما إلى آفاق أرحب تتناسب مع ما لدى البلدين من إمكانات متميزة وروابط أخوية وتاريخية وثيقة.

 القمة استبقت القمة السعودية ـ الأمريكية التي عقدت في الرياض في 21 أبريل 2016م، استكمالا لقمة كامب ديفيد في أمريكا التي رفض الملك سلمان حضورها احتجاجًا على المواقف الأمريكية تجاه المنطقة.

وأهمية هذه القمة إنها تأتي في ظل غياب دول كبرى عن المنطقة نتيجة استدارة أمريكا إلى الشرق الأقصى والانسحاب من الشرق الأوسط خاصة من منطقة الخليج حتى ولو كان جزئيا، لذلك تأتي أهمية مصر كجناح أساسي في التصدي لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة العربية، بداية من مشاريع التفكيك، والمشاريع التوسعية التي تختبئ خلف مشاريع دينية وأيديولوجية قومية يشكلان محورين يلتقيان في هيأة كماشة يحاصران كلا من السعودية ومصر.

التحالف السعودي ـ المصري يقوم على مقاربة العديد من الملفات الساخنة في المنطقة، ويقوم على فكرة أساسية وهي أن هناك خطر يتهدد المنطقة متمثل في تفكيك الكيانات الوطنية خصوصًا في العراق وليبيا وسوريا واليمن ولبنان، حيث بدأت مشاريع التفكيك منذ زمن بوش، لذلك يرى البلدان أن محاربة الإرهاب لا يمكن أن تكون من خلال الفراغ الذي تركته المشاريع الأمريكية التفكيكية التي تقود إلى التفتيت، وضرورة تحالف إقليمي قوي.

العلاقة بين السعودية ومصر حائط صد ضد نزوع إيران التوسعي، حيث يواجه البلدان نفس التحديات إلى جانب المشاريع الدولية التفكيكية هناك مشاريع إقليمية تتخفى خلف شعارات دينية وقومية وأيديولوجية وهما مشروع ولاية الفقيه ومشروع الخلافة الإسلامية الذين أرادا أن يطبقا على السعودية ومصر ككماشة برعاية إقليمية ودولية.

 القمة السعودية ـ المصرية أفشلت رهانات العديد من الدول والقوى والمنظمات بأن هناك تباين في وجهات النظر وفتور في العلاقات يمكن أن يؤدي إلى أزمة بين البلدين، خصوصًا وأن إيران تدرك حجم وثقل المشاركة المصرية في التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية، إذ أن مصر لم تدخل بكامل ثقلها في التماس الإيراني ـ السعودي.

حيث تعتقد إيران في التحالف العسكري الإسلامي ومناورة (رعد الشمال) يستهدفانها في المقام الأول، وهي تخشى من اتساع هذا التحالف أكثر، الأمر الذي يعمق عزلتها، خصوصًا بعدما فشلت زيارة روحاني إلى الباكستان مستعينا بسلاح تصدير الغاز كوسيلة للضغط على باكستان.

 اعتقدت إيران أنها بعد توقيع الاتفاق النووي أنها أبرمت صفقة مع الغرب مقابل استمرار نفوذها في المنطقة العربية، لكنها تعتبر مصر عائق أساسي يمنعها من تحقيق حلمها لاستقرار دولة الإمامة، كما أن السعودية أفشلت المشروع الإخواني بدعم ثورة 30يونيو التي قام بها الشعب المصري وتضامن معه الجيش لعزل نظام الإخوان الذي كاد أن يتحالف مع ولاية الفقيه لمحاصرة السعودية، ورأت إيران أن السعودية منافسًا خطيرًا لتحقيق هذا الحلم.

في غضون ذلك نجحت الدبلوماسية السعودية في أن تصبح نقطة التقاء لعدد من الدول التي تتباين مواقفها بشدة خصوصًا بين مصر وتركيا وقطر، ما يجعل روسيا قلقة من تغير الموقف المصري في سوريا الذي يمكن أن يخطو نحو الموقف السعودي، خصوصًا بعد اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، وهذا يؤكد أن العلاقات المصرية ـ السعودية أكبر بكثير من قضايا جزئية يمكن أن تتباين حولها الآراء، خصوصًا بعدما سقطت نظرية الزعامة التي كانت سائدة في العالم العربي والتنافس على أمور صغيرة، فيما أن لكلا البلدين مصالح مشتركة، ودرجة التوافق بينهما كبيرة، كما انتهت نظرية إما معي أو ضدي، بينما هناك فرص لبناء مواقف مشتركة في وجود تفاوتات في بعض الملفات مع بقاء التواصل.

تتجه مصر إلى تنمية شبه جزيرة سيناء لتخليصها من الإرهاب والحصول على تمويل ميسر بقيمة 1.5 مليار دولار بين وزارة التعاون الدولي والصندوق السعودي للتنمية الذي تمت الموافقة عليه في الاجتماع الخامس لمجلس التنسيق المصري السعودي الذي عقد في الرياض في 20 مارس 2016م، في إطار برنامج الملك سلمان لتنمية جزيرة سيناء بالإضافة إلى توقيع شراكات عديدة بين البلدين، ويأتي ذلك في غضون 36 اتفاقية ومذكرة تفاهم تم توقيعها بين البلدين خلال الزيارة من بينها 14 شهد توقيعها الملك سلمان والرئيس السيسي وتبلغ قيمتها 7.1 مليار دولار، وهي نتاج رحلة عمل بين الرياض والقاهرة استمرت 8 أشهر لتأسيس عمل مشترك بينها 5 ملفات أساسية جاءت ضمن أولوية القمة السعودية المصرية، من بينها تطوير التعاون العسكري والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة، وتعزيز التعاون المشترك في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين والعمل على جعلهما محورًا رئيسيًا في حركة التجارة العالمية، وتكثيف الاستثمارات المتبادلة السعودية والمصرية بهدف تدشين مشروعات مشتركة، وتكثيف التعاون السياسي والثقافي والإعلامي بين البلدين لتحقيق الأهداف المرجوة في ضوء المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين ومواجهة التحديات والأخطار التي تفرضها المرحلة الراهنة.

إذًا قبل القمة الخليجية ـ الأمريكية تمكنت السعودية من تحقيق مفهوم القوة الإقليمية التي تمتلك كلا من القوة والقدرة على التأثير داخل حدود إقليمها، حتى أصبحت مشابهة للقوى الكبرى في النظام الدولي، حيث أصبحت السعودية بمشاركة دول الخليج ومصر ودول إسلامية مؤثرة في المنطقة مثل تركيا والباكستان، تتمتع بامتلاك مهارة قادرة على تشكيل ائتلافات تمتلك قدرًا كافيًا من مصادر القوة الصلبة والناعمة يجعلها قادرة على التعامل مع قضايا النظام الدولي بتوافق إقليمي، والخروج بحلول توافقية قائمة في الأساس الشراكة.

أدركت السعودية كما أوروبا أن أمريكا تعيد ترتيب أولوياتها بعيدًا عن الراكبين بالمجان، فإدارة أوباما قدمت عشرة ملايين دولار لمساعدة اللاجئين السوريين، أي أقل من إطلاق صاروخ أمريكي، فيما اكتفت النخب الأمريكية من الحزبين التحالف عبر الأطلسي، الذي لا تزال تراه حجر الزاوية في النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. لذلك لا يمكن لأوروبا التعويل على واشنطن لإصلاح الوضع في سوريا، كما أنها غير قادرة على فعل ذلك بمفردها، خصوصًا وأن الاتفاق الذي أبرمته مع تركيا حول اللاجئين السوريين لن يدوم حتى ولو تظاهرت أوروبا بمنح مواطني تركيا حرية السفر بلا تأشيرة إلى أوربا، حتى إعادة إحياء انضمامها إلى أوربا مجرد وهم.

كما أن أزمة أوروبا مع روسيا بعد احتلالها جزيرة القرم لم تكن الولايات المتحدة فاعلة بل كانت ميركل هي الفاعلة في فرض تلك العقوبات على روسيا، علاوة على ذلك أصبحت روسيا هي المحرك الرئيسي فيما يتعلق بالأزمة السورية، بل إن جنرالات الولايات المتحدة يعتبرون قصف روسيا لمدينة حلب من أجل تأجيج مسألة اللاجئين السوريين إلى أوروبا، رغم أنها استراتيجية بغيضة لكنها هي الاستراتيجية الفاعلة في سوريا. ومن هذا المفهوم استبقت السعودية القمة الخليجية ـ الأمريكية تشكيل تحالفات عديدة أهمها التحالف الإسلامي العسكري لمحاصرة الدور الإيراني إلى جانب زيارة الملك سلمان لمصر ومحاولة إبعادها عن المحور الروسي، وأسس لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك.

كما واصل الملك سلمان زيارته لتركيا لدعم التحالف العسكري الإسلامي، وتزامن عقد القمة الخليجية ـ الأمريكية عقد قمة خليجية ــ مغربية لضبط الاستقرار، ما يعني أن السعودية رقم صعب، وهي ممثلة للأمتين العربية والإسلامية، بل لديها تحالفات دولية واسعة مع الصين والهند، وهي التي استطاعت أن تحصل على القرار الأممي 2216 حول اليمن الذي يعتبر أهم قرار يدين النفوذ الإيراني، وهي حصلت في المقابل على قرارات خليجية وعربية وإسلامية لإدانة اقتحام قنصليتها وسفارتها في إيران.

فبعد أن أثبتت السعودية وأمريكا عملاقا مجموعة العشرين أنهما أمام مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية بعد التخلي عن مرحلة التبادل التجاري التقليدي، وفتحت السعودية الباب أمام الاستثمار بالكامل للشركات الأجنبية، تتجه العلاقة اليوم في القمة الخليجية ـ الأمريكية نحو مرحلة جديدة من العلاقات خصوصًا في ظل نظام عالمي منفلت يفقد المجتمعي فيه مركزيته. بينما جاءت زيارة أوباما بعد أيام من إعلان وزير خارجيته كيري الذي كان متواجدًا في السعودية زيادة عدد الجنود الأمريكيين في العراق، وإرسال مروحيات لدعم القوات العراقية في مجابهة الجهاديين، ولأول مرة شاركت قاذفة أمريكية من طراز بي 52 في استهداف الجهاديين بالعراق، استعدادًا لتحرير الموصل في شمال العراق.

 حيث ترغب واشنطن في انخراط أكبر لدول الخليج في عملية إعادة إعمار المناطق العراقية، وهي تعد خطوة لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق والذي توج باتصال العبادي بالملك سلمان لمناقشة العلاقات الثنائية، وهو ما أكده وزير الدفاع الأمريكي عندما قال أشجع شركاءنا في دول مجلس التعاون على القيام بالمزيد ليس فقط عسكريًا كما تفعل السعودية والإمارات بالمشاركة عسكريًا في التحالف وأنا أقدر ذلك كثيرًا لكن أيضًا سياسيًا واقتصاديًا.

ما بين قمة كامب ديفيد منذ مايو 2015م، وحتى قمة الرياض في 20/4/2016م، ترى إدارة أوباما أن حل النزاع في سوريا يبدأ بالتركيز على الجهاديين وهو مفتاح الحل السياسي، لذلك شدد أوباما على تسريع الحملة ضد تنظيم الدولة مرحبا بالدور المهم الذي قامت به السعودية في تشكيل التحالف الإسلامي العسكري، وتوافق البلدان حول تعزيز وقف الأعمال القتالية والتزام دعم عملية انتقال سياسي بعيدًا عن الأسد، الذي يشكل مصيره نقطة خلاف أساسية بين المعارضة والدول الداعمة لها ومنها الولايات المتحدة والسعودية، والدول الحليفة للنظام السوري وأبرزها روسيا وإيران. في القمة الثانية أثبتت السعودية أن الاتفاق النووي الإيراني أصبح هشًا بعدما شكل إحدى نقاط التباين بين الجانبين، حتى أن وزير الدفاع الإيراني اعتبر دعوات كيري للتفاوض حول الصواريخ مجرد ثرثرة، بل إن البحرية الأميركية نفذت أكبر مناورة بحرية بمشاركة 20 دولة للتدريب على حماية الممرات المائية هرمز وباب المندب وقناة السويس وهي رسالة لإيران لوقف تدخلها في المنطقة، ولن تقبل هيمنة إيران على تلك الممرات الدولية.

 ورغم أن هناك دول خليجية طالبت أمريكا بتوقيع معاهدة دفاع مشترك على غرار معاهدة حلف شمال الأطلسي، إلا أن السعودية تتجه نحو الاعتماد على القوة العربية المشتركة، لأنها ترفض أن تستمر في إطفاء الحرائق، حيث أن واشنطن حسب تصريحات كارتر بأنها أعطت الضوء الأخضر بشراء دول الخليج في سنة واحدة بنحو 35 مليار دولار تجهيزات عسكرية، وضاعف الجانبان من الدوريات البحرية المشتركة في مياه الخليج، كما يعملان على مشروع دفاع جوي وصاروخي مشترك للدول الست المنضوية في مجلس التعاون.

وبعد أن كانت إيران تتحدث على لسان الجنرال جعفري عن المرحلة الثالثة لتصدير الثورة حيث قال ننتظر الأوامر للرد على الخليج، وأنكر أن طهران طلبت فتح صفحة جديدة مع مجلس التعاون، وبعد التطورات التي شملت تشكيل التحالف الإسلامي ، وانعقاد القمة الخليجية ـ الأمريكية، بدأت تتناقض تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وبدأت تتجه نحو النفي، خصوصًا بعدما اتجه قائد الجيش الإيراني إلى التنصل من مسؤوليته إرسال قوات خاصة إلى سوريا، ومع ذلك لن تتوقف السعودية عن مواجهة إيران حتى تنسحب من المنطقة العربية وتقيم علاقات طبيعية قائمة على احترام سيادة الدول والجوار وتتخلى عن مشروعها الثوري القومي المختبئ خلف ستار المذهبية بعدما انكشف الستار عن حقيقة محور المقاومة بعد مشاركة إيران والمليشيات الشيعية في قتل الشعب السوري.

انتهت القمة الخليجية ــ الأمريكية بــ 6 مبادرات ترسم شراكة خليجية ــ أمريكية جديدة، تبدأ بتشكيل عمليات خليجية أمريكية خاصة للاستجابة السريعة، إقامة أنظمة دفاع مضادة للصواريخ البالستية ونظام إنذار مبكر، تبادل المعلومات الاستخباراتية، إقامة مناورات عسكرية أميركية خليجية موسعة العام المقبل، مبادرات لتعزيز الأمن المعلوماتي، بالإضافة إلى تعاون عسكري بحري.

تأكيد البيان الختامي لقمة الرياض على تأكيدات الشراكة الاستراتيجية لتحقيق الاستقرار والأمن للمنطقة، وأكدت القمة بشكل خاص على مكافحة الإرهاب ومواجهة أنشطة إيران التخريبية، لذلك يؤكد أوباما بقوله رأينا دائمًا ينسجم مع آراء كثير من دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك سيتجه البيت الأبيض نحو تدريب قوات خاصة من دول الخليج لتقوم بدور حاسم في التعامل مع صراعات المنطقة، بل أكد أوباما أن الأوضاع الحالية في العراق تحتم ضرورة الوجود الأميركي لإعادة الاستقرار وهو ما يعد اعترافًا بالعمليات التخريبية لإيران في العراق ولا يمكن ترك العراق لها تسرح وتمرح فيه وتتخذه كنقطة انطلاق وبوابة نحو دول الخليج وسوريا ولبنان، بل أكد أوباما على التعاون مع دول الخليج لقطع الطريق أمام مساعي طهران لزعزعة الاستقرار في المنطقة.

الانجذاب الأميركي لموقف السعودية وبقية دول الخليج يقلق الإيرانيين مدعومًا بقرار المحكمة العليا تعويض ضحايا هجمات خططت له إيران، حيث أن قمة الرياض تقدح زنادا في وجه إيران لمحاصرتها في زاوية ضيقة لإجبارها على تغيير مواقفها تجاه المنطقة، خصوصًا بعدما صرح أوباما لا خلاف بشأن إيران بل التباين في المعالجة فقط حيث قال قطعنا جميع السبل أمام إيران للحصول على النووي.

 بل أكدت واشنطن التزامها بحماية مصالحها وحلفائها ضد أي اعتداء، فيما أكد أوباما بأن دول التعاون لديها القدرة للدفاع عن نفسها، واعتبر أوباما العلاقات الخليجيةـ  الأمريكية صريحة ومنفتحة، وفي نفس الوقت صرح أوباما بأن القمة بنت علاقة ثنائية قوية ورؤية مشتركة للسلام والرخاء، ولم تعترض القمة على الالتزام بخطوات عاجلة لهزيمة داعش والقاعدة في ظل تعهد القمة في تخفيف حدة الصراعات الإقليمية وحلها، ومعالجة الأنشطة الإيرانية المزعزعة للمنطقة، مع التعهد بالانتقال السياسي في سوريا دون بشار الأسد، أي أن الطرفين كل منهما حقق مصالحه في القمة.

مجلة آراء حول الخليج