شهد العالم منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي تطورات تكنولوجية وما تبعها من تطوير وسائل الإعلام ونظم الاتصالات تعد أبرز المتغيرات وتحولت إلى عنصر هام من عناصر تقييم القوة الشاملة للدولة، باعتبار أننا في عصر ثورة الاتصال والفضائيات بل يتجه العالم نحو تقدم تقني متسارع , تحول العالم بسببه إلى شبكة معلومات دولية مما دفع بالأحداث المحلية إلى دائرة الاهتمام الدولي، كما جذب الأحداث الدولية إلى بؤرة الاهتمام المحلي، أي أنه جعل العالم قرية كونية.
مما فرضت هذه المتغيرات ارتباط العمل السياسي بالعمل الإعلامي، لكن ما واجهه العمل السياسي خصوصًا في الدول العربية أن الإعلام الجديد ساهم في إشراك المواطنين في الحياة السياسية، فبعدما كانت الحياة السياسية لا تكتمل إلا بالعمل الإعلامي أصبحت كذلك الحياة الاجتماعية لا تكتمل إلا بالعمل الإعلامي بسبب غزارته والتنافس الذي جعله يكرس وظيفة جديدة في إيجاد علاقة بين المواطنين وأجهزة الحكم.
والفروق بين الإعلام المحلي والدولي ذابت بينهما بسبب أن الإعلام يتصل بنشاط مشترك لكنه يختلف على مستوى الممارسة ومن قطاع إلى آخر، ولكل إعلام أهداف كثيرة، فأهداف الإعلام الدولي أنه يدعم الديمقراطية والتنمية السياسية وحقوق الإنسان وهي أهداف تنزعج منها الحكومات المحلية، بينما عجز الإعلام المحلي ليس عن مواجهة أهداف الإعلام الدولي بل حتى عن معالجة مختلف الإشكاليات الاجتماعية المتأصلة عن معالجتها بالوسائل التقليدية، مما أوجد فجوة كبيرة وهائلة كانت السبب المباشر في قيادة ما تسمى بالثورات العربية , فشلت الدول العربية في مواجهة غليان هذه الثورات.
وخلق النظام الدولي بقيادة أمريكا بعد حرب الخليج الثانية عام 1991م، ثم في أحداث 11 سبتمبر 2001م، واحتلال أفغانستان والعراق التي تسمى بحرب الخليج الثالثة عامي 2002، و2003م، بروز معالم الإعلام السياسي الذي يطلق عليه البعض إعلام الحروب وأصبح الإعلام السياسي محتكرًا أمريكيًا حتى أصبح الإعلام السياسي أحد مكونات النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة وأحد مكوناته البنيوية الأساسية.
هذا الإعلام الذي سمي بإعلام الحرب خصوصًا وأنه كان كذلك محتكرًا من قبل (CNN) تقلص بسبب أن الثورة الهائلة في وسائل الاتصال ونقل المعلومات وسرعة تداولها عبر الدول وما ترتب على ذلك من اختصار غير معهود للزمن والمسافات بين مختلف مناطق العالم إلى الحد الذي حمل بعض المفكرين الاجتماعيين أمثال آلفن توفلر إلى التساؤل بشأن مدى قدرة الإنسان على التكيف مع هذه الدرجة غير المسبوقة من السرعة في تداعي الأحداث وتلاحقها.
الأمر الذي أفرز تنافس بين إعلام الدول القوية والضعيفة بعدما أصبح الإعلام السياسي متاح للجميع وغير مكلف كما كان في السابق، ولم تعد المعلومات والأخبار حكرًا على المصادر الغربية التي سيطرت على الساحة الإعلامية الدولية لعقود، فبدأ العالم الفقير يكتشف ممارسة الدول القوية التضليل والتوجيه، مما أفقد المشاهد في الدول الفقيرة مصداقية الدول القوية بعدما انكشفت الحقيقة بالواقع وتبين لهم أن معظم ما كان يبث لهم لم يكن سوى من باب الدعاية السياسية والتضليل الذكي.
رغم ذلك فإن الإعلام الغربي سعى بعد نهاية احتكار العالم الغربي لسلاح الإعلام السياسي إلى تغيير نهجه وإلى الاعتماد على الإعلام كسلاح أكثر فاعلية من اللجوء إلى القوة العسكرية والعنف، واعتمد على سلاح الإعلام السياسي باعتباره يعتمد على وسائل الإقناع والترغيب والترهيب ولم يتخل عن التضليل والخداع ولكن بصورة تبدو للعيان أنها الواقع أو الحقيقة، استعار تلك الأدوات الإعلام الإيراني وكذلك الإعلام السوري الرسمي.
خصوصًا وأن المنطقة العربية منطقة أزمات أشعلتها الثورات العربية، وهي تفرز أزمات طارئة، وتلك الأزمات تطال حتى دول مجلس التعاون خصوصًا وأن تلك الأزمات هي تستهدف أمن دول الخليج بشكل عام وخاص في نفس الوقت، وتولت معالجة الأمور الطارئة الناتجة عن الأزمات الأساسية، حيث فقدت بعض الأنظمة العربية التوازن أمام هذه الأزمات، واتجهت إلى معالجتها بالطرق التقليدية القديمة، أو الهرع إلى الدول الكبرى وتهميش نخبة الكفاءات البشرية التي تمتلكها دول المنطقة، ما يجعلها تضع خططًا وحلولاً بعيدة عن مصالح دول المنطقة، مما أدخل دول المنطقة في متاهة، ما يجعل الأزمة تتحول إلى كارثة.
وهناك نموذجين في التعامل مع أزمات طارئة مثل البحرين واليمن فعندما أرسلت السعودية في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ قوات درع الجزيرة إلى البحرين نجحت في تحييد إيران، وحفظت أمن البحرين وأمن دول الخليج رغم المزاعم الأمريكية، وكذلك اليمن عندما شكل الملك سلمان بن عبد العزيز عاصفة الحزم وحيد الدور الإيراني في اليمن ورفض السعودية لتدويل أزمة اليمن على غرار أزمة سوريا.
ومن جهة أخرى كانت قد شهدت جامعة الدول العربية قبل تسونامي ما يسمى بالثورات العربية أو الاضطرابات العربية، وكانت بين الحكومات وبين الشعوب العربية فجوة في بعض الدول، فمثلا نجد أن القذافي كان يهدد الزعماء العرب بمصير صدام حسين لكنه لا يعلم أنه سيكون المصير، بسبب أن الجامعة العربية لم يكن لديها إعلام سياسي يتنبأ بأزمات المنطقة العربية، ولم تكن تملك ناتو عسكري، لذلك سقطت أشد الأنظمة استبدادا ودكتاتورية بعد أن كان يعتقد العالم بأنها محصنة داخليًا وخارجيًا، بل كان القذافي وبعض وزراء الخارجية العرب يستهزؤون بتلك الثورات، لكن ثبت أن الدكتاتورية لم تحصنهم لذلك كان على الدول العربية ألا تغمض عينها عن تكرار حدوث مثل تلك الأزمات، حيث يعتبر تحول تاريخي لإعادة بناء الدول العربية في الاعتماد على الشعوب العربية بدلاً من تهميشها والاستهانة بها، ولم تعد التدابير العنيفة مجدية في التعامل مع أي أزمة، بدلاً من اعتبارها سحابة صيف عابرة، بل أزمات تستحق الاهتمام واتخاذ التدابير اللازمة.
يعيش العالم العربي رغم الآلام التي يمر بها لحظة متوهجة من لحظات التاريخ طرحت عدة تساؤلات حول منشأها ومصيرها، لكن علينا تحاشي وجهة النظر الساذجة التي تتغنى بالثورات بشكل حالم ومثالي جدًا، ووجهة نظر أخرى متشائمة تبخس الثورات العربية حقها باعتبار أنها نتيجة مؤامرة خارجية أو ملونة بالخطر الأصولي، لكن وفق قراءة منصفة لهذه الانتفاضات والثورات التي فاجأت الجميع، لكن الثورات العربية هي ثورات عفوية بالدرجة الأولى بسبب زيادة الفقر والفساد والرشوة والمحسوبية وهي حالة لم تعد تطاق، خصوصًا وأن المجتمعات العربية تعج بالشباب الذين يعانون البطالة وانسداد الأفق.
وهي ثورات ليست صنيعة فيسبوك كما يعتقد البعض بل وسائل المعلوماتية الأخرى التي تسمى بالإعلام الجديد هي التي أدت وسهلت إلى اندلاع هذه الثورات بسبب أنها سهلت عملية التواصل التي لم تكن متوفرة في السابق ويبقى السبب الرئيسي لهذه الثورات الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي تعانيه هذه الشعوب بالإضافة إلى القمع السياسي الذي تمارسه عدد من الدول.
إذًا هي ثورات عربية لم تكن صناعة أمريكية خالصة أو بالمطلق التي تلتقي مع نظرية المؤامرة التي يتبناها بعض المحللين الكبار على غرار اندلاع الثورات في أوربا الشرقية التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي وجدار برلين، وإن كانت أمريكا حاولت توجيه هذه الثورات لصالح أيديولوجيتها، وبعد أن استنفدت أمريكا خدمات بعض الزعماء، فمن مصلحتها أن يحل قادة جدد يتمتعون بالمشروعية لدى شعوبهم، رغم أن البعض كان يخيف الغرب بأن قوى الإسلام السياسي المنظم سيخطف ثمار هذه الانتفاضات وهو ما حصل بالفعل في مصر، ولكن هذه المرة تولى الإخوان المسلمين السلطة في مصر بدعم الولايات المتحدة التي كانت تراهن عليهم في محاربة الإرهاب، لكن الشعب المصري أسقطهم بعد فشلهم في الحكم في ثورة يونيو 2013م، بيد الجيش الذي تلقى دعمًا من السعودية والإمارات، والآن تدرس الولايات المتحدة في عهد ترامب إدراج جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية.
ديمقراطية المستقبل هي التصويت على أفكار وبرامج وليس لأحزاب، من أجل أن تصبح حكومات أكثر مرونة وأكثر لا مركزية وأكثر انفتاحًا وأكثر فورية، لأن الشباب أكثر تفاؤلا بشأن المستقبل وآمالهم الشخصية، وقدرة التكنولوجيا وهم أكثر تعاطفًا تجاه الفئات المهمشة، بسبب أن شباب الإنترنت لا يثق بالمؤسسات القائمة، فهم يعتقدون أن الديمقراطية التمثيلية قد انهارت، ويرون أن هناك إمكانات إبداعية، حيث يرون أن التكنولوجيا يجب أن تغير السياسة والمؤسسات، أي أن هناك عقلية شعب الإنترنت يؤمن بعالم القرن الحادي والعشرين، ويعتقد أن النظام السياسي لم يتطور في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث نشأت المؤسسات قبل التلفزيون والإذاعة، بينما اليوم بعد الفيسبوك والانستغرام يتميز الاقتصاد بالاختيار والتخصيص .
الحل من وجهة نظر بعض الشباب في جميع أنحاء العالم أنه من الضروري إنشاء حزب رقمي ووجهة نظرهم أن استخدام شبكة الإنترنت تضمن تمثيل دقيق، حيث يمكن أن يطلع الممثل ناخبيه قبل كل تصويت برلماني وبالتالي ضمان الصوت الفعلي للناخبين، والأكثر إثارة أن الناخبين باستخدامهم الشبكة، سيستطيعون تفويض أصواتهم للآخرين، ربما لأصدقاء يتمتعون بمزيد من الخبرة في قضايا معينة سواء اقتصادية أو بيئية.
التعامل مع الأزمات علم يدرس في الجامعات في الدول المتقدمة للتعامل السريع مع الأزمات والكوارث بفاعلية ونجاح مؤكد مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا واليابان والصين وكثير من الدول المتقدمة، بل نجد الولايات المتحدة تهتم في التعامل الاستباقي مع الإرهاب عندما تستفزه من أجل اختباره ووضع الخطط لمواجهته وتحميل الدول المصدرة للإرهاب مسؤولية مواجهة الإرهاب ومثال على ذلك القاعدة وداعش، وتستخدم وسائل الإعلام في الترويج لذلك.
بينما نجد أن الفرنسيين يرون أهمية وأولوية الأمن على حرية التعبير في هذه المرحلة عقب هجمات 13 نوفمبر 2015 م، وفق ما كشف عنه إحصاء أجري عقب الحادثة، حيث كان الإعلام الفرنسي منذ البداية في مرحلة الصدمة إثر الهجوم الإرهابي وبدأ بالنقل المباشر للهجمات لمحاولة فهم ما يجري وكانت صدمتهم أن من قام بالهجمات هم من حملة الجنسية الفرنسية، حيث كان متوقعًا أن يكونوا عربًا سوريين أو خليجيين، ولذا سعى الإعلام للحصول على إجابة على سؤال وجده مركزيا, كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟.
دور حكومة فرنسا كان إيجابيا في إدارتهم للأزمة إعلاميًا حيث تواجدوا في وسائل الإعلام بشكل مكثف، كما تواصلوا مع الناس عبر الشبكات الاجتماعية وتحديدًا تويتر وهو ما انعكس بشكل مباشر وبناء على العلاقة مع الناس والتخفيف من حدة الغضب والقلق، لكن بث إعلام داعش بعد تلك الهجمات أكثر من 400 فيديو عبر منصات إعلامية مختلفة وهو ما دفع الحكومة الفرنسية بمراقبة مواقع الجماعات الأصولية وحجبها، أي ضرورة مواجهة إعلام الخصم والعدو، لكن غاب الإعلام الخليجي في فرنسا ولا توجد لديه لوبيات خليجية فاعلة تدافع عن نفسها ومصالحها فتعالت الأصوات اليمينية التي اتهمت دول الخليج بالتطرف، ولم يكن هناك إعلام خليجي يرد عليهم، فيما كان لدى إيران لوبي فاعل في أوربا وأمريكا وهو ما نحتاج إليه.
وبدلا من مناقشة أثر وصول الخطاب المتطرف إلى الشباب المهمش في فرنسا الذي أضعف لديه مفهوم الانتماء الفرنسي وأنهم سيبقون مهمشين مهما عملوا ولن يكون لهم نصيب في الوصول إلى مراكز متقدمة وقيادية، بدأ الإعلام اليميني يمجد الأنا والتخويف من الآخر، وفتح ملف المهاجرين والحرب السورية والتصدي لداعش والموقف من الجالية المسلمة وحتى مستقبل تأشيرة شنجل بين دول الاتحاد الأوربي.
لكن التغطية الإعلامية غير المتوقعة لهجمات باريس المتمثلة في دور المواطن الصحفي العربي ساهم في فضح اليمينيين والمسؤولين الحكوميين خلال الكوارث الطبيعية التي عرفتها بعض الدول العربية.
كما تعرض موقع فيسبوك ومؤسسة مارك زوكيربرغ لحملة انتقادات واسعة بعد استخدام العلم الفرنسي للتضامن الإلكتروني الإخباري مع الضحايا الفرنسيين ،فقد أثارت هذه الخطوة حفيظة عدد كبير من المستخدمين الذين طالبوا بالتضامن مع شعوب دول أخرى تعصف بها العمليات الإرهابية والحروب المدمرة.
ونقلت حلقة المرصد نموذجًا من الصور المفبركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث تفاجأ مواطن كندي من أصل هندي بتداول صورته عبر موقع تويتر بأنه أحد المهاجمين وهو يلبس حزامًا ناسفًا وبيده المصحف الشريف وسارع جوبال إلى توضيح الأمر بأن الصورة مفبركة عبر برنامج فوتوشوب وهي في الأساس صورة لسلفي التقطها لنفسه في المرآة بواسطة جهاز آي فون.
المقاربة تغيرت بشكل كامل في عصر المواطن الصحفي، فعواصف الخريف وأمطاره التي أغرقت الشوارع والمساكن في أكثر من مدينة عربية وأثبتت أن لصحافة المواطن دورًا ما فتئ يتعاظم في كشف الوقائع وتحدي المسؤولين بعدما كانت مقاطع الفيديو قبل عقدين من الزمن يتم تصويرها بكاميرات رسمية تستأثر بتغطية الكوارث الطبيعية، بينما أداء التواصل الاجتماعي شديد القوة يؤدي إلى استقالة المسؤولين إلى جانب سلاح السخرية الذي يخيف المسؤولين.
يشهد دور الإعلام في إدارة الأزمات وخاصة في المرحلة الراهنة تناميًا ملحوظًا في الأزمات والمخاطر التي تلقي بظلالها السلبية على جميع دول المنطقة، فالإعلام أصبح إحدى وسائل الحرب النفسية والدعائية وبات يلعب دورًا رئيسيًا في إدارة الأزمات والكوارث نظرًا إلى ما يتوافر له من قدرات هائلة تتمثل في انتقاله بسرعة كبيرة واجتيازه الحدود وتخطيه العوائق ولم يعد كما كان السلطة الرابعة بل أصبح السلطة الأولى بلا منازع، خصوصًا بعدما أصبحت له قدرة على التأثير في الأفراد والسيطرة الفكرية وإقناع الجمهور في المجتمعات المختلفة والتحكم في سلوكياته وتوجيهه خصوصًا في ظل تطور وسائل التقنية الحديثة وتنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يطلق عليه بالإعلام الجديد.
أصبح الإعلام من أهم مرتكزات الإدارة الناجحة للتعامل مع حالات الطوارئ والأزمات خاصة بعد أن أصبح الإعلام أحد مؤشرات فاعلية إدارة الأزمات والمخاطر في الآونة الأخيرة ولا سيما مع ظهور مفاهيم جديدة في التعامل الإعلامي ضمن استراتيجيات إدارة الأزمات إضافة إلى أهمية سرعة وصول المعلومات إلى الجمهور في أوقات الطوارئ والأزمات، فهذه الوسائل الإعلامية تلعب دورًا حيويًا في التوعية والإرشاد والتوجيه عن طريق الاتصال المباشر بين المعنيين بمواجهة الأزمات وجماهير المشاهدين والمستمعين والقراء لتحذيرهم من الأخطار المحدقة التي تم التنبؤ بها ومكان وقوعها وزمانه.
الإعلام الجديد هدد عددًا كبيرًا من القياديين الذين يتصفون بالتدمير الذاتي وهم الذين لا يبالون بتطوير مهارات فريق العمل بصورة جيدة، وهدد بشكل خاص العدد الكبير من الشركات الأشبه بمعسكرات العمل.
حتى القياديين الناجحين لديهم شعور كبير بالقلق وانعدام الأمن نتيجة سلطة الإعلام الجديد الذي يحاكم أي قيادي متعثر خصوصًا وأن الإعلام الجديد يتسلط على القياديين الذين لم تكن لديهم فكرة واضحة عن أهمية دورهم، حتى أنهم يشعرون بأنهم غرباء عن أنفسهم وقد يلجأون إلى التصرف على نحو مريب بسبب عدم شعورهم بالأمان أو أنهم غير مناسبين لتولي هذا المنصب، رغم أنه سوق لنفسه على أنه مناسب لمثل هذا المنصب، لكن الإعلام الجديد يكشف حقيقته سريعًا، بل يكشف أي قيادي غير كفء حتى ولو كان مثل هذا القائد مصاب بالنرجسية في سلوكه لإقناع نفسه بأنه متميز وقادر على أداء دوره وقد يعاني نوعًا من الغطرسة نتيجة عدم الكفاءة للتغطية على هذا القصور، وقد يقوم بأعمال غير مسؤولة يفضحه الإعلام الجديد ويعريه أمام العامة وأمام المسؤولين ويصفه بأنه قائد يتصف بمتلازمة المحتال.
وهو ما يفرض على المجتمع تعويض هذا النقص وهذا العجز في تسليم مناصب لقياديين غير مؤهلين بأن يستقطب في برنامج تحديات القيادة تنفيذيين كبارًا لمشاركة خبراتهم، ومساعدة بعضهم بعضًا على أن يكونوا أكثر واقعية في العمل حتى يصبحوا أكثر دراية بأفعالهم ودوافعهم من خلال دراسة حالة كل على حدة، أي يتعلم القياديون التركيز على السلوك الواعي واللاواعي، والفعل العقلاني واللاعقلاني واللامنطقي، فإنهم يضمنون سير العمل على أكمل وجه، حيث أسهمت المنهجية المستفادة من برنامج تحديات القيادة في إنشاء مركز إنسياد للقيادة العالمية، الذي جعل إنسياد كلية إدارة الأعمال الرائد في العالم في مجال التدريب، ووضع الأساس لماجستير التنفيذيين في التدريب والاستشارات من أجل التغيير، وهو برنامج ناجح يدرس الآن في قارتين، فتغيير السمات الشخصية للأشخاص يعد إحدى الركائز الأساسية الخمس التي تميز إنسياد عن غيرها من كليات إدارة الأعمال.
الإعلام الجديد يريد أن يوصل رسالة بأن العالم يتغير، ولم تعد القيادة تعرف من خلال ما يقوم قيادي واحد وفق نظريات الرجل العظيم، ولكن من خلال القدرة على العمل من خلال إدارة شبكة العلاقات التي أصبحت القيادة لعبة جماعية، ويحتاج سلوك القيادي إلى الانتشار في جميع أرجاء المؤسسة.
بعد قيام السعودية بعاصفة الحزم في اليمن ضد الحوثيين الانقلابين وكلاء إيران تولت السعودية القيام بمهمة إعلامية متوازية مع عاصفة الحزم تواجه الآلة الإعلامية الفارسية التي اختارت التصعيد من خلال حرب إعلامية واتهمت السعودية بانتهاك حقوق الإنسان بإعدامها السعودي نمر النمر وتغافلها عن حبل الإعدامات الإيراني الذي يعلق سنويًا على رقاب المئات بتهم بعيدة عن الإرهاب المثبتة ضد النمر.
تعتمد إيران على مواجهة الإعلام السعودي بصورة لا مهنية إذ منذ عام 2011م، أطلقت إيران عملاءها لتجنيد قراصنة محترفين بإغرائهم بمبالغ مالية طائلة للعمل ضمن فريق الجيش الإلكتروني وعزز من صحة خطوات التجنيد ما قاله العضو السابق في الحرس الثوري الإيراني محسن سازيغارا من أن النظام الإيراني يدفع حوالي 10 آلاف دولار شهريًا لهؤلاء.
ووفق تقارير إسرائيلية فإن إيران رصدت على الأقل مليار دولار للحصول على تقنيات وتكنولوجيا، وتجنيد وتدريب خبراء لتطوير قدراتها في الحرب الإلكترونية، عزز ذلك ما صرح به العميد قولامريزا جلالي من أن بلاده ستقاتل العدو حتى في الفضاء الإلكتروني وعبر حروب الإنترنت.
وعلى صعيد التلفيق وشيطنة السعودية عملت عبر عدة قنوات توظفها ومنذ أعوام لإشاعة تهم التحريض والتشدد وغياب الحريات والتسبب بأزمات في المنطقة ضد السعودية.
بالطبع مسؤولية السعودية وقف المد الإعلامي المحرض الذي تسميه إيران عبر دعم مؤسسات ناطقة بالعربية مثل العالم , المنار , ذات وغيرها من وكالاتها الناطقة بالعربية وغيرها الكثير، بل وقف الإعلام العربي إلى جانب السعودية ضد الهجمة الإعلامية الإيرانية الشرسة التي تستهدف زعزعة واستقرار المملكة ودول الخليج والمنطقة العربية بصفة عامة.
وتعمل السعودية على مواجهة الإعلام الإيراني بالإعلام الموجه باللغة الفارسية منذ عام 2013م، النسخة الفارسية من صحيفة الشرق الأوسط على الانترنت وأطلقت وكالة الأنباء السعودية الرسمية واس نسخة فارسية أيضًا، وهي في صدد على إطلاق ثلاث قنوات إخبارية جديدة في إطار سياستها الإعلامية التي تسعى لإعادة تقييم قوتها الإعلامية عربيًا ودوليًا حيث سيتم إطلاق قناتين باللغة الإنجليزية والثانية بالفارسية وستكونان تحت إدارة خاصة بعيدًا عن التلفزيون الرسمي.
التشويه الإيراني للحقائق لم يكن حديثًا، فقد قامت السعودية بحظر مواقع كل من وكالة أنباء فارس وموقع المنار، وانضمت الجمعية العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية التابع للجامعة العربية في دورتها الـ 35 على طرد المجموعة اللبنانية للإعلام قناة المنار وإذاعة النور من عضوية الاتحاد فورًا معتبرة أنها بعيدة عن الذكاء الإعلامي تجاه السعودية والدول الأعضاء العاملين.
واتهم رئيس هيأة الإذاعة والتلفزيون عبد الملك الشلهوب قناة المنار التابعة لحزب الله بعد عاصفة الحزم بشن هجوم شرس على السعودية بشكل خاص وجميع دول التحالف بشكل عام مستخدمة أقذر الألفاظ وأساليب التشويه ووسائل التفرقة والتحريض على شق الصف والنزاعات الوطنية.
واستبعاد القناة يأتي نظرًا لما تنتهجه هذه المجموعة من شق للصف الإعلامي العربي وبذر الفتنة وإثارة القلاقل وسلوك نهج الفرقة والتحريض وابتذال لميثاق الشرف الإعلامي وتحطيم للأعراف المهنية.
مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية استطاع أن يثبت وجوده ويقفز إلى السطح كأقوى المنظمات الإعلامية العربية وأكثرها قدرة على مواجهة التحديات والبقاء متماسكًا في وجه الكثير من الصعاب والبقاء واقفًا في وجه الرياح العاتية.
كذلك جرعة الأمل الشعبية الخليجية أصبحت قوية نحو إعلان الاتحاد الخليجي حيث تعتبر قمة المنامة بعد 36 قمة كانت جرعة الأمل الشعبي فيها قوية نحو إعلان الاتحاد لأن شعوب الخليج لم تكن مقتنعة إلا بالاتحاد، وإن كان الإعلان قابل للترحيل إلى قمة أخرى مثلما هو قابل للتأجيل لأن بين الحلم وتحقيقه هناك أرضية رخوة لابد من اجتيازها وعبورها، لأن مرحلة التكامل تحتاج إلى خطوات عملية كبيرة وليس فقط طرح المعوقات بشفافية ومناقشتها إعلاميًا وسياسيًا، وإنما سد الفراغ بين التطلعات الشعبية ورؤية القيادات الخليجية لأسباب تأجيل الاتحاد الحلم، وأسباب عدم توجه الخليج إلى التركيز على الحماية الذاتية، رغم أهمية الاتفاقات الخليجية والتحالفات الخارجية وسيبقى حلم الاتحاد قائمًا وإن تأجل من قمة إلى أخرى بعد بروز قوة شعبية لا يمكن أن يتجاوزها قادة الخليج وتصب جولة الملك سلمان لدول الخليج في أهمية تحقيق حلم الاتحاد الخليجي وإزالة العقبات والتحديات التي تعترض تحقيقه خصوصًا بعدما قاد الملك سلمان تماسكًا خليجيًا أضحى أكثر صلابة وإصرارًا على المضي قدمًا في مسيرة دول المجلس بتجانس أكثر وتعاون أعلى وتنسيق مستمر.
خصوصًا وأن الجولة نجحت في استعادة سلطنة عمان إلى البيت الخليجي عندما أعلنت سلطنة عمان بأنها ستنضم إلى التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب بعدما فقدت الأمل في إيران والحوثيين ووجدت أن الحياد لم يعد نافعًا، ما يعني أن الجولة السلمانية ترسم ملامح مستقبل أكثر لحمة وأشد حزمًا في مواجهة التحديات والتصدي للأخطار الإيرانية بعدما جعل الملك سلمان أسوار المجلس عالية وستبقى عالية يفتخر بها كل عربي ومسلم يفرض واقعًا عربيًا وإسلاميًا جديدًا يساهم في حل مشكلات المنطقة العربية بعد فترة طويلة من الحروب والتشرد التي انعكست على دول الجوار وأوربا بشكل خاص والعالم بشكل عام، وبدأ يقتنع العالم بأن إيران هي مركز الإرهاب الطائفي الذي يولد بقية أنواع الإرهاب الأخرى التي تنعكس على استمرار المنطقة في صراع دامٍ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ بجامعة أم القرى ـ بمكة المكرمة