صعود تيار الإسلام السياسي في تجربتي مصر وتونس بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي، أخاف المرأة العربية من صعود هذه التيارات المتشددة التي تستخدم القمع تحت ستار الدين، في حين أن الإسلام هو الذي رفع شأن المرأة ومنحها حقوقها كاملة.
وفي تجربتي مصر وتونس، شاركت كل من المرأة المصرية والتونسية في الثورات العربية التي اندلعت مع بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، ولعبا دورًا حاسمًا في هذه الثورات. وكان لدى النساء المصريات والتونسيات تراكمات نضالية لعبت خلالها أدوارًا هامة، وعلىالرغم من مشاركة المرأة بالدولتين في كل مراحل الثورة، والسعي لاكتساب المزيد من الحقوق ولصد خطر التيارات المتشددة التي تدعوا لبقاء المرأة في المنزل، إلا أن المرأة المصرية والتونسية تبدو أكثر تخوفًا على المستقبل مطالبة برؤية جديدة في صياغة التاريخ والاعتراف بدور المرأة.
ومن الملفت للنظر أن هناك تشابهًا في تطور الفكر السياسي فيما يتعلق بحقوق المرأة في مصر وتونس. ومن أبرز معالم التشابه أنه في مصر يعد "رفاعة رافع الطهطاوي"(1801-1873م): أحد أبرز التنويريين العرب وإمام النهضة العلمية في مصر. ولم يكتف رفاعة الطهطاوي بطلب إحترام المرأة إنما طالب بتعليم المرأة وعملها.
ويؤرخ لقضية المرأة في تونس بظهور كتاب طاهر الحداد "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" 1930م، الذي يعد حدثًا في مسيرة الإصلاح الاجتماعي والاجتهاد في تأويل النص الديني. وتأسست الحركة الإصلاحية الحداثية التونسية بفضل رواد من أمثال "خير الدين باشا"(1820-1890م) الذي دعا إلى الإصلاح الشامل الذي يقوم على أساس تحقيق العدل والمساواة في حكم الرعية، واحترام حقوق الإنسانية. بالإضافة إلى "عبد العزيز الثاعلبي" (1876 -1944م) الذي دعا لتحرير المرأة كشرط أساسي للارتقاء بالمجتمع إلى مدارات الحداثة والتقدم.[i]
المسار الناشئ في كل من مصر وتونس بعد الثورة:
إذا تتبعنا المسار الناشئ في كل من مصر وتونس نجد أن هناك اختلافات جوهرية بين هذين الدولتين بعد الثورة، ليس فقط في طريقة إدارة المرحلة الانتقالية، ولكن في الإيقاع السياسي الذي يحدد المراحل وطريقة وتوقيت الانتقال من كل مرحلة إلى المراحل الأخرى، وصولاً إلى تمام تشييد المعمار الجديد لمسيرة المجتمع بما في ذلك حقوق المرأة في الدولتين. فكان المسار في تونس أكثر وضوحًا وسلاسة من المسار في مصر؛ لأن التحول بدأ بانتخاب مجلس تأسيسي لوضع الدستور واختيار رئيس الجمهورية.
غير أن مسار التحول في مصر كان معقدًا؛ لأنه لم يبدأ كما كان ينبغي بانتخاب مجلس تأسيسي، ولكن بعد إعلان دستوري أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة نظم استفتاء موضوعه الدستور أولاً أو الانتخابات أولاً، وكانت النتيجة لصالح الانتخابات أولاً. وهكذا تمت انتخابات مجلس الشعب التي فاز فيها الإسلاميون متمثلون في الإخوان المسلمين والسلفيون.
ويثير وصول الإسلاميين للحكم مشكلات سياسية وفكرية منها: هل يقبل الإسلاميون بمبدأ تداول السلطة؟ وهل سيحاولون فرض توجهاتهم الأيدلوجية والدينية على المجتمع من خلال استخدام الآلة التشريعية استنادًا إلى أغلبيتهم النيابية.
وتعد المشكلة الثانية أعقد المشكلات. وفي هذا المجال هناك فرق في النضج السياسي بين زعماء حزب النهضة في تونس وزعماء الإخوان المسلمين في مصر. فالإسلاميون في تونس أكدوا أنهم لن يفرضوا على المجتمع التونسي قيمهم الدينية، وسيقدمون نموذجًا للإسلام الليبرالي. أما الإسلاميون في مصر فقد صدرت عن بعض قادتهم تصريحات شتى بإصرارهم على أسلمة المجتمع المصري، من خلال نشر الدعوة في كل مكان، وكأن هذا المجتمع لم يعرف الإسلام دينًا من قبل، وآن أوان أسلمته.
وفي مجال القيم فإن أصحاب المشروع الإسلامي المتشدد من الغلاة، يريدون أن يحكموا الماضي وقيمه وحلوله في مشكلات الحاضر، مع رفض قيم الحداثة بما تنطوي عليه من احترام حقوق الفرد، ويميلون إلى حرمان المرأة من حق العمل، ولهم موقف متعسف من الاختلاط في المدارس والجامعات قد لا ينسجم مع الثقافة المصرية المتوارثة. وبدأوا بالتزمت في الملبس، والانغلاق في الفكر، والعداء في مجال التفاعل الحضاري مع الآخر، وهي السمات الأساسية للذين يروجون للهوية الإسلامية المتخيلة.[ii]
حقوق المرأة في الدستور المصري بعد ثورتين مقارنة بتونس:
عند مقارنة حقوق المرأة في الدستور المصري بعد ثورتين والدستور التونسي بعد الثورة نجد أن،هناك تشابه في الدستور المصري والتونسي في بعض المواد، حيث نصت المادة (11) من دستور مصر (2014) على: “تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبًا في المجالس النيابية على النحو الذي يحدده القانون”. وعلى الجانب الآخر نص الفصل (45) من دستور تونس (2014م) على: “الدولة تعمل على تحقيق التكافؤ بين الرجال والنساء في المجالس المنتخبة".
وقدجاءت صياغة كلتا المادتين غير مفهومة، ومتروكة لهوى كل نظام بدون تحديد آلية المشاركة السياسية للنساء في المجالس المنتخبة، فكلا الدستورين أخفقا في تحديد نصّ محدد لذلك .
وعندما خصص دستور مصر (2014م) في المادة (180) ربع مقاعد المجالس المحلية للنساء، لم يوضح كيفية تنفيذ ذلك النص الدستوري، أي هل سيتم عن طريق تعيين 25 ألف سيدة في المحليات، مما يقود إلى مشكلة الأنظمة السابقة، لأن أغلب التعيينات كانت لنماذج ذات صلة بالنظام الحاكم، ولم يكن معيار الكفاءة بمفرده هو الفيصل.
ولم تحقق نسبة تمثيل المرأة في المحليات كل طموحات المرأة المصرية، لأنها كانت تطالب بنسبة 50% من المقاعد، كما نص دستور مصر (2014م) في المادة (35) على أن المواطنين جميعًا متساوون في الحقوق والواجبات، فمن حق المرأة المصرية نصف المقاعد في المحليات.
وألزم دستور مصر (2014م) عبر المادة (53) الدولة بتوفير آلية للمراقبة ومكافحة التمييز، بل جرم التمييز ونصّ على عقوبته، بينما نص الفصل (30) من دستور تونس (2014م) على “أن المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز".
وهنا نجح دستور مصر (2014م) في حماية المرأة من التمييز، عندما ركز على إنشاء مفوضية للرقابة على التمييز على عكس دستور تونس (2014م) الذي لم يوفر آلية لحماية المرأة التونسية من التمييز.
التحديات أمام المرأة في الدول التى اندلعت فيها الثورات:
يكمن التحدي الأساسي للمرأة في الدول التى اندلعت فيها الثورات في: تجاوز مرحلة المشاركة الجماهيرية في الثورات إلى العمل المؤسسي، فمازالت المرأة تعاني من عدم التمثيل الجيد في الأحزاب وفي البرلمانات.
ومن التحديات التي تحملها المرحلة الانتقالية للثورات العربية: اتساع الفجوة بين التوقعات والإنجازات، فالشعوب التي قامت بالثورات وأسقطت النظم الحاكمة اعتقدت أن مطالبها ستتحقق على الفور بمجرد سقوط الأنظمة القديمة. إلا أن المطالب تزايدت في الوقت الذي تنخفض فيه قدرة النظام الجديد على الاستجابة الفورية.
وترجع خطورة استمرار هذه الفجوة إلى أن خيبة أمل شاملة قد تمهد الطريق لقيام، بل لنجاح الثورة المضادة. والوضع في مصر وتونس أكثر تعقيدًا نظرًا لأن الذين حكموا بعد الثورة ليسوا هم أنفسهم من قاد الثورة، وبالتالي يسهل أن يسود سوء الفهم بين الجانبين بل وعدم الثقة بينهما خلال عملية الانتقال.
ويتمثل التحدي الثاني في الحاجة الماسة إلى موارد فورية، بحيث يمكن المضي قدمًا في الانتقال بسلاسة، والموارد المقصودة هنا هي تلك الخاصة بقدرة من هم في السلطة على كسب ثقة الشعب، فضلاً عن الحاجة إلى القدرة على التفاوض في شأن الخلافات وإدارة الأزمات.[iii]
وبالتالي تعثر مسار التحول في دول الثورات العربية، نتيجة لمحاولة إقحام الدين كإطار مرجعي للممارسات السياسية والثقافية، والتركيز على القيم التقليدية في سياق ديني متشدد يركز على الشكل دون الجوهر، مما يهدد حرية الأفراد وحركة المجتمع، ويؤدي إلى خرق حقوق الإنسان.
فلا يمكن للتطوير أن يتحقق بدون حداثة فكرية، تقوم على حرية التفكير والتعبير وحق أفراد المجتمع جميعًا في إرساء القيم التي تحدد السلوك الاجتماعي وفق نظرية عصرية منفتحة. وليس تطبيقًا لقيم تقليدية رجعية يراد إعادة إنتاجها من خلال اجتهادات دينية متشددة تقوم على ممارسة التأويل المنحرف للآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.
أهم النتائج والتوصيات:
أولاً: بالنسبة للمرأة المصرية خلال فترة تولي جماعة الإخوان الحكم بعد ثورة 25 يناير2011م:
تعد فترة حكم الإخوان بعد ثورة 25 يناير 2011م، من أصعب الفترات التي مرت بها المرأة المصرية خلال الـ25 عامًا الماضية، فقد حاولت جماعة الإخوان القضاء على كل المكتسبات التى حصلت عليها المرأة طوال الأعوام الماضية، وإرجاعها إلى عصور الجاهلية. فقد شهِد حكم الإخوان إقرار دستور غير معبر عن المرأة بشكل تام، وتبنى بعض المسؤولين سياسة عزل النساء من المناصب القيادية والتنفيذية، سواء عن طريق النقل التعسفى لهن أو عدم الحصول على حقهن فى الترقيات للوظائف الأعلى، مما عكس اتجاهًا ممنهجًا لإقصاء المرأة من المشاركة ومن شغل المناصب القيادية.
واتخذت جماعة الإخوان من الدين الإسلامي ستارًا لها، وتم استخدام المرأة في الأعمال الإرهابية، وتحددت علاقة المرأة المصرية بجماعة الإخوان من خلال شقين: الأول: استخدامها كعنصر إرهابي، والزج بها إلى الهاوية، والثاني: وهو إرهابها بشتى الطرق، تارة بالعنف ضدها من تحرش إلى اغتصاب فردي وجماعي، وفتاوى غريبة كترك الزوج زوجته للمغتصب والفرار بحياته، وتارة أخرى بوضع وردة حمراء بدلاً من صورتها في الدعاية الانتخابية، أو وضع صورة الزوج فالمرأة "عورة"، وتذيل القوائم بالمرشحات، وكأنهن سبة.
وأصرت جماعة الإخوان على القضاء على كل المكتسبات التى حصلت عليها المرأة، حيثلم تتعد نسبة تمثيل المرأة في اللجنة التأسيسية المسؤولة عن وضع دستور 2012م الـــ 6% بواقع 6 سيدات من 100 عضو من أعضاء لجنة المائة، 4 منهن كن ممثلات حزب الحرية والعدالة، وعلى الرغم من اعتراض المنظمات المهتمة بالمرأة، إلا أن القائمين على تشكيل اللجنة لم يتزعزعوا عن موقفهم بالنسبة لتمثيل المرأة في لجنة المائة، وصدر دستور 2012م الذي لم يكفل للمرأة أية حقوق، ولا يحتوي سوى على وعود بالعناية والرعاية لحقوق الأمومة والطفولة.
وفي أول تجربة برلمانية بعد ثورة 25 يناير 2011م لم تحصل المرأة إلا على ثمانية مقاعد من أصل 498 مقعدًا في مجلس الشعب، منهن أربع كن منتميات لحزب الحرية والعدالة، بالإضافة إلى ثلاث نائبات معينات، رغم أن المرأة المصرية تمثِل 40% من مجموع الناخبين المسجلين في جداول الانتخابات، فهى تمثل كتلة تصويتية، لكنها تستغل كوقود للعملية السياسية تُستدعى فقط كناخبة.
حيث تشارك النساء المصريات بكثافة كناخبات في كافة الاستحقاقات السياسية، في حين أنها لم تمثل بنفس القدر كمرشحة، حيث يتم وضع المرشحة بذيل القائمة الحزبية كديكور في أغلب الأحيان ليس أكثر، وللالتزام بما نص عليه القانون من ضرورة أن تتضمن قائمة المرشحين الحزبية امرأة واحدة على الأقل، كما قامت بعض الأحزاب بوضع صور زهور بدلاً من صور المرشحات، وفي النهاية بلغت نسبة تمثيل المرأة في الانتخابات البرلمانية الأولى التي تمت بعد ثورة 25 يناير في عام 2012م (2%) فقط في البرلمان.
ويرتبط العنف ضد المرأة بالأحداث السياسية، فالتحرش بالمتظاهرات في ميادين القاهرة وغيرها، يؤكد أن هناك أسبابًا أخرى بخلاف الدوافع المعتادة للتحرش بالنساء، والذي لا ينال من المرأة فقط، وإنما من المجتمع ككل.
وأبرز مثال على ذلك: حادثة التحرش بميدان التحرير إثر خروج السيدات للاحتفال بفوز الرئيس السيسي في انتخابات الرئاسة، فهناك تدبيرًا ما حدث للخروج بتلك الوقائع بهذا الشكل الدنيىء لإفساد فرحة المصريين من جهة، وللإنتقام من السيدات اللاتي لعبن دورًا مهمًا في انتخابات الرئاسة من جهة، وكذلك إرهابهن حتى لا يشاركن في أي تجمعات بعد ذلك، وهو الأمر الذي يمكن أن تؤكده شواهد عديدة منها أن أول المواقع التي رفعت صورة تلك المأساة هي التي تنتمي لفصيل الجماعات الخارجة عن القانون.
واتخذت جماعة الإخوان من الدين الإسلامي ستارًا، واستخدمت المرأة في الأعمال الإرهابية، من خلال جعل النساء يتقدمن المظاهرات غير السلمية، بالإضافة إلى تقديم قوافل طبية لختان الإناث بأسعار زهيدة كنوع من الدعاية الانتخابية. ويمكن القول أن فكر الجماعة ظلامي ويتناسب طرديًا مع الجهل.
لذا فإنه من المهم وجود أجندة تستهدف حقوق المرأة المصرية، حتى يكن مشاركات في الشأن العام، فالمرأة المصرية ستظل تراقب وترصد كل ما يحدث، وستتخذ الإجراءات الديمقراطية للتعبير عن مواقفها، وبالتالي ستنتقل من مرحلة العمل الثوري إلى مرحلة العمل الديمقراطي.
ثانيًا: بالنسبة للمرأة التونسية خلال فترة تولي حزب "النهضة" (جماعة الإخوان المسلمين في تونس) بعد ثورة 14 يناير2011م:
كانت المرأة التونسية في الصفوف الأولى في مواجهة نظام الرئيس الأسبق "بن علي"، كما أنها شاركت في مختلف الاستحقاقات السياسية التي تلت الثورة، ولم تستسلم أمام كل محاولات سلبها حقوقها، أو العودة بها إلى الوراء وحصر دورها في فضاءات ضيقة بعيدًا عن الشأن العام،بما يؤكد أن بناء مستقبل تونس لا يكون إلا بمشاركة فعلية للمرأة.
ولم يؤثر الخطاب الديني بعد ثورة 14 يناير 2011م، على حقوق المرأة التونسية، وهو ما يمكن إرجاعه إلى أن الحبيب بورقيبة منذ توليه الحكم اتجه إلى تهميش المؤسسات الدينية المعارضة له في نشر أفكاره لتحرير المرأة، ومن هذه الأفكار تجريم تعدد الزوجات، لذا حرصت حركة النهضة في البداية على دعم حقوق المرأة لكسب تأييد الشعب التونسي الذي يعتبر تلك الحقوق خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه.
وقد حاول حزب "النهضة" (جماعة الإخوان المسلمين في تونس) تكذيب الادعاءات التي كانت تتردد بأن حكم الإسلاميين سيرجع بالمرأة التونسية إلى الوراء، وبأنهم سيلغون الديمقراطية وسيفرضون الحجاب، من خلال الادعاء بأن: "لن يشعر التونسيون في ظل حكم حزب النهضة بأن هناك نمط عيش مفروض عليهم، فالمرأة تختار نمط حياتها، وما تغير فقط أن غطاء الرأس كان ممنوعًا في عهد بن علي، وأصبح ممكنًا، وبقيت المرأة حرة في ملبسها".[iv]
إلا أن جميع الحركات والأحزاب التي تسعى للوصول للحكم تتخذ من الدفاع عن حقوق المرأة السبيل للوصول لأهدافها، ثم بعذ ذلك يتم تغييب المرأة، فمازالت المرأة التونسية غير شريكة في صنع القرار لا في داخل الحكومة ولا في داخل الأحزاب السياسية.
فالإرادة السياسية غائبة في معالجة مشاكل المرأة التونسية، والتي تشهد مرحلة دقيقة، في ظل عدم تفعيل مقتضيات الدستور بالشكل المطلوب في اتجاه ترسيخ مبدأ المساواة بين الجنسين. فتارة يتم التأكيد على أن المرأة التونسية متميزة عن نظيراتها في العالمين العربي والإسلامي بفضل ما اكتسبته من حقوق منذ تاريخ صدور مجلة الأحوال الشخصية في 13 أغسطس 1956م، وبنسق تصاعدي.
وتارة أخرى يتم إلقاء الضوء على أن المرأة في تونس لا تختلف عن الأفارقة أو بقية العرب من حيث واقع المرأة؛ لأن المجتمع لازال ذكوريًا، فحضور المرأة في مواقع القرار لا يزال ضعيفًا، حيث لم يتجاوز30% في مجلس نواب الشعب، وثلاث وزيرات في حكومة الحبيب الصيد (2015م) وهو غير كاف على حد وجهة نظرهم،فالمرأة التونسية لديها ترسانة من القوانين والتشريعات، ولكنها على مستوى الممارسة بعيدة جدًا عما تكفله تلك التشريعات والقوانين.
وبالتالي فإن تدعيم قدرات المرأة التونسية في إدارة الشأن العام بات أمرًا ضروريًا، فقد بينت التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي أنه لا يمكن إرساء ديمقراطية دون المشاركة الفاعلة للمرأة وتمثيلها في الهيآت المنتخبة.
لذا لابد من مراجعة مكتسبات المرأة في تونس، ويجب الدفع بمبدأ المساواة الذي تم إدراجه في الدستور حتى يصبح مبدأ يطبق على جميع المستويات، ويتطلب تدعيم مكاسب المرأة في تونس: وقفة حازمة من النساء أنفسهن، إضافة إلى وقفة مساندة من الرجال المدافعين عن حقوق المرأة ومكتسباتها في تونس. بالإضافة إلى تطوير صورة المرأة التونسية، وحضورها في مختلف وسائل الإعلام، حتى يكون الإعلام الداعم الأساسي للمسار الديمقراطي بعد ثورة 14 يناير 2011م. ويعتبر قيام تونس كأول بلد عربي برفع تحفظاتها عن اتفاقية: (السيداو) بشكل رسمي خطوة هامة.
ومثل غياب التطور التحدي الأساسي أمام المرأة المصرية والتونسية بعد الثورة، فلا يمكن تحقيق ذلك بدون حداثة فكرية تقوم على حرية التفكير وحق الأفراد جميعًا في إرساء القيم التي تحدد مختلف المسارات المجتمعية.
فبدلاً من أن تحصل المرأة المصرية والتونسية على المزيد من الحقوق بعد الثورة، فإنهما تكافحان حتى لا تسمحا بالتراجع عما تحقق من مكاسب لفائدتهما في الماضي.
ولا يستطيع الإعلام بمفرده دعم حقوق المرأة العربية، وإنما يجب إصلاحالمناخ الثقافي والاقتصادي والسياسي، فلن تنجح إعادة الحقوق للمرأة إلا بإيمانها بذاتها وتجاوبها، واقتناعها بأهمية هذه الحقوق، ورغبتها الحقيقية في تغيير البيئة المحيطة على النحو الذي يجعل النساء فاعلات، ولهن نفس الفرص والامتيازات المتاحة لغيرهن في المجتمع، ولا يكفي الاعتقاد السائد بأن مشاركة المرأة في أي حدث عام يعد هدفًا في حد ذاته، وأنه كلما كانت نسبة المشاركة مرتفعة اعتبر الأمر ناجحًا وإنجازًا، فالمشاركة مهما ارتفعت نسبتها لا تعني الكثير، إلا إذا كانت تبحث في القضايا الأساسية، ولا تعالج الظاهر فقط، فالمهم هو إصلاح البنية الاجتماعية والثقافة الفردية.
فنجاح المرأة في مراكز اتخاذ القرار يقاس بقدرتها على وضع قضايا جديدة على سلم الأولويات، إلى جانب تقديم حلول ورؤى جديدة لمشكلات وقضايا قائمة بالفعل، إضافة إلى إثارة الجدل العام حول قضايا لا يقدر على تناولها الفاعلون الآخرون، وبالتالي فبقدر ما يحتاج التطوير والإصلاح إلى البنية الأساسية اللازمة للتقدم، فإنه يحتاج إلى التركيبة العقلية والذهنية السائدة، التي تتأثر بالثقافة وتشمل نظم التعليم والإعلام، وفي إطار التفكير في خلق مثل هذه البيئة المواتية يتعين أن يصبح قياس تقدم المرأة منسوبًا إلى المطلق، وليس إلى ما حققه الرجل، ووفق هذه الرؤية يجب النظر إلى ما تستحقه المرأة انطلاقًا من هويتها وذاتيتها والإمكانيات الكامنة منها، أيفتح آفاق تركز لا على ما حرمت منه المرأة مما منح للرجل، وإنما على ما حرمت منه مما كان يمكن أن تتمتع به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[i]رفيعة بن عز الدين، دور التشريعات في الحد من الصعوبات وتفعيل مشاركة المرأة في تحقيق التنمية المستدامة، ورقة عمل، (تونس: الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، مارس 2010)، صــ174.
[ii]السيد يسين، صعود وسقوط حركات الإسلام السياسي: ثلاثية الحداثة والهوية والإرهاب، ع1، (القاهرة: المركز العربي للبحوث، 2013)، صـ 49-63.
[iii]Fernández, Rosa Ana Alija, and Olga Martín Ortega, Women’s rights in the Arab Spring: a chance to flourish, a risk of hibernation, Revista Estudios Jurídicos. Segunda Época (2012).
[iv]غادة مالكي، تقرير: راشد الغنوشي: لن نفرض الحجاب، والمرأة ستتصدّر قائماتنا الانتخابية"، جريدة التونسية، 13 أغسطس 2014.