array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 111

العلاقات الهندية ـ الروسية وتأثيرها على دول مجلس التعاون الخليجي نيودلهي تعتبر الشراكة مع روسيا مصلحة وطنية غير قابلة للمساومة

الإثنين، 05 أيلول/سبتمبر 2016

أثار تصويت الهند في 3 يوليو 2015م، على تقرير اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت في الحملة الإسرائيلية "الجرف الصامد"، التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة صيف عام 2014م، استهجان الكثيرين واستغراب الدول العربية والأجنبية لهذا الموقف الجديد لبلد كان يعتبر في مقدمة دول العالم في دعمه لقضايا الدول النامية، خاصة القضية الفلسطينية.

إسرائيل من جهتها رحبت بهذا الموقف الهندي الجديد الذي يعتبر "إنجازًا كبيرًا لا مثيل له في العلاقات الهندية – الإسرائيلية"، كما وصفته صحيفة يديعوت أحرنوت، وكأن ذلك التصويت أمر عادي ولا يعبر عن انقلاب جذري في العلاقات العربية – الهندية، والحقيقة أن هذا الموقف سابقة خطيرة ينذر بأن العلاقات الإسرائيلية - الهندية تنامت كثيرًا في العقدين الماضيين لدرجة أن حميميتها لم تعد سرًا، وأن المقبل من المواقف أعظم، خاصة أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد قام بزيارة تاريخية لإسرائيل، فقط للتوقيع على مجموعة اتفاقيات تجارية وعسكرية وأمنية وتقنية تتوج مرحلة التحالف الاستراتيجي بين البلدين في غياب عربي واضح.

لذلك تعتبر أية علاقة تعاون بين إسرائيل ودولة أخرى خطرًا على الأمن الخليجي والعربي، خاصة أن العلاقات الخليجية والعربية شهدت تطورات كبيرة خلال السنوات الماضية مع الهند، إذ يمثل ذلك فرصة لإسرائيل لمزيد من التعدي على الحقوق العربية والخليجية، كما يشكل فرصة لخروج إسرائيل من عزلتها في المنطقة حيث تحيط بها دول وشعوب عربية تدرك مخاطرها، وهكذا فإن تطور العلاقة بين الهند وإسرائيل يمثل خطرًا على دول الخليج وباقي الدول العربية، لكن هذه المخاطر تختلف باختلاف أنواعها.

فإذا كان من الضروري تحديد الأولويات، فإن المخاطر الناجمة عن العلاقات الاستراتيجية الأمنية والتي تتمثل أساسًا في استخدام إسرائيل لمياه المحيط الهندي بالتعاون مع الأسطول الهندي تشكل الخطر الأكبر، حيث يشكل الوجود البحري الإسرائيلي تهديدًا مباشرًا لجنوب شرق الوطن العربي وخاصة دول الخليج العربي، وللدول الإسلامية بجنوب غرب آسيا وخاصة باكستان حيث هنا يصبح التهديد للوجود ذاته.

أما مبيعات الأسلحة الإسرائيلية للهند فإنها تزيد من قدرات إسرائيل على تطوير صناعتها العسكرية على نحو يزيد من قدرتها على تهديد محيطها العربي والتي تقع دول الخليج العربي على مقربه منه، كما أنها تساعد إسرائيل على مواجهة المخاطر الاقتصادية، وبالتالي القدرة على الاستمرار في تهديد الشعب الفلسطيني والدول العربية المجاورة، ورغم أن التعاون الهندي الإسرائيلي في المجال النووي ليست له أهمية كبيرة نتيجة لإجراء الهند أول تفجير نووي قبل تعاونها مع إسرائيل، فإن هذا التعاون في حد ذاته يجعل من الهند قوة نووية مهددة للوطن العربي والعالم الإسلامي بالإضافة إلى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران.

ولا يمكن إغفال أهمية التعاون الهندي الإسرائيلي في باقي المجالات إذ أنه يوفر فرصة لإفلات إسرائيل من الإدانة الدولية في المحافل المختلفة، كما أنه يفتح السوق الهندية الكبيرة أمام المنتجات الإسرائيلية مما يمكنها من الصمود في مواجهة المقاطعة الدولية والعربية.

العلاقات الهندية - الإسرائيلية

هناك ظاهرتين تجمع الهند وإسرائيل، كلا البلدين يمتلك الأسلحة النووية، الهند بطريقة علنية وإسرائيل بطريق أقرب إلى العلنية، بدون الإفصاح الرسمي عنها، وكلا البلدين ظلا خارج إطار اتفاقية حظر الانتشار النووي، وإسرائيل على الأقل في نظر العالم والشرعية الدولية والقرارات المتعاقبة، وتحتل أرضًا ليست لها وتضطهد شعبًا واقعًا تحت الاحتلال وتعمل على اقتلاعه، والظاهرة الثانية وجود عدو تاريخي وأساسي على حدود البلدين، يخالفه في العقيدة والثقافة والانتماء والتطلعات، فباكستان عدو استراتيجي للهند، والعرب بشكل عام وفلسطين بشكل خاص العدو الاستراتيجي لإسرائيل، لذلك كانت الدول العربية في مجملها، أقرب إلى الهند أثناء الحرب الباردة لمواقفها المعادية لإسرائيل ولقيادتها لحركة عدم الانحياز، وفيما مضى كان العرب كأمة يقفون ضد الكيان الإسرائيلي ويحددون علاقاتهم مع الدول حسب مواقفها من إسرائيل، لكن هذه المعادلة تغيرت أيضًا بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ما فتح الباب واسعًا لدول كثيرة كانت تتحفظ على إقامة علاقات مع إسرائيل، ففعلت ذلك في أوائل التسعينيات، ومنها الهند وإسبانيا واليونان.

خلال معظم فترة ما بعد استقلالها، ساندت الهند نضال الشعب الفلسطيني، من خلال تضامنها مع الدول العربية والتزامها بحركة عدم الانحياز، و صوتت ضد انضمام إسرائيل لعضوية الأمم المتحدة، كما صوتت لإدانة الصهيونية والعنصرية، ومع هذا، أظهرت نيودلهي موقفًا حياديًا حين اعترفت بدولة إسرائيل في العام 1950م، فيما تُعرف الهند بأنها إحدى الوجهات المحببة لدى السياح للسيّاح الإسرائيليين.

وبعد انتهاء الحرب الباردة، كانت الهند أول دولة غير عربية تعترف بدولة فلسطين في العام 1988م، تلا ذلك إعلانها إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عام 1992م، واتسمت العلاقات بين البلدين بتصاعدها المطرد، خاصة في مجال التجارة العسكرية وتبادل الخبرات والإنتاج المشترك لعدد من الأسلحة المتطورة والطائرات والتدريب والمناورات، فقد وضعت الهند تحت تصرف إسرائيل منظومة الأسلحة السوفيتية مثل الميغ والسوخوي، ووضعت إسرائيل تحت تصرف الهند ما لديها من ترسانات أمريكية ومحلية، خاصة في مجال المطاردة وضبط الحدود وإنقاذ الرهائن والتدخل السريع والطائرات بدون طيار وأجهزة التنصت ومنظومات الدفاع المضادة للصواريخ والقطع البحرية.

وخلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إلى إسرائيل في عام2015م، وقع الجانبان على صفقة أسلحة بقيمة 520 مليون دولار، تزود إسرائيل الهند بموجبها بصواريخ مضادة للدبابات، علمًا أن الصادرات العسكرية للهند تقدر بـ 5.2 مليار دولار من مجمل حوالي 5.7 مليار دولار حجم الصادرات العسكرية السنوية، كما أن نسبة الصادرات الخارجية للهند من الصناعات الجوية العسكرية يصل إلى 45%من مجمل صادراتها، ونسبة 20% من صادرات شركة رفائيل العسكرية و35% من قبل صادرات الشركات العسكرية الأخرى في إسرائيل، كما تنوي الشركات العسكرية الإسرائيلية نقل خطوطها الإنتاجية إلى الهند، وذلك انسجامًا مع القانون الهندي الجديد الذي يلزم الشركات المصدرة للسلاح إليها بنقل خطوطها إليها لكي تستطيع شراء الأسلحة ومنتوجاتها الأمنية منها.([1])

وعلى المستوى الاقتصادي، لقد ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين البلدين من 200 مليون دولار في منتصف التسعينيات إلى ما يزيد عن 4.3 مليار دولار فيالشهور التسعة الأولى من العام 2014م، كما ارتفعت قيمة الاستثمارات الإسرائيلية في الهند بالنسبة نفسها كذلك، وقد استغلت إسرائيل العلاقة لكسر حاجز العزلة لتجد مجالا واسعًا في المحيط الهندي وقرب السواحل الإيرانية، وعلى مقربة من الصين التي ما تزال تمثل القوة الأعظم في شرق آسيا ، ولا عجب أن نعرف أن الولايات المتحدة ما فتئت تشجع تطوير العلاقات بين إسرائيل والهند لتلك الأسباب، خاصة في موضوع مراقبة الصين والتجسس عليها ورصد تحركاتها ودفع الهند لتكون دولة منافسة للصين في المستقبل.

إذًا، لا شك في أن تطور العلاقات الهندية – الإسرائيلية لم يكن حدثًا فجائيًا، بقدر ما يشير إلى تغيير في استراتيجيات الدولتين، ففيما تتخلى الهند، عن تأييدها التاريخي للموقف العربي، تحاول إسرائيل تكريس سياسة الابتعاد عن الغرب الأوروبي والتطلع نحو الاقتصادات الجديدة في الشرق الآسيوي، وتنظر إسرائيل إلى دول آسيا عمومًا، باعتبارها اقتصادات صاعدة سيكون لها دور في العلاقات الدولية ، وهي أقل إزعاجًا من دول أوروبا فيما يتعلق بالقيم الأخلاقية والإنسانية التي تنتهكها إسرائيل سواء باحتلالها أو باعتداءاتها.

 

أسباب تغير السياسة الخارجية الهندية

لقد تطورت العلاقات الهندية ­ العربية عبر سنوات طويلة، وقامت تلك العلاقات على التبادل الثقافي والهجرات والتبادل التجاري، وعبر اتصالات واسعة قامت بين منطقة الخليج العربي واليمن ومصر من ناحية، والهند من ناحية أخرى، وتميزت هذه العلاقات عبر التاريخ بعدة مميزات ، من أهمها اقتراب المسافة الحضارية بين المنطقتين، فتأثر العرب بالحضارة الهندية، وتأثرت الهند بالحضارة العربية والإسلامية حيث استوعبت العديد من الآثار الإسلامية، مثل تاج محل وقطب منار، ومن هذه المميزات أيضًا عدم التجاور الجغرافي المباشر بين العرب والهند مما جعل العلاقات بين الطرفين خالية من المشاكل الحدودية الإقليمية.([2])

وفي الوقت الراهن، ربما يمكن القول إن اهتمام الهند بمتابعة التطورات المتسارعة التي تشهدها الأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط يعود إلى اعتبارات عديدة: يتمثل أولها، في تزايد انخراط عدد من القوى الدولية في تلك الأزمات، على غرار روسيا والصين، التي سعت أيضًا إلى رفع مستوى علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة، من خلال إبرام صفقات كبيرة في المجالات المختلفة، بالتوازي مع اتجاه أمريكا إلى الانسحاب تدريجيًا من الشرق الأوسط، بشكل ربما يفرض تداعيات لا تبدو إيجابية بشكل كامل في رؤية اتجاهات عديدة في الهند.

ومن هنا ربما يمكن تفسير أسباب اهتمام الهند بالانخراط العسكري الروسي في الأزمة السورية، وارتفاع مستوى التعاون بين روسيا وإيران بعد الوصول للاتفاق النووي في 14 يوليو 2015م، إلى جانب الجولة الإقليمية التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى كل من السعودية ومصر وإيران في يناير 2016م، والتي هدفت إلى تعميق العلاقات الاقتصادية مع الدول الثلاث.

ويتعلق ثانيها، بتزايد احتمالات وقوع عمليات إرهابية داخل الهند على غرار عملية بومباي التي وقعت في عام 2008م، وإلى جانب التهديدات الأخيرة التي وجهها تنظيم "داعش" إلى الهند، وأشارت تقارير عديدة إلى أن الهند تمكنت من تفكيك خلية إرهابية كانت تخطط لشن عمليات إرهابية في بومباي في مايو 2015م، ومن دون شك فإن تعرض قاعدة "بنتخوت"، وهى إحدى القواعد الجوية الهامة التابعة للجيش الهندي والقريبة من الحدود مع باكستان، إلى هجوم من جانب أربعة مسلحين في يناير 2016م، مثل مؤشرًا مهمًا على أن الهند لم تعد بمنأى عن العمليات الإرهابية ، لذلك تعد مكافحة الإرهاب من المجالات التي أثبتت فيها دول الخليج العربي أهميتها القصوى بالنسبة للهند، فدول الخليج تشعر أيضًا بالقلق بشأن ارتفاع حدة التطرف، ورحلت مطلوبين للهند لتورطهم في الهجوم الإرهابي على بومباي عام 2008.([3])

ويبدو أن التعاون الأمني كان أحد المحاور الرئيسية في الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى باكستان في 25 ديسمبر 2015م، وهى الزيارة الأولى لرئيس وزراء هندي إلى باكستان منذ وقوع هجمات بومباي في عام 2008م، وبالطبع فإن تلك الزيارة سوف تساهم في دفع محادثات السلام بين الطرفين التي تجددت في 9 ديسمبر 2015م، بعد أن أدت تفجيرات بومباي إلى توقفها. ورغم أن الطرفين أعادا تفعيلها مرة أخرى في عام 2011م، إلا أنها لم تحقق نتائج حتى الآن.([4])

فضلا عن ذلك، فإن الهند كانت إحدى القوى التي سعت إلى دعم جهود إحلال السلام في أفغانستان.

وينصرف ثالثها، إلى رغبة الهند في رفع مستوى التبادل التجاري مع دول المنطقة ، خاصة في ظل اتجاهها إلى زيادة نسبة وارداتها النفطية من دول المنطقة، لا سيما بعد رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران بعد التزام إيران ببنود الاتفاق النووي، خاصة أن الهند تستورد نحو 80% من احتياجاتها من النفط الخام من الشرق الأوسط، كما أن نيودلهي تضع في اعتبارها تزايد عدد العمالة الهندية في دول الخليج والتي تعتبر مصدرًا رئيسيًا في التحويلات المالية المرسلة إليها.

ويرتبط رابعها، بسعي الهند إلى منافسة باكستان على تأسيس علاقات قوية مع دول المنطقة، واستقطاب تأييد بعض القوى الإقليمية لموقفها من قضية كشمير، ويبدو ذلك جليًا في الجهود الحثيثة التي بذلتها الهند لدعم علاقاتها مع إيران، خاصة على الصعيد الاقتصادي، لكنها تُحجم عن السماح لباكستان أن تكون شريكة في هذا التعاون، وقد بدأت الهند في تسريع وتيرة العمل في ميناء (چاه بهار) تشابهار، الذي سيكون مدخلاً لمنطقة آسيا الوسطى وأفغانستان الغنية بالموارد، ويقع الميناء في جنوب شرق إيران، ويمثِّل نقطة حيوية لسعي الهند لتخطِّي باكستان، وفتح منفذ أمام دولة أفغانستان، خاصة أن الهند تطور علاقات أمنية ومصالح اقتصادية وثيقة معها، ويمثِّل الميناء الذي تشارك الهند في تمويله كذلك بوابة أخرى لإيران نفسها للتجارة مع الهند.([5])

ومن هنا اهتمت الهند بصفة مستمرة برفع مستوى التعاون الاقتصادي مع إيران، وهو ما بدا جليًا في الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى إيران في 22 مايو 2016م، والتي تخللها التوقيع على اتفاق ثلاثي مع إيران وأفغانستان لتطوير ميناء " تشابهار"، وهو ما يبدو أنه سيكون محل اهتمام كل من الصين وباكستان، في ظل التنافس المحموم بين تلك القوى على إنشاء ممرات تجارية تربط منطقة الخليج بوسط آسيا.

أثر العلاقات الهندية - الإسرائيلية على الأمن الخليجي والعربي

دخلت الهند مع إسرائيل في تطوير العديد من المشاريع ليس في المجال العسكري والأمني فحسب، بل في مجالات الزراعة والمياه ومحاربة التصحر والهندسة والمياه الجوفية.

ولا شك في أن جوهر التعاون العسكري بين الهند وإسرائيل يقوم على تبادل المصالح وتحقيق التكامل فيما يتعلق بالقدرات العسكرية لكل منهما – ولا سيما في بُعدها فوق التقليدي والنووي – وهو ما يزيد في الآثار والتداعيات التي قد تواجهها أطراف إقليمية أُخرى بحسب علاقاتها بكل من الهند وإسرائيل، كما يزيد في صعوبة حركة هذه الأطراف لحَدّ تلك الآثار والتداعيات.

وفي إطار المنظور الشامل لتلك التداعيات، فمما لا شك فيه أن لها تأثيراتها السلبية في التوجهات الدولية والإقليمية المتعلقة بالجهود المبذولة لنزع أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط خاصة لجهة إسرائيل وإيران، وكذلك في المساعي التي تهدف إلى الحد من التسلح، وخفض حدة التوتر في المنطقة بما يساهم في علاج القضايا التي تشهدها هذه المنطقة،([6]) ويمكن متابعة هذه الانعكاسات في مختلف جوانبها، كالتالي:

1-إن تقارب إسرائيل مع الهند بدعم وبضوء أخضر من واشنطن، على حساب الرصيد السياسي العربي في الساحة الدولية عامة، وفي القارة الآسيوية خاصة،([7])  ويتضح ذلك، على سبيل المثال، في موافقة الهند في عام 1992م، على قرار إلغاء مساواة الصهيونية بالعنصرية، وكذلك في اجتماع الهند وإسرائيل على التصويت ضد الفقرة السادسة من القرار، والتي تنص على عالمية معاهدة حظر الانتشار في مقابل تأييد 138 دولة لها، وكانت الهند في أعوام سابقة تكتفي بالامتناع من التصويت لحساسيات خاصة تتعلق بامتلاكها أسلحة نووية.

2-تغيُّر الموقف الهندي من القضايا العربية نتيجة التطور في العلاقات الإسرائيلية – الهندية، إذ لم تعد السياسة الهندية كما كانت في الماضي.([8])

3-نفاذ إسرائيل إلى جمهوريات آسيا الوسطى عبر الهند، وتطويق دول الخليج العربي وباقي العالم العربي.([9])

4-تهديد المحور الأميركي – الهندي – الإسرائيلي للأمن القومي العربي، على الرغم من أن هذا المحور شُكل أساسًا، من أجل تطويق الصين، ومحاصرة إيران، وتوحيد الجهود التي تقوم بها هذه الدول الثلاث بذريعة محاربة الإرهاب، إلاّ أن إسرائيل وعلى ضوء علاقاتها بواشنطن وإمكاناتها العسكرية والاقتصادية، تستطيع أن توجه هذا التحالف ليشكل تهديدًا للأمن القومي في بعده القومي أو القطري.

5-من غير الممكن فصل هذا التحالف الثلاثي ، عن التحالف الاستراتيجي القائم بين واشنطن وتل أبيب وأنقرة، وعن التغلغل الإسرائيلي في قارة آسيا.([10])

6-تغذية صراع الحضارات بين العالم العربي الإسلامي والغرب، فالهند وإسرائيل تتقاسمان المخاوف من الإسلام الراديكالي، على حد زعمهما، وتتهمان بعض الدول العربية بمساندة حركات الإسلام الراديكالي في الدول المجاورة لهما، كما تسعيان للضغط على الدول العربية من خلال أمريكا،([11]) وتُبرز الهند وإسرائيل الصراع على أنه صراع بين المسلمين وغير المسلمين، ويشجع التعاون العسكري الهندي – الإسرائيلي قطاعًا كبيرًا في العالم العربي على الدعوة إلى توثيق العلاقات الاستراتيجية بباكستان، التي تحاول بدورها أن تطرق هذا الباب وتصور الصراع في شبه القارة الهندية على أنه صراع إسلامي – هندوسي، وهذا الحديث في الغرب ومن جانب إسرائيل، عمّا يسمونه القنبلة الإسلامية الباكستانية، ودخول إسرائيل على الخط، يمكن أن يجعل العرب، أو بعضهم، يتورطون، بقصد أو من دون قصد، في تعقيدات الصراع في شبه القارة الهندية.([12])

7-إسرائيل تسعى لتنفيذ مخططها بتغلغلها المستمر في آسيا، وذلك من أجل إنهاء عزلتها ومحاولة تنفيذ مخططاتها لتصفية القضية الفلسطينية، كما أنها تريد كسب الهند دولة كبرى إلى جانبها، وهي تعتمد على منطق المصلحة، ذلك بأن علاقاتها بالهند جاءت من خلال تصدير أحدث الأسلحة إليها، و تدعيم التبادل التجاري .([13])

التوازنات الهندية في الشرق الأوسط

عندما قام الرئيس الهندي براناب موخرجي بزيارة إحدى الجامعات الفلسطينية في القدس الشرقية أثناء موجة الاضطرابات الأخيرة في فلسطين، استقبله المحتجّون بلافتات حملت عبارات انتقدت تنامي الروابط بين الهند وإسرائيل، ويعتبر هذا النوع من الاحتجاجات المهادنة تعبيرًا عن خيبة أمل  صديق  قديم  من خيار الهند لشركاء جدد.

كما أنه ومن شأن زيارة الرئيس الهندي إلى فلسطين والأردن وإسرائيل تأزيم التوتر وإظهار التناقض بين موقف الهند التقليدي في دعم القضية الفلسطينية ومؤازرتها والعلاقات المزدهرة الأكثر حداثة مع تل أبيب، هناك جملة من القيم والمصالح المتعارضة تحكم سياسات الهند في الشرق الأوسط، ليس أقلها الالتزام بتضامن دول العالم الثالث ونبذ العنف والسياسات المحلية وتوسيع المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، وقد صرّح موخرجي في أحد بياناته عن سبب مهم آخر يؤكد تعرّض السياسة الهندية للضغوط  حين قال "إن علاقاتنا  الثنائية مع إسرائيل مستقلة عن علاقاتنا مع فلسطين"، وفي قوله هذا إنما ينطلق من تقليد قديم يتمثل في محافظة الهند على موقف حيادي و"علاقات صداقة مع الجميع"، ناهيك عن النأي بعلاقاتها الفردية عن التحالفات المتشابكة.

وإذا ما نحينا الأيديولوجيات جانبًا، نرى أن هناك العديد من المصالح الاستراتيجية والاقتصادية التي تدفع دلهي نحو إسرائيل، فالدولتان تواجهان تهديدات أمنية متشابهة، وقد اشترت الهند أسلحة إسرائيلية بقيمة 662 مليون دولار أمريكي منذ انتخاب مودي، كما تعمل مجموعتا اللوبي الهندي والإسرائيلي معًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وتملكان مصالح مشتركة تتمثل في إقناع واشنطن بالسماح لتل أبيب ببيع منظومات أسلحة قائمة على التكنولوجيا الأمريكية إلى دلهي، ويصل حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين إلى حوالي 5 مليارات دولار مع احتمال الاتفاق هذا العام على صفقة للتجارة الحرة من شأنها مضاعفة هذا الرقم، كذلك تطمح الهند إلى مضاهاة الاقتصاد الإسرائيلي الذي يتمتع بمستوى تكنولوجي عالي. 

ومع هذا، رُصدت في الآونة الأخيرة بعض التغيرات في مواقف مودي تجاه علاقة الهند بإسرائيل، إذ بدأت مواقفه تتسم على نحو غير معهود بالحذر، فقد أرجأت دلهي إعلان موعد زيارة رئيس الوزراء، وأرسلت بدلاً منه رئيس الجمهورية موخرجي، الذي يعتبر تمثيله تشريفي، كما إن موخرجي هو وزير سابق في حزب المؤتمر الذي يعتبر أقرب إلى الشعب الفلسطيني من حزب الشعب الهندي، أدلى موخرجي قبل زيارته هذه بتصريح اقتبس فيه قولاً للمهاتما غاندي مفاده "إن فلسطين ملك للعرب كما هي إنجلترا ملك للإنجليز…”. وقيل إن تل أبيب كانت قلقة من تأخير زيارة رئيس الوزراء الهندي، حتى إن نتنياهو أوفد أقرب معاونيه إلى الهند لاستطلاع الأمر والحصول على إجابات.

قد تكون هناك عوامل عدة وراء هذا التراجع في زخم العلاقات بين الهند وإسرائيل، أولها اقتراب موعد الانتخابات في ولاية بيهار، إذ عانى حزب الشعب الهندي من بعض الهزائم في الآونة الأخيرة، وتعتبر بيهار ذات الأهمية الانتخابية، بمثابة اختبار لشعبية مودي، تضم الولاية نسبة من المسلمين أعلى من المتوسط، ما يعني أن على رئيس الوزراء أن يكون حذرًا جدًا بشأن صورته هناك، وما يزيد من حدة الأمر تصاعد العنف مؤخرًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ما يستدعي قراءة دقيقة لموقف مودي تجاه إسرائيل.

وفي حين أنّ الفلسطينيين لا يمكنهم توفير ما توفّره إسرائيل للتجارة أو التكنولوجيا العسكرية الهندية، إلا أن هناك بعض المكاسب الاستراتيجية التي تدفع الهند إلى عدم إقصائهم من المعادلة، فالهند تسعى للحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن، وهذا أمر يحتاج إلى دعم العالم العربي والدول النامية ، كما أن مصالح الهند الاستراتيجية وعلاقاتها مع دول الخليج وإيران آخذة بالتوسع نتيجة تزايد الاعتماد على الطاقة وظهور تعددية الأقطاب في الشرق الأوسط، الأمر الذي يخلق منافسة مع الصين، يُضاف إلى هذه الأسباب كلها حاجة حزب الشعب الهندي الدائمة لكسب أصوات المزيد من الناخبين المسلمين، وبذلك يبقي على النموذج القديم الذي اعتمده حزب المؤتمر في دوزنة الرسالة الدبلوماسية بشأن فلسطين مما يتناسب مع الاحتياجات السياسية المحلية.

كما أنّ التحولات الجيوستراتيجية التي تتعرّض لها المنطقة تعني أن تل أبيب سوف تبذل ما في وسعها لتمتين علاقاتها مع دلهي، بصرف النظر عن حجم الدعم الدبلوماسي الذي تقدمه الهند للفلسطينيين، فقد شهدت التطورات الأخيرة تراجعًا في المزايا الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة بعد الانعتاق الاقتصادي لإيران.

هناك أيضًا اتجاه على المدى الأبعد يزيد من حاجة إسرائيل لاتخاذ شركاء جدد من القوى العظمى، هذا الاتجاه يتمثل في تراجع اهتمام أمريكا ونفوذها في المنطقة مع إصرار متزايد من الصين وروسيا على دعم أصدقائهم الحاليين المحتملين في المستقبل، كما أن العلاقات مع الهند لن تثير الكثير من قلق واشنطن كما قد يحدث لو بنت إسرائيل علاقات مع الصين وروسيا مثلاً، ومن الأمثلة على هذا عدم موافقة واشنطن على نقل تل أبيب أنواعًا معينة من التكنولوجيا الدفاعية إلى بكين.

إن توسيع الرهانات الاستراتيجية والاقتصادية يعني صعوبة أنّه سيكون من الصعب أكثر فأكثر على الهند الالتزام بمبدأ "الصداقة مع الجميع"، لكن الوقائع المستجدة في المنطقة تؤكد ازدياد نفوذ الهند أكثر من ذي قبل، إن التوازن الأمثل للمؤثرات المتنافسة في سياسة الهند في الشرق الأوسط قد يتمخّض فعليًا عن استمرار انتهاجها لموقف حيادي، لقد شهدنا أمثلة على هذا مؤخرًا حين دعت الهند مجلس الأمن إلى اتخاذ خطوات لإيقاف العنف الحالي.

كما لم تعد القوى الآسيوية تلعب دورًا اقتصاديًا فقط في المنطقة، لا سيما الهند والصين، حيث تمر سياسات هذه الدول تجاه المنطقة بتحولات تعيد تموضعها كفاعل سياسي، كما هو الوضع في حالة الصين، حيث لعبت بكين دورًا مهمًا في إتمام الاتفاق النووي الذي أبرم في جنيف بين إيران ومجموعة "5+1" ، على نحو يعكس رؤية محددة لها فيما يتعلق بقضية الانتشار النووي في الشرق الأوسط، كما تقدمت الصين بمبادرة النقاط الأربع من أجل تسوية الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل في مايو 2013م، وطرحت مبادرة  لتسوية الصراع في سوريا سلميًا في نوفمبر 2012م، هذا فضلاً عن أصدار الصين لوثيقة "سياسة الصين تجاه الدول العربية"، في أوائل عام 2016م، والتي تعتبر المحدد الرئيسي لعلاقات الصين مع العالم العربي، تأكيدًا على عمق التعاون بين الجانبين والآفاق الرحبة التي تتطلع لها الصين في تعاونها مع العالم العربي.   

والهند، لم تعد مصدر العمالة الرخيصة فقط، حيث يلاحظ بداية تحولها إلى فاعل أمني، إذ أصبح هناك دور أمني محتمل يمكن أن تقوم به في المنطقة، خاصة في منطقة الخليج، التي يعد أمنها جزء من الأمن القومي الهندي، وهو ما تكشف عنه مناقشات حوار المنامة الذي عقد في الفترة من 6 إلى 8  ديسمبر 2013م، كما تعتزم الهند إرسال أسطول من سفنها الحربية إلى الخليج لإضافة ثقل عسكري إلى الجهود الدبلوماسية المستمرة حاليًا للتقارب مع دول المنطقة خلال عام 2016م.

إن التزام جانب الحياد يجعل دلهي شريكًا دبلوماسيًا ذا قيمة كبيرة، ويعطي الهند نفوذًا أكبر مع إسرائيل وفلسطين والدول العربية والخليجية وإيران، إذا استطاع مودي أن يدرس بدقة أهمية دول الشرق الأوسط في علاقات الهند، فربما ينجح حينها في تحقيق مصالح بلاده مع التمسك بقيمها في الوقت عينه، لكن هذه الاعتبارات في مجملها لن تدفع الهند إلى توسيع نطاق تدخلها في الأزمات الإقليمية، خاصة أنها تبدو حريصة على الالتزام بسياسة الحياد والنأي بالنفس، فعلى سبيل المثال، دعت الهند إلى تسوية الأزمة السورية بالطرق السلمية، وعارضت على غرار بعض القوى الدولية الأخرى مثل الصين وروسيا، فكرة التدخل العسكري الغربي في الأزمة، الذي كان يمكن أن يفرض تداعيات وخيمة على مصالحها خاصة في دول الخليج العربي.

كما تسعى إلى رفع مستوى التنسيق مع بعض القوى الإقليمية الرئيسية في المنطقة من أجل مواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية التي تسعى في الفترة الحالية إلى التمدد داخل مناطق جديدة بسبب الضربات التي تتعرض لها في العراق وسوريا من جانب التحالف الدولي وبعض الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى، بشكل يوحي في النهاية بأن نيودلهي سوف تواصل مراقبة التداعيات المحتملة للأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط دون أن تتدخل فيها بشكل بارز.

وفي الوقت ذاته، فإن الدور الإسرائيلي تجاه قارة آسيا يتبنى عددًا من المنطلقات تعمل باستمرار على زرع قاعدة وجود ونفوذ له فيها, إما لمجابهة قوة إسلامية صاعدة مثل باكستان وإيران, وإما لإحباط ومحاصرة إمكانية بروز هذه القوة والتحكم في مسار حركتها المستقبلية مثلما هي الحال بالنسبة لدول آسيا الوسطى، وفي هذا المجال تسعى إسرائيل لتوظيف إمكانياتها الخاصة والإمكانيات التي ستحصل عليها من الدول الداعمة, لخدمة أغراضها في فلسطين أولاً وفي سائر الدول العربية ثانياً.([14])

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

[1]- مهند مصطفى، العلاقات الخارجية الإسرائيلية: سياسة إدارة الأزمات، في : هنيدة غانم (محرر)، تقرير مدار الاستراتيجي 2015 (رام الله: أبريل 2015)، ص 126. 

[2] - إحسان مرتضى، البعد العربي - الإسرائيلي في الصراع الهندي الباكستاني: ملامح ناتو آسيوي، مجلة الدفاع الوطني اللبناني، العدد 48 (نيسان 2004).

[3] - د. ذِكْرُ الرحمن، الهند والسعودية.. علاقات متنامية، جريدة الاتحاد، 19 مارس 2016.

[4] - أول زيارة لرئيس وزراء هندي إلى باكستان منذ 10 سنوات، مونت كارلو الدولية، 25 ديسمبر 2015.

[5] - د. فاطمة الصمادي، باكستان وإيران: مصالح متشابكة وعلاقات متعثرة، مركز الجزيرة للدراسات، 12 يناير 2015.

[6]- زكريا حسين، مرجع سابق، ص 53.

[7]- شحاته محمد ناصر، "تطور العلاقات الهندية – الإسرائيلية وتداعياتها على الأمن القومي العربي"، "شؤون خليجية"، العدد 25 (ربيع 2001)، ص 41.

[8]- زكريا حسين، مرجع سابق، ص 54.

[9]- Efraim Inbar, the Indian-Israeli Entente, the Begin-Sadat (BESA) Center for Strategic Studies (Winter 2004), p. 101.

[10]- محمد مصطفى زرير، العلاقات السياسية بين الهند ودول مجلس التعاون: الواقع وآفاق المستقبل، شؤون خليجية، العدد 27 (خريف 2001)، ص 166.

[11]- Efraim Inbar, op. cit., p. 98.

[12]- أبعاد المخطط الإسرائيلي – الهندي لإعادة رسم الخريطة السياسية في آسيا في مواجهة باكستان والعرب"، "شؤون خليجية"، العدد 29 (ربيع 2002)، ص 146.

[13]- أحمد سيد أحمد، إسرائيل والهند من التعاون إلى التحالف الاستراتيجي، السياسة الدولية، العدد 154 (أكتوبر 2003)، ص 203.

[14]- إحسان مرتضى، الحسابات الجيوستراتيجية في العلاقات الإسرائيلية ­ الهندية، مجلة الدفاع الوطني اللبناني، العدد 41 (تموز 2002).

مجلة آراء حول الخليج