هناك نجاح محدود في مفاوضات التجارة متعددة الأطراف، بل غموض يحيط بمفاوضات الدوحة، إذ تتسع قاعدة المنتقدين لوهم القرية الدولية والتي تتسع يومًا بعد يوم، لكن يعتبرها البعض بنية أساسية لإقامة تكتلات اقتصادية أخرى، مثل الحفاظ على القدرة التفاوضية داخل منظمة التجارة، تم التوصل إلى اتفاق على قواعد المنشأ للبلدان الأقل نموًا، من بينها نص يؤكد على أن منتجات الدول النامية يجب أن تصنع بنسبة ثلاثة أرباع، على الأقل، داخل الدولة النامية، كي تتمتع بالمزايا التي تقدمها لها منظمة التجارة، بجانب الاتفاق في الحفاظ على شروط المنافسة التصديرية بين الدول الأعضاء، وهو اتفاق تم اعتباره لحظة تاريخية، ولم تتوصل الدول الأعضاء سوى توسيع نطاق الاتفاق المتعدد الأطراف بشأن تحرير منتجات تقنية المعلومات التي تمثل 10 في المائة من التجارة العالمية، إذ يعتبر هذا الاتفاق الواسع النطاق أول مبادرة متعددة الأطراف على إزالة التعريفات الجمركية التي أكملت عامها العشرين من المفاوضات بنهاية عام 2015م، التي عقدت في نيروبي.
في المقابل تنشط التكتلات الأخرى وبشكل خاص تحرص الولايات المتحدة على تحقيق اتفاقية التجارة عبر الأطلسي بعدما حققت اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ، حيث يهدف الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة إلى وضع المعايير العليا في توسيع التجارة الدولية بدلا من تقييدها ووضع آلية لتسوية المنازعات بين المستثمر والدولة، وتشمل المفاوضات اثنين من المواضيع المثيرة للجدل، التي تنتقده الشركات الأوربية التي ترى أن محكمة الاستثمار التي اقترحها الاتحاد الأوربي لا يعالج معظم مشاكل وآليات الانتصاف خارج نطاق القضاء، بجانب التعاملات التجارية الضخمة خاصة في مجال التعاون التنظيمي ولا سيما في الصناعات والخدمات.
وفي مجموعة العشرين التي عقدت في أنطاليا في تركيا في نوفمبر 2015م، وكانت السعودية البلد العربي الوحيد الذي شارك في هذه المجموعة، والذي تعهد قادة العشرين بمعالجة التباين في النمو العالمي.
السعودية وبقية دول الخليج يتجهون إلى تكامل خليجي برؤية سعودية يمتد في العمق الاستراتيجي في إفريقيا الضفة الغربية والتي لا يفصلها عنها سوى البحر الأحمر والقرن الأفريقي، خصوصا وأن إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي تعد امتدادًا طبيعيًا للأمن القومي العربي الخليجي، وهي أقرب المناطق إليها وأكثرها خطورة إذ بإمكان أي قوة في العالم أن تحكم سيطرتها على منطقة الخليج والتحكم في بقية الدول العربية وخصوصًا مصر والسودان، وبالفعل نلحظ هناك اهتمامًا دوليًا وإقليميًا غير مسبوق بهذه المنطقة، وهو ما يظهر في كم القواعد العسكرية التي أقامتها قوى دولية وإقليمية فيها بعيدًا عن الاهتمام الخليجي العربي، من الولايات المتحدة وفرنسا وأخيرًا الصين التي أدركت مؤخرًا الأهمية الاستراتيجية للمنطقة في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، لكن إيران تهدف إلى محاصرة وتطويق دول الخليج والسعودية بشكل خاص ونشر مشروعها الفارسي عبر مذهب آل البيت.
تتأرجح العلاقات الإيرانية ــ الإفريقية بين الاهتمام والفتور والعداء منذ أن وثق الشاة علاقات إيران بإفريقيا لصالح الولايات المتحدة، لكن الأمر تغير بعد الثورة الخمينية بسبب رؤية إيران للقارة الإفريقية بأنها قارة مستضعفة وعليها مساعدتها وحمايتها لكن قوبل تصدير الثورة بتخوف إفريقي وفتور في العلاقة، لكن في عهد الرئيس علي أكبر رفسنجاني الذي استبدل أيديولوجية تصدير الثورة ببلورة مشروع الاهتمام بالتجارة والترويج لإنشاء تكتل وسوق تجاري بين الدول الإفريقية والآسيوية تكون إيران طرفًا فيه حتى تمكنت إيران من تأسيس 30 سفارة إيرانية في القارة الأمر الذي منحتها إفريقا بصفة العضو المراقب في الاتحاد الإفريقي.
لكن اكتشفت الدول الإفريقية أن إيران تتعامل كقوة استعمارية توظف الاضطرابات لصالحها، وتنتهج في تأجيج الصراعات من خلال فتح قنوات غير رسمية مع حركات غير نظامية معارضة لضمان ولائها، فعلى سبيل المثال تدعم إيران الانفصاليين في السنغال، ومتمردي ساحل العاج، وجامبيا، ونيجيريا، ويبرهن على تورط إيران في تأجيج الصراعات الداخلية اكتشاف شحنة أسلحة قادمة من إيران باتجاه جامبيا بهدف تزويد متمردي الجنوب السنغالي بالسلاح، كما رصدت السلطات النيجيرية نقل أسلحة قادمة من إيران في طريقها إلى جامبيا، وهو التدخل الذي رفضته الدول الإفريقية، تمثل في وقف تعاون نيجيري ــ إيراني في مجال التكنولوجيا النووية عام 2008م، وهو نفس ما قامت به جنوب إفريقيا من وقف للواردات النفطية الإيرانية عام 2012م، استجابة للعقوبات الدولية على إيران.
تمدد إيران ووضع قدم لها في الساحة الإفريقية أتى نتيجة غياب خليجي عربي الذي استطاعت إيران بهذا التواجد إلى حضور 40 دولة إفريقية في إحدى القمم في العاصمة الإيرانية طهران، وانتشار التشيع في غرب إفريقيا، وثلث إفريقيا دول عربية وهي أقرب إلى دول الخليج من إيران.
كان الوجود الخليجي في إفريقيا يفتقد إلى استراتيجية الإرادة، خصوصًا أن لمنطقة القرن الإفريقي أهمية خطيرة حيث يكتسب القرن الإفريقي الذي يضم الصومال واريتريا وجيبوتي بجانب أثيوبيا رغم أنها لا تطل على المحيط لكن إلى جانب تلك الدول لها أهمية استراتيجية كبرى بسبب أنها تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية، ومن ثم فإن دوله تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى أوربا والولايات المتحدة، كما أنها ممرًا مهمًا لأي تحركات عسكرية قادمة من أنحاء العالم في اتجاه دول الخليج والعكس.
ولا تقتصر أهمية دول القرن الإفريقي على اعتبارات الموقع ووجود الجزر الكثيرة ذات الأهمية الاستراتيجية بل تتعداها إلى أهميتها في امتلاك موارد طبيعية كالنفط والذهب والغاز الطبيعي وامتلاكه احتياطيات كبيرة من المعادن التي تستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية مثل الكوبالت واليورانيوم.
إلى جانب تلك الدول هناك دول منطقة البحيرات أوغندا والكونغو ورواندا وبوروندي وهي نقاط تماس عربية إفريقية، وهناك تداخل إقليمي يفرض على دول الخليج إدراج منطقة القرن الإفريقي كجزء من أمن الخليج العربي، حيث فكرة تطويق منطقة الخليج العربي فكرة قديمة منذ زمن الاتحاد السوفيتي التي أرادت أن تلتف حول المنطقة، وهي ما تحاول إيران محاكاة الاتحاد السوفيتي التي تعتبر دول الخليج وخاصة السعودية عدوها الأول بعدما استطاعت أن تجد لها نفوذًا في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن والتواجد في منطقة القرن الإفريقي آخر المناطق التي يتم تطويق منطقة الخليج، والذي يلقي بظلاله ليس فقط على أمن منطقة الخليج العربي بل وعلى الأمن العربي برمته.
وتشير الأرقام إلى أن إيران تقوم بتهريب الأسلحة إلى الحوثيين المتمردين في اليمن والصومال بل وتدريب الحوثيين بمعسكر دنقللو الإريتري بالإضافة إلى تواجدها في تلك السواحل بحجة محاربة القرصنة بجوار قاعدتها العسكرية التي أنشأتها في ميناء عصب الأريتري، وهي حروب مكملة لما يجري في العراق وسوريا وفرض نفسها على المنطقة خصوصًا وأن هناك معلومات تناقلتها وسائل الإعلام عن تزويد إيران إرتيريا بمئات من عناصر فيلق القدس وضباط البحرية والخبراء العسكريين من الحرس الثوري الذين يشرفون على قواعد صاروخية منتشرة على طول الساحل الإرتيري لتعزيز تواجدها في البحر الأحمر وخليج عدن وقبالة السواحل الصومالية لمرافقة سفنها وحمايتها من القرصنة.
لكن تزامنت عاصفة الحزم التي قادتها السعودية في اليمن ضد الانقلابيين المدعومين من إيران بدعم تحالف عربي تحركات سعودية لمواجهة النفوذ الإيراني في القرن الإفريقي حيث أصبحت السعودية ثاني مستثمر في أثيوبيا ب 294 مشروعا بقيمة 3 مليارات دولار، ووقعت السعودية مع جيبوتي اتفاقا امنيا يقضي بإنشاء قاعدة عسكرية، حيث يأتي هذا التحول في العلاقات الخليجية بدول القرن الإفريقي بعد أن أدركت السعودية أهمية ملء الفراغ الأمني عسكريًا من خلال الحضور والتواجد في منطقة القرن الإفريقي خصوصًا بعد انسحاب حاملة الطائرات الأمريكية ثيودور روزفلت التي كانت في مياه الخليج العربي منذ عام 2007م.
التواجد السعودي المكثف في منطقة القرن الإفريقي من أجل أن يتحول إلى موقع انطلاق متقدم يضيف مميزات قتالية عالية المستوى للقوات السعودية، يسهم في إيجاد حالة من التكامل الدفاعي عن السعودية من الشرق والغرب وفي نفس الوقت يخدم عملياتها وقوات التحالف العربي في اليمن بصورة أساسية، بجانب خلق حالة من التوازن الدفاعي والهجومي التي يمكن أن يتعرض لها الأمن السعودي العربي خصوصًا في منطقة البحر الأحمر التي تجري فيها العمليات لأي تهديد.
التحول الذي حدث في العلاقة السعودية ــ الإيرانية هي وفق المعاملة بالمثل وهي قاعدة أساسية الحاكمة بين الدول، بسبب بحث إيران عن مصالحها على حساب حقوق دول الخليج وبقية الدول الأخرى، وتحقيق طموحات تاريخية عبر اختراق المناطق الرخوة والضعيفة، واستثمرت احتلال أمريكا العراق، وضرب البلاد العربية ثورات مفاجئة، خصوصًا وأنها استطاعت في الفترة الماضية ارتباطها بقوى اجتماعية وفاعلين من غير الدول لكنهم ديناميكو التحرك ويمتلكون كافة الوسائل والأدوات يتبعون ولاية الفقيه التي وجدتها فرصة في دعمها بالسلاح للانقلاب على دولهم عندما تحين الفرصة التي ترسمها لهم إيران وتعطيهم الضوء الأخضر للتحرك، دون احترام لحقوق الجار والقانون الدولي.
خلقت واقعًا مرتبكًا تهيمن من خلاله بل يوفر لها طمأنينة نتيجة التركيبة الطائفية والعرقية والمذهبية بسبب أن الدول العربية لم تتمكن قبل ثورات الربيع العربي من تعزيز أطر الدولة بين المكونات داخل الدولة، خصوصًا في ظل إعلام عربي مضطرب، أو إعلام موجه وطائفي يخدم أجندة ولاية الفقيه.
الحراك السعودي في مواجهة النفوذ الإيراني في إفريقيا، وما نجده مؤخرًا نتيجة التحرك السعودي أن سعت دول إفريقية للاستعانة بالسعودية لمساعدتها في الحد من المد الإيراني تحت غطاء المد الشيعي، وهو ما ظهر جليًا في مواقف تلك الدول وزياراتها الأخيرة للعاصمة الرياض، وكرست السعودية جهودها الدبلوماسية للوقوف إلى جوار العديد من الدول الإفريقية لمقاومة مخاطر المد الشيعي التي تستخدم نفس استراتيجية التنصير في استغلال الفقر وعبر أنشطة ثقافية وخدمية بنشر التشيع بطريقة غير مباشرة، تستغل إيران حب الشعوب لدينهم ولآل البيت، واستطاعت تجنيد عدد من التجار في غرب إفريقيا.
لكن قطع السعودية علاقاتها مع إيران بعد الهجوم على سفارتها وقنصليتها في إيران تبعت السعودية العديد من الدول الإفريقية في طرد سفراء إيران من دولهم، وجدتها تلك الدول فرصة بعد المعاناة من التمدد والنفوذ الإيراني في مناطقهم، وكانت في المقدمة دولة السودان، وأصبحت علاقات السعودية متينة مع أثيوبيا وجيبوتي وحتى أرتيريا التي أعلنت عن إقامة تحالف جديد يهدف للحد من انتشار التشيع في القارة السمراء وفق المخطط الفارسي.
بل تخفت تحركات إيران في موريتانيا وراء ستار التصوف ما جعل السعودية توقف مساعداتها وقروضها المالية لموريتانيا عام 2008م، التي أوقفت انتشار التشيع، كما أعلنت المخابرات الصومالية عن القبض على شخصيات إيرانية وصومالية المذهب الشيعي واعتبرته يهدد أمن الصومال وعقيدة مواطنيه.
استطاع التحرك السعودي أن يحاصر ويحرر دول القرن ال‘فريقي من النفوذ الإيراني، لكن جاء إعلان السودان عن قطع علاقاته مع إيران بذلك يكتمل الطوق الذي يحيط بالسعودية بعيدًا عن النفوذ الإيراني، خصوصًا بعدما أوصدت السودان الباب على العلاقات السودانية الإيرانية بالكامل، وأكدت عن تضامنها مع السعودية ودول الخليج.
يعكس هذا القرار ملامح المرحلة القادمة خصوصًا بعد انضمام السودان إلى عاصفة الحزم وإرسالها جنود سودانيين في صفوف التحالف العربي في اليمن ما يعني التماهي الكامل مع النظام العربي الجديد بقيادة السعودية، بعدما أصبحت الصناديق السيادية شريان الحياة في السودان التي تساعد الاقتصاد السوداني على الانتعاش، والتي أصبحت تحتل المرتبة الأولى عربيًا بـ 590 مشروعًا سعوديًا في السودان تصل تلك الاستثمارات إلى 11 مليار دولار أغلبها في قطاع الزراعة، وتعهدت السعودية بضخ مزيد من الاستثمارات، وتستحوذ السعودية على 30 % من مصنع سكر كنانة كأكبر وأقدم مصنع في الوطن العربي حيث يقدر إنتاجه 450 ألف طن سنويا وفقا للسودان تريبيون.
كما تعهدت السعودية ببذل مجهود تجاه رفع العقوبات على السودان، حيث يمثل التحول نحو السعودية مسارًا جديدًا يسلكه الرئيس السوداني عمر البشير بعد 25 عامًا في بلد مضطرب من خلال التنقل بين تحالفات مختلفة حيث عانت السودان بعدما لبست ثوبها الإسلامي بين مطرقة السعودية وسندان إيران.
عانت السودان من فتنة النموذج والإعجاب الشديد بالثورة الخمينية خصوصًا من قبل حسن الترابي بعدما أوصل بجماعته إلى الحكم عقب الانقلاب العسكري عام 1989م، لكن البعض يرى أن حسن الترابي براغماتي ولم يكن معجبًا بنظام الدولة القائم على ولاية الفقيه، ولحسن الترابي آراء واضحة على هذا الصعيد، رغم ذلك استطاعت إيران أن تشيد مصنعا لإنتاج الأسلحة في الخرطوم وفق الاتفاقية بين الجانبين في عام 2008م، وأن تقيم إيران قاعدة عسكرية اعتبرت إيران السودان التي لا تبعد عن السعودية سوى بضع مئات من الكيلومترات من ساحل البحر الأحمر.
ساعد إيران على إبراز نفوذها في إفريقيا باعتبار السودان مدخلًا رئيسيًا لتصدير السلاح الإيراني داخل القارة السمراء، وتغلغل المذهب الشيعي في عمق القارة الإفريقية عبر بوابة السودان، ومرور شحنات الأسلحة سرًا إلى حماس وسيناء عبر أراضيه، مما اضطر المجتمع الدولي إلى وضع السودان على لائحة الإرهاب وفرض عليه عقوبات، نتيجة ذلك تعرض السودان إلى تدمير مصنع ذخيرة في انفجار غامض عام 2012م.
لكن يذهب حيدر طه إلى أن إيران خلقت علاقات وثيقة مع قادة تنظيمات الإخوان المسلمين في السودان وحتى في مصر، أي أن السودان ركب موجة الصحوة الإسلامية في الفترة الماضية في تجربة خائبة، يبدو أن قيام السعودية في القيام بدور الحسم في مواجهة النفوذ الإيراني بنفس السبل التي تتبعها إيران لاسترداد الحق العربي والدفاع عن الأمن العربي مكنها من انتشال السودان من الحضن الإيراني، وقفلت هذه البوابة تجاه العمق الإفريقي، وأفقدت السعودية إيران قبضتها على بوابتها إلى إفريقيا، واستفادت السعودية من أن السودان وإيران ليسا حليفين استراتيجيين، وعلى اثر قرار قطع السودان العلاقة مع إيران، تلقى البنك المركزي السوداني وديعة سعودية بمليار دولار.
كذلك لم تتوان السعودية وخصوصًا دولة الإمارات في دعم مصر منذ قيام ثورة الثلاثين من يونيو 2013م، خصوصًا الموقف الخليجي الداعم للدولة المصرية في المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم الشيخ حيث قدمت كل من السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان مساعدات تقدر بـ 12.5 مليار دولار إلى مصر في صورة ودائع واستثمارات، كما تعد زيارة الملك سلمان للقاهرة دلالة على أن مصر تمثل حجر الزاوية في تحقيق الأمن القومي العربي والحفاظ على الهوية والدفاع عن وحدة الدول العربية ضد ما يتهددها من مخاطر التقسيم والتفتيت ووقف النفوذ الإيراني الذي استباح المنطقة.
لذلك لم تكتف مصر في تأييد التحالف العربي في اليمن بل شاركت بقوات جوية وبحرية حيث شاركت 16 طائرة مصرية بجانب تحرك قطع بحرية إلى مضيق باب المندب لتأمينه لمواجهة أية احتمالات حيث تنطلق القيادة المصرية من رؤية سياسية دائمًا بأن الأمن القومي المصري يمتد من أمن الخليج العربي، حيث تعمل إيران على تطويق السعودية من الجنوب من خلال السيطرة على اليمن وهي تمثل عمقًا استراتيجيًا للجزيرة والخليج مما يجعل من اليمن عاملا مهما لأمن واستقرار المنطقة.
وقع البلدان على مجموعة اتفاقيات من تطوير التعاون العسكري، وتعزيز التعاون المشترك في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين والعمل على جعلهما محورًا رئيسيًا في حركة التجارة العالمية أهمها كان إنشاء جسر الملك سلمان الذي يساهم في تعزيز الربط بين دول الخليج وإفريقيا خصوصًا بعدما افتتحت مصر القناة الثانية لزيادة حركة التجارة.
السعودية ومصر ترسمان ملامح مستقبل النظام الإقليمي العربي ومواجهة كل التحديات التي تعوق تقدمه، وعلى رأسها التحديات الإرهابية والمذهبية التي وجدت في غياب الأمن والاستقرار فرصة للتوسع والتي تغذيها إيران وأذرعها في المنطقة.
ولا يزال مشروع القوة العربية المشتركة حاضر، رغم أن السعودية اتجهت إلى تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، ووقف النفوذ الإيراني بسبب أن هناك عدد من الدول العربية لا زالت تعارض مواجهة التدخل الإيراني مثل العراق بسبب الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي، وكذلك لبنان والجزائر، رغم أن إيران فشلت في ضرب العلاقات السعودية ــ الجزائرية، خصصوا بعدما شرعت الجزائر في تفكيك ألغام علاقتها مع السعودية وذلك بإيفاد وزير الدولة المستشار الخاص لرئيس الجمهورية الطيب بلقيز إلى المملكة حاملا رسالة من الرئيس ونقلها للمك سلمان.
والجزائر والسعودية عازمتان على تجاوز سوء تفاهمهما في بعض القضايا وتجلت هذه الرغبة من خلال إعادة الرياض لسفيرها السابق بالجزائر سامي العبد الله حيث تتفق الجزائر مع منتجي النفط والغاز وبضغط من روسيا على ضرورة إعادة التوازن للسوق عن طريق خفض الإنتاج مثلما حدث من قبل ولكن السعودية تتمسك بحصص الإنتاج وتريد ترك الأسعار للسوق.
أصبح الدور السعودي فاعلا دوليا وإقليميا في قيادة أسواق النفط، بل نجد أن روسيا بدأت تغازل السعودية من أجل التوصل إلى تنسيق حول استقرار أسواق النفط الذي أثر على تراجع اقتصادها الذي يعتمد على النفط بنحو 50 %، فيما تعتمد الجزائر على مداخيل النفط بنسبة 85 % وكذلك دول الخليج، لكن الاستراتيجية الجديدة التي تراها السعودية هي التمسك بحصص الإنتاج حتى لا تذهب الحصص إلى دول منتجة من خارج أوبك، وتكون أوبك قد خسرت الحصص وكذلك الأسعار، وهي تدافع عن مصالح دول أوبك وليس عن مصالح الدول المنتجة من خارج أوبك التي تنتج البترول بتكاليف عالية مثل البترول الصخري والبترول الموجود في سيبيريا أو في المياه العميقة، وهي تدرك أن بترول أوبك الأقدر على المنافسة.
العلاقات السعودية المصرية تتشابه بينهما التوجهات، وتكتمل تحقيقا للآمال العربية والإسلامية، وهي الطريق إلى الوحدة، خصوصًا بعد افتتاح القناة الجديدة التي سيصاحبها مشروعات تنموية عملاقة، وستضع مصر على خارطة الاستثمار العالمي لإرساء دعائم عصر جديد للنهضة، خصوصًا وأن مصر على أعتاب تخطي أزمة الطاقة بعد اكتشافات غازية جديدة أعلنتها شركة ايني الإيطالية، وكانت تقديراتها نحو 30 تريليون قدم مكعبة في المياه الإقليمية المصرية في البحر المتوسط سيساعد على تلبية احتياجات مصر من الغاز لعقود مقبلة تعادل نحو 5.5 مليار برميل من المكافئ النفطي، ويغطي مساحة تصل إلى 100 كيلومتر مربع، تعرضت إسرائيل لضربة قوية بعد تلقيها نبأ الكشف، بسبب أنها تريد أن تصبح قوة عالمية في تصدير الغاز الطبيعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ بجامعة أم القرى ـ مكة المكرمة