شهدت العلاقات الخليجية -العربية تطورات مهمة منذ عام 2013م، وحتى الآن، والتي لا تعد تطورات ظرفية أو آنية، صحيح أنها نتيجة عوامل داخلية وإقليمية ودولية إلا أن الاستجابة الخليجية- العربية لتلك العوامل تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك على وجود رؤية استراتيجية لدى الجانبين تتجاوز الزيارات البروتوكولية نحو "مأسسة تلك العلاقات" في ظل التحديات الأمنية غير المسبوقة التي تواجه الجانبين ابتداءً بازدياد دور الجماعات المسلحة دون الدول والتي لا تعترف بحدود الدول المتعارف عليها وفقًا لأيديولوجيتها العابرة للحدود ومرورًا بنمو ظاهرة الإرهاب الدولي مجددًا الذي لم يعد مرتبطًا ببقعة جغرافية ولا تنظيمات محددة يمكن السيطرة عليها وانتهاءً بانحسار دور القوى الدولية تجاه الأزمات الإقليمية وهو الأمر الذي عزز من أدوار دول الجوار التي تسعى لتوظيف حالة التأزيم المزمنة التي تشهدها بعض الدول العربية ضمن إعادة هيكلة منظومة الأمن الإقليمي، بما يعني في النهاية إقصاء أو تهميش المصالح الخليجية والعربية ضمن أي تصورات مستقبلية.
أولاً: جدلية العلاقة بين أمن الخليج والأمن القومي العربي والمصري
كانت – ولاتزال- العلاقة بين أمن الخليج والأمن القومي العربي والمصري مثار اهتمام في مراكز الدراسات الغربية خاصة، حيث يلاحظ أن تلك المراكز قد دأبت على أمرين، الأول: تناول قضية أمن الخليج العربي باعتبارها قضية منفصلة عن الأمن القومي العربي والمصري، والثاني:أنه في الوقت الذي أكدت فيه الدراسات الأكاديمية العربية على أن أمن الأقاليم يتعين أن يكون نابعًا منها ومحددًا لهويتها بما يعني ضرورة التصدي لكافة القوى التدخلية -سواءً أكانت إقليمية أو دولية- في شؤون الأقاليم وهو ما يعني تحديد ملامح الأمن الإقليمي،ومن أبرز أنصار هذا التوجه الدكتور حامد ربيع- رحمه الله- والذي وضع تعريفًا للأمن الإقليمي وهو "سياسة مجموعة من الدول تنتمي إلى إقليم واحد تسعى من خلاله لتأسيس تعاون عسكري وتنظيمي لدول ذلك الإقليم إلى منع أي قوة أجنبية أو خارجية من التدخل في ذلك الإقليم وجوهر تلك السياسة هو التعبئة الإقليمية من جانب والتصدي للقوى الداخلة على الإقليم من جانب آخر وحماية الوضع القائم من جانب ثالث"، نجد أن الكتابات غير العربية ترى أن القوى الخارجية سواء المجاورة للأقاليم أو الدولية هي جزء من تفاعلات تلك الأقاليم بدعوى أن توافر قيم مشتركة يعد في حد ذاته شرطًا كافيًا لتأسيس النظم الأمنية الإقليمية بدلاً من العوامل الجغرافية.
إلا أن الواقع يجافي الرؤى غير العربية، حيث لم تخل من تسييس واضح سواء رغبة في إدماج أطراف غير عربية ضمن منظومة الأمن الإقليمي أو التعامل مع أمن الخليج باعتباره قضية منفصلة عن محيطها العربي، والواقع أن أمن الخليج العربي يعد جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي العربي والمصري وهو الأمر الذي أكدته صيرورة الأحداث عبر حقب زمنية مختلفة ابتداءً برفض مصر لتهديدات عبد الكريم قاسم للكويت لسيادة الكويت عام 1961م، والدور المهم الذي اضطلعت به بعض دول مجلس التعاون في حرب أكتوبر 1973م، ومرورًا بموقف مصر المبدئي الرافض للغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990م، والإصرار على عودة الشرعية من خلال إسهام القوات المسلحة المصرية ضمن قوات التحالف الدولي لتحرير الكويت عام 1991م، وانتهاءً برفض مصر القاطع للتهديدات الإيرانية لأمن مملكة البحرين والتدخل في شؤونها الداخلية وهو ما أكده الخطاب الرسمي المصري غير ذي مرة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما أشار إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالقول" أن مصر تؤكد وقفها الدائم مع البحرين ضد أي محاولات للمساس بأمنها"، وتأكيده على أنأمن مصر الإقليمي يمر عبر الخليج العربي"، ومن جانبها تدرك دول مجلس التعاون الدور المحوري المهم الذي تضطلع به مصر وهو ما أشار إليه د. عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالقول"" أن مصر هي قلب الأمة العربية، وهي ركيزة أساسية للأمن والاستقرار الإقليمي"
ومن ناحية ثانية، فإن الارتباط الوثيق بين أمن الخليج العربي والأمن القومي العربي والمصري أمر تعكسه اعتبارات الواقع ليس أقلها مرور حوالي ثلثا إنتاج نفط الخليج العربي من قناة السويس، والعمالة المصرية التي تعمل في دول مجلس التعاون وتمثل تحويلاتها السنوية مصدرًا مهمًا من مصادر الدخل القومي لمصر، واعتبارات الضرورة وأهمها أن التدخل الأمريكي في الأزمات الإقليمية قد أضحى يرتبط بحسابات أمريكية دقيقة بمايتطلب حلولاً إقليمية لتلك الأزمات.
وينبغي التأكيد على أن الارتباط المصيري بين مصر ودول مجلس التعاون كان محل نقاش أكاديمي إلى الحد الذي دفع د. مأمون فندي للقول في مقال منشور له عام 2009م، للتساؤل: مصر دولة خليجية؟ وهو المقال الذي لقي سجالاً وتفاعلاً من أكاديميين آخرين وهما د. علي الدين هلال، ود. عزمي خليفة، وكان مضمون ذلك النقاش هو أن علاقة مصر بدول مجلس التعاون تتخطى البعد الجغرافي وصولاً إلى البعد الاستراتيجي الذي يؤسس على وحدة الهدف والمصير.
ثانياً: أسباب ومظاهر وأهمية التقارب الخليجي-العربي:
لقد مثلت المخاطر التي رتبتها التحولات التي يشهدها العالم العربي والنظام الإقليمي عمومًا منذ عام 2011م، وحتى الآن تهديدات مباشرة مشتركة لكل من مصر ودول مجلس التعاون والتي تتمثل في محاولات هدم الدولة الوطنية الموحدة من خلال الجماعات المسلحة دون الدول والتي تعد أدوات لأطراف إقليمية وربما دولية لتنفيذ أجندة محددة، ومن ثم وتأسيسًا على منظور باري بوذان للأمن الإقليمي "أنه إذا كان الأمن الإقليمي هو حاصل جمع الوحدات المكونة له، فإنه بقدر ما تكون قوة تلك الوحدات بقدر ما تكون قوة ذلك الأمن" فقد أدركت كل من مصر ودول مجلس التعاون حتمية ذلك التقارب بهدف حماية الوحدات المكونة لهذا الأمن، من ناحية ثانية فإن ضعف تلك الوحدات أدى إلى ضعف النظام الإقليمي بأكمله مما أتاح المجال لدول الجوار للتمدد الإقليمي الأمر الذي فرض على كل من دول مجلس التعاون ومصر ضرورة بل حتمية تحقيق "توازن القوى الإقليمي" وهو ما أشار إليه الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى بالقول" إعادة التوازن في المنطقة يحتاج إلى دور مصري سعودي لإنهاء حالة الخلل التي تعاني منها المنطقة" ،وبخاصة أن تلك الأطراف الإقليمية تسعى لإعادة هيكلة الأمن الإقليمي اعتمادًا على ما لديها من أدوات قوية صلبة وناعمة، ومن ناحية ثالثة، فإن تغير سياسات الدول الكبرى تجاه الأزمات الإقليمية كان من شأنه المزيد من حالة عدم الاستقرار الإقليمي سواء الانحسار الأمريكي عن أزمات المنطقة من خلال إدارة تلك الأزمات بدلاً من حلها وترحيلها إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، أو بالتدخل الروسي في تلك الأزمات(سوريا) الأمر الذي لم يؤد فقط إلى إطالة أمدها وما رتبته من مآسِ إنسانية بل تعزيز أدوار بعض القوى الإقليمية ومن ثم المزيد من تكريس حالة الخلل في توازن القوى الإقليمي.
وانطلاقًا مما سبق فقد تمثلت أهم خطوات التقارب الخليجي- العربي في مؤشرين الأول: التوجه الخليجي لدعم مصر ابتداءً بزيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر والتي أسفرت عن اتفاقيات شراكة مهمة بين الجانبين ومرورًا بزيارة ولي عهد أبوظبي للقاهرة والتي تعهدت دولة الإمارات خلالها بتقديم دعم مادي لمصر وانتهاءً بزيارة ملك البحرين للقاهرة والتي مثلت دعمًا هائلاً لمصر وعلى نحو خاص في قطاع السياحة، والثاني: تعزيز الفضاء الإقليمي لمجلس التعاون من خلال تطوير العلاقة مع المغرب العربي وهو ما عكسته القمة الخليجية- المغربية في الرياض (إبريل2016م) والتي أكد خلالها العاهل المغربي محمد السادس على أن" الشراكة المغربية- الخليجية ليست وليدة مصالح ظرفية أو عابرة"، فضلاً عن تأسيس مجلس التنسيق السعودي الأردني، وقد يقول قائل أن تلك الزيارات "نمطية" إلا أن ذلك الأمر مردود عليه بالنظر إلى مستوى الزيارات وتوقيتها بل والأهم ما أسفرت عنه من آليات مؤسسية لها صفة الديمومة تمثل قنوات للحوار والتنسيق المستمر حيث لم يعد لدى الدول العربية رفاهية الانتظار لانعقاد آلية القمة العربية السنوية بالنظر إلى تسارع وتيرة الأحداث بشكل غير مسبوق، الجدير بالذكر أن تلك الخطوات تعد تطبيقًا لبرامج شراكة استراتيجية بين كل من دول مجلس التعاون والمغرب العربي من خلال برامج عمل خلال الفترة من2013-2018م،بالإضافة إلى التعاون الخليجي الأردني في العديد من المجالات ومنها المجالات الأمنية والدفاعية.
وقد تعددت آليات العمل الخليجي- العربي، فعلى الصعيد الدفاعي والأمني، يجيئ كل من المقترح المصري بإنشاء القوة العربية المشتركة والمقترح السعودي بإنشاء التحالف العسكري الإسلامي، وهما آليتان متكاملتان لمواجهة تهديدات الأمن القومي العربي وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى تأكيد العاهل السعودي خلال زيارته لمصر بأن "هناك إرادة سياسية وسعي جاد لإنشاء القوة العربية المشتركة"، وتأييد ملك البحرين للمقترح ذاته بالقول" مساندة البحرين التامة لتشكيل قوة عسكرية عربية لدرء الأخطار التي تواجهنا جميعًا، التي تستدعي وحدة الصف دفاعًا عن مصالحنا العليا ومصيرنا الواحد وبما يضمن أمن واستقرار ورخاء أمتنا العربية"، ولاشك أن هذا المقترح سوف يعمل بالتوازي مع التحالف العسكري الإسلامي بما يعني أنه لا تعارض بين أسس الآليتين وإن اختلف نطاق عملهما، فالمهم هو الاتفاق على طبيعة المخاطر ثم التفكير في آلية أو آليات لمواجهتها ،وبالتالي الآليتان ترجمة لمبدأ مؤداه أن أمن ومصير الدول العربية كل لا يتجزأ، بالإضافة إلى مناورات "رعد الشمال" والتي استضافتها المملكة العربية السعودية على أراضيها لمدة أسبوعين وشارك فيها حوالي 350 ألف جندي ينتمون إلى أكثر من 20 دولة عربية وإسلامية، يمثلون عدة فروع عسكرية بما فيها سلاح المدفعية والدبابات والمشاة ومنظومات الدفاع الجوي والقوات البحرية، كما شاركت في المناورة 20 ألف دبابة، و2540 طائرة حربية، و460 طائرة مروحية، ومئات السفن، فضلاً عن المناورات الثنائية بين مصر ودول مجلس التعاون منها "تبوك 1-زايد1-الرابط الأساسي- مرجان15- حمد1"وهي مناورات جوية وبحرية استهدفت جميعهانقل وتبادل الخبرات التدريبية بين الجانبين والعمل في بيئات مختلفة والتدريب على كيفية مواجهة المخاطر المشتركة، تلك المناورات قد أعادت إحياء الدور المصري والعربي في معادلة أمن الخليج العربي منذ تجميد إعلان دمشق عام 1991م، كما أن تدريب القوات المسلحة المصرية والعربية على مسارح مختلفة للعمليات العسكرية يعد خطوة مهمة للتنسيق الدفاعي بين الجانبين، بالإضافة إلى أن المناورات في حد ذاتها تعد رسالة ردع مباشرة للأطراف الإقليمية التي سادت لديها قناعتان خاطئتان وهما انحسار دور مصر الإقليمي من ناحية وعدم وجود اتفاق عربي -خليجي على مصادر التهديد الخارجي من ناحية ثانية، وعلى الصعيد الاقتصادي: فقد أضحى التكامل الخليجي- العربي ضرورة لا ترفًا، ففي ظل استمرار انخفاض أسعار النفط و ديمومة حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية فإن تنويع مصادر الدخل قد أصبح أمرًا حتميًا لدول مجلس التعاون ومن ذلك إعلان ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن تأسيس صندوق سيادي بقيمة تريليوني دولار لحقبة ما بعد النفط وتأكيده على أن النفط لن يكون هو المصدر الوحيد للدخل للمملكة بعد عشرين عامًا من الآن ضمن خطة استراتيجية متكاملة وهي" السعودية الجديدة 2030" ويلتقي ذلك مع الخطط الاستراتيجية المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية والتي في مقدمتها الاستثمارات الخليجية.
الجدير بالذكر أن مصر استضافت مؤتمرين أعلنت خلالهما بعض دول مجلس التعاون دعم الاقتصاد المصري ،الأول مؤتمر الاستثمار الخليجي الذي انعقد في القاهرة في ديسمبر2013م، والثاني مؤتمر شرم الشيخ لدعم وتنمية الاقتصاد المصري في مارس 2015م، وأعلنت خلاله بعض دول المجلس تقديم 12 مليار دولار لدعم الاقتصاد المصري، وعلى الصعيد السياسي، ربما تكون هناك اختلافات في الرؤى تجاه بعض الأزمات وآليات مواجهتها إلا أن ذلك لا يتعارض مع رؤية الجانبين لتهديدات الأمن الإقليمي وضرورة وجود آليات عربية للتصدي لها على المديين القريب والبعيد.
وواقع الأمر أن طبيعة التقارب الخليجي- العربي الراهن تعد أمرًا استراتيجيًا لمواجهة سياسات وأطماع دول الجوار الإقليمي وعلى نحو خاص إيران ففي أعقاب توقيع الاتفاق النووي ساد اعتقاد لدى إيران مؤداه بأن ذلك الاتفاق سيكون المظلة التي يمكن من خلالها تعزيز دورها الإقليمي من خلال عدة آليات منها إنشاء ما يسمى "بالجيوش الموازية" في دول الجوار وهو ما أشار إليه قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري بالقول" لدينا 200 ألف مقاتل في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان" وذلك بالمخالفة للقرار الأممي رقم 2216 بشأن اليمن والذي يلزم كافة الدول بعدم تقديم العون للإرهابيين ومدهم بالمال والسلاح، فضلاً عن تأكيد مسؤول في الحرس الثوري الإيراني –وللمرة الأولى- أن إيران فقدت 1200 فردًا من الحرس الثوري خلال السنوات الأربع الأخيرة في سوريا، بالإضافة إلى حرص إيران على إظهار تفوقها في القدرات التسليحية التقليدية ومن ذلك إطلاق العديد من الصواريخ قصيرة وطويلة المدى في مخالفة صريحة للقرار الأممي2231 بشأن الاتفاق النووي والذي دعا إيران إلى الامتناع عن أي نشاط يرتبط بالصواريخ الباليستية التي لديها القدرة على حمل الأسلحة النووية وذلك لمدة 8 سنوات، بما في ذلك عمليات تجربتها وإطلاقها، الجدير بالذكر أن قضية تطوير الصواريخ الباليستية تحظى بإجماع بين مؤسسات الحكم الإيرانية ابتداءً بإعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني وكبار الضباط الإيرانيين اعتزامهم زيادة قدرات الصواريخ الباليستية لأغراض الردع ومرورًا بإقرار مجلس الشورى الإيراني الذي انتهت ولايته في مايو 2016م، قانونًا جديدًا لزيادة قدرة إيران الباليستية، وانتهاءً بتصريح المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في 30 مارس 2016م" إن أعداء الثورة الإسلامية يستخدمون الحوار والتجارة والتهديدات العسكرية وكل الوسائل الأخرى من أجل ضرب مصالحنا لذا يجب علينا أن نكون قادرين على الدفاع عن أنفسنا في كل هذه المجالات، إن أولئك الذين يؤكدون أن المستقبل في المفاوضات وليس في الصواريخ إنما هم جهلة أو خونة".
وتعكس تلك السياسات نتيجة مفادها أن الصراع الإيراني بين مفهومي الثورة والدولة لا يزال سمة للسياسة الخارجية الإيرانية وينعكس بشكل مباشر على أمن دول الجوار مما يتطلب حتمية التنسيق بين الدول التي تمثل دعائم أساسية للأمن الإقليمي.
ثالثاً: مزايا التقارب الخليجي-العربي والتحديات التي تواجهه:
برأيي أن ذلك التقارب من شأنه تحقيق ثلاث مزايا:
الأولى: أنه يعد بداية مهمة لإنهاء الأزمات الإقليمية بدلاً من إدارتها على غرار استراتيجيات الدول الكبرى" الولايات المتحدة وروسيا" التي عملت على توظيف تلك الأزمات وإدارتها بما يحقق مصالحها دون الأخذ بالاعتبار مصالح الدول الخليجية والعربية وتقدم الأزمة السورية نموذجًا واضحًا على ذلك.
والثانية: من شأن هذا التقارب إعادة الاعتبار للأمن الإقليمي عمومًا وفي بؤرته الأمن القومي العربي وذلك تطبيقًا لمبدأ مهم وهو أن الأمن الإقليمي يعد وليدًا لبيئته الإقليمية، بمعنى آخر أنه في ظل حالة الخلل في موازين القوى الدولية والتي تنعكس بطبيعة الحال على المنظمات الأممية، والتي لم يعد لها فاعلية كبيرة سوى من خلال إصدار قرارات بها من الغموض والتعقيد ما يفوق تعقيد الأزمات الإقليمية ذاتها، فإن وجود تنسيق عربي لحل الأزمات يعتبر أمرًا مهمًا ليس فقط للحيلولة دون "تدويل تلك الأزمات" بل أن هناك بعض الأزمات لم يكن التدخل الدولي حلاً ناجزًا لها ومنها تدخل حلف الناتو في الأزمة الليبية عام 2011م، بالإضافة إلى أهمية تحديد ملامح المشروع العربي في خضم صراع الأدوار الإقليمية" إيران- تركيا- إسرائيل".
والثالثة: انعكاس ذلك التقارب على العمل الجماعي العربي المشترك والذي تعبر عنه جامعة الدول العربية، حيث أن الجامعة ككيان تنظيمي ليس لديها حلولاً سحرية للأزمات لكونها حاصل جمع إرادات الدول الأعضاء، وبالتالي في ظل حالة التقارب الخليجي العربي فإن ذلك من شأنه أن ينعكس بالإيجاب على عمل مؤسسات الجامعة في كافة مؤسساتها باعتبار أن الجامعة ستظل المظلة العربية التي يمكن من خلالها للدول العربية التي لديها الرغبة والقدرة أن تعمل ضمن منظومة عربية متكاملة.
ومع التسليم بأهمية تلك المزايا فإن مدى نجاح ذلك التقارب في تحقيق أهدافه يظل مرتهنًا بالتغلب على التحديات التي تواجهه وذلك انطلاقًا من أن الدول الخليجية والعربية لا تعمل في فراغ وإنما ضمن بيئة إقليمية ودولية بقدر ما تتيح من فرص للتقارب فإنها تفرض قيودًا في الوقت ذاته، ومن ثم تتمثل أهم التحديات التي تواجه ذلك التكامل فيما يلي:
التحدي الأول: التداخل بين المسارات المختلفة، حيث أن الأمن الإقليمي عمومًا يرتبط بأكثر من شبكة أمنية وبالتالي فإن تطور العلاقات الخليجية-المصرية، لا يعني بالضرورة الحد من الدور الأمريكي تجاه قضايا الأمن الإقليمي حيث لاتزال لدى الولايات المتحدة علاقات استراتيجية مع كل من دول مجلس التعاون والدول العربية الأخرى، إلا أن التقارب الخليجي-العربي يعد تطورًا مهمًا لجهة أخذ المصالح الخليجية والعربية بعين الاعتبار ضمن السياسات الحالية والمستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية أخذًا في الاعتبار دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما "المملكة العربية إلى تقاسم الشرق الأوسط مع إيران من ناحية"، ووجود بعض التوجهات لدى مرشحي الرئاسة الأمريكية لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران حال الفوز في تلك الانتخابات من ناحية ثانية، بالإضافة إلى محاولات روسيا الولوج مجددًا ضمن منظومة الأمن الإقليمي ومن ثم فإن وجود أجندة خليجية عربية موحدة من شأنه تعزيز الوضع التفاوضي تجاه روسيا.
أما التحدي الثاني: فهو أن المشكلة لا تكمن في التحديات الأمنية التي تواجه الدول الخليجية والعربية وفي مقدمتها الإرهاب – على الرغم من كونه التحدي الرئيسي -وإنما في ضعف الوحدات المكونة لمنظومة الأمن الإقليمي ككل في ظل ما تشهده كل من" سوريا – العراق – اليمن " من أزمات مزمنة ربما تستغرق عدة سنوات مما يحد ليس فقط من المردود المتوقع من التقارب الخليجي-العربي وإنما من مدى فاعلية النظام الإقليمي العربي ككل.
بينما يتمثل التحدي الثالث: في أنه مع أهمية ذلك التقارب في ظل الدور الجديد لإيران في المنطقة في أعقاب الاتفاق النووي وخروج العراق من معادلة التوازن الإقليمي من ناحية ووجود قضايا تلتقي عندها المسارات كافة ومنها قضية الإرهاب، فإنه من المهم الحديث عن مسألة الأولويات ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ربما أن الخطر الإيراني لا يمثل تهديدًا مباشرًا لمصر أو بعض الدول العربية كما هو عليه الحال بالنسبة لدول مجلس التعاون، كما أن التطور ضمن مسار العلاقات الخليجية-المصرية والعربية لا يعني بالضرورة تهميش المسارات الأخرى وخاصة علاقات دول مجلس التعاون مع الدول الآسيوية الفاعلة ومنها الهند والصين.
ومع التسليم بما سبق تبقى الحاجة لعدة آليات من أجل تطوير حالة التقارب الراهنة من خلال دور النخب الأكاديمية والفكرية والإعلامية لترسيخ الوعي بأهمية ذلك التقارب، بالإضافة إلى إيلاء الاهتمام بالتكامل الاقتصادي وهو الأساس الذي نهضت عليه كافة التجارب التكاملية بشكل تدريجي، فضلاً عن إمكانية التفكير في تأسيس حوار استراتيجي مصري خليجي بشكل سنوي لبحث التحديات المشتركة التي تواجه الجانبين وآليات مواجهتها في ظل تطور مصادر التهديد وذلك على غرار حوار المنامة الأمني السنوي، أو مؤتمر الأمن الآسيوي وغيرها من الآليات ذات الطابع المؤسسي والتي لا يرتبط انعقادها بالضرورة حتى بطبيعة العلاقات بين أطرافها ومنها مجلس الناتو- روسيا، بالإضافة إلى أهمية أن تنعكس حالة التقارب الخليجي –العربي على تفعيل الآليات المقترحة للتعامل مع التهديدات الأمنية الحالية والمستقبلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ