تواجه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أصعب المراحل الاقتصادية والتي لم تشهد لها مثيلا في السنوات العشر الماضية إلى درجة عدم قدرة المحللين الاقتصاديين من الخروج برؤية استراتيجية اقتصادية واضحة البوصلة والاتجاه المستقبلي السليم والمطلوب من دول المجلس لمواجهة التحديات الجديدة.
وبات المواطن العربي والخليجي اليوم في شغف للتعرف على مصدر التحديات التي تواجه الاقتصاديات الخليجية وتأثيراتها على واقع ومستقبل دول مجلس التعاون.
ولكي نستطيع أن نقدم بعض الإجابات لتلك التساؤلات لابد من توضيح بعض الحقائق الاقتصادية السابقة والتي على رأسها الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتي أبرمت أكثر من ربع قرن بهدف حماية الاقتصاد الخليجي من جانب وتطوير وتنمية الاقتصاد الخليجي من جانب آخر.
واستطاعت اقتصاديات المجلس من الاستفادة من تلك الاتفاقية حيث تمكنت من إصلاح العديد من الإجراءات والقوانين والتشريعات الاقتصادية التي نقلت الاقتصاد الخليجي من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد المتنامي والمتجدد. وأصبحت دول الخليج تعمل ضمن إطار تعرفة جمركية واحدة وسوق خليجي واحد مشترك في الطريق لتشكيل اتحاد خليجي واحد قائم على أساس توحيد الانظمة المالية والاقتصادية والتجارية والعملة الخليجية الواحدة بين دول المجلس.
وفِي خضم هذه التداعيات والآمال والطموحات تعرضت دول المجلس إلى مرحلة اقتصادية جديدة لم تكن في حسبان المسؤولين تشكلت بسبب الظروف الداخلية والخارجية حيث واجهت اقتصاديات دول المجلس انخفاضًا في قيمة النفط في بداية عام٢٠١٥م، وبشكل سريع لم تعهده اقتصاديات المجلس من قبل انخفض سعر النفط من ١٠٠ دولار للبرميل الواحد إلى ٥٠ دولارًا الأمر الذي سبب صحوة جديدة وانتفاضة اقتصادية في معظم دول المجلس حيث بدأت تلك الدول في الإسراع لإصلاح هذا العيب الاقتصادي ومواجهة تداعياته باتخاذ الإجراءات الاقتصادية اللازمة فأعلنت بعض الدول الخليجية عن رؤيتها الاقتصادية الجديدة والتي تقوم على أساس التحول من اقتصاد يعتمد على النفط كمصدر وحيد للدخل إلى اقتصاد يعتمد على تحويل الموارد الطبيعية والموارد البشرية والموارد العلمية والتعليمية، وتخلل هذا التوجه الجديد إصلاحات اقتصادية سريعة وإصلاحات اقتصادية مستقبلية تم التعبير عنها بالأهداف الاستراتيجية والرؤية الجديدة للاقتصاد الخليجي.
وعلى سبيل المثال بادرت سلطنة عمان حيث في الإعلان عن استراتيجية تنموية في عام )١٩٩٥( و التي عرفت برؤية )٢٠٢٠( وتركزت حول تصوير المستقبل الاقتصادي للسلطنة واعتبرت هذا الإعلان خارطة طريق تحتوي على رؤية استراتيجية في فترات متباينة، وأما في مملكة البحرين فقد تم الإعلان عن رؤيتها الاستراتيجية عام ٢٠٠٨م، وركزت على ثلاثة مبادئ وهي الاستدامة والعدالة والتنافسية.
وفي دولة قطر قامت بإطلاق رؤيتها الاستراتيجية في نفس العام مع دولة البحرين وكانت تهدف الى بناء جسر بين الحاضر والمستقبل وجعل دولة قطر بلدًا متقدمًا دائم التنمية ويوفر حياة معيشية متميزة وأسست رؤية عرفت فيما بعد برؤية )٢٠٣٠(تقوم على أساس تحقيق العدالة والإحسان للمواطن القطري مع توفير العدالة الاقتصادية والاجتماعية للجيل الحالي والمستقبل، وتساهم في الوصول إلى ذلك الدعم للاقتصاد الخليجي من خلال التنمية الاقتصادية، والتنمية البشرية، والتنمية الاجتماعية.
وفِي دولة الإمارات العربية المتحدة متمثلة في إمارة أبو ظبي، قامت بتحديد رؤيتها المستقبلية للعام (2030)، وبشكل واضح بحيث لا يمكنها من تحقيق أهدافها الاستراتيجية انطلاقًا من سعي الإمارة للانتقال باقتصادها من الاعتماد على النفط والغاز الطبيعي إلى مجتمع واثق وآمن واقتصاد مستدام ومنفتح يمتلك القدرة على المنافسة، وقامت الرؤية من أجل تنمية مستدامة ولكي تكون واحدة من الاقتصاديات والمجتمعات الرائدة عالميًا.
وأما بالنسبة إلى الأهداف التي تبنتها حكومة أبو ظبي والتي ترى ضرورة إشراك القطاع الخاص فيها فقد تحددت في عدة دعائم محورية يستند إليها المستقبل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي مثل الخدمات التعليمية والصحية العالية الجودة والبنية التحتية المتطورة من خلال قطاع خاص فاعل ومؤثر، وإقامة اقتصاد مرتكز على المعرفة المستدامة، وبيئة تشريعية تتسم بالكفاءة والشفافية، واستقرار أمني على الصعيدين الداخلي والخارجي، مع المحافظة على العلاقات المتميزة مع بقية دول العالم على مختلف الأصعدة
وفِي المملكة العربية السعودية قامت بتحديد رؤيتها على ثلاث مرتكزات أساسية تمثلت في العمق العربي والإسلامي والقوة الاستثمارية الرائدة، ومحور ربط القارات الثلاث، وقد وضعت الرؤية تصورًا واضحًا وطموحًا (1452هـ – 2030م)، بحيث أصبحت هذه الوثيقة الخطوة الأولى في توجه المملكة الجديد نحو تطبيق أفضل الممارسات العالمية في بناء مستقبل أفضل للمملكة.
وفِي دولة الكويت فقد سعت من خلال رؤيتها إلى تطوير السياسات السكانية لدعم التنمية وتنظيم النمو السكاني بشقيه الكويتي وغير الكويتي، بما يحسن التركيبة السكانية لصالح المواطنين، كما يسعى إلى إحداث نقلة نوعية في تركيبة سوق العمل المحلي عبر الأساليب والمهارات المهنية الحديثة لتحسين قوة العمل في القطاعين العام والخاص، كما تتناول السياسات السكانية قضايا تطوير وتأهيل وتدريب قوة العمل الوطنية لدعم التنمية بالكوادر الوطنية المدربة، من خلال تطبيق آليات وتشريعات مختلفة وضع المختصون في دولة الكويت بعض الأهداف الاستراتيجية للخطة الاقتصادية حيث تمثل بعضها في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، ورفع مستوى معيشة المواطن حيث يرمي هذا الهدف إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي للقطاعات غير النفطية بما يحقق زيادة دخل الفرد، مع استقرار المستوى العام للأسعار، ورفع نصيب الفرد من الدخل الحقيقي. وتسعى رؤية الكويت إلى تطوير السياسات السكانية لدعم التنمية وتنظيم النمو السكاني بشقيه الكويتي وغير الكويتي، بما يحسن التركيبة السكانية لصالح المواطنين، كما يسعى إلى إحداث نقلة نوعية في تركيبة سوق العمل المحلي عبر الأساليب والمهارات المهنية الحديثة لتحسين قوة العمل في القطاعين العام والخاص، كما تتناول السياسات السكانية قضايا تطوير وتأهيل وتدريب قوة العمل الوطنية لدعم التنمية بالكوادر الوطنية المدربة من خلال تطبيق آليات وتشريعات مختلفة.
ومن قراءة التوجه الجديد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نجد أنها جميعًا أجمعت على ضرورة الابتعاد عن الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل والبحث عن الفرص الجديدة في الاقتصاد إلا أن هذه التوجهات الاقتصادية واجهت تحديات خارجية وتحديات داخلية وأما التحديات الخارجية تمثلت في انخفاض أسعار النفط، والإدارة الأمريكية الجديدة، وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة العربية، والخطر الإيراني في المنطقة العربية. وأما التحديات الداخلية فقد تمثل في ضعف التجارة البينية بين دول المجلس، وعدم التطبيق لكثير من القرارات الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها خلال المرحلة السابقة، وضعف التنسيق بين دول المجلس وضعف المشاركة للقطاع الخاص في التنمية الاقتصادية وتحقيق الرؤية الأمر الذي يتطلب المزيد من الاهتمام بإشراك القطاع الخاص لتحقيق الرؤية المستقبلية في دول المجلس والتحول الجديد وتشكيل قوة اقتصادية عالمية المستوى والتأثير في المستقبل.