array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 112

الدور الأوروبي في العلاقات بين طوكيو ومجلس التعاون اليابان تتولى القيادة في الخليج والاتحاد الأوروبي يتراجع

الثلاثاء، 04 تشرين1/أكتوير 2016

لا تزال قضايا الطاقة تسيطر في المقام الأول على العلاقات بين اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي وتحدد شكل العلاقة بينهما بشكل كبير.واستنادًا إلى حقيقة أن اليابان تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الواردات لتلبيه متطلبات الطاقة- وربما بصورة أكبر بعد حادث محطة فوكوشيما النووية، والذي أدى إلى خروج جميع مفاعلاتها النووية خارج نطاق شبكات الطاقة لديها– فإن العلاقات التجارية الثنائية بين اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي تتقدم وتتراجع وفقًا لمستوى الطاقة التي يتم تصديرها من دول الخليج إلى اليابان، إذ شكلت الطاقة حوالي 98.5٪ من واردات اليابان القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2014م. وبالإضافة إلى ذلك، أمدت دول مجلس التعاون الخليجي اليابان بأكثر من ثلاثة أرباع وارداتها من النفط الخام في العام نفسه. وساهمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالنصيب الأكبر في تلك الواردات. ومع تراجع أسعار النفط بدءًا من أواخر عام 2014م، انخفض إجمالي التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان انخفاضًا حادًا.ومن المتوقع أن تبلغ قيمه إجمالي التجارة بين دول مجلس التعاون واليابان في عام 2015م، نحو 100 مليار دولار أمريكي,في مقابل 9,164 مليار دولار أمريكي خلال عام 2014م، أي بإجمالي نسبة انخفاض تبلغ 40% تقريبًا مقارنة بالعام الماضي. ويعزى هذا الانخفاض بشكل أساسي إلى انهيار أسعار النفط نظرًا لأن صادرات الطاقة تمثل حوالي 80٪ من إجمالي التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان.

وترجع أهمية قضايا الطاقة إلى أن العلاقات بين اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي تظل من القضايا الاستراتيجية بطبيعتها برغم انخفاض التبادل التجاري بين الطرفين.وهناك أمران يجب أخذهما بعين الاعتبارعندما يتعلق الأمر بالنظر الى مسارتلك العلاقات على المدى القصير. أولهما: شعور اليابان بالقلق لفترة ليست بالقصيرة بسبب الوضع الأمني المتدهور في منطقة الشرق الأوسط نظرًا لأن عدم الاستقرار السائد في المنطقة يؤثر بشكل مباشر على تأمين صادرات الطاقة الى اليابان. وعليه، ففي حال اتساع هوة عدم الاستقرارإلى دول مجلس التعاون الخليجي، فإن واردات الطاقة الأساسية في اليابان ستكون عرضة للتهديد. ولمواجهة هذا الخطر المحتمل، انتهج رئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي"  سياسة يُطلق عليها "السلمية الاستباقية"؛ حيث تسعى إلى توسيع الدور الأمني لليابان في الشرق الأوسط من خلال تعزيز علاقاتها في مختلف أنحاء المنطقة. وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي أحد أهداف هذه السياسة.

أما الأمر الثاني فهو قيام دول مجلس التعاون الخليجي ببذل جهود متضافرة من أجل تنويع علاقاتهم الدولية والتأكيد على احتلال مصالحهم دورًا بارزًا في صياغة هذه العلاقات الجديدة. وجاءت قارة آسيا في مقدمة هذه الجهود، وبخاصة الصين والهند وكوريا الجنوبية، واليابان.وقد أكدت زيارة كل من ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في فبراير 2016م، وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود إلى طوكيو في سبتمبر 2016م، على أهمية ضمان أن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان ستبقى على طابعها الاستراتيجي.وتتطلع المملكة العربية السعودية بصفة خاصة إلى الاتجاه نحو اليابان من أجل الاستثمار لمساعدة المملكة لتلبيه بعض اهداف رؤيتها الاقتصادية لعام 2030. ويمكن اعتبار بنك "ميزوهو فاينانشال جروب" الياباني، والذي يمتلك فرعًا في الرياض، بوابة هامة لتأمين المستثمرين الآسيويين من أجل ما هو مُخطط له من طرح جزئي لأسهم شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام . وقد تم توقيع العديد من مذكرات التفاهم أثناء زيارة ولي ولي العهدالسعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود,بما في ذلك مذكرة تفاهم في مجال الاستثمار وأخرى في مجال الأمن البحري. وعلاوة على ذلك,فقد يكون هناك مشاركة يابانية عندما تقوم المملكة العربية السعودية بإصدار أول سنداتها السيادية في الأسواق العالمية في أكتوبر 2016م.

غير أنه وعلى ضوء ما سبق، فثمة العديد من المحاذير التي  يجب أخذها في الاعتبار، أولها: ألا ينبغي اعتبار عزم اليابان على لعب دور أكبر في شؤون الشرق الأوسط، وتعزيز الشراكات القائمة حاليًا، على أنه أمرًا يصب في صالح دول مجلس التعاون الخليجي وحدها، إذ ينبع كثير من الزخم المتعلق بالاتجاه السياسي لليابان من حالة عدم اليقين المتعلقة بدور الولايات المتحدة المستقبلي في الخليج,والذي تعتمد عليه اليابان حتى الآن في تأمين طرقها الملاحية، حيث تمر من خلاله معظم امدادات الطاقة. وبالنسبة لليابان، فإن تلك الحالة من عدم اليقين أبرزت الحاجة إلى الحفاظ على العلاقات مع بعض الدول، مثل روسيا وإيران, وخاصةً عقب انضمام روسيا للصراع السوري، واتفاق إيران مع المجتمع الدولي بشان خطه العمل المشتركة الشاملة حول برنامجها النووي. وبدلاً من تقديم دعم قوي لموقف الولايات المتحدة بشأن قضايا الشرق الأوسط المصيرية, فمن المحتمل أن تلعب اليابان دورًا أكثر توازنًا فيما يتعلق بالدور الاستراتيجي، الذى يمكن أن تقوم به كل من روسيا وإيران في المنطقة. وقد أشارت اليابان، بالفعل، إلى أنها مستعدة لاستثمار حوالي 10 ملياردولار أمريكي في إيران لتعزيز مصالحها الاقتصادية هناك, في الوقت الذي ارتفعت فيه واردات النفط القادمة من إيران إلى اليابان بنسبة 60٪ خلال الفترة من مايو 2015-مايو 2016م. ومع ذلك، فسوف تسعى اليابان لتجنب اتخاذ أي إجراءات قد تضر بمصالحها على صعيد الطاقة, وهو ما يعني أنها سوف تُعمق علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران في نفس الوقت. ويعتبر الاستقرار هو العامل الأساسي الذي يدير المنهج السياسي لليابان،فلم تعد طوكيو ترى في ظل البيئة الاستراتيجية الجديدة، أن الاعتماد على الولايات المتحدة أمرًا كافيًا في حد ذاته.

ويتمثل التحذير الثاني في المنافسة المتزايدة بين الدول الآسيوية على الأسواق الخليجية التي لا تزال مربحة. وفي الوقت الذي استمرت فيه دول مجلس التعاون الخليجي في زيادة تأكيدها على العلاقات القوية التي تربط بينها وبين اليابان، انخفضت صادرات دول الخليج إلى اليابان، والواردات اليابانيةإلى دول الخليج انخفاضًا نسبيًا بالمقارنة مع غيرها من الدول الآسيوية مثل الصين وكوريا الجنوبية، والهند. وتباشر هذه الدول الثلاث حاليًا إجراءات لتوسيع نطاق علاقاتها مع جميع دول الخليج،وهو ما يشير إلى وجود اتجاه لزيادة التنافس على المشاريع والفرص الموجودة في منطقة الخليج. وفي خضم هذه المعادلة، سيكون من الصعب على اليابان الحفاظ على وضعها المتوازن، وخاصة في ظل الصراع المتبادل بينها وبين الصين بشأن النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي.ولا يمكن لليابان ، في ظل هذه الأجواء، أن تفترض أن تمضي علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى الأمام بشكل تلقائي.

ويتمثل التحذير الأخير في احتياج  اليابان نفسها إلى الطاقة في المستقبل. فقد انخفض الطلب على النفط في اليابان في ظل ارتفاع  أسعاره في السنوات الأخيرة، حيث سعت إلى تقليل فاتورة استيراد الطاقة، وبادرت الحكومة اليابانية إلى الدخول في مزيد من مشاريع الطاقة المتجددة.وعلاوة على ذلك، ثمة مؤشر على أن اليابان ستبدأ ببطء في إعادة تشغيل بعض مفاعلاتها النووية، لتنويع موارد الطاقة لديها مرة أخرى.وفي الظروف الحالية، قد يتم إعادة تنشيط من خمسة إلى سبعة مفاعلات نووية خلال عام 2017م، ورغم أن الانخفاض الأخير في أسعار النفط قد يؤجل من هذه الخطوة قليلاً، إلا أنها قد تكون هدفًا طويل المدى تضعه اليابان نصب أعينها من أجل تقليل الاعتماد على إمدادات النفط الخليجية، وزيادة تنويع إمدادات الطاقة لديها. وهذا بدوره، سيكون له تأثيره على العلاقات الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي.

العلاقات بين اليابان ودول الخليج والدور الأوروبي

وفي ضوء العوامل المذكورة سلفًا، يجب وضع أي وجهة نظر أوروبية بخصوص العلاقات الحالية بين دول الخليج واليابان في سياقها الصحيح. وبالنظر إلى العلاقات الوثيقة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي واليابان في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية, فلن يكون صحيحًا أن نزعم وجود قلق أوروبي حيال التعاون السياسي والأمني المتزايد بين طوكيو ودول الخليج, حتى في ضوء الانخفاض المُحتمل لتواجد الولايات المتحدة في منطقة الخليج. وبدلاً من ذلك، فينبغي افتراض أن اليابان ودول أوروبا سوف تستخدمان نفس الامتيازات السياسية بشأن محاولة إيجاد طرق يمكن من خلالها تهدئة أوضاع الصراع الحالية في الشرق الأوسط واحتوائها. وتتشابه اهتمامات الدول الأوروبية مع اليابان، إذ تتمثل أول اهتمامات الدول الأوروبية في إعادة الاستقرار إلى المنطقة المضطربة القابعة جنوبها، وتحديدًا في ضوء أزمة اللاجئين التي برزت عام 2015م، والتي ألقت الضوء على التأثير المباشر الذي يلحق بالدول الأوروبية جراء التدهور الأمني في الشرق الأوسط.

وفي الوقت نفسه, لن تتوقع أوروبا من اليابان أن يكون لها في منطقة الخليج دورًا عسكريًا وأمنيًا أكثر مباشرة في المستقبل, نظرًا إلى المخاطر التي ترتبط بمثل تلك الخطوة, بالإضافة إلى القدرة المحدودة التي تمتلكها أوروبا واليابان للتعامل مع المسائل الأمنية الصعبة. وعوضًاعن ذلك, ستظل الولايات المتحدة الأمريكية اللاعب الافتراضي الذي تسعى من خلاله اليابان وأوروبا لحماية مصالحها في المنطقة. وينطبق ذلك أيضًا على الوضع في سوريا والتحالف الذي يحارب تنظيم داعش. أما فيما يتعلق بالشأن السوري, فترى اليابان وأوروبا أن مفتاح الحل يكمن بشكل أساسي لدى موسكو وواشنطن، ويتعلق بقدرتهما على الوصول إلى اتفاقية سياسية كافية وقوية تجعل من الممكّن البدء في عملية الانتقال السياسي بعيدًا عن حكومة بشار الأسد. ونفس الشيء ينطبق على الحملة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ومع ذلك, فيمكن لكل من اليابان وأوروبا أن تشرعا في تنسيق برامجهما السياسية والدبلوماسية بما يتيح خلق مساحة، يمكن أن تظهر من خلالها حوارات إضافية بين الدول الإقليمية وممثليها. وعلاوة على ذلك، قد تُعتبر التوترات الحالية بين المملكة العربية السعودية وإيران إحدى الجبهات التي يمكن أن ترى فيها كل من اليابان وأوروبا مجالا لبذل الجهد في سبيل عقد محادثات ثنائية من أجل تهدئة تلك الأجواء المتوترة. كما يمكن بذل جهد مماثل على صعيد الشأن الليبي.

وبرغم ذلك, فهناك مشكلتان في التحليلات المذكورة سلفًا: أولهما يتعلق بالحالة الراهنة في أوروبا, حيث لا تزال معاناة أوروبا مستمرة لكي تُحدد لنفسها دورًا أمنيًا وخارجيًا في ظل الفوضى الشاملة التي تعمها في الوقت الحالي. وبوجود قضايا مثل أزمة اللاجئين والمشكلات الموجودة داخل منطقة اليورو, وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وهي المشاكل التي تُهيمن على جدول أعمال القادة الأوربيين, لا يوجد مؤشر يُذكر على استعداد أوروبا لبذل مزيد من الجهود واسعة الانتشار، ومتعددة الأطراف للتعامل مع أزمات الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، فمن المقرر أن تُعقد الانتخابات العامة في ألمانيا وفرنسا خلال عام 2017م. وبالتالي، قد تتضاءل سريعًا الجهود المحتملة التي قد تبذلها أوروبا، نظرًا لبدء المشاكل المحلية في كلتا الدولتين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي، واحتلالها لموقع الصدارة في اهتمامات الدولتين. ونتيجة لذلك, فقد تجد اليابان نفسها وحيدة في مساعيها الدبلوماسية لتفعيل سياسة "السلمية الاستباقية".

 

وتتمثل المشكلة الثانية في خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. ففي حين أن عملية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي سوف تمتد بلا شك لعدة سنوات مع شروع كلا الجانبين في المباحثات الشاقة حول شروط الخروج, فسوف يجد الاتحاد الأوروبي نفسه دون لاعبا من أكثر اللاعبين البارزين في السياسة الأمنية والخارجية, وتحديدًا فيما يتعلق بالشرق الأوسط. وسيعني ذلك بالنسبة لليابان التعاون مع شريك أقل تماسكًا. وبرغم ذلك، ومن جهة أخرى،فيمكن لليابان أن تفرض نفسها كلاعب رئيسي عندما يتعلق الأمر بمسار المفاوضات داخل الاتحاد الأوروبي, نظرًا لأن ضخامة حصتها الاقتصادية تدفعها إلى طرح رؤية "انفصال" سلس وودي بين الطرفين. وفي ورقة أعدتها الحكومة اليابانية، توضح موقفها بشأن الجدل حول خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، أوضحت طوكيو بشكل قاطع احتمال مواجهة المملكة المتحدة لعواقب اقتصادية وخيمة في حال انسحابها من الاتحاد الجمركي الأوروبي والسوق الأوروبية الموحدة،إذ لن يقتصر الأمر على قيام البنوك اليابانية بنقل مقراتها الرئيسية خارج لندن للعمل في دول الاتحاد الأوروبي، في حال فشل المفاوضات في حماية "جواز سفر خدماتهم المالية", بل قد تقوم الشركات اليابانية أيضًا بنقل مقراتها الرئيسية من المملكة المتحدة إلى أوروبا، في حالة عدم سريان قوانين الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة بعد انسحابها من منطقة اليورو." (صحيفة الجارديان, 4 سبتمبر, 2016)

ونخلص من ذلك بأن اليابان سوف تُولي الشؤون الأوروبية نفس القدر من الاهتمام الذي توليه للأوضاع في الشرق الأوسط. وفي كلتا الحالتين, سيكون الاقتصاد هو العامل المحرك في تحديد وجهة السياسات اليابانية. أما دول الخليج, فسوف تستمر في مواجهة بيئة دولية وإقليمية سريعة التغير يسودها التقلب وعدم اليقين. وسوف ترغب كل من أوروبا واليابان في لعب دور أكبر في شؤون دول الخليج والشرق الأوسط, ولكنهما على الأرجح سوف يجدون أنفسهم مكبلين بالقيود في هذا الصدد. وإن حدث شيء،فسوف تتولى اليابان قيادة هذا الدور أكثر من الاتحاد الأوروبي. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير مركز الخليج للأبحاث ـ جنيف ـ سويسرا 

مجلة آراء حول الخليج