منذ النشأة الأولى للمملكة العربية السعودية كان الدين الإسلامي دستورها، ولذلك لا غرابة أن يكون من أهم مقومات بنائها الاجتماعي والثقافي والسياسي. وتمثل ارتباط الدولة وثقافتها ومجتمعها بالدين الإسلامي في كثير من المظاهر؛ من أهمها تبني الإسلام دينًا للدولة وشعبها، والتمسك بالعقيدة الصحيحة ونبذ العقائد المنحرفة والأفكار الضالة الهدامة، وقد كانت العقيدة الصحيحة والشريعة الغراء بعلومهما المختلفة هما الإطار الذي انطلق منه الملك المؤسس لبناء ثقافة المجتمع في تلك الفترة ([1]).
ويستمد النظام السياسي للحكم في المملكة سلطته من كتاب اللّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذان المصدران هما ضابطا النظام السياسي، ومصدرين أساسيين للأنظمة واللوائح التي تصدر في المملكة ([2])، وهو ما يعنى أن النظام الأساسي للحكم ينسجم مع ثقافة المجتمع وقيمه فقد نص صراحة على أن دين البلاد هو الدينالإسلامي والدستور هو كتاب اللّه تعالى وسنة رسوله ([3]).
من ناحية ثانية، كان النفط مصدرًا مهمًا من المصادر الاقتصادية التي فتحت المجال لمختلف الأنشطة، ومهدت لمضاعفة النمو الأمر الذي جعل النفط الوسيلة الحيوية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي وإيجاد فرص عمل ([4]).
وهكذا فقد انتقلت المملكة إلى دولة مهيأة للانطلاق وتشكيل ملامح الصناعة الحديثة، والتجارة والزراعة والصحة، والتعليم ([5])، وفي خطتي التنمية الأولى والثانية اتبعت استراتيجية متوازنة استهدفت تنمية كافة القطاعات ([6]).
وتعززت احتمالات النمو في المملكة عندما وضعت آلية منهجية للتخطيط الاقتصادي، لترشيد وتثبيت التنمية،وتطور اقتصادها خلال الربع الأخير من القرن العشرين وصارت تتمتع ببنية أساسية عصرية وتحظى بقطاع خاص مزدهر ونظام مالي مستقر ([7]).
النهضة الثقافية: المظاهر والمؤشرات:
إن دور المؤسسات الإعلامية والتعليمية والثقافية بما في ذلك الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث والأندية الأدبية والرياضية. قد أسهمت مجتمعة في تفعيل وتقدم النهضة الثقافية التي تعيشها المملكة حاليًا بصورة شاملة.
ومشهد النهضة الحضارية الذي تطور في المملكة انعكس بصورة إيجابية على المجتمع السعودي، ما أدى إلى أن يشتمل ذلك جوانب الحقل المهني الصحفي وعناصر إصداراته سواء كان في مجال العاملين في هذا الحقل. أو على مستوى الطباعة ومضمون المادة التحريرية.
وتسهم المجلات بدور ملموس في تركيز الاهتمام الثقافي، وكذلك المكتبات العامة وكلها تتيح فرصًا رحبة للاطلاع، كما انتشرت في المملكة مؤسسات فكرية ترسخ نشاطاتها لخدمة الوعي المعرفي وتوفير متطلباته، فمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية تقوم بأنشطة متعددة من خلال أجهزتها ومطبوعاتها التي تسعىإلى توفير مستويات من المعرفة المتخصصة، ومركز الملك فهد الثقافي الذي يوفر بيئة مواتية لمختلف ألوان الإبداع الفني.
وتنتشر في المملكة مؤسسات خيرية لها أنشطة ثقافية وفكرية تتخذ أبعادًا إنسانية، فجائزة مثل جائزة الملك فيصل أصبح لها ثقل دولي، وغدت موضع اهتمام العلماء في جميع دول العالم، لما تتسم به من صدق التوجه وسلامة الهدف، وتقوم المؤسسة داخل المجتمع السعودي بأنشطة ثقافية وفكرية متعددة من خلال أجهزتها المختلفة.
وفي إطار النهضة الثقافية في المملكة تبرز عدة مؤشرات:
1ـ إن النتاج الثقافي السعودي يعد جزءًا أصيلاً من الثقافة العربية الإسلامية، وعاملاً مؤثرًا في تطور هذه الثقافة وتجدد بناها، والمؤسسات الثقافية بما تقوم به من أدوار مختلفة ومتكاملة تمثل منابع رئيسة للفكر العربي والإسلامي، وقنوات للحوار بين الأجيال.
2ـ التواصل الثقافي قائم بالفعل بين المثقفين ورجالات الفكر والأدب مع الجو الثقافي والأنشطة في الدول العربية المختلفة، ويتجلى ذلك في مشاركة العديد من المبدعين ورجال الفكر والنقد في المؤتمرات الأدبية التي تعقد في البلدان العربية.
3ـ تشهد النهضة الثقافية بالمملكة العربية السعودية عدة ظواهر منها:
- حركة موسمية منتظمة كما نرى في الموسم الثقافي الجنادرية وما يصاحب ذلك من نشاط ثقافي متنوع.
- الملاحق الثقافية الأسبوعية لكبريات الصحف تغطي كافة الفنون والأنشطة الثقافية وتستكتب أعلام الفكر والأدب العربي إلى جانب كتاب ومثقفي المملكة.
- النوادي الأدبية والجمعيات الثقافية المنتشرة في ربوع المملكة.
ـ الصالونات الأدبية الخاصة وتلك ميزة تنفرد بها السعودية حيث تشهد هذه الصالونات فعاليات ثقافية تزخر بالتفاعل ([8]).
4ـ العطاء الثقافي السعودي له عدة مظاهر منها النشر، الإصدارات، اللقاءات الفكرية، الحركة النقدية، وتتم اللقاءات الفكرية على عدة محاور فهناك المنتديات الأدبية الموزعة علىأكثر المناطق، والمجالس والمنتديات الخاصة في بعض المدن تتم أسبوعيًا وتناقش فيها بعض الأمور الأدبية الراهنة.
5ـ من أهم الأحداث الثقافية في السعودية خلال عام 2013م – 2016 م، بجانب معرض الرياض للكتاب، والمهرجان الوطني للثقافة والتراث (الجنادرية)، وإقامة ملتقيات الأندية كان انعقاد مؤتمر الأدباء الذي خرج بتوصيات عديدة أبرزها الاهتمام بالمسرح وبالمراكز الثقافية، وفوز ديوان الناقد أحمد بوقري (ما وراء حنجرة المغني) بجائزة البابطين، فضلاً عن عدد من الفعاليات الثقافية المتميزة.
5ـ شهدت المملكة انعقاد مؤتمر الأدباء السعوديين الرابع في المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية، وتميز هذا المؤتمر بمشاركات الشباب من العديد من البلدان العربية ببحوث عن الأدباء والأدب في السعودية، أعقبه انعقاد ملتقى نادي مكة المكرمة في دورة استثنائية عن الأدب والثقافة والحدود بينهما.
6ـ كان أبرز إنجازات عام 2013م، الثقافية بروز الحراك الشبابي في مجال اللقاءات والإصدارات من كتب ودواوين شعرية، بالإضافة إلى نشاطهم في شبكات التواصل الاجتماعي، وظاهرة التنافس بين دور النشر على الأسماء المتميزة في هذه الشبكات، وطبع إنتاجها الورقي وتسويقه، بجانب إصدارات كرسي الأدب السعودي بجامعة الملك سعود والذي يعد من أهم الأحداث الثقافية في السعودية، وقد قدم رسائل ودراسات علمية حول أدباء سعوديين ومنتجهم الأدبي وسيرهم الذاتية، مثل غازي القصيبي وحامد دمنهوري.
ورأى العديد من الأدباء بالمملكة أن تعيين الأمير خالد الفيصل وزيرا للتربية والتعليم كان أهم حدث ثقافي لعام 2013-2016م، ونقلة نوعية في الثقافة السعودية، فهو من أطلق عددًا من المبادرات الثقافية مثل مؤسسة الفكر العربي، وسوق عكاظ، وغيرهما.
كما جاء اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية أهم حدث ثقافي في تاريخ المملكة، بجانب معرض الفنان السعودي عبد الناصر غارم في مزاد دار كريستي بدبي.
وعلى المستوى الفني تأتى أحداث الفيلم السعودي "وجدة" الذي يسلط الضوء على الواقع الذي تعيشه، والصعوبات التي تعانيها، من خلال طموح بطلة الفيلم الطفلة "وجدة"؛
وقد حصد حوالي 20 جائزة من مختلف المهرجانات العربية والعالمية، كما رشح لجائزة الأوسكار العالمية.
ثالثًا: النهضة التعليمية: المظاهر والمؤشرات:
أدركت الحكومة السعودية منذ تأسيسها أهمية ودور التعليم في بناء الإنسان، وهكذا أصبح التعليم من أولى اهتمامات الملك عبد العزيزـ يرحمه الله ـ لذلك ركز على مجالات تنمية الوعي الثقافي، والعلمي بين طبقات الأمة، وأخذ ينشئ المدارس ([9]).
ولم تتخلف الفتاة السعودية كثيرًا عن ركب التعليم، رغم الحساسية الاجتماعية التي أدت إلى تأجيله بعض الوقت. وتعود بداية التعليم الحكومي للبنات لعام 1380هـ ([10]).
كما تطور التعليم العالي وتنوع خلال الخطط الخمسية الست حيث أنشئ عدد من الجامعات والكليات والمعاهد، والكثير من المباني الجديدة وتأمين المعامل والمعدات، كما تم افتتاح العديد من برامج الدراسات العليا في الجامعات وفي كليات البنات، إضافة إلى الأقسام المستقلة المخصصة لهن في الجامعات.
وتحرص الخطة العلمية في المملكة على أن تصبح المعلومات والمهارات التي تعلمها للطلاب سلوكاً في حياتهم وذلك بالربط بين النظرية والتطبيق وبين العلم والعمل، ونظرًا للقفزات الكبيرة التي تشهدها ميادين العلوم والثقافة والتقنية فإن المناهج الدراسية تحرص على تنمية التفكير العلمي لدى الطلاب وتعميق روح التجريب واستخدام المراجع العلمية والبحث عن المعرفة واستثمار المعطيات التقنية والتعامل معها بكفاءة في سبيل تنمية المعلومات وزيادة الخبرات وتنويعها.
ولا يقتصر اهتمام المناهج في غرس وتنمية الثقافة على المقررات والكتب الدراسية بل إن النشاط المدرسي والتوجيه والإرشاد الطلابي وميادين تعليم الكبار ذات صلة عميقة بالمناهج بل هي نشاطات متممة تنبثق من توجهات مناهجنا لتتكامل جميعها من أجل دعم مسيرة التنمية الثقافية.
لقد أدت الجامعات السعودية في بدايات تاريخها دورًا مهمًا في التنمية الثقافية والفكرية حينما كان المجتمع يتلمس طريقه نحو المدنية والتقدم الحضاري والنمو الاقتصادي، فقد كانت الجامعات تمثل أهم مؤسسات صياغة الوعي في ظل محدودية الاحتكاك مع العالم الخارجي إعلاميًا وسياحيًا وثقافيًا، وكانت الجامعات تمثل بيئة حاضنة للأنشطة الثقافية في الفن والمسرح والأدب والمسابقات الثقافية وكذلك الأنشطة الرياضية والعلمية، وكذلك معارض الكتب والفنون التشكيلية والحرف التقليدية وغيرها من الأنشطة.
وقد حظي قطاع التعليم في المملكة بالعديد من المنجزات والتطورات منذ أن تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز مقاليد الحكم وسجلت ميزانية التعليم بشقيه العام والعالي (للعام المالي 1435 / 1436ه) أعلى معدلات إنفاق في تاريخ المملكة حيث تم تخصيص حوالي (122) ألف مليون ريال لقطاع التعليم العام والتعليم العالي وتدريب القوى العاملة، وإذا كان هناك من عوائق لأخذ الجامعات دورها الطليعي في المجتمع من جهة، وتطوير أدائها الأكاديمي من جهة أخرى فهي تتمثل في عقبتين رئيسيين هما: تغيير واقع الجامعات السعودية من كونها مصادر تلقين بعيدًا عن أساليب الاقتناع العملي الحر، والأسئلة المتلاحقة، وأفكار البحث العلمي المعروفة، وإعطاء مزيد من الصلاحيات والاستقلالية للجامعات السعودية.
وقد خصصت المملكة في الأجندة الوطنية والبرنامج التنفيذي محورًا خاصًا بالتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي والإبداع، وقد أفرد المحور برامج تتعلق بتفعيل مشاركة المرأة وتحقيق العدالة بين الجنسين في سياسات ومناهج وبرامج قطاعات التعليم المختلفة، من خلال إدماج النوع الاجتماعي وإلغاء مظاهر التمييز على أساس الجنس من المناهج الدراسية والسياسات التربوية، وتحفيز البرامج التي تزيد من مشاركة المرأة في القرارات الإدارية التي لا تتعدى حاليًا ما نسبة (15%).
كما تم تخصيص برامج لزيادة القدرة على استيعاب التكنولوجيا والاستثمار في تطوير الموارد البشرية بما ينسجم مع متطلبات الاقتصاد الوطني واحتياجات سوق العمل، إضافة إلى سعي المملكة إلى زيادة نسبة الإنفاق السنوي الإجمالي على البحث العلمي والتطوير من القيمة (0.36) إلى (0.5) مع نهاية عام 2012، إضافة إلى السعي إلى إنشاء صندوق لدعم البحث العلمي والباحث والجامعة المتميزة، وربط أنظمة المكتبات الجامعية مع بعضها عبر شبكة الكترونية.
كما قفزت السعودية لموقع متقدم بين دول العالم للعام2012 م ، بنسبة معدل الارتفاع السنوي للنشر العلمي للدراسات العلميةوالأبحاث الواقعة ضمن الأبحاث الأكثر استشهادًا بها بنسبة (33.1) فيالعام 2013 م -2016م، وذلك وفقاً لإحصائية " تومسونأندرويترز " التي نشرتها مؤخرًا مجلة نيتشر العالمية في عددها الصادر فيديسمبر 2013م، وكانت " تومسون أندرويترز " فينسختها العربية لعدد فبراير 2013 م، قد رصدت مجموع الأوراق العلميةللمملكة لعام 2002م، حيث بلغت (1150) ورقة علمية وهي محصلة ما نشرتهجميع الجامعات والمراكز العلمية في المملكة، في حين بلغ عدد الأوراق فيعام 2007م (1362) ورقة علمية.
وبعد تنفيذ الخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار في عام 2008م، الذي بلغت فيه الأوراق العلمية للمملكة (1686) ورقة علمية، وصل عددالأوراق العلمية عام 2013 م إلى أضعاف ما كانت عليه في عام 2008 م بعدد 7418 ورقة علمية ([11]).
وأورد تقرير لتومسون أندرويترز صدر في نهاية 2013م، أن عدد طلبات براءاتالاختراع التي أودعتها السعودية وتم تسجيلها في مكاتبالبراءات الدولية كان عشرة طلبات براءات في عام 2002م، ثم (18) طلب براءةاختراع في عام 2004م، و (23) طلب براءة في عام 2006م، و(38) طلب براءةفي العام الذي يليه 2007م، وفي عام 2008م بعد أن تم البدء في تنفيذالخطة الخمسية الأولى للعلوم والتقنية والابتكار، بالتعاون مع وزارةالاقتصاد والتخطيط، والعديد من الجهات والجامعات بالمملكة، وصل عدد طلباتالبراءات إلى (56) طلب براءة اختراع ، ثم (78) طلب براءة في عام 2009 م،وأخيرًا في عام 2013 م وصل عدد طلبات البراءات ما يقارب ثلاثة أضعاف، حيثبلغت ( 170 ) طلب براءة اختراع في عام واحد(([12].
وعلى مستوى التفوق العلمي أعلنت مجلة "مسلم ساينس" Muslim-Science ومقرها المملكة المتحدة، عن قائمةأهم 20 امرأة في العلوم الأكثر نفوذًا وتأثيرًا في العالم الإسلامي Twenty Most Influential Women in Science in Islamic World، هي مجلة متخصصة فيالعلوم والتكنولوجيا في العالم الإسلامي ومن خلال مجلسخبراء دولي عالي المكانة العلمية، وشملت القائمة بجانب النساء المسلماتالأكثر نفوذًا وتأثيرًا في مجالات: الفيزياء، البيولوجي، الكيمياء، الهندسة،الرياضيات، والعلوم الاجتماعية. وتغطي القائمة جغرافيًا أقاليم ودول: العالم الإسلامي كله، شاملة، جنوب شرق آسيا، جنوب ووسط آسيا، منطقة الخليجالعربي، دول المغرب العربي وشمال إفريقيا، ودول أمريكا الشمالية ([13]).
رابعًا: مؤشرات النهضة الإعلامية:
تشكل وزارة الثقافة والإعلام أولى المؤسسات الحكومية المعنية بالإعلام، وتعد إدارة المطبوعات والمخابرات التي أنشئت عام 1345هـ، أول جهاز حكومي يشرف على النشر والمطبوعات ومراقبتها([14])، وهي النواة الأولى لوزارة الثقافة والإعلام، وكانت تتبع مديرية الشؤون الخارجية، ثم وزارة الخارجية. وظلت هناك مدة تزيد على عشرين عامًا، وإن تغير اسمها إلى قلم المطبوعات، وفي عام 1374هـ، أنشئت المديرية العامة للإذاعة، وكانت تابعة لمجلس الوزراء مباشرة([15]).
لكن البداية الحقيقية للتنظيم الإعلامي الرسمي بدأ مع نشأة المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر التي نص مرسوم تأسيسها على توحيد الإشراف على جميع الخدمات والنشاطات الإعلامية الحكومية والأهلية فيهاوفي عام 1382هـ تحولت المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر إلى وزارة الإعلام([16]).
ويمكن القول أن للسعودية سياسة إعلامية واضحة المعالم، تحدد على ضوئها المبادئ والأسس والضوابط التي تستند عليها وسائلها الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، إنها عن طريق هذه السياسة المستندة في جوهرها على المبادئ الإسلامية يمكن أن تساعد على التزام الوسائل الإعلامية في رسائلها وتوجهاتها بالقيم الإسلامية الإنسانية الرفيعة، وبالتالي تقلل من عوامل التناقض الحاصل بين الأهداف والوسائل التي تشهدها الساحة الإعلامية في هذا العالم الذي نعيشه.([17])
وقد تضمنت السياسة الإعلامية بنودًا عدة، يمكن أن نستقي منها أفكارًا لبرامج إعلامية ثقافية، تحمل التوجيه والتثقيف الاجتماعي، والتعريف بتاريخ الوطن وجغرافيته وثقافته وتثري وسائل الإعلام وتعمق محتواها بربطها بالأهداف السياسية العامة للدولة في غاياتها وتطلعاتها.([18])
لقد تضمنت السياسة الإعلامية بشكل خاص عددًا من المواد التي تحمل معان معينة إعلامية وثقافية وفكرية يتم التأكيد عليها بوضوح أكثر وهذه الأفكار هي:الحث على الارتقاء بالإنتاج الإعلامي، وتأهيل الكفاءات وإعدادها، وضرورة إجراء البحوث والدراسات الإعلامية ([19])، وتلبية احتياجات المثقفين ثقافة عالية بإنتاج البرامج رفيعة المستوى تناسبأذواقهم ([20])، والتأكيد على أن حرية التعبير مكفولة في إطار الأهداف والقيم الإسلامية والوطنية.([21])
وقد رصدت التقارير أنه رغم هذه الحالات إلا أن التعديلات الجديدة على قانون الإعلام فتحت الطريق لإصدار الصحف للمواطن بشرط الحصول على ترخيص من جهة رسمية وتأسيس شركة، ولا يوجد قيود ولكن يوجد شروط في توفر القدرات فيمن ينوي إصدار صحيفة وتخضع الصحافة والمؤسسات الإعلامية للرقابة حيث توجد لجنتان مشكلتان من عدة جهات لاستقبال الدعاوى المقامة على النشر وأصبح ممنوع نشر الأخبار الدينية التي ليس لها مصدر أو تضر بالأمن الوطني أو تدعو إلى الطائفية أو المذهبية، حماية للأمن الوطني والحفاظ على أمن الدولة في الداخل والوحدة الوطنية وعدم الإساءة إلى الأديان ومنع المساس بهيبة الحكام.
ويوجد نظام للطباعة والنشر يتضمن في بعض فقراته معايير وقيم لأخلاقيات الممارسة المهنية، كما حدثت تعديلات جوهرية في التشريعات الصحفية بحيث أصبح هناك إلزام للصحفيين بالتسجيل في عضوية هيأة الصحفيين قبل ممارستهم للعمل الصحفي، وهى تعديلات إيجابية تزيد من هامش حرية الرأي والتعبير بالنسبة للصحف والصحفيين، وقوانين تضمن وجود تعددية صحفية تمثل درجة من التنوع الحقيقي .
ويرى البعض أن عام 2013م يمثل منطلقًا جيدًا للصحافة السعودية، فقد استمر حراك التطور والتحديث وتكريس المهنية والاحترافية في أوساط العاملين في الصحافة السعودية والتي واكبت الاتجاهات الجديدة في الصحافة العالمية وما أحدثته ثورة تكنولوجيا المعلومات من تطور كبير في العملية الصحفية وآلياتها وأساليبها
لقد شهدت الصحف السعودية خلال العام2013 اتساع هامش الحرية في تناول مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتعزيز منهج الانفتاح والحوار والنقاش، وحيوية وأهمية الموضوعات التي يتناولها الصحفيون والكتاب دون قيود إلا ما يتصادم مع مبادئ وتعاليم الشريعة والقيم الأخلاقية للمجتمع .
وهو ما يبرر أن عدد الصحف الإلكترونية في المملكة في حدود2000) ) صحيفة المسجل منها رسمياً (600) صحيفة ، وعدد المنتديات أكثر من5000) ) منتدى ، وأن معظم المواقع الإلكترونية مستضافة من خارج المملكة بنسبة (97%). وفي أواخر عام 2013م تم تشكيل جمعية للنشر الإلكتروني تجرى الاستعدادات لتشكيل جمعيتها العمومية وانتخاب مجلس إدارة لها .
كما أن الصحافة السعودية قد حققت مزيدًا من المكاسب خلال عام 2013م على صعيد تقنين أنظمة ولوائح العمل الصحفي وآليات المحاسبة في حال المخالفات، وقد أصبحت هذه الإجراءات من صميم عمل هيأة الصحفيين السعوديين التي أنشئت بغرض الارتقاء بمهنة الصحافة والدفاع عن حقوق الصحفيين، وأصبحت الهيأة شريكًا فاعلاً في صياغة القوانين التي تتعلق بمهنة الصحافة، بحيث أصبح للصحفيين صوت مسموع في هذه القوانين، وأصبحت مخالفات الصحفيين مثلاً تُنظر أمام لجنة متخصصة بدلاً من المحاكم العامة، ومن ثم ما زالت جهود الهيأة تتواصل على صعيد التنظيم وتنقيح القوانين واللوائح لتحسين بيئة العمل الصحفي، وإذا كان الصحفيون يتعرضون للقتل والخطف والسجن والتعذيب في مناطق كثيرة في هذا العالم فإن المملكة العربية السعودية لم تسجل أبدًا أي حادث قتل أو سَجن أو تعذيب لصحفي وحتى الصحفيين والكتاب الذين أوقفوا عن الكتابة لفترات مؤقتة، كان ذلك بسبب أن كتاباتهم تصادمت مباشرة مع مبادئ شرعية أو شكلت تهديدًا للوحدة الوطنية. وعلى مستوى مجتمع الصحافة السعودية يدرك الكثيرون أن سقف حرية التعبير يرتفع مع مشاركة أوسع للمرأة والشباب في المجالات الإعلامية والصحفية.
خامسًا: النهضة الثقافية والعلمية: تقييم وتوصيات:
تعد النهضة الثقافية المعاصرة في المملكة محاولة لإعادة بلورة تجاور الأصالة والتجذر التاريخي للقيم والأعراف مع انفتاح مستنير جاد على الإنجازات الإنسانية في كافة المجالات. ولعل الدارس لبواكير النهضة الثقافية الحديثة في الحجاز ونجد في النصف الأول من القرن العشرين يلحظ ذلك وبقوة. فلقد كانت أفكار المبدعين من شعراء وأدباء بشكل عام تعبر عن رغبة أكيدة في استعادة درو ريادي، والتأكيد على أن هذا الدور ممكن التحقيق.
ولعل الخطاب الثقافي المعاصر المنتظر يسعى إلى تجذير أصالة مؤكدة على انفتاح وعالمية الخطاب الذي صدر من مكة، وأن يلبسها إطار الوحدة في التنوع والتعدد والتسامح في قبول الاختلاف، كما تجده في مواسم الحج التي تستضيف كل جديد ونافع، في أيام التقاء المسلمين من كل مكان، من أجل تعميق التعارف. ويقتضي التعارف القبول بالآخر وتقديم التراث والعمل في حلة مناسبة. ومن ثم انفتاح الثقافة المرجوة في قدرتها على كسب عقول وقلوب الآخرين. ومن هذا المنطلق يصبح من هموم الخطاب الثقافي الذي نتطلع إلى حضوره، أن يكون مميزًا في خصوصيته، ويحمل هم العلمية المنتظرة لما يجسده المكان والتاريخ الذي انطلق منه.
وهنا تبرز عدة ملاحظات أساسية:
1ـ إن العالم ينظر إلى المملكة العربية السعودية، مهبط الوحي وأرض الرسالة وذات الوضع الاقتصادي المتميز أن يكون خطابها الثقافي على المستوى نفسه الذي تتمتع به في المجالات الأخرى. وبناءً على هذا، يجب أن يكون للثقافة السعودية رسالة عربية إسلامية عالمية، ومشروع حضاري يؤكد على الأصالة، ويلعب دورًا رياديًا في عملية تقديم المعرفة النافعة والمنفتحة على الحكمة والرؤى الإنسانية انطلاقًا من أن كل ما هو مفيد ونافع هو إرث لهذه الحضارة. وحتى يمكن القيام بهذا الدور، لا بد من تسخير الإمكانيات التي تتمتع بها المملكة في نشر أنواع مختلفة من المشروعات الثقافية المتميزة في شكل سلاسل كتب وموسوعات، والعناية بالفنون والآداب العربية والإسلامية والعالمية، وتشجيع انتشار المراكز والمؤسسات الثقافية التي من شأنها دعم كل ما هو ثقافي داخل إطار رسالة الأصالة المنشودة ([22]).
2ـ إنه باستثناء المؤسسات الإعلامية المرئية منها والمقروءة، فإن غالبية المؤسسات الثقافية في السعودية لا تحظى بأي مردود مادي تستطيع من خلاله الاستقلالية التامة عن مؤسسات الدولة. كمراكز البحث العلمي والأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون وغيرها مما لها صلة بالشأن الثقافي من قريب أو من بعيد كلها تعتمد على مخصصات الدولة من الميزانية السنوية، مما يشكل عبئًا على الدولة من الناحية المادية، ويمكن تصعيد هذه الحالة الثقافية إلى مستويات أعلى في الجامعات التي كان من المفترض أن يشكل البحث العلمي فيها موردًا أساسيًا لقيام المؤسسات التعليمية الجامعية المستقلة.
3ـ على مستوى المؤسسات التعليمية والجامعية والثقافية في السعودية، لا توجد تقارير لمعدلات البحث العلمي، كما لا يوجد وصف لمدى القيمة المعرفية للبحوث في تلك المؤسسات، ففي الجامعات والأندية الأدبية، كمثالين للمؤسسات البحثية والثقافية، هناك عدد لا بأس به من الإنتاج الثقافي، بغض النظر عن قيمة هذا المنتج من الناحية العلمية والثقافية، إلا أن هذا الإنتاج لا يحقق مردودًا ماديًا على المؤسسة التي أنتجته أو حتى على الباحث، إلا فيما ندر.
4ـ تمثل الفنون مجالاً آخرًا من المجالات الثقافية التي يمكن من خلالها تعزيز القيمة التنموية للثقافة، إلا أنها لا تحظى بذلك الاهتمام الذي يستحق. السينما مثلاً تتحقق فيها ثنائية التنمية والثقافة بوصفها مجالاً ماديًا وثقافيًا يتحقق من خلالها عامل الاستثمار فيها من الناحية الاقتصادية، كما يتحقق فيا الجوانب الثقافية، لكن ـ وهذا من المفارقات الكبيرة في الثقافة السعودية ـ فمازالت السينما ممنوعًا عرضها حتى داخل المؤسسات الثقافية النخبوية.
5ـ لم يتم الاستثمار في المجال الثقافي إلا في جوانب ضئيلة لا تحقق للثقافة عمليتها التنموية، بل كان التفكير يدور في إطار دعم التنمية للمجال الثقافي ([23]).
([1]) فيصل بن سعود. المجالس المفتوحة. المفهوم الإسلامي للحكم في سياسة المملكة العربية السعودية، الرياض. مكتبة العبيكان،1422 ص99.
([2]) عبداللّه الشهراني. المملكة العربية السعودية ومائة عام من الإنجازات، الرياض، المؤلف، 1420هـ، ص58.
([3]) محمد بن إبراهيم السيف. المدخل إلى دراسة المجتمع السعودي، الرياض، دار الخريجي للنشر والتوزيع، 1408هـ، ص81.
([4]) محمد الجاسم، مقدمة اقتصاديات المملكة العربية السعودية، (القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية، 1972م)، ص97 و105
([5]) محمد الجاسم، مقدمة اقتصاديات المملكة العربية السعودية، المرجع السابق، ص105.
([6]) السيد علي شطا. دراسات في المجتمع السعودي، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة للنشر والتوزيع 2005م، ص86.
([7]) وزارة المالية، التاريخ الاقتصادي، مرجع سابق، ص256.
([8]) من هؤلاء تأتي د. أمل شطا، ورجاء عالم، وفوزية أبو خالد، وهدى الدغفق، وابتسام الباحوث، وخديجة العمري وأشجان هندي ولطيفة قاري، وسلطانة السديري، وفاطمة القرني، وثريا العريض، شريفة الشملان، وفوزية الجار الله، وفوزية البكر، ورقية الشبيب، وليلى الأحيدب، ونجوى هاشم، وقماشة السيف، وأميمة الخميس، وبدرية البشر، وفاطمة العتيبي، ونورة الغامدي، ووفاء الطيب، وفي الساحة الأدبية النقدية هناك د. سعاد المانع، وحصة إبراهيم في ترجمة القصص القصيرة، ولولو بقشان في ترجمة الشعر.
([9]) عبداللّه الحقيل، توحيد المملكة، مرجع سابق، ص87.
([10]) محمد بن عبد الرحمن الخميس، عناية الملك عبد العزيز بالعقيدة السلفية، مرجع سابق ص244
([11]) كشف تقرير "تومسون أند رويترز " حول عدد الدراسات البحثية التينشرت خلال عام 2013 م من قبل الدول الرائدة في مجال الأبحاث ونسبة كل بلدمن الأبحاث الأكثر استشهاداً في العام 2013 م مقارنة بالعام الذي قبله، وجاءت المملكة العربية السعودية جاءت بنسبة(33.1)، تلتها جمهورية الصينالشعبية بنسبة(13.4) ثم البرازيل بنسبة (8.9)، ثم جمهورية كورياالجنوبية بنسبة(7.6)، بعدها جمهورية الهند بنسبة (4.8)، وجاءت الولاياتالمتحدة الأمريكية بنسبة (1.4)، واحتلت اليابان المرتبة السابعة بانخفاضقدره (0.3).
([12]) يذكر أن التطور في مجال البحث العلمي يقاس بمقدار حجم النشر العلمي منخلال عدد الأوراق والبحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية المرموقةالتي يغطيها معهد المعلومات العلمية وتعتمدها المنظمات الدولية في رصدهاومقارناتها لمراكز الدول وترتيبها في القضايا العلمية بالإضافة إلى براءاتالاختراع ومنتجاتها.
([13]) تضمالقائمة 3 مراحل زمنية حسب التقسيم،وجاء ضمن قائمة أهم 20 إمرأة في العلوم الأكثر نفوذا وتأثيرا في العالمالإسلامي، البروفيسور سميرة إبراهيم إسلام (سعودية الجنسية)، عضومجلس إدارة المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا ورئيس وحدة قياس الأدويةبمركز الملك فهد للبحوث الطبية بجامعة الملك عبد العزيز بالسعودية، فهي أول سعودية تحصل علىدرجة الدكتوراه في المملكة، وأول سيدة عربية ومسلمة تحصل على جائزةاليونسكو للمرأة والعلوم، وهي مستشارة إقليمية بمنظمة الصحة العالمية WHO في برنامج الأدوية. أنظر: النص متاح على الرابط: http://hournews.net/news-26618.htm
([14]) عثمان حافظ، تطور الصحافة، مرجع سابق، ص33-105.
([15]) عبد الرحمن الشبيلي، الإعلام، مرجع سابق، ص54.
([16]) محمود عزت، وسائل الإعلام، مرجع سابق، 378.
([17]) إبراهيم شجر، النظام الإعلامي، مرجع سابق، ص227، بتصرف.
([18]) الشبيلي، الإعلام، مرجع سابق، ص50.
([19]) السياسة الإعلامية، مرجع سابق، المواد 13، 25، 28.
([20]) السياسة الإعلامية، مرجع سابق، المادة 4.
([21]) السياسة الإعلامية، مرجع سابق، المادة 26. وراجع ايضاً نظام المطبوعات والنشر، مرجع سابق، ص181.
([22]) أبوبكر باقادر، مستقبل الثقافة في المملكة العربية السعودية إلى أين؟، موقع القافلة الإلكتروني.
([23])شتيوي الغيثي، الثقافة السعودية وسؤال التنمية، صحيفة الشرق القطرية، عدد 3/1/2014