تباينت ردود الفعل العربية حيال فوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، نظرًا لتباين ظروف دول المنطقة، وللاختلاف بين طرح ترامب، والسياسة الأمريكية المعهودة تجاه المنطقة، وكذلك حيال جماعات الإسلام السياسي، وحقوق الإنسان والحريات والديمقراطية. فدول المنطقة ليس لديها سياسة موحدة للتعامل مع ترامب التي تفاجأ الكثير منها بفوزه، إضافة إلى اختلاف المصالح، وتعدد مصادر التهديدات وإن كان هناك قاسم مشترك يتمثل في الإرهاب، والأزمة الاقتصادية، وتحديات دول الجوار الإقليمي، وأيضًا تبعات ما يسمى بثورات الربيع العربي التي كلفت الدول التي حلت بها خسائر بلغت 614 مليار دولار، و تضررت البنية التحتية فيها بما يعادل 461 مليار دولار حسب تقديرات ( إيسكوا)، بينما خلفت تحديات أخرى أمام الدول التي خرجت معافاة من الربيع الخاسر، منها تصاعد موجات الإرهاب، وتأثير التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة، وتداعيات انخفاض سعر النفط، إضافة إلى حالة الفتور التي تشهدها العلاقات البينية العربية كنتيجة لهذه الأحداث وتوابعها وطرق علاجها.
ورغم أنه من المبكر الحكم على سياسة ترامب تجاه المنطقة، إلا أنها تبدو انتقائية ولا يمكن تعميمها، فقد تكون مفيدة في مكافحة الإرهاب ومواجهة جماعات الإسلام السياسي خاصة جماعة الإخوان المسلمين التي تبدو الخاسر الأكبر بعد خروج داعميها من البيت الأبيض، إلا أنه تظل كثير من الملفات غير واضحة أو لن تتغير كثيرًا، حيث بدا هناك خلط بين ثوابت السياسة وشعارات حملة ترامب الانتخابية، ونتوقف عند بعض المحطات:
إيران، تصريحات ترامب لن تغير شيء من واقع العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية باستثناء دفع الإيرانيين إلى انتخاب رئيس متشدد في مايو المقبل لمواجهة العداء الأمريكي الذي تضمنته الحماة الانتخابية، بينما لن يستطيع ترامب إلغاء الاتفاق النووي الذي تحول إلى اتفاق دولي، وتعهد أمريكي، وتنفيذه يظل أمرًا حتميًا، بل أن ترامب لم يتحدث عن الإلغاء لكنه اعتبره اتفاق سيء ويتطلب مراقبة التنفيذ. فيما انتقد شراء طهران بالأموال المفرج عنها بعد الحظر، طائرات وصواريخ من روسيا والصين، كذلك تعاقدها على طائرات إيرباص بدل البوينج! فيما لم ينتقد التواجد الإيراني في العراق بل سيكون شريك لطهران في محاربة داعش ودعم الأسد، وكل ما في الأمر سوف يختلفان ظاهريًا حول أمن إسرائيل المتفق عليه أصلًا، فيما تظل الاتهامات الأمريكية لإيران بأنها راعية الإرهاب مكررة منذ ثورة الخميني عام 1979م، وتظل أيضًا الاتفاقات السرية مستمرة بين الجانبين التي بدأت في الجزائر عقب قيام الثورة الإيرانية مباشرة، واستمرت غير معلنة حتى توقيع الاتفاق النووي حيث استضافت عُمان اللقاءات التي مهدت للتوقيع، وفي الأغلب مازالت مستمرة حول الكثير من الملفات.
فيما يخص سوريا، حسم ترامب موقفه بقبول بشار الأسد، ولن تشهد الأزمة السورية انفراجًا في المدى المنظور، وسوف تتعامل واشنطن مع روسيا وتركيا على هذا الأساس والأخيرة تجد في ذلك مصلحة سواء في العراق، أوفي التعامل مع موسكو بعد استيعاب درس إسقاط الطائرة الروسية العام الماضي وما ترتب عليه، حيث تريد أنقرة استمرار التعامل مع موسكو وطهران تحت مظلة محاربة الإرهاب لتحقيق منافع اقتصادية مع إيران، وتضييق الخناق على حزب العمال الكردستاني من خلال التواجد العسكري في العراق.
وفيما يتعلق بإعجاب ترامب بالرئيس الروسي بوتين وتأييد التدخل الروسي في الأزمة السورية، على الأرجح مبعثه الرغبة في توريط موسكو في الملف السوري واستنزاف الاقتصاد الروسي الضعيف، والتوفير على أمريكا خوض حروب جديدة خارج حدودها وهو ما تعمل واشنطن على تجنبه.
في المقابل، لدى الدول العربية مواقف متباينة تجاه قضايا المنطقة وحيال التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بينما تتحسن فرص دول الجوار الإقليمي خاصة إيران وتركيا في التعامل مع واشنطن، ويواكب ذلك تراخي الإدارة الأمريكية الحالية الذي وصل إلى الحوار مع الحوثيين بقيادة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في سلطنة عُمان مؤخرًا رغم قرار مجلس الأمن الدولي 2216.
الحلول المثلى، نعتقد أنها تكمن في التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة بتوحيد مواقف الدول العربية أو التقريب فيما بينها لإقناع ترامب بعدالة قضاياها وأهمية دورها الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب، ومواجهات الجماعات والميليشيات المسلحة التي تتجاوز دور الدول والعابرة للحدود، وكذلك دورها في دعم الاستقرار والسلام الإقليميين، إضافة إلى تعزيز فرص التنمية الإقليمية والدولية، وذلك انطلاقًا من أهمية لغة المصالح في السياسة الخارجية الأمريكية، وحتى لا تقدم طهران نفسها على أنها البديل المناسب لحفظ استقرار المنطقة، والنموذج الإسلامي الأكثر اعتدالًا ومن ثم تفرض نفسها بمساعدة أمريكا أن تكون شريكًا في حل القضايا العربية الشائكة والتدخل في شؤونها.