الاستخبارات الأمريكية متيقنة من أن إيران دولة محورية في رعاية الإرهاب الإقليمي والعالمي ولكن تغاضت بسبب أن إيران قدمت لها خدمات لوجستية في أفغانستان والعراق ما لم تقدمه أي دولة إسلامية أو عربية بل رفضت تركيا أن تستخدم القوات الأمريكية الغازية للعراق عام 2003م، قاعدة انجرليك رغم أنها تحت طلب الناتو في زمن الحروب.
كثير من المثقفين يشككون في ربط إيران بإرهاب القاعدة وداعش وجماعة الإخوان المسلمين وبشكل خاص بحماس بحجة أنها ضمن محور المقاومة وهو ربط ليس خافيًا على الاستراتيجيين لمجرد أن إيران تشعر بأنها دولة تمتلك مقومات جيوستراتيجية وتحاول تسويق سياستها على أنها في خدمة مصالح الأمة الإسلامية، لكن في الواقع دورها سلبي ومرتبط بالإرهاب بسبب طموحاتها غير المنطقية والتي لا تختلف عن طموحات إسرائيل، حيث تعتبر أن الدور كان تاريخيًا لتركيا في الهيمنة على الحرمين الشريفين والمشاعر الإسلامية المقدسة.
لقد تمكنت الدولة السعودية الثالثة في عهد الملك عبد العزيز آل سعود بفضل سياساته الدبلوماسية في إدارة التوازنات السياسية العالمية، واستثمار فرصة اضمحلال الدور العثماني، وهزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، استطاع الملك عبد العزيز توحيد شبه الجزيرة العربية باستثناء بعض الإمارات على الأطراف كانت تسيطر عليها بريطانيا وهي التي أصبحت الخاصرة التي تهدد بها إيران السعودية.
منذ ذلك الوقت، ومحاولات إيران لم تنته من إظهار الحقد على المملكة، وتعمل على نزع شرف خدمة المملكة العربية السعودية للحرمين الشريفين ومن يقصدهما للحج أو العمرة أو الزيارة، المملكة التي يكن لها العالمين العربي والإسلامي كل تقدير ومحبة لما تقوم به لرعاية الحجاج والمعتمرين الوافدين من جميع أنحاء العالم.
بل أن تاريخيًا وقبل ظهور الرسالة المحمدية كانت هناك مؤامرات على الكعبة المشرفة تحدث عنها القرآن الكريم في سورة الفيل المتمثلة في أبرهة الحبشي من أجل تحويل الأنظار إلى كنيسة بناها بأرض اليمن، لكن المعتدين على الكعبة هذه المرة محسوبين على الإسلام والمسلمين ودائمًا ما كانت قراءة أعداء الدين الإسلامي في البحث عن عدو من داخل الجسد الإسلامي متوفرة، فعرض القائد البرتغالي البوكيرك الحاكم البرتغالي للهند بإرسال رسالة للشاه إسماعيل حاكم الدولة الصفوية بأنه على استعداد لإرسال دعما لاحتلال مكة والمدينة والساحل الخليجي لانتزاع اسم محمد صلى الله عليه وسلم من الجزيرة بالكامل، لكن الظروف الجيوستراتيجية لم تحقق أمل الطرفين إلى أن تلقت الدولة الصفوية هزيمة نكراء من الدولة العثمانية في معركة جالديران عام 1514م.
ولا يزال الصفويون يؤمنون بأن قبر الحسين رضي الله عنه قبلة بديلة عن قبلة المسلمين الكعبة، وفي رواياتهم أن جعفر الصادق قال إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة وأغتسل من الفرات فله بكل خطوة حجة بمناسكها (فروع الكافي للكليني 4/580) كما وردت رواية أخرى لمحمد صادق الصدر يقول وردت رواية بتفضيل كربلاء على البيت الحرام، ونحن نعلم أن عليًا عليه السلام خير من الحسين فيكون قبره خيرًا من قبره فيكون أفضل من الكعبة أيضًا.
لذلك فجع المسلمون بما حصل من استهداف قبلتهم ومهوى أفئدتهم مكة المكرمة وبيت الله الحرام من قبل الطغمة الخارجية الحوثية التابعة لإيران حين أطلقت صاروخًا من الأراضي اليمنية نحو مكة المكرمة في 26 من المحرم 1438هـ، وقد هيأ الله القوات السعودية بتفجير الصاروخ في الجو قبل أن يصل البيت الحرام على بعد 65 كيلو مترًا ودمرته في الطائف.
هذا المسعى الإجرامي لطغمة الحوثيين التابعين لإيران والذين ينفذون تلك الضربات بإشراف خبراء إيرانيين متواجدين على الأراضي اليمنية الذي بات خزيا وعارا على النظام الإيراني وأذرعته الإجرامية من حزب الله وبقية المليشيات من الحشد الشعبي في سوريا والعراق التي تأتمر بأمر إيران وتنفذ أجنداته وهذه هي ثمرة الثورة الخمينية التي تستهدف الحرمين الشريفين التي لم تتوان عن الإفصاح عن مقاصدها في عدة كتب منها (التشيع مسؤولية) للمدعو علي شريعتي وكذلك كتاب ( تحولات في الاستراتيجية الوطنية الإيرانية الفارسية) لمؤلفه محمد جواد لاريجاني منظر النظام الإيراني الذي ابتدع نظرية إيران أم القرى والتي تمثل قطب رحى السياسة الخارجية الإيرانية، وهذه النظرية لا تعترف بمكة المكرمة مركزًا للمسلمين ومهوى أفئدتهم بل ترى إيران ممثلة بقم وطهران هي التي يجب أن تكون مركزًا لقيادة المسلمين والعالم الإسلامي وتسعى لمحو أثر الحرمين الشريفين.
وتشير جميع الحوادث التي شهدتها مواسم الحج منذ أكثر من ثلاثة عقود إلى أن إيران انتهكت حرمة الحرمين الشريفين وأثارت البلبلة في واحدة من أقدس الشعائر الإسلامية من خلال حوادث تسببت بمقتل أعداد كبيرة من الحجاج في مواسم مختلفة وهو ما ينافي صفة الإسلامية التي تضيفها إلى اسم البلاد التي ما فتئت تعمل لإرباك المنطقة وخلق العداء والفتن بين أبناء الطوائف، ففي عام 1980م، بعد الثورة الخمينية مباشرة بدأت أولى المظاهرات أمام المسجد النبوي ورفعت صورة الخميني فرقتها القوات السعودية بالحسنى، وفي العام 1983م، عثر على منشورات دعائية وصور وفعاليات ما يسمى البراءة من المشركين لتحويل الحج إلى ساحة سياسية تتحدى فيها خصومها مما يؤدي إلى الصدام مع حجاج آخرين مخالفين لها في الرؤى، بجانب أنها ضبطت 51 كيلو غرامًا من المواد شديدة الانفجار في حقائب إيرانيين، واصطدمت مسيرة صاخبة في موسم حج عام 1987م، برجال أمن سعوديين أسفر عن مصرع 85 سعوديًا و275 إيرانيًا، وعلى إثر هذا الحادث قاطعت إيران الحج ما بين عامي 1990 و 1998م.
لكن طهران استعانت بعملائها من الدول العربية كبديل عن الحجاج الإيرانيين وجندت خلية بحزب الله الكويتي للقيام بتفجيرات عبر عدة طرق مؤدية للحرم المكي الشريف بعد استخدام المتهمون متفجرات تي إن تي قاموا بزرعها وتفجيرها والتي سميت بحادثة المعيصم عام 1989م، اتضح أنهم تلقوا تعليمات من محمد باقر المهدي وبالتنسيق مع دبلوماسيين في السفارة الإيرانية، كان آخرها حادثة التدافع في حج 2015م، التي أودت بحياة 717 شخصًا وإصابة 863.
وأفادت تقارير إعلامية بأن بعض الحجاج الإيرانيين هم وراء سبب التدافع بسبب عدم التزامهم بتعليمات الأمن في المكان، أي السباحة عكس التيار، حيث كشف الدبلوماسي الإيراني المنشق فرزاد فرهنكيان الذي عمل مستشارًا بوزارة الخارجية الإيرانية ثم انتقل للعمل في سفارات بلاده في دبي ، وبغداد ، والمغرب، واليمن وأخر أعماله كانت الرجل الثاني في السفارة الإيرانية في بروكسل واعترف بأن ستة من ضباط الحرس الثوري هم الذين افتعلوا الحادث، واتهم طهران بالسعي لتنفيذ مخطط يهدف إلى سقوط أكبر عدد من الوفيات وقيام مظاهرات كبيرة تتخللها أعمال عنف في موسم الحج.
تناغم مخططات إيران مع مخططات استخباراتية غربية:
مخططات إيران ضد السعودية تتناغم مع مخططات استخباراتية غربية باعتراف الجنرال المتقاعد من الاستخبارات الأمريكية رالف بيترز الذي وضع خريطة الشرق الأوسط الجديد عام 2006م، الذي تحدث عن تفتيت السعودية إلى خمسة أقسام ويعتبر أن الأماكن المقدسة تحت سيطرة السعودية التي يعتبرها أشد الأنظمة قمعية لذلك هو الحاكم البرتغالي الذي يمكن أن يتحالف مع النظام الإيراني للاستيلاء على الأماكن المقدسة، لكنه يطالب بأن تدار شؤون مكة والمدينة المنورة من خلال مجلس تداولي يتكون من ممثلين من أكبر المدارس الإسلامية العالمية على غرار الفاتيكان، وكأنه يشجع إيران على مواصلة مطالبتها بتدويل إدارة الحج بكل السبل الممكنة وهذا ما تفعله إيران.
وإيران تحتضن مطلوبين أمنيًا ممن أسهموا في استهداف مجمع سكني يقطن فيه عسكريون أمريكيون في الخبر عام 1996م، لتوريط السعودية ولتوريط جماعات إرهابية على غرار القاعدة بأنها مسؤولة عن العملية الإرهابية من أجل تدشين حرب بين أمريكا وبين تلك الجماعات، لذلك هناك تساؤل : من نصح القاعدة بتوجيه ضرباتها للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وإفريقيا ؟ والتساؤل الثاني من نصح القاعدة القيام بتفجيرات برجي التجارة في نيويورك عام 2001م ؟
حيث اعترف أحد الموقوفين السعوديين الذي قبض عليه في بيروت (وتم نقله للرياض)، سبق أن قبضت السعودية على 15 عنصرًا في مناطق متفرقة في آن واحد) ببقائه مع مطلوبين آخرين تحت الاستخبارات الإيرانية خلال الفترة بين 1996 و2010 م، مؤكدًا أن المخابرات الإيرانية كانت ترسل أموالاً نقدية لأسر المتورطين في التفجير عبر سعوديين جندتهم طهران للتجسس على المملكة سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا بالتعاون مع عناصر إيرانية بسفارة طهران لدى الرياض وقنصليتها بجدة والمندوبية في منظمة التعاون الإسلامي الذي تم طرده عام 2013م.
لكن خلية التجسس اعترفت بأنها التقت مع 24 إيرانيًا في داخل السعودية وخارجها أبرزهم السيد عليمي مدير مكتب الاستخبارات الإيراني في طهران ومدير مكتب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، حيث أدلى الموقوفون في خلية التجسس باعترافاتهم بالتواصل مع عناصر الاستخبارات الإيرانية وكشف معلومات غاية في الأهمية عن المواقع العسكرية الهامة، والقواعد الجوية، والسفن البحرية، وصور عن الشريط الحدودي الذي يربط السعودية باليمن، إذ كانت تسلم إلى الاستخبارات الإيرانية عبر عناصرهم في الداخل، وكذلك عبر برامج التشفير التي تدرب بعض منهم على استخدامها.
علاقة إيران الوثيقة بالقاعدة وداعش وبقية الحركات الراديكالية:
لذلك لن تتوانى إيران في دعم الحركات الراديكالية لتحقيق النيل من الكعبة الشريفة و من السعودية ودعم الحركات الراديكالية التي خرجت من السعودية والمناوئة لها لإلصاق التهمة بالمملكة بأنها بيئة محرضة للإرهاب، وهو ما تجعله غطاءً لتمرير دعمها بكافة أنواعه لتلك الجماعات خصوصًا وأنه على امتداد تاريخ الجماعات الإرهابية القاعدة وداعش لم تسجل إيران أي اعتداء إرهابي داخل أراضيها ولم تضرب الأحزمة الناسفة ومفخخات القاعدة وداعش أيًا من المنشآت في داخل إيران.
صحيح هناك مواجهات إعلامية بين القاعدة وداعش، لكن داعش لن تخرج عن أبعاد العلاقات التاريخية بين القاعدة وإيران، وفي واحدة من الرسائل المتبادلة بين أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي باسم داعش والتي وجهها لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الذي يعتقد أنه في إيران خصوصًا وأن أخيه محمد الظواهري كان في إيران وعاد إلى مصر بعد وصول الجماعة إلى الحكم بزعامة الدكتور محمد مرسي، وهذا إثبات مؤكد في العلاقة بين الإخوان وإيران، وجاء في رسالة العدناني بأن داعش ظلت ملتزمة بنصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ولم تضرب إيران منذ نشأتها وتركتهم آمنين امتثالا لأوامر القاعدة للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران.
حتى في ميادين القتال المفتوحة على الساحة السورية رغم اختلاط الأوراق فإن داعش ومليشيات إسلامية سنية مثل جبهة النصرة وتحالف الجبهة الإسلامية لم تقع مواجهة بينهم وبين حزب الله اللبناني وسبق أن تم العثور مع عناصر من مليشيات داعش على خطوط هواتف إيرانية، وجوازات سفر ووثائق هوية إيرانية خاصة مع العناصر الجهادية التي وصلت سوريا عن طريق إيران.
إيران تستخدم الجماعات الراديكالية خصوصًا القاعدة والآن داعش كأوراق ضغط مفيدة في تعاملها مع الولايات المتحدة وتحقيق طموحاتها الإمبراطورية في نزع الشرعية الدينية عن السعودية بحجة أنها مركز حاضن للإرهاب الوهابي الذي يصدر السلفية الجهادية إلى أنحاء العالم ما يجعلها تنفذ مخططها الإمبراطوري لولاية الفقيه بكل أريحية وسهولة ولم تتوقع أن تتحول السعودية من دولة ساكنة إلى مارد إسلامي.
بحث إيران عن زعامة موهومة للعالم الإسلامي:
استثمرت إيران ما يسمى بثورات الربيع العربي بأن سمتها بثورات الصحوة الإسلامية التي جاءت امتدادًا للثورة الخمينية في إيران عام 1979م، على إثر ذلك أنشأت (المجمع العالمي للصحوة الإسلامية) وتولى رعايته المرشد السياسي علي ولايتي منصب الأمين العام من أجل أن يتحول إلى محور للزعامة في العالم الإسلامي.
واتجهت إيران إلى عقد ملتقى دولي تحت عنوان (الأزمات الجيوسياسية للعالم الإسلامي) هدفه تحجيم النفوذ السعودي بعد تأسيسها تحالفات متعددة , الذي يصب في دور زعامتها ومواجهة الدور الإقليمي الإيراني الذي يدعو إلى الوحدة لتعزيز محور المقاومة الإسلامية في المنطقة ومواجهة سياسة القطبية في العالم الإسلامي بعد تشكيل المملكة العربية السعودية التحالف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب ما يعني إبعاد إيران ؛ وأن السعودية تقع تحت الهيمنة الأمريكية وتريد أن تقوم بدور جديد بالوكالة عن الأمريكان.
لذلك نجد أن أحمد خاتمي عضو مجلس الخبراء وخطيب جمعة طهران قال بعد تأسيس السعودية تحالف عسكري إسلامي ( هذه مزحة سياسية بأن تقوم السعودية بتشكيل تحالف ضد داعش فالسعودية هي راعية لهذه الجماعات).
التحالف العربي- الإسلامي أعاد للعقل الجمعي الإيراني أنه بعيد كل البعد عن حلم قيادة العالم الإسلامي وتحويل نظرية أم القرى إلى واقع، وبعدما أصبحت إيران معزولة دفع الأمين العالم للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني بقوله لا جدوى من التحالفات التي تستهدف الدول والشعوب المسلمة والتي لن تدوم وأن إعادة نموذج للتضامن الإقليمي بمشاركة وتفاهم جميع الدول هو السبيل الاستراتيجي المؤثر في إعادة الأمن والاستقرار الراسخ.
السعودية والمنطقة تدفع ثمن المشروع الفارسي الإرهابي الذي يعمل على تشويه الدين:
حذرت السعودية زمن الحرب اللبنانية الثانية عام 2006م، بين إسرائيل وحزب الله من أن حزب الله يريد توريط الأمة من أجل تحقيق مشروع فارسي على حساب المنطقة العربية أتت على لسان سعود الفيصل، ولكن العواطف الجياشة من أجل فقط من يستطيع مواجهة إسرائيل كانت هذه المرة على يد حزب الله.
وجد حسن نصر الله من قبل العرب والمسلمين وحتى من العلماء السلفيين على تأييد وتعظيم لشخصه بأنه قد يكون المخلص من إسرائيل الذي عجزت العرب والمقاومة الفلسطينية على مدار عقود، بل حتى إيران خشيت من بزوغ شعبية حسن نصر الله عند العرب والمسلمين، بأن ينقلب على إيران وعلى المشروع الفارسي الذي يدركه حسن نصر الله نفسه، يتكرر تحذير السعودية من أن داعش صنيعة إيرانية تحت رعاية الاستخبارات الدولية، بينما لا زالت الشكوك تدور حول صدقية هذا التحذير.
يبدو أن إيران فشلت في المواجهة مع السعودية بشكل خاص في البحرين، بينما هناك مواجهة في اليمن تصر السعودية على حسمها لصالح اليمن ولصالح دول الخليج، لكن لا يزال الصراع مفتوحًا في سوريا خصوصًا بعدما تم تدويل الأزمة السورية.
فشلت إيران في البحرين الذي تعتبره السعودية جزءًا من أمنها الخاص، فاتجهت إيران في تهريب وتصنيع المتفجرات الخارقة للدروع من إيران والعراق إلى البحرين والسعودية من أجل التهيئة لعمليات إرهابية تستخدم فيها تقنية عالية، لكن قضت البحرين بدعم السعودية على جماعة تسمي نفسها حزب الله البحريني في تشابه مع حزب الله اللبناني بإسقاط جنسيتهم البحرينية وذلك في قضية تأسيس وجمع أموال لتمويل جماعة إرهابية وحيازة أسلحة بقصد استخدامها في نشاط يخل بالأمن والنظام العام تنفيذًا لغرض إرهابي.
بعد التفجيرات التي ضربت الولايات المتحدة وأوربا والتي انتقلت إلى مطار أتاتورك في تركيا، والحي الدبلوماسي في العاصمة البنغلاديشية، ثم انتقلت العمليات الإرهابية إلى السعودية بعد 3 عمليات أمنية تحبط مخططات داعش في الكويت، التنظيم منزعج من السعودية التي طاردت التنظيم، وشكلت جبهة إسلامية عسكرية لمواجهة مثل تلك التنظيمات، ولكن اختيار التنظيم توقيتًا وأماكن محددة بدأت بتفجير انتحاري مقيم قرب السفارة الأمريكية، ثم تفجيرين قرب الحرم النبوي وفي القطيف.
أصيب العالم بصدمة نتيجة هذا التفجير عند السجد النبوي، وخصوصًا المسلمون الذي وقع خلال صلاة المغرب بعد الإفطار خلال شهر رمضان الذي ينتهي الثلاثاء في موقف للسيارات تابع لقوات الأمن الذي أودى بحياة أربعة رجال أمن اعترضوا منفذ التفجير مما أدى إلى إفشال العملية الإرهابية التي كانت تستهدف المصلين في المسجد الشريف.
يأتي هذا التفجير قرب المسجد النبوي والتي تبدو منسقة على إثر هجوم دموي وقع في منطقة الكرادة وسط بغداد والذي قتل فيها أكثر من 200 شخص بعد هجمات دكا واسطنبول، بجانب تفجير انتحاري نفسه قرب مسجد في القطيف الذي يؤمه الشيعة في وسط مدينة القطيف ولكن لم يصب أحدًا في هذا التفجير.
انكشفت جميع أقنعة داعش بعد التفجير قرب المسجد النبوي، وكل من يؤمن بهذا الفكر التكفيري الوحشي، وأي فكر يستهدف أقدس بقاع الأرض، وفي أقدس الأيام كان يعتقد أنه ليلة العيد على غرار قتل صدام حسين يوم العيد، ما يعني أن التوقيت مشترك يهدف لإثارة عواطف المسلمين، لكنه فكر يائس، وقد يعني أن المخطط هو من خطط لتوقيت إعدام صدام حسين وتوقيت استهداف المسجد النبوي، لكن حينما يحفظ الله المصلين في المسجد النبوي أن المخطط لا يعرف خطط مداخل ومخارج المسجد النبوي، فحينما استوقفه رجال الأمن بأن هذه مخارج لا يسمح منها الدخول فأذنوا له بالإفطار معهم لكنه فجر نفسه بعد الأذان (غدر بمن استضافوه)، وصدق الشيخ بن عثيمين رحمه الله حينما حدث تفجير العليا عام 1995م، قال اليوم يقاتلون أهل الذمة، وغدا يقاتلون أهل القبلة، وفي الحديث ( لا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء ومن أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً ).
لكن تتقاطع أهداف التنظيم مع أهداف إيران في الإثبات بأن السعودية غير قادرة بمفردها على رعاية الحرمين الشريفين، ومن الضروري تدويل رعاية الحج ومشاركة دول إسلامية، وبشكل خاص تريد إيران عبر مشروعها الفارسي من الهيمنة على بلاد الحرمين، وليس فقط على الحرمين، وأن تكون لها قيادة إسلامية بدلا من السعودية أو قيادة تدويلية.
العمليات التفجيرية موجهة من قيادات داعش منذ تأسيسه في زمن المالكي الذي تركهم يحتلون الموصل دون أي مقاومة مما ترك عددًا من الأسئلة، وسبق أن استهدف الأمير محمد بن نايف عام 2009م، من القاعدة، ويزعج تنظيم داعش كيف أن السعودية استطاعت تفكيك التنظيم داخل السعودية على جميع المستويات التنظيمية والمالية والعسكرية، ولم يتبق لهم سوى تشكيل خلايا نائمة يتم الاستعانة بهم متى ما شاءوا، رغم ذلك هي تخشى التحرك خشية القبض عليهم، ولا يمكن أن يكون للتنظيم حضور عالمي ومشروعية ما لم تستهدف السعودية المركز الديني، حتى يتمكن من توظيف وتجنيد الشباب.
بعد ضرب تنظيم داعش في العراق وسوريا حيث يعيش مرحلة تصفية، وبدأ يتحول إلى تنظيم مذبوح، لكنه دخل مرحلة هستيرية يريد أن يستعيد قواه على الأقل، وإرسال رسالة لإيران بأن توجه الحشد الشعبي الذي يأتمر بأمرها أن لا يقضي على التنظيم ما دام التنظيم يستهدف السعودية ويستهدف المقدسات نيابة عن إيران، وهو يفسر أن المقاتلين الشيعة هم فقط من العرب وليس من الإيرانيين حيث تساءل مقاتل سابق من حزب الله بأن سليماني يولي الأولوية لحماية الإيرانيين ويضحي بغيرهم من العرب قد لم يتمكن من فهم حقيقة العلاقة بين إيران وداعش، وهم مثل النازية الألمانية التي شعرت بدنو أجلها فاتجهت نحو السرعة القصوى محاولة استعراض عضلاتها لتثبت حضورها في أوربا، وهو نفس السيناريو الذي يتبعه تنظيم داعش.
تنظيم داعش دولي فلابد من مواجهته دوليًا من خلال التعاون، إلى جانب مقاومة جذوره، بأن تقوم الدول العربية الإسلامية بمراجعة شاملة للتعليم لتحصين الشباب من أي استهداف أو استدراج، لم يعد ربط التعليم فقط بمتطلبات السوق بل أيضًا تحصينهم فكريًا، بأن يكون التعليم أكثر عمقًا وأن يتقبل التعليم أسئلة الطلبة الأكثر عمقًا ليكونوا مؤهلين لتنقية وتفكيك الأفكار الوافدة أو المضللة التي تستهدفهم.
إذًا يمكن القضاء على داعش عسكريًا، لكن لا يمكن القضاء عليه فكريًا، لأنه لابد من مواجهة الفكر بالفكر، ومعرفة فكر داعش الذي يرتكز على خمسة مرتكزات، التكفير، الجهاد، الخلافة، الولاء والبراء، والعلاقة بين الدين والدولة، من أجل الخروج بفكر مواز ضد فكر تنظيم داعش.
وهو ما يفرض على القيادات الروحية مسؤولية توسيع الآفاق المعرفية في المجتمع والتأكد من صحة الخطابات الدعوية التي يجب أن تتناسب مع المرحلة التي لم تعد تنفع خطابات الصحوة السابقة المبرمجة سياسيًا، ومن تخفيف وطأة المشروعات المذهبية المتسلحة بفقهها الخاص التي لا تقبل تعددية الآراء، ومنع هذه المشروعات من أن تتحول إلى منصات سياسية تبريرية يتم استغلالها من قبل فئات تبذر بذرة من بذور الإرهاب التي يمكن أن تنمو وتتوسع ثم تتحول إلى تنظيمات.
ومن أجل تحقيق تشكيل خطاب مواز لابد من وضع خطة على المدى القريب والمتوسط والبعيد، على المدى القريب بحاجة إلى تطوير المنظومة الاستخباراتية للتصدي لتحركات داعش، التي لم تعد تعتمد على لباس خاص مثل القاعدة سابقًا، بل هي تعتمد على التخفي ولا تعتمد على لباس خاص بها ويتجولون في كافة المناطق، بجانب تقليص الاحتقان الطائفي من أجل التوجه نحو التهدئة، لأن الأمن لا يمكن أن يتحقق في ظل احتقان طائفي، مثلما يدور في العراق، وسبق أن عانت الولايات المتحدة في بدايات تأسيسها احتقانات طائفية، ولكنها اتجهت إلى تأسيس ميثاق يتساوى في ظله الجميع.
كما يجب مواجهة داعش إعلاميًا، حيث أن 70 في المائة من نشاطات داعش يقوم على الدعاية الذي له تأثير سيكلوجي، يتضح هذا من التحقيقات التي أجريت مع ابن العميد في الجيش التونسي الذي قتل في تفجيرات مطار أتاتورك الذي ذهب لإحضار ابنه المنتمي لداعش الذي يروي كيف انضم للتنظيم، حيث كانت البداية من قبل زملاء دراسة منضمين للتنظيم أقنعوه بضرورة القيام بأعمال خيرية، وجعلوه يتردد على مسجد بحي النصر أحد الأحياء الراقية في العاصمة التونسية، حيث تم استدراجه بطريقة تدريجية وإقناعه بتقديم أعمال إنسانية في خدمة الكثير من الضحايا والحالات الإنسانية في سوريا، وبالتحديد في تنظيم داعش الإرهابي، ثم أقنعوه بأن المجموعات الموجودة في سوريا هدفها حماية الدين الإسلامي المستهدف، ثم بدأ التواصل معه عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى جانب صديق دراسة منضم لداعش وهم من أقنعوه بالسفر إلى سوريا والعراق، لكنه بعدما ذهب ووجد سفك الدماء رفض البقاء معهم ولكنهم طلبوا منه الخروج للجهاد والتدرب على حمل السلاح والقيام بسفك الدماء خصوصًا وأن التنظيم يعاني من نقص المسلحين، لكنه استطاع بمساعدة أطراف سورية وعراقية وتونسية إلى أن وقع في يد الجيش السوري الحر.
خريطة الدم التي يرسمها داعش في منطقتنا لا تحتاج إلى حلول اختزالية، لأن داعش ظاهرة وعرض لأمراض في المنطقة استفحلت وتوطنت بل تجذرت بين جنبات المجتمع، والبداية تكون بالقضاء على رؤوس الشياطين واجتثاثها لتنقية الدين الحنيف من الاجتهادات الفقهية التي أنبتت لنا طوائف متقاتلة نتيجة التشدد الإرهابي فكرًا وممارسة , الذي قد وصل لمرحلة تفجير المصلين وقوات الأمن وقتل الوالدين والأقارب حتى نشر هذا الفكر الخوف داخل الأسرة الواحدة وداخل المجتمع بدلا من التعايش مع هذه الآفات الشيطانية.
السعودية تدفع ثمن مواجهة مشروع فارسي يعمل على تشويه الدين الحنيف، وهل يستفيد منه غير أعداء الإسلام، تحرك تنظيم داعش مخابرات باتت معلومة للجميع، على غرار القاعدة التي كانت تحت رعاية استخبارات دولية , احتضنت إيران عددًا كبيرًا من قيادات القاعدة، بل وجدوا في إيران ممرًا آمنًا ومراكز تدريب آمنة، لكن إيران غيرت من استراتيجيتها مع تنظيم داعش، فكبار قادة التنظيم كانوا مسجونين في سجن أبو غريب أخرجهم المالكي وبعدها تولوا قيادة التنظيم بعد تأسيسه.
دعوة الملك سلمان من إندونيسيا بحوار الأديان:
في زيارة الملك سلمان التاريخية لإندونيسيا أكبر بلد إسلامي لم يتطرق إلى الطائفية باعتبار أن السعودية قلب الإسلام النابض حول العالم الأمر الذي يتطلب قطع الطريق على دعاة الكراهية وحراس تراث الصدام التاريخي التي تقود سواء لحروب ذهنية أو مادية، لأن الأديان تسعى لحماية حقوق الإنسان وتمنع ظهور غوائل الغلو والتطرف في كل الأديان والثقافات.
أكد الملك سلمان على الحوار بين أتباع الأديان خصوصًا وأن السعودية أنشأت مركز الملك عبد الله لحوار الأديان ( كاسيد ) في العاصمة النمساوية فيينا، وأراد الملك سلمان إطلاق هذه الدعوة من إندونيسيا بلد الأكثرية المسلمة التي تتمتع بروح التعايش والتسامح مما كفل لها مناخًا سياسيًا مستقرًا، مهد لنهضة اقتصادية.
هذه الدعوة تجد صداها عبر الفهم الواسع والعميق للإسلام الذي يؤمن بالتعددية التي هي سنة الله في خلقه وفي الكون، وأتت الدعوة في زمن يتجه فيه العالم نحو انتكاسة في الاحتكام إلى الأدوات الخشنة وقعقعة السلاح، بينما هذه الدعوة تذكر أتباع الأديان بأنهم بحاجة إلى مزيد من (أنسنة) الإنسانية بعد أن قزمتها الأيديولوجيات المتطرفة، وأن العالم يحتاج العودة إلى التلاقح الحضاري والتعاون بين أتباع الأديان الرئيسية التي تخالف دعوة هنتجتون العالم الأمريكي الذي صاغ نظريته عن صدام الحضارات التي تؤمن بحتمية تقسيم العالم.
دعوة الملك سلمان أتت في وقتها بسبب أن العالم يتجه نحو لحظة مفصلية بأن العالم يتجه نحو تضارب المصالح التي تعيق الانسجام والتواصل الذي ساد في زمن العولمة بين مختلف البشر بدلاً من جعل الآخر قنابل موقوتة كما يتحدث الشعبيون عن المهاجرين في أوربا وفي الولايات المتحدة وهو افتراء فكري وخطر واقعي ينسف الاستقرار العالمي.
دعوة خادم الحرمين الشريفين لحوار الأديان هي دعوة تتجاوز الأفكار النمطية التي تؤمن بها إيران وتحاول استباحة المنطقة العربية وممارسة التهجير القسري والتغيير الديمغرافي في العراق وسوريا ومحاولة تشييع الأغلبية السنية في أنحاء العالم، بينما تجربة الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان كانت ناجحة تتماشى مع دعوة الإسلام السمحة ما يعني أن السعودية تسعى بعزم نحو عالم خال من الكراهية والتطرف , إلى عالم يسعى إلى نشر ثقافة السلام والمحبة في الأجواء المزدحمة بالكراهية والخصام التي صنعتها أيديولوجيات دول مثل إيران وجماعات مثل القاعدة وداعش وغيرها مسلمة وغير مسلمة.