الواقعية ـ هنري كيسنجر (2)
في الحلقة الثانية من عرض كتاب (خمسون مفكرًا في العلاقات الدولية) لمارتن غريفيش، يتواصل تقديم رموز المدرسة الواقعية، وفي هذا الجزء سوف نتناول أحد الرموز المعاصرين لهذه المدرسة وهو وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الذي شغل وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة (1973ـ 1977م).
هنري كيسنجر من مواليد فويرث بألمانيا في 27 مايو 1923م، وشغل منصب مستشار الأمن القومي نهاية ستينيات القرن الماضي وهو مهندس سياسة الانفتاح على الصين، وصاحب مدرسة الدبلوماسية المكوكية في الشرق الأوسط، وكان قد عمل أستاذًا في هارفارد وكتب كتابات نقدية حول السياسة الأمريكية خلال الحرب الباردة، وحاول أن يطبق الواقعية الجديدة في سياسة أمريكا الخارجية.
سعى كيسنجر إلى تحدي ما اعتبره المقاربة الأمريكية التقليدية إزاء العالم، كما سعى إلى قولبتها بصفة دائمة منذ أن قدم أطروحته للدكتوراه عام 1957م، بعنوان "إعادة بناء العالم "
إلى كتابه الأخير "الدبلوماسية" عام 1994م، وارتكزت مقاربته على الدبلوماسية الأوروبية التقليدية التي غالبًا ما يتم تصنيفها تحت (السياسة الواقعية)، وهي تحمل فكرتين هما: مبرر المصلحة العليا، والتلاعب بميزان القوى حتى تحتفظ أمريكا بالسيطرة على العالم.
اعتمدت دبلوماسية كيسنجر على خروج الولايات المتحدة من حرب فيتنام دون الضرر بمصداقيتها كقوة عظمى، وتحسين العلاقات مع الاتحاد السوفيتي حتى لا يحاول الروس الاستفادة مما يبدو أنه خسارة لأمريكا من أجل تمكن القوتان العظميان من بناء قواعد اشتباك قادرة على وضع حدود للتنافس بينهما، وهو يرى أن تحسن علاقات القوتين العظميين يعتمد على مقدرة أمريكا على دفع السوفيات نحو السلوك الجيد بمكافأة التعاون وردع المغامرة خاصة في العالم الثالث.
لكن استراتيجية كيسنجر فشلت لثلاثة أسباب هي: عدم تفهم الروس لقواعد موازين القوى كما وضعها كيسنجر, واعترفت واشنطن بأن السوفيات قوة عظمى بعد تمدده في أوروبا الشرقية والدخول في صراع سباق التسلح، والسبب الثاني تمثل في فشل واشنطن في السيطرة على سلوك أطراف ثالثة مثل تحقيق التعاون بين قسمي ألمانيا الشرقي والغربي، والفشل في إقناع فيتنام الجنوبية بفتنمة الحرب، والسبب الثالث تمثل في فشل إقناع الأمريكيين بالانفتاح أكثر في السياسة الخارجية، وفشله في إضعاف الكونجرس لحساب البيت الأبيض، ونتيجة لذلك فقد كسينجر سيطرته على السياسة الخارجية الأمريكية وكان مادة دسمة لانتقادات المرشح الرئاسي آنذاك جيمي كارتير الذي اتهمه باتباع دبلوماسية الرجل الواحد غير الفاعلة.
كيسنجر يعتقد أن في سيطرة أمريكا على العالم حماية للحرية الفردية والرفاه، وأن نظام الحكم الأمريكي يرعى الفضيلة لدى مواطنيها.
بعد انتهاء الحرب الباردة، يرى كيسنجر ضرورة استمرار وجود أمريكا في أوروبا وتوسع حلف الناتو شرقًا وموازنة العلاقة بين الصين واليابان ومساعدة البلدين على التعايش رغم الشكوك المتبادلة بينهما.