استضافت مملكة البحرين ورشة عمل بعنوان"ضريبة القيمة المضافة وتأثيرها على نشاط القطاع الخاص"يوم الخميس 27 أكتوبر 2016م نظمها اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي بالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة البحرين، و جاءت إقامة هذه الندوة على خلفية ما يحدث في أسواق النفط واستمرار انخفاض الأسعار وشبح العجوزات في الميزانيات لدول المجلس وتنامي الدين العام، وتحدث فيها نخبة من المتخصصين في الشأن الخليجي ، فمن جهتها قالت الدكتورة ماريا فاجلياسندي – مديرة برنامج دول مجلس التعاون بالبنك الدوليIMF قالت إن دول المجلس فقدت ما نسبته 20% من ناتجها القومي (أي ما يعادل 340 بليون دولار) خلال عام 2014م، وأن أسعار النفط لن تتحسن في المنظور القريب مما يفرض على دول المجلس القيام بإجراءات لسد العجوزات منها تقليل الإنفاق الحكومي وتنويع مصادر الدخل وفرض الضرائب، بدءًا بضرائب القيمة المضافة ولاحقًا ضرائب الدخل على المؤسسات وعلى الأفراد وضرائب العقارات والضرائب الخاصة على بعض المنتجات. مؤكدة على أهمية تطوير القوانين والأنظمة والقرارات والتشريعات الخليجية المتعلقة بفرض الضرائب، إضافة إلى تعزيز التنسيق والتعاون مع الهيآت والمنظمات الإقليمية والدولية ذات العلاقة الذي من شأنه تعميق العلاقات الاقتصادية الخارجية للقطاع الخاص الخليجي.
الورشة تحدث فيها إلى جانب الدكتورة فاجليا سندي، كل من الأستاذ عبدالرحيم حسن نقي، الأمين العام لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي، والدكتور خالد المزيني، من جامعة قطر، والأستاذ عبدالرحمن الأنصاري – الرئيس التنفيذي لشركة قطر للصناعات التحويلية، ود. جعفر الصايغ، رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية وآخرون
د. جعفر الصايغ رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية استعرض مراحل الدعم الحكومي في دول الخليج العربي منذ اكتشاف النفط حتى الآن، مشيرًا إلى أن هذا الدعم هو أداة اقتصادية تستخدمها الحكومات للتدخل في السوق عند الضرورة، لكن ما حدث في دول الخليج العربي هو أن الحكومات لجأت إلى توزيع عوائد الثروة النفطية عبر الدعم الحكومي، لذلك اعتاد الناس على هذا الدعم الدائم، مضيفًا أن تذبذب أسعار النفط الذي يشكل قرابة 80% أو أكثر من الدخل الوطني لدول الخليج أثرت بشكل مباشر خلال العقود السابقة على إمكانية الحكومات في استمرار تقديم هذا الدعم، ودعا إلى اعتماد آليات اقتصادية متطورة تتبنى مبدأ عقلنة الدعم المقدم، وذلك بما يواكب متطلبات منظمة التجارة العالمية أيضًا.
من جانبه، أوضح الدكتور خالد المزيني من جامعة قطر أن دول الخليج العربي ورغم تشابه اقتصاداتها المعتمدة على النفط إلا أنها لا تتمتع بالملاءة المالية ذاتها، وقال: إنه بمجرد التوصل إلى إطار العمل حول تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دول الخليج ستحظى كل دولة بالمرونة الكافية لتطبيق هذه الضريبة خلال فترة لا تزيد عن عام. مضيفًا إلى أن عملية فرض ضريبة القيمة المضافة تتطلب الكثير من العمل المسبق، وأن القطاع الخاص بحاجة إلى الوقت لتهيئة نفسه من أجل التكيف مع القواعد الضريبية ولهذا الغرض تم منح وقت كافٍ قبل فرضها المتوقع في مطلع عام 2018م.
وكانت جلسة العمل الثانية بعنوان «الخطط والتوجهات الخاصة بفرض ضريبة القيمة المضافة»، قدم خلالها عدد من المختصين في المحاسبة المالية شرحًا حول ضريبة القيمة المضافة وآلية تحصيلها وتأثيراتها على أصحاب الأعمال، فيما تناولت الجلسة الثالثة والأخيرة محور «تهيئة القطاع الخاص للتوافق مع المتطلبات الجديدة».
وأجمع المتحدثون في الورشة أن ضريبة القيمة المضافة هي أكثر ضرائب الاستهلاك شيوعًا حول العالم، حيث تطبق هذه الضريبة في أكثر من 150 دولة حول العالم، وقد حلت محل الضرائب غير المباشرة الأخرى، وهي أداة فعالة لتحصيل الإيرادات مقارنة بالبدائل في الضرائب غير المباشرة، لافتين إلى أنه إذا تم تصميمها وتشغيلها بشكل صحيح وفعال ستكون كلفها الإدارية محدودة وتأثيرها على الأعمال التجارية صغيرًا، فقد أثبتت تجارب من طبقوها أن التشوهات الاقتصادية والكلف الإدارية تكون أقل عندما تفرض ضريبة القيمة المضافة بدل فرض ضرائب مختلفة بنسب متفاوتة على قاعدة ضيقة وتكون هناك العديد من الإعفاءات.
من جانبه،أكد الأمين العام لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي عبد الرحيم نقي إنه من المرتقب أن تخرج قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المقرر عقدها في مملكة البحرين برؤية واضحة حول ضريبة القيمة المضافة،وبآلية تطبيق موحدة في دول الخليج العربية بشأن موعد فرض هذه الضريبة وحجمها والسلع التي سيتم استثناؤها.
اجمع المشاركون في الورشة الى افتقار دول مجلس التعاون لدراسات متخصصة لمعرفة تأثير فرض الضرائب على المواطن (على مستوى الخليج) وعلى الاقتصاد بشكل عام. كما أنه لا توجد دراسات موثوق بها حول تأثير التفاعل بين رفع الدعم وتقليل الإنفاق الحكومي وفرض الضرائب. إلا أن الأمين العام لاتحاد غرف دول مجلس التعاون عبدالرحيم نقي أشار إلى اعتزام اتحاد الغرف الخليجية في الوقت القريب جدًا تكليف إحدى الهيآت المتخصصة بالدراسات لإعداد دراسة معمقة حول أثر تطبيق الضريبة في دول مجلس التعاون.
الدكتور محمد عيسى الكويتي الباحث المتخصص في الاقتصاد لخص نتيجة أعمال هذه الورشة بأنها توجه ثلاث رسائل تتلخص فيما يلي:
الرسالة الأولى إن ضريبة القيمة المضافة هي ضريبة يتحملها المستهلك النهائي (المواطن) وليس التاجر. فالتاجر أو الصانع يدفع ضريبة على مشترياته المحلية والمستوردة التي تدخل في إنتاجه. وعندما يبيع البضاعة يستلم من المشتري ضريبة القيمة المضافة. أي أن فحوى الرسالة هيأ المستهلك يتحمل جميع الضرائب التي تدخل في تجهيز المنتج أو البضاعة أو الخدمة.
الرسالة الثانية هي أن هذه الضريبة بطبيعة الحال سوف ترفع كلفة المعيشة على المواطن. والسؤال المطروح لهذا الوقت مناسب لفرض الضرائب ورفع الدعم، في حين أن الاقتصاد الخليجي في مرحلة ركود؟ والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هل البديل عن فرض الضرائب في زيادة الدين العام بصورة مؤقتة؟
الرسالة الثالثة: إنه لا توجد بدائل لدى دول المجلس، لذا فإنّ الضرائب أصبحت واقعًا، وعلى الجميع الاستعداد لها. وعلى الحكومات بالذات العمل على التخفيف من آثارها على الاقتصاد وعلى الوضع الاجتماعي من بطالة وتدني الدخل وارتفاع الأسعار، هذه النتائج لا بد أن تحتاط لها الدول الخليجية لتفادي تأثيراتها السياسية، فما هي خطة دول المجلس الشاملة لمواجهة هذا الواقع؟ لا نرى بديلا عن الانفتاح والشفافية ومشاركة المجتمع حقيقيًا لكي يتحمل مسؤوليته.
المقترحات والتوصيات:
أسفرت نتائج ورشة العمل عن عددٍ من المقترحات والتوصيات الهامة، أهمها:
- ضرورة تطبيق إعادة هيكلة الدعم الحكومي بصورة متدرجة مع ضرورة تهيئة المواطنين والقطاع الخاص وتوعيتهم حول أهم التأثيرات الناجمة عنها. كذلك توجيه قسم من الأموال المحصلة من هيكلة الدعم نحو دعم المشروعات الصناعية ولا سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
- كذلك لابد من تطبيق ضريبة القيمة المضافة، بصورة متدرجة مع ضرورة المبادرة لاطلاع القطاع الخاص والمواطنين على تفاصيل وآليات تطبيقها والقطاعات التي سوف تطبق فيها والآثار المترتبة على ذلك.
- إن فرض ضريبة القيمة المضافة يجب ألا يتم في نقطة دخول البضائع المستوردة إلى الدول الخليجية لأنها سوف تعتبر حينئذ كرسوم جمركية إضافية، وإنما يتم فرضها متى ما تمت عملية بيعها الفعلية.
- التوجه لتطبيق الضرائب في دول مجلس التعاون الخليجي يجب أن يأخذ بالاعتبار عدم الحد من استثمارات القطاع الخاص في هذه الوقت الذي تحتاج فيه الاقتصاديات الوطنية لمزيد من الإنفاق والاستثمار. كذلك أن يتزامن معه تشريعات ملائمة للشفافية وإعادة توجيه جزء من إيرادات الضرائب للقطاعات غير النفطية المراد تحفيزها وزيادة دورها في تنويع مصادر الدخل لتوليد الوظائف للمواطنين، وكذلك إلى الفئات المحتاجة في المجتمع.
- الاستمرار في الدعم والتخفيض بصورة تدريجية حتى يتحسن الوضع الاقتصادي.
- أن يتم توعية القطاع الخاص والمستهلكين حول دورهم وواجباتهم وحقوقهم فيم يتعلق بضريبة القيمة المضافة عبر جميع الوسائل.
- أن تتواصل الفعاليات على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي عامة، في مجال توعية وتثقيف وتهيئة وإعداد القطاع الخاص الخليجي، للتعامل الواعي مع متطلبات سياسة رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات، وسياسة فرض ضريبة القيمة المضافة.
- على كافة منشآت القطاع الخاص الخليجي، المبادرة ووضع الخطط والبرامج ذات العلاقة بتنظيم دفاترها المحاسبية، وتدريب وإعادة تأهيل كوادرها الوظيفية، على كيفية إدارة النظام المحاسبي والتحصيل الضريبي.
- أن يبادر اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي إلى التحرك مع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي والجهات الرسمية المعنية الأخرى لرفع ومناقشة هذه التوصيات لدراستها وأخذها بالاعتبار.