إن كوريا الجنوبية تمثل حالة نادرة في النمو الاقتصادي فهي اليوم قوة اقتصادية عالمية والدور السياسي مرتبط بالاقتصاد، فهي رابع دولة اقتصاديًا على مستوى آسيا وتأتي في المرتبة الحادية عشرة على مستوى العالم وفقًا لتقارير صندوق النقد الدولي (2016م) والبنك الدولي (2015م)، كما أنها سابع دولة في الاستيراد كما في التصدير (2014م)، علمًا بأن عدد سكانها 50,9 مليون نسمة (2016م)، ودروس التاريخ علمتنا حيثما تكون القوة الاقتصادية فإن القوة السياسية والاستراتيجية تتبعها، وهذه القوة الاقتصادية الكورية جعلتها تتمتع بعلاقات سياسية واستراتيجية متميزة مع اليابان وأستراليا والصين والهند وحليفتها الولايات المتحدة وحتى مع النظام الدكتاتوري في كويا الشمالية تتبنى دائمًا سياسة الاحتواء وعدم التصعيد، لأن النمو الاقتصادي يحتاج إلى الاستقرار السياسي .
كوريا من نادي الفقراء إلى نادي الأغنياء
كانت كوريا الجنوبية من أفقر دول العالم بعد خروجها من الحرب الكورية (1950-1953م)، التي أدت إلى تثبيت تقسيم شبه القارة الكورية، كان دخل الفرد السنوي عام 1960 م، حوالي 76 دولارًا أقل من السودان وجمهورية الكنغو الديمقراطية كما أن مصر كانت أفضل حالا منها. ولكن كوريا الجنوبية حققت نموًا اقتصاديًا فيما بعد جعلها تنضم إلى نادي الدول الغنية، تبنت النموذج الياباني، وعندما سيطر الرئيس الكوري (بارك شنغ هي) عام 1961م، على الحكم، تبنى سياسة التصدير بكل الوسائل وشجع هجرة العمالة الكورية للدول الصناعية وتحويل عائداتهم لكوريا وإنشاء المصانع ضمن خطط خمسية وتدفقت المساعدات والقروض واستثمارات الشركات الكبرى وخاصة الشركات الأمريكية، وكانت المساعدات بالذات أمريكية وذلك لأن كوريا الجنوبية حليفة للولايات المتحدة في ظل الحرب الباردة والتنافس السوفيتي -الأمريكي ووجود القواعد العسكرية الأمريكية .
وقد قدمت الولايات المتحدة قروضًا ومساعدات إلى كوريا قدرت حوالي 60 مليار دولار أمريكي خلال الفترة ما بين 1946-1978م، بينما لم تحصل دول القارة الإفريقية كلها خلال تلك الفترة سوى على 68 مليار دولار من المساعدات والقروض الأمريكية، إن أهمية كوريا الجنوبية الاستراتيجية جعلتها تستأثر بنصيب كبير من المساعدات، ولكن الأهم من ذلك أن دولة مثل كوريا استطاعت أن تستغل هذه المساعدات بشكل جيد في نموها الاقتصادي على عكس الدول الإفريقية التي عاشت في أغلبها تحت أنظمة عسكرية فاشلة وحمى الانقلابات العسكرية والفساد السياسي والمالي والتبعية المذلة، فكوريا ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي تحولت من النظام السلطوي إلى النظام الديمقراطي والتعاقب على السلطة، وتبنت نظام تعليمي متميز وانتشار منظمات المجتمع المدني ومراكز البحث العلمي، فكانت نهضة اقتصادية قائمة على الاقتصاد الحر والتجارة، ورغم أنها حليف أمريكي فإنها كانت تقف في وجه حليفتها الأمريكية عندما تختلف معها في خطط استراتيجيتها التنموية، جعلها في المرتبة الحادية عشرة على مستوى الاقتصاد العالمي وأن تكون ضمن مجموعة الدول العشرين الاقتصادية ( Group-20)، حتى أصبح مستوى دخل الفرد الكوري من أعلى الدخل الفردي في العالم 36500 دولار سنويًا (2015م)، كما أصبحت في عام 2009 أول دولة نامية تلقت مساعدات خارجية عضوًا في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ( OECD ) وعضو مؤسس في المنتدى الاقتصادي للمحيط الهادي –الآسيوي ( APEC).
ورغم أن الولايات المتحدة قد شجعت كوريا على تأسيس الشركات الصغيرة والمتوسطة إلا أن كوريا قامت بتأسيس تجمعات لشركات كبرى (Chaebols) جعلتها نموذج تنموي ناجح للدول النامية، أي أن هناك استقلالا في التفكير التنموي بما يتناسب من المصلحة الكورية مما جعلها متميزة في مجال صناعة الالكترونيات والمشاريع الكبرى للبنية التحتية للبناء والاتصالات حتى ساهمت في مشاريع كبرى في دول مجلس التعاون في هذه المجالات الإنشائية.
العلاقات الخارجية: الاقتصاد أولا
تميزت العلاقات الكورية الجنوبية بالمرونة السياسية وتجاوز الخلافات مع جيرانها، فقد كانت شبه الجزيرة الكورية قد احتلت من قبل اليابان، وبعد هزيمة الأخيرة كان الصراع بين الاتحاد السوفيتي والصين من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، وكانت الحرب الكورية التي أدت إلى تقسيم كوريا، فأصبحت كوريا الشمالية ضمن المعسكر الشيوعي، مما أدى لأن تكون كوريا الجنوبية حليفًا للولايات المتحدة وعقد اتفاقية مشتركة بين البلدين، وتعتبر كوريا مدينة لحليفتها الولايات المتحدة التي فقدت 37000 جندي في الحرب الكورية لذلك شاركت كوريا الجنوبية بجنودها مع الولايات المتحدة في حرب فيتنام. وتحسنت علاقة كوريا مع اليابان باعتبارهما حلفاء الولايات المتحدة واعترفت اليابان في عام 1965م، بأن كوريا الجنوبية هي الممثل الشرعي لكوريا، وتعززت العلاقات التجارية بينهما ولكنها فيما بعد فتحت قنوات سياسية مع كوريا الشمالية.
وتجاوزت كوريا الجنوبية حساسية علاقة كوريا الشمالية مع الصين وخلافات الحرب الكورية، فأقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين الشعبية في أغسطس 1992م، بعد أن كانت علاقاتها مع الصين الوطنية، وكانت العلاقات التجارية المحور الرئيس في العلاقات بين البلدين، ففي عام 2014م، كانت صادراتها للصين 145,3 مليار دولار واستيرادها من الصين 90 مليار دولار فالميزان التجاري لصالح كوريا الشمالية.
وقد أقامت كوريا الجنوبية العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي السابق في أخر سنة من عمر الاتحاد في سبتمبر 1990م، واستمرت العلاقات مع روسيا الاتحادية، وقام الرئيس بوتين بزيارة كوريا الجنوبية في فبراير 2001م، وزار الرئيس الكوري موسكو 2004م، وكان التعاون الاقتصادي هو أساس العلاقات بين البلدين، وتعاونتا في مجال صناعة الفضاء وزاد التبادل التجاري بينهما، فحجم الاستيراد من روسيا عام 2014م، بلغ حوالي 15,6 مليار دولار وتأتي روسيا في المرتبة العاشرة في واردات كوريا بينما روسيا ليست مستورد رئيس من كوريا الجنوبية. وكان الانفتاح الكوري الجنوبي على كل من بكين وموسكو على بناء علاقات الثقة مع كوريا الشمالية باعتبارهم حليفا الشمالية وبالتالي في علاقتها مع الصين وروسيا تسعى للضغط على نظام كوريا الشمالية لتخفيف سباق التسلح ومحاولة لبناء ما تسمية الثقة السياسية TUSTPOLITIK بين سيؤول وبيونغ يانغ.
وتعتبر كوريا الجنوبية مركزًا رئيسًا للاستثمارات الأمريكية وخاصة الشركات العملاقة الأمريكية، فقد كانت كوريا الجنوبية في المرتبة السابعة عالميًا كسوق للبضائع الأمريكية وتأتي الثانية عالميًا كسوق للمنتجات الزراعية الأمريكية وبالإضافة لمعاهدة الدفاع بينهما فهناك معاهدة التجارة الحرة بينهما. وحسب أرقام 2014م، فالولايات المتحدة تأتي في المرتبة الثانية كسوق للصادرات الكورية الجنوبية حيث بلغت 70,5 مليار دولار، بينما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة في الواردات الكورية 45,5 مليار دولار (2014م)، ونجد أن الدول العشر الأولى كأسواق للبضائع الكورية، هي الصين، الولايات المتحدة، اليابان، هونج كونغ، سنغافورة، فيتنام، الهند، إندونيسيا، المكسيك وأستراليا.
العلاقات الخليجية -الكورية الجنوبية: التقارب السياسي
تعتبر كوريا حليفا للمعسكر الغربي، ولم تقيم علاقاتها الدبلوماسية مع كل من الصين والاتحاد السوفيتي كما أشرنا إلا في تسعينيات القرن الماضي، وتلتقي دول الخليج العربي مع كوريا كقربها من المعسكر الغربي وفي إقامة علاقاتها الدبلوماسية إذا استثنينا الكويت التي أقامت علاقاتها الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي السابق عام 1963م.
كانت المملكة العربية السعودية أول دولة من دول المجلس تقيم علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية في أكتوبر 1962م، ثم تلتها كل من عمان وقطر عام 1974م، والبحرين 1976 م، والكويت عام 1979م، والإمارات العربية المتحدة عام 1980م، وكانت العلاقات سياسية في بدايتها أكثر مما هي اقتصادية لأن كوريا كانت دولة فقيرة، ونمت علاقات دول المجلس الدبلوماسية مع التطور الاقتصادي في كوريا، بالاضافة إلى الدعم السياسي لكوريا كدولة رأسمالية حليفة للولايات المتحدة في مقابل دعم المعسكر الاشتراكي الصين والاتحاد السوفيتي إلى كوريا الشمالية، وحاجة كوريا الجنوبية للشرعية الدولية من خلال علاقاتها الدولية، ولذا فإن دول الخليج بعلاقاتها مع الولايات المتحدة وحلفائها كانت مؤيدة لكوريا الجنوبية وازدادت العلاقات بينهما مع طفرة البترول في الثمانينيات والمشاريع الضخمة التي باشرت فيها دول المجلس خاصة في مشاريع البناء والبنية التحتية والعقود التي تمت مع الشركات الكورية، فكانت السياسة تسير خلف العلاقات الاقتصادية، وإن الاستقرار السياسي في دول المجلس على عكس بعض دول الشرق الأوسط التي عانت من الاضطرابات والحروب مثل الحرب العراقية ــ الإيرانية، التي أثرت على العلاقات الكورية الخليجية بشكل إيجابي، لأن إيران والعراق اتجهت كلاهما للحصول على السلاح من كوريا الشمالية، بينما دول المجلس ليس لها علاقات مع كوريا الشمالية مما دفع كوريا الجنوبية إلى تعزيز علاقاتها مع دول المجلس. وتلعب البيروقراطية وجماعات المصالح في داخل كوريا بتعزيز علاقات كوريا مع دول المجلس بسبب المنافع الاقتصادية التي تجنيها الشركات الكبرى الكورية من مشاريعها في دول المجلس،حيث بلغ حجم التبادل التجاري بيد دول المجلس وكوريا عام 2011م، حوالي 112,7 مليار دولار وهذا بالتالي يدفع لتعميق العلاقات السياسية بينهما، ومع الفوضى التي اجتاحت دول الربيع العربي وفقدان كوريا لبعض مصالحها الاقتصادية، وجدت في الاستقرار السياسي في دول المجلس لزيادة علاقاتها الاقتصادية تعويضًا لها عن دول الربيع العربي.
كوريا: علاقات الولايات المتحدة ودول المجلس
أن تحالف كوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة أثر على سياستها الخارجية وفرض عليها التدخل العسكري أحيانا بجانب الولايات المتحدة كما فعلت في حرب فيتنام، وعند الأزمة الكويتية بالاحتلال العراقي للكويت 1990-1991م، وتدخل التحالف الدولي وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي، فقد طلبت الولايات المتحدة، إدارة الرئيس بوش الأب بأن تساهم كوريا الجنوبية في نفقات الحرب وإرسال قوات عسكرية، وكانت هي المرة الثانية التي ترسل كوريا قواتها خارج حدودها للمشاركة في الحرب، لأن كوريا الجنوبية حريصة على بناء علاقات سلمية حتى مع جيرانها ومنافستها كوريا الشمالية، وبالتالي إنها المرة الأولى التي تسهم كوريا الجنوبية عسكريًا في منطقة الخليج العربي ثم فيما بعد في عام 2003م .
حاولت الولايات المتحدة أن تشكل التضامن الديمقراطي تحت مسمى (القوس الآسيوي الديمقراطي Asian Arc of Democracy ) في مواجهة الصين التي تسعى لبسط نفوذها في شرق وجنوب آسيا، ومن خلال القوس الديمقراطي الذي يضم الولايات المتحدة واستراليا والهند واليابان في حالة توازن لمواجهة الصين، وحيث أن كوريا الجنوبية حليفة للولايات المتحدة ومستقرة سياسيًا ودولة ديمقراطية فهي مرشحة لأن تكون ضمن هذا القوس الديمقراطي، وبالفعل تأسس هذا القوس عام 2007م، ولكنه لم يستمر طويلا، وكان يمكن أن يشكل تفاعلًا ايجابيًا للمجلس سواء من الناحية السياسية أو الأمنية وحتى الاقتصادية، لأن دول المجلس لها علاقات متميزة مع الهند واليابان واستراليا بالاضافة إلى الحليف الأمريكي، فالعلاقات الاقتصادية بين هذه الدول ومجلس التعاون الخليجي يشكل عمقًا سياسيًا مهمًا في التعاون السياسي وخاصة في مجال القضايا الدولية وخاصة حظر انتشار الأسلحة النووية التي تعتبر مؤرقة لكوريا الجنوبية التي تريد شبه القارة الكورية خالية من أسلحة الدمار الشامل وأيضًا دول المجلس مع دول القوس الديمقراطي لها موقف من انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وخاصة من أزمة المفاعل النووي الإيراني حيث شاركت كوريا الجنوبية في تطبيق قرارات مجلس الأمن في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران رغم أنها كانت تستورد الطاقة منها ولها علاقات اقتصادية قوية حيث اعترفت إيران بكوريا الجنوبية منذ عام 1962م، ولكن كوريا كانت تلتف على العقوبات بطريقة غير مباشرة بسبب مصالحها التجارية والاستثمارات في إيران .
كوريا الشمالية في العلاقات الخليجية الكورية الجنوبية
كان اعتراف المملكة العربية السعودية بكوريا الجنوبية كان دعمًا سياسيًا للشرعية الدولية في ظل الحرب الباردة وانقسام النظام الدولي ثم تبعتها دول مجلس التعاون فيما بعد، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م، وبروز نظام دولي جديد كما كان يردد جورج بوش، وأصبح النظام الدولي أحادي القطبية تحت الهيمنة الأمريكية وما ترتب أيضًا على تحرير الكويت، ووراثة روسيا الاتحادية لمقعد الاتحاد السوفيتي الدائم في مجلس الأمن الدولي، وعقد الكويت لبعض اتفاقيات الدفاع المشترك وحاجة دول المجلس إلى الدعم السياسي سواء في مجلس الأمن الدولي أو القضايا الدولية التي تتعلق بأمن الخليج سواء بالنسبة للتهديد الإيراني لأمن المنطقة أو انتشار أسلحة الدمار الشامل أو الموقف السياسي من الصراع العربي الإسرائيلي، كان هناك لا بد من انفتاح نسبي مع كوريا الشمالية بفعل علاقة الأخيرة المتميزة بالصين وروسيا الاتحادية.
ولذلك أقامت بعض دول المجلس علاقات دبلوماسية مع كوريا الشمالية، فأقامت سلطنة عمان علاقاتها الدبلوماسية عام 1992م، وقطر1993م، ثم تبعتهما الكويت والبحرين عام 2001م، والإمارات العربية المتحدة عام 2007م، بينما ليس هناك علاقات دبلوماسية بين السعودية وكوريا الشمالية. وقد جاءت العلاقات الدبلوماسيةـ بعد أن دخلت كوريا الشمالية والجنوبية في حوار بينهما تم عقد اتقاقية المصالحة والتعاون عام 1991م، بينهما، وبيانهما عام 1992م، بجعل شبه القارة الكورية خالية من الأسلحة النووية، وبالمقابل اعترف كل من الاتحاد السوفيتي قبل انهياره والصين أيضًا بكوريا الجنوبية 1990 و1992م، على التوالي.
وتفاوضت الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية بشأن برنامجها النووي وتوج الحوار بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة بزيارة وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت إلى العاصمة بيونغ يانغ، كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان أو رئيس سواء على عهد الاتحاد السوفيتي أو روسيا الاتحادية يزور بيونغ يانغ عام 2000م، وتبعتها أيضًا زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى بيونغ يانغ عام 2002م، ولذلك جاء الانفاتح الدبلوماسي على كوريا الشمالية كنوع من التوازن السياسي مقصود به حلفاء كوريا الشمالية أكثر مما هو للنظام الكوري الشمالي، كما أن إيران تتمتع بعلاقات قوية بالنظام الدكتاتوري لكوريا الشمالية ويبيعها الصواريخ البالستية ضمن محور روسيا الاتحادية -الصين -كوريا الشمالية، وتأتي علاقة دول المجلس التي اعترفت بكوريا الشمالية خطوة سياسية لتعزيز علاقة المجلس مع دول شرق آسيا بغض الطرف عن خلافات الدول الآسيوية فيما بينها، علمًا بأن العلاقات السياسية بين دول الخليج المذكورة لا ترقى إلى وجود سفارات لها في بيونغ يانغ، ما عدا وجود سفارة لكوريا الشمالية في العاصمة الكويت، وهناك حوالي 3000 كوري شمالي في الكويت ومثله في قطر ، ولكن العلاقات مع كوريا الجنوبية على المستوى السياسي والاقتصادي أكثر متانة وقوة بين المجلس وكوريا الجنوبية وفي مجال مشاريع الطاقة الكهربائية التي تقوم بها الشركات الكورية الجنوبية .
البترول والسياسة
تعتبر كوريا الجنوبية في المرتبة الخامسة عالميًا في استيراد البترول مع نموها الاقتصادي ومرتبتها الحادية عشرة في الاقتصاد العالمي وعلاقاتها الاقتصادية المتعددة مع الدول .
وتأتي المملكة العربية السعودية في المرتبة الرابعة في الدول التي تستورد منها كوريا الجنوبية، بشكل عام بغض النظر عن نوع الواردات، ولكن يظهر أن البترول هو العنصر الاساسي في الاستيراد من المملكة ويقدر حجم الاستيراد حسب أرقام 2014 م، حوالي 36,7 مليار دولار، ثم تأتي قطر في المرتبة الخامسة من الواردات الكورية الجنوبية بحجم 25,7 مليار دولار، والكويت في المرتبة الثامنة بالواردات الكورية الجنوبية، ونلاحظ أن هذه الدول الثلاث تأتي في قائمة الدول العشر الأولى في الواردات التي تستوردها كوريا، تأتي في المقدمة الصين اليابان والولايات المتحدة ثم ألمانيا في السادسة واستراليا في المرتبة السابعة وروسيا في المرتبة العاشرة .
ولا شك أن العلاقات الاقتصادية لها أهمية في مجال التعاون السياسي بين دول المجلس وكوريا الجنوبية، وتحاول كوريا أن تعمق علاقاتها السياسية من خلال الزيارات المتبادلة مثل زيارة وفد اتحاد غرف مجلس التعاون للعاصمة الكورية أو على مستوى التعاون الثنائي بين دول المجلس وكوريا، ولا شك أن العلاقة السياسية بين المجلس وكوريا تمهد لعلاقات تجارية واستثمارية وخاصة مع بروز كوريا وتميزها حديثًا في مجال الصناعات الصحية.
مجلس التعاون والتوجه شرقًا وقانون جاستا
إن كوريا الجنوبية تتبنى دبلوماسية هادئة وأقرب إلى الحياد في الخلافات الدولية، وكانت علاقاتها مقتصرة على حليفتها الولايات المتحدة وشرق آسيا وعندما انضمت للأمم المتحدة عام 1991م، وعلى أثر قوتها الاقتصادية قام تنويع علاقاتها السياسية خارج منطقة شرق آسيا وبالذات نحو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإيران حيث مليارات الدولارت من استثماراتها وشركاتها، وتعتبر كوريا نفسها بأنها ذات قوة متوسطة وليست دولة كبرى فتبنت الدبلوماسية الناعمة، ولذلك أسست وكالة التعاون الدولية الكورية ( KICA)، ومعهد التنمية الكوري ( KDI )، ولكن في المجال الأمني فإن علاقاتها محدودة على المستوى الدولي، وتحت الضغط الأمريكي أرسلت وحدة عسكرية للعراق حوالي 3500 جندي تحت شعار الخدمة في المجالات المدنية وبعيدة عن مناطق القتال، وذلك حفظا على مصالحها الاقتصادية في المنطقة وكان عدد قواتها الثالثة من حيث العدد بعد كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، ولكنها تشترك في القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام لإثبات وجودها على الساحة الدولية كما في مشاركتها في حفظ السلام الدولية في جنوب لبنان وتيمور الشرقية والصحراء الغربية .
وحيث أن الولايات المتحدة تتجه شرقًا نحو آسيا, وفتور العلاقات العربية وخاصة الخليجية مع الولايات المتحدة وإصدار الكونغرس لقانون جاستا، فإن ذلك قد يدفع الاستثمارات الخليجية للتوجه شرقًا، وكوريا الجنوبية قوة متوسطة أخذت تربطها علاقات قوية سياسيًا واقتصاديًا مع جيرانها الصين واليابان ومجموعة آسيا، ولذلك تكون كوريا الجنوبية منطقة استثمارية ولها مليارات الدولارات في الاستثمارات ومشاريع ضخمة في دول المجلس، وكدولة مستقرة سياسيا ومحايدة سياسيا ولا يمكن أن تشكل تهديدًا لمنطقة الخليج العربي، فتبقى الاستثمارات الخليجية أكثر أمنًا بدلا من الابتزازات التي يمكن أن تتعرض لها دول المجلس من جماعات الضغط في دولة مثل الولايات المتحدة .
إن التحدي الأكبر للعلاقات الخليجية –الكورية الجنوبية في حالة تدفق الاستثمارات الضخمة من دول المجلس إلى كوريا الجنوبية هو الولايات المتحدة، فرغم المحاولة الجادة لأن تبقى كوريا على الحياد سياسيًا في الخلافات السياسية بين الولايات المتحدة والصين مثلا، فإن كوريا لا تستطيع مقاومة الضغط الأمريكي في حالة شعرت أن الاستثمارات الخليجية بتدفقها على كوريا تؤثر على الأمن الاقتصادي الأمريكي.
ولكن تبقى كوريا الجنوبية مهمة في العلاقات الاقتصادية أكثر منها في العلاقات السياسية فمثلا عند فرض العقوبات الدولية على إيران ورغم الضغط الأمريكي لتنفيذ الحصار فإن كوريا التفت على العقوبات بسبب وجود 3000 شركة في إيران، ولذلك تبقى علاقاتها السياسية مرهونة بمصالحها الاقتصادية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية جامعة الملك عبد العزيز -جدة